نزيف على مقصلة الصمت
فاكية صباحي
إني هنا..
ياقصـــــــةً قــــــــــــبل البدايات انتـــهتْ
إني هنا ..
أنّــاتُ روحٍ بالــــــمنافي غُـــــــــــــرِّبتْ
إني هنا..
دربُ الربـــــــــــــيعِ إلـــى الــــــــــحياةْ
صـــــدري يُخــــــــــبئُ لــــــــــــوعةً
ما قد تبوحُ به تسابيحي وأدعية ُالصلاةْ
إني هنا..
صمتا أُكــــــبـِّــرُ بين قضبانِ الطـغاةْ
والنايُ لحنٌ نازفٌ أضناهُ دمعُ الأغنياتْ
يا كلَّ من كفنتهُم بيدي وحَرِّ قصائدي
بين البيوت ْ..
يا كلَّ من شربوا هنا دمعَ الــــــثرى
والرزءُ قوتْ..
تعبت خطايَ ..ورغم أوجاعي أتـــيتْ
كي أستعيدَ الشمسَ من حضــــنِ الأفــولْ
يا كلّ أحبابي الذين هنا امتطوا غمر الرحيلْ
عبثًا ألوِّحُ للنوارس وابتســـــامات الحقولْ
عبثا أفـرُّ كما الزهور من الذبول إلى الذبولْ
عبثا أعيد السنبلات بســـحرها بين الطُّلولْ
تعِبَ التعبْ..
ياجذوةً بالقلبِ من عمر الأحبةِ تحتطبْ
تعبَ السفرْ..
ملّتْ مراكبُـنا شراعًا قـُــدَّ من وجع البشرْ
كم لا.. ولا.. حُبــــــلى بصدري تنتظر !!
كم لا ..ولا ..
بين المساءاتِ الحزينةِ ترتـــــدي ثوب الحذرْ
تعبتْ جراحي من نـــــزيفٍ صامتٍ
بين المـــــــــــقاصلِ و الحــــصونْ
وأنا هنا زخَّاتُ صبحٍ هاربٍ خوفَ العيونْ
والدربُ جمرُ الغدر تنتعلُ الخطى يا نهرَ دجلة والفراتْ
زعموا بأنّا الخـــــائنونَ مدى الحياةْ
زعموا بأنَّا القابـــــعونَ مع الرفاتْ
وأنا الغـــــــــــــــــريبةُ كم يُبعثرني المحالْ
أَوَكلما وقّعتُ خارطةَ َالطريقِ على الرمالْ
كي يستدلّ بها هنالك نبضُ قلبي المنكسِرْ
هبَّ الظلامُ مبعثرا ريحَ القطيعةِ بالدروبِ لتنمحي
خلفي المعالمُ والأثــــــــــرْ
كي لا أعودَ إلى الأحبةِ بالسنابلِ والمطرْ
فإلى متى هذا الحصارْ..؟
وإلى متى يبقى يُبعثرنا الدمارْ..؟
وإلى متى تبقى تغربنا الحدود ْ؟
والنار تأكلُني هشيمًا والأحبةُ ينزفون تمزقا خلف الجحودْ
والمدلجونَ الحالمونَ سدىً بشتـْلاتِ الرغيفْ
عبر الضفاف يلوِّحونَ كما الطيوفْ
وعلى مدى الأبصارِ بالنارِ استوَتْ كلُّ السيوفْ
لبس الربيعُ كبلبلٍ وكرَ الغروبْ
والريح ُكالطوفان بندٌ وقعتهُ يدُ الليالي المظلماتِ مع الهبوبْ
فمتى تهيم زوارقي صوب الجنوبْ..؟!
ومتى سنُخمدُ بيننا هذا اللهيبْ..؟!
ومتى بصوت واحد يشدو العربْ:
إنا هنا إسلامُنا لَهـْو النسبْ..
لاشيء يرجعُ عزنا إلا التكاتفُ والغَضبْ..؟
يا قصةً بالدرب تكتبُها الدماءْ
كل المطاراتِ التي دوّنتُها سِرًّا على صدر الهويةِ
قبل أن يغفو الضياءْ
ذابت كصبح بين أهوالِ المساءْ
واليمُّ يعبث بالغريبةِ في مهبّاتِ الشقاءْ
مذ أرهقتْني رحلتي ..
وقرأتـُـني رقمًا على خط العبورْ
يرميه سهمًا للسُّرى قوسُ الهجيرْ
دعني أودِّعُ موطني يا أيها القناصُ أو أسقي دمائيَ للغديرْ
دعني أوقع بعضَ أسراري هنا
فلقد دنا يوم المصيرْ
ومضى السفينُ مضرَّجا للبحر يحكي كلَّ أوجاع الدهورْ
عبثا أحاولُ أن أقومْ
والذكرياتُ توَسدُ القلب المعنىَّ بالهمومْ
والليل ياذا الليل كم قد يستبيحُ على الملاَ ..
جرحَ السقيمْ..
عبثا أحاول أن أُلوّح للربى خلفَ العُبابْ
والكفُّ أوهنها الصقيعُ كما الخطى
والقلبُ أضناه العذابْ
والروح تصرخُ بالفلا
أين الأحبةُ و الصحابْ..؟
من ذا الذي يصغي إلى صوت الحمام المشتكي
فوق القبابْ؟
أو يحتسي كأس المنافي بين أهوال الضبابْ..؟
من ذا الذي قد يمسحُ الدَّمع الغريب إذا هنا ..
حنَّ الترابُ إلى الترابْ..؟
ظمئتْ خطاي إلى الرجوع ْ
إذ لا دليل ينيرُ دربيَ غير غُصاتِ الدموعْ
فمتى أعود مع السلام إلى النجودْ
وهنا استباحوا رغم أناتي دمي
وعلى بقايا معصمي..
قد وقعوا إسم القضيةِ بالحديدْ..؟ !
يا كلَّ أوجاعي التي ما إن هنا خبأتُها صوب العِدى
حتى هنالك للمدى فاضتْ بها كأسُ القصيدْ
عبثا أحاول أن توسدَني الوعودْ
وإلى المدائن صدّني وهن ٌ مُسجّى بالقيودْ
فمن الذي يُنسي السواقي والحدودْ
وطني الذبيحُ من الوريدِ إلى الوريدْ..؟ !
إني هنا..
والعمرُ عهدٌ صاخبٌ مني سرى
جمرا بأنفاس الثرى كي يشتعلْ
ولسوف أبقى ثورة بين الربى..
يا بدر أوطاني إذا لم تكتملْ
إني هنا ..
ياقصةً قبل النهايات ارتدتْ ثوب الخلودْ
ما ضرَّني جرحي القديمُ وإنما..
ما سطرتهُ مواجعا أيدي الشهودْ
من أجمل ما قرأت بعد الثانية عشرة إلا أملا