كان وأخواتها(1)
كان وأخواتها: أفعالٌ ترفع المبتدأ وتنصب الخبر. فيسمّى المبتدأ اسماً لها، ويسمّى الخبر خبراً لها، نحو: [كان خالدٌ مريضاً]. والأفعال الناقصة زمرتان: [كان وأخواتها] و[كاد وأخواتها]. فدونك ذلك:
1- الزمرة الأولى، كان وأخواتُها:
- منها ثمانٍ، هي: [كان، صار، أصبح، أضحى، أمسى، ظلّ، بات، ليس]. ليس لأحدها شرطٌ مقصورٌ عليه وحده(2).
- و[مادام]: وشرطها أنْ تسبقها [ما] المصدرية الظرفية، ويكون التأويل [مدّة دوام]، نحو: [أكرمه مادام مجتهداً = مدّة دوامه مجتهداً].
- و[ما برح، ما زال، ما فتئ، ما انفكّ]. وشرطها أن تسبقها أداة يصلح استعمالها للنفي، نحو: [ما زال خالدٌ مسافراً] و[لسنا نبرح نحترمك](3).
أحكامٌ ذات خطر:
¨ إن استُعمِل الناقص بمعنى التامّ، عُدَّ تامّاً، نحو [سأزورك غداً حين نُصبح، وأفارقك حين نُمسي](4). والعكس صحيح، فالتامّ إن كان بمعنى الناقص، عُدَّ ناقصاً، نحو: [عاد الحزنُ فرَحاً](5).
¨ يعمل الناقص سواء كان صفة (أي: مشتقّاً) أو فعلاً أو مصدراً نحو: [لستَ زائلاً محترماً (صفة)، فكُنْ مجتهداً (فعل)، فكونك كسولاً يُزري بك (مصدر)].
¨ قد يتقدّم خبر الأفعال الناقصة، عليها، وعلى أسمائها أيضاً، نحو: [غزيراً أصبح المطر، وأصبح غزيراً المطر]. ولكن يستثنى من ذلك [ليس] وما يقترن بـ [ما] فإن الخبر يتقدَّم على أسمائها فقط، ولكنْ لا يتقدّم عليها هي نفسها، فلا يقال مثلاً: [غزيراً ليس المطر]، ولا [أُكرِمُ زهيراً مجتهداً ما دام].
خصائص [كان]
تمتاز كان (بصيغة الماضي) من أخواتها بأمور، إليكها:
¨ قد تدلّ على الاستمرار والثبوت، نحو: ]إنّ الله كان عليكم رقيباً[.
¨ قد تزاد بين لفظين متلازمين، كالجارّ والمجرور، والصفة والموصوف، والمتعاطفين... وقد أوردنا أنماطاً من ذلك في [النماذج الفصيحة] فانظرها هناك.
¨ يكثر حذفها هي واسمها، بعد أداتين شرطيتين هما: [إنْ] و[لو]، كنحو قولك: [زهيرٌ ممتدَحٌ إنْ حاضراً وإنْ غائباً] و[اِلتمسْ ولو خاتماً من حديد](6).
· إذا جُزِم مضارعها بالسكون، جاز حذفُ نونه، نحو: [لم يكنْ مقصِّراً = لم يكُ مقصِّراً].
فائدة: في هذا البحث تركيب مهمَل، نورده لمن يريد استعماله والصوغ على قالبه، هو: [اِفعَلْ هذا إمّا لا]، ومعناه كما قالوا: اِفعلْه إن كنت لا تفعل غيرَه.
2- الزمرة الثانية، كاد وأخواتها:
ويُسمونها: أفعال المقاربة(7) وهي:
[كاد وأوشكَ: للمقاربة]، و[عسى: للرجاء]، و[جَعَلَ وطفِق وأخذ وأنشأ: للشروع](.
وهي جميعها ترفع الاسم، وتنصب الخبر، كشأن سائر أخوات [كان]. غير أن أفعال المقاربة هذه تتفرّد بأنّ أخبارها لا تكون إلاّ أفعالاً مضارعة.
فأما المضارع بعد [كاد وأوشك وعسى]، فيجوز نصبه بـ [أنْ] ويجوز عدم نصبه بها، نحو: [كاد زهيرٌ أن يفوز = كاد زهيرٌ يفوز].
وأما المضارع بعد: [جعل وطفق وأخذ وأنشأ] فيمتنع نصبه بـ [أن] قولاً واحداً، نحو: [أخذ زهيرٌ يدرس].
حُكْمان:
· إذا جاءت أفعال المقاربة في الاستعمال، بمعنى التامّة، عُدَّت تامّة. فالفعل: [كاد] من قولك مثلاً: [كاد العدوّ لعدوّه] تامّ، لأنه من الكيد والمكيدة.
· تُعَدّ [عسى] تامّةً ترفع فاعلاً، إذا تجرَّدَت من اسم لها، ظاهر أو مضمر، نحو: [عسى أن نسافر]، ويكون المصدر المؤوّل من [أنْ والمضارع] فاعلاً لها.
* * *
نماذج فصيحة من استعمال الفعل الناقص
1- نماذج كان وأخواتها:
· ]وأوصاني بالصلاة والزكاة مادمتُ حيّاً[ (مريم 19/31)
[مادام]: شرط إعمال هذا الفعلِ عمل [كان]، أن تتقدّمه [ما] المصدرية الظرفية، ويكون التأويل: [مدّة دوام]. وهو ما تراه متحققاً في الآية، فـ [مدّة]: هو الظرف، و[دوام] هو المصدر، والتأويل: [وأوصاني بالصلاة والزكاة مدّةَ دوامي حيّاً]. فالاستعمال إذاً في الآية على المنهاج. والتاء: اسم [مادام]، و[حيّاً]: خبرها.
· ]إنّ الله كان غفوراً رحيماً[ (النساء 4/23)
[كان غفوراً]: من خصائص [كان] أنها - وإن كانت ماضويّة الصيغة - قد تدلّ على الثبوت والاستمرار، فتتجرّد من الدلالة الزمنية، فيكون زمانها متصلاً بغير انقطاع. وهو ما تراه في الآية، فإنّ المعنى: كان الله وما زال وسيظلّ غفوراً. ومنه قوله تعالى: ]كنتم خيرَ أُمَّةٍ أُخرجَت للناس[ (آل عمران 3/110)
· قال امرؤ القيس (الديوان /32):
فقلتُ يمينُ الله أبرح قاعداً ولو قطعوا رأسي لديكِ وأوصالي
[أبرح]: أحد أربعة أفعال هي [برح، زال، فتئ، انفكّ]، شَرْطُ إعمالها عملَ [كان]، أن يسبقها نفيٌ بـ [ما] أو غيرها، نحو: [لا ينفكّ يزورنا، وما نزال نرحّب به]. ولقائل أن يقول: إنّ فعل: [برح] في بيت امرئ القيس، قد عمل فنصب الخبر: [قاعداً]، ولم يسبقه نفي!! والجواب أنّ أداة النفي يجوز أن تُحذَف وتُقدَّر، إذا جاءت بعد قسَم، وذلك ما تراه في البيت. والأصل: [يمين الله لا أبرح قاعداً]. وقد جاء مثلُ ذلك في التنْزيل العزيز: ]قالوا تاللهِ تفتأ تذكر يوسف[ (يوسف 12/85). فـ [تالله] قسَم، وقد حُذِفت أداة النفي بعده وهي [لا]، على المنهاج. والأصل: [تالله لا تفتأ].
· ]لن نبرح عليه عاكفين[ (طه 20/91)
[لن نبرح]: هاهنا أداة نفي هي: [لن]؛ وتقدُّمُ النفي على الأفعال الأربعة: [برح، زال، فتئ، انفكّ] شرْطٌ في إعمالها عمَل [كان]، وعليه فإنّ [عاكفين] خبر [نبرح] منصوب على المنهاج. وفي الآية دلالة على أنّ النفي يكون بـ [ما] وغيرها، وهو هنا [لن]. ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: ]ولا يزالون مختلفين[ (هود 11/118) فهاهنا فعلٌ ناقص هو [يزال]، واسمه واو الضمير في محل رفع، وخبره [مختلفين] منصوب. وذلك أنّ شرط إعماله عمَلَ [كان] قد تحقق، إذ تقدّمه نفيٌ.
· ]وكان حقّاً علينا نصْرُ المؤمنين[ (الروم 30/47)
[حقّاً]: خبر كان، مقدّم على اسمها، منصوب. واسمها مؤخر هو [نصرُ...]. والإجماع معقود على أنّ الأفعال الناقصة جميعها، يجوز أن تتقدّم أخبارُها على أسمائها، ومنه هذه الآية. بل يجوز أيضاً أن تتقدّم هذه الأخبار على الأفعال الناقصة نفسها، (ما عدا [ليس]، والأفعالَ التي تقترن بها [ما]، فلا يجوز أن تتقدّم أخبارها عليها). وعلى هذا، إنّ تقدّم خبر كان على اسمها، في الآية التي نحن بصددها، جاء على المنهاج.
· قال السموأل (شرح ابن عقيل 1/273):
سَلِي إنْ جهلتِ الناسَ عنّا وعنهمُ فليس سواءً عالمٌ وجهولُ
[سواءً]: خبر الفعل الناقص [ليس]، منصوب. وقد تقدّم على الاسم وهو: [عالمٌ]، إذ الأصل قبل التقديم والتأخير: [ليس عالمٌ وجهولٌ سواءً]. وقد جاء تقدّمُ الخبر، على المنهاج، إذ الأفعال الناقصة يجوز كما قلنا آنفاً، أن تتقدّم أخبارها على أسمائها، بل يجوز أن تتقدم أخبارها عليها نفسها أيضاً. وإنما الذي لا يجوز، هو أن تتقدّم هذه الأخبار على [ليس] والأفعال التي تقترن بـ [ما].
· ]فسبحان الله حين تُمسون وحين تُصبحون[ (الروم 30/17)
[تمسون وتصبحون]: فعلان لفظهما لفظ الناقص، ومعناهما معنى التامّ، ومن ثَمّ يُعَدّان تامَّين. وذلك أنّ معنى [تمسون]: تدخلون في المساء، ومعنى [تصبحون]: تدخلون في الصباح. ومتى كان معنى الفعل كذلك، لم يرفع اسماً وينصب خبراً، بل يكتفى بالمرفوع وحده، فيرفعه على أنه فاعل.
وعلى ذلك يقال في إعراب هذين الفعلين: إنهما فعلان تامّان، والواو في كل منهما في محل رفع فاعل. ومثل ذلك قوله تعالى: ]وإنْ كان ذو عُسْرة فنَظِرَةٌ إلى ميسَرَة[ (البقرة 2/280) فإنّ فعل [كان] في الآية فعلٌ تامّ يكتفي بمرفوعه، أي يكتفي بفاعله، وهو كلمة [ذو]. لأن معناه: إنْ وجِد ذو عسرة؛ ولو أنّ الفعل هنا كان فعلاً ناقصاً لقيل: [فإن كان المدينُ ذا عسرة فـ.....] !!
· قال الشاعر (شرح ابن عقيل 1/269):
وما كلُّ مَن يُبدي البشاشة كائناً أخاك، إذا لم تُلْفِهِ لكَ مُنْجِدا
[كائناً]: اسم فاعل مشتقّ من الفعل الناقص [كان]، وقد عمل عمله، فاسمُه ضمير مستتر (هو)، وخبره [أخاك]. وذلك أنّ الأفعال الناقصة بصيغها الثلاث: الماضي والمضارع والأمر، وما يُشتَقّ منها، ومصادرها أيضاً، ترفع الاسم وتنصب الخبر. وبتعبير آخر: ليس العمل مقصوراً على الفعل الناقص وحده، بل يعمل هو وصفته (أي: المشتقّ منه) ومصدره. ودونك من هذا أمثلة:
· ]فقلنا لهم كونوا قِرَدَةً خاسئين[ (البقرة 2/65)
[كونوا]: فعل ناقص، في صيغة الأمر. وواو الضمير اسمه، و[قِرَدَةً] خبره. ومثله طِبقاً الآية: ]كونوا حجارةً[ (الإسراء 17/50)، فالواو اسمه، و[حجارةً] خبره.
· قال الحسين بن مُطَيْر:
قضى اللّهُ يا أسماءُ أنْ لستُ زائلاً أحبّكِ حتى يُغمِض الجفنَ مُغمِضُ
[زائلاً]: اسم فاعل مشتقّ من الفعل الناقص [زال - يزال]، وقد تحقّق له شرط العمل، إذ سُبِق بـ [ليس]، وهي تفيد النفي. فاسم [زائلاً]: الضمير المستتر [أنا]، وخبره جملة [أحبّكِ]. ولقد قدّمنا آنفاً، أنّ المشتقّ من الفعل الناقص يعمل عملَه.
· قال الشاعر:
في لُجَّةٍ غَمَرت أباكَ بُحورُها في الجاهليّة - كان - والإسلامِ
[كان]: أتى بها الشاعر زائدةً بين لفظين متلازمين، هما المعطوف والمعطوف عليه.
· وقال الآخر (شرح ابن عقيل 1/291):
جِيادُ بَني أبي بكرٍ تَسامَى على -كان - المسوَّمةِ العرابِ
[كان]: أتت في البيت زائدة بين لفظين متلازمين، هما الجارّ والمجرور.
· وقال غيرُه:
ولبستُ سربالَ الشباب أزورُها ولَنِعْمَ - كان - شبيبة المحتالِ
[كان]: أتى بها الشاعر زائدةً بين لفظين متلازمين، هما نِعْمَ وفاعلها.
· وقال آخر:
في غُرَف الجنّة العُليا التي وَجَبَتْ لهمْ هناك بسعيٍ- كان - مشكورِ
[كان]: جيء بها زائدةً في البيت، بين لفظين متلازمين، هما الصفة والموصوف.
· قال الشاعر:
فإنْ لم تَكُ المرآةُ أبدَتْ وَسامةً فقد أبدَتِ المرآةُ جبهةَ ضيغَمِ
(الضيغم = الأسد). [لم تكُ]: هاهنا نونٌ محذوفة. والأصل قبل الحذف: [لم تكنْ]. وذلك في العربية جائز. والقاعدة أنّ [كان]، يجوز حذف نون مضارعها، إذا كان مجزوماً بالسكون.
· ]لم يكُنِ الذين كفروا... [ (البيّنة 98/1)
ليس في هذه القراءة ما نُدير الحديث حوله، لكنّ للآية قراءة أخرى هي غايتنا. فقد قرئت: [لم يكُ الذين...] بحذف النون. وذلك كما ذكرنا آنفاً، جائز في العربية. فمضارع الفعل الناقص [كان]، يجوز حذف نونه، إذا كان مجزوماً بالسكون.
· قال الشاعر:
ألم أكُ جارَكمْ ويكون بيني وبينكم المودّةُ والإخاءُ
[لم أكُ]: هاهنا فعلٌ مضارعٌ ناقص حُذِفت نونه، وماضيه [كان]. والأصل قبل الحذف: [لم أكنْ]. وذلك جائز في العربية. فمضارع [كان] يجوز حذفُ نونه، إذا كان مجزوماً بالسكون.
· ]ولم أكُ بغيّاً[ (مريم 19/20)
حذْف النون في هذه الآية، مِن آخر الفعل الناقص [أكنْ]، جاء على المنهاج. وليس هاهنا شيء يضاف إلى ما تقدّم من الشرح، في النماذج السابقة. وإنما أوردنا هذه الآية لمزيد من التبيين والتثبيت.
· قال الشاعر (شرح ابن عقيل 1/294):
قد قيل ما قيل إنْ صدقاً وإنْ كذباً فما اعتذارُكَ من قولٍ إذا قيلا
[إنْ صدقاً]: حذَف الشاعرمن الكلام [كان واسمَها]، وأبقى خبرها، والأصل: [إنْ كان المقولُ صدقاً]، وأعاد ذلك طِبقاً في قوله: [وإنْ كذباً]، إذ الأصل: [وإنْ كان المقول كذباً]. ويَكثُر ذلك بعدَ [إنْ] و[لو] الشرطيتين. وترى نموذجاً من هذا الحذف بعد [لو] في قول الشاعر(شرح ابن عقيل 1/295):
لا يَأمَنِ الدهرَ ذو بغيٍ، ولو مَلِكاً جنودُهُ ضاق عنها السهلُ والجبلُ
فقد حذف الشاعر من الكلام [كان واسمها]، وأبقى خبرها فقط. والأصل: [ولو كان ذو البغي ملكاً].
2- نماذج كاد وأخواتها:
· ]لا يكادون يفقهون حديثاً[ (النساء 4/78)
[يكادون]: من أفعال المقاربة، اسمه واو الضمير وخبره مضارع: [يفقهون]، غير مقترن بـ [أن]، ولو لم يكن الكلام قرآناً، واقترن بها لجاز. ومثل ذلك طِبقاً، قولُه تعالى ]فذبحوها وما كادوا يفعلون[ (البقرة 2/71)
· [ما كدتُ أن أصلّي العصر، حتى كادت الشمس أن تغرُب]. (حديث شريف)
[كدت أن] و[كادت أن]: خبر كل منهما مضارع مقترن بـ [أنْ]: [أن أصلي، أن تغرب]. وذلك جائز. ومثل ذلك البيت الآتي:
· قال الشاعر يرثي:
كادتِ النفس أن تفيض عليهِ إذ غدا حشْوَ رَيْطَةٍ وبُرودِ
(الرَّيْطَة: الملاءة إذا كانت قطعة واحدة، ويريد بذلك: الكفن).
[كادت النفس أن تفيض]: خبرُ كاد مقترن بـ [أنْ]، وذلك جائز، كما قدّمنا آنفاً.
· قال الشاعر:
ولو سُئِل الناسُ التُرابَ لأوشكوا - إذ ا قيل: [هاتوا] - أن يمَلّوا ويمنعوا
[أوشكوا أن...]: أوشك من أفعال المقاربة، اسمه واو الضمير، وخبره [أن يَمَلّوا]: مضارع مقترن بـ [أن]. وذلك جائز، كما أنّ عدم اقتران الخبر بها جائز أيضاً.
ومثلُه في اقتران خبر [أوشك] بـ [أن]، قول الشاعر:
إذا المرء لم يَغْشَ الكريهة أوشكت حبال الهُوَيْنى بالفتى أن تَقَطَّعا
[أوشكت]: اسمها: [حبال]، والخبر: [أنْ تقطّع]، مضارع مقترن بـ [أنْ].
· قال أميّة بن أبي الصلت:
يوشك مَن فرَّ مِن منيَّتِهِ في بعض غِرّاتهِ يُوافقُها
[يوشك مَن فرّ يوافق]: اسم يوشك هو [مَن]، وخبره [يوافق]: مضارع غير مقترن بـ [أن]. وجائزٌ اقتران المضارع بها - كما رأيت فيما تقدّم - وجائز أيضاً عدم اقترانه بها، كما ترى في هذا البيت الذي نحن بصدده.
· ]عسى ربُّكم أنْ يرحمكم[ (الإسراء 17/
[عسى... أن]: عسى مِن أفعال المقاربة، اسمُه: [ربّكم]، وخبره [أنْ يرحمكم]: مضارع مقترن بـ [أن]. ومثل ذلك طِبقاً، الآية: ]فعسى الله أن يأتي بالفتح[ (المائدة 5/52) [اللهُ]: لفظ الجلالة، اسم عسى، وخبره [أن يأتي]: مضارع مقترن بـ [أن]. ولكنْ جائزٌ عدم اقترانه بها أيضاً، ومنه قول هُدبة بن خشرم:
عسى الكَرْبُ الذي أمسيتَ فيهِ يكون وراءَه فَرَجٌ قريبُ
[الكربُ]: اسم عسى، وخبره [يكون]: مضارعٌ غير مقترن بـ [أنْ]. ومثل ذلك طِبقاً قول الشاعر:
عسى اللهُ يُغني عن بلاد ابن قادرٍ بمنهمِرٍ جَوْنِ الرَّبابِ سكوبِ
(أراد بالمنهمر: المطر الغزير، والجون: الأسود، والرباب: السحاب).
[الله] لفظ الجلالة، اسم عسى، وخبره [يغني]: مضارع غير مقترن بـ [أن]. ومثله قول البرج بن خنْزير التميمي:
وماذا عسى الحجّاجُ يبلغُ جهدُهُ إذا نحن جاوزنا حَفيرَ زِيادِ
(حفير زِياد: موضع على خمس ليالٍ من البصرة).
[الحجّاج] اسم عسى، وخبره [يبلغ]: مضارع غير مقترن بـ [أن]. ويتبيّن مما تقدّم من الشواهد، جوازُ اقتران المضارع بعد [عسى] بـ [أن]، وعدم اقترانه بها.
· ]وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبّوا شيئاً وهو شرٌّ لكم[ (البقرة 2/216)
[عسى]: تكررت في الآية مرتين، وهي فيهما جميعاً فعل تامٌّ، فاعلُه المصدر المؤوّل: ففي الأولى [أن تكرهوا]، وفي الثانية [أن تحبوا].
وبيان ذلك، أنّ [عسى] إذا لم يكن بعدها اسم لها ظاهرٌ أو مضمر، عُدَّت تامّةً، وكان المصدر المؤوّل من [أنْ والمضارع] فاعلاً لها.
ومثلُ هذه الآية طِبقاً قوله تعالى: ]لا يسخرْ قومٌ من قومٍ عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكنّ خيراً منهنّ[ (الحجرات 49/11)
فـ [عسى] هاهنا في الموضعين من الآية تامّة، فاعلها المصدر المؤوّل: [أن يكونوا] في الموضع الأول، والمصدر المؤول [أن يكنَّ] في الموضع الثاني. وذلك أنّ [عسى] ليس بعدها في الموضعين، اسم لها ظاهر أو مضمر، ولذلك عُدَّت تامّة في الموضعين كليهما.
كان وأخواتها: أفعالٌ ترفع المبتدأ وتنصب الخبر. فيسمّى المبتدأ اسماً لها، ويسمّى الخبر خبراً لها، نحو: [كان خالدٌ مريضاً]. والأفعال الناقصة زمرتان: [كان وأخواتها] و[كاد وأخواتها]. فدونك ذلك:
1- الزمرة الأولى، كان وأخواتُها:
- منها ثمانٍ، هي: [كان، صار، أصبح، أضحى، أمسى، ظلّ، بات، ليس]. ليس لأحدها شرطٌ مقصورٌ عليه وحده(2).
- و[مادام]: وشرطها أنْ تسبقها [ما] المصدرية الظرفية، ويكون التأويل [مدّة دوام]، نحو: [أكرمه مادام مجتهداً = مدّة دوامه مجتهداً].
- و[ما برح، ما زال، ما فتئ، ما انفكّ]. وشرطها أن تسبقها أداة يصلح استعمالها للنفي، نحو: [ما زال خالدٌ مسافراً] و[لسنا نبرح نحترمك](3).
أحكامٌ ذات خطر:
¨ إن استُعمِل الناقص بمعنى التامّ، عُدَّ تامّاً، نحو [سأزورك غداً حين نُصبح، وأفارقك حين نُمسي](4). والعكس صحيح، فالتامّ إن كان بمعنى الناقص، عُدَّ ناقصاً، نحو: [عاد الحزنُ فرَحاً](5).
¨ يعمل الناقص سواء كان صفة (أي: مشتقّاً) أو فعلاً أو مصدراً نحو: [لستَ زائلاً محترماً (صفة)، فكُنْ مجتهداً (فعل)، فكونك كسولاً يُزري بك (مصدر)].
¨ قد يتقدّم خبر الأفعال الناقصة، عليها، وعلى أسمائها أيضاً، نحو: [غزيراً أصبح المطر، وأصبح غزيراً المطر]. ولكن يستثنى من ذلك [ليس] وما يقترن بـ [ما] فإن الخبر يتقدَّم على أسمائها فقط، ولكنْ لا يتقدّم عليها هي نفسها، فلا يقال مثلاً: [غزيراً ليس المطر]، ولا [أُكرِمُ زهيراً مجتهداً ما دام].
خصائص [كان]
تمتاز كان (بصيغة الماضي) من أخواتها بأمور، إليكها:
¨ قد تدلّ على الاستمرار والثبوت، نحو: ]إنّ الله كان عليكم رقيباً[.
¨ قد تزاد بين لفظين متلازمين، كالجارّ والمجرور، والصفة والموصوف، والمتعاطفين... وقد أوردنا أنماطاً من ذلك في [النماذج الفصيحة] فانظرها هناك.
¨ يكثر حذفها هي واسمها، بعد أداتين شرطيتين هما: [إنْ] و[لو]، كنحو قولك: [زهيرٌ ممتدَحٌ إنْ حاضراً وإنْ غائباً] و[اِلتمسْ ولو خاتماً من حديد](6).
· إذا جُزِم مضارعها بالسكون، جاز حذفُ نونه، نحو: [لم يكنْ مقصِّراً = لم يكُ مقصِّراً].
فائدة: في هذا البحث تركيب مهمَل، نورده لمن يريد استعماله والصوغ على قالبه، هو: [اِفعَلْ هذا إمّا لا]، ومعناه كما قالوا: اِفعلْه إن كنت لا تفعل غيرَه.
2- الزمرة الثانية، كاد وأخواتها:
ويُسمونها: أفعال المقاربة(7) وهي:
[كاد وأوشكَ: للمقاربة]، و[عسى: للرجاء]، و[جَعَلَ وطفِق وأخذ وأنشأ: للشروع](.
وهي جميعها ترفع الاسم، وتنصب الخبر، كشأن سائر أخوات [كان]. غير أن أفعال المقاربة هذه تتفرّد بأنّ أخبارها لا تكون إلاّ أفعالاً مضارعة.
فأما المضارع بعد [كاد وأوشك وعسى]، فيجوز نصبه بـ [أنْ] ويجوز عدم نصبه بها، نحو: [كاد زهيرٌ أن يفوز = كاد زهيرٌ يفوز].
وأما المضارع بعد: [جعل وطفق وأخذ وأنشأ] فيمتنع نصبه بـ [أن] قولاً واحداً، نحو: [أخذ زهيرٌ يدرس].
حُكْمان:
· إذا جاءت أفعال المقاربة في الاستعمال، بمعنى التامّة، عُدَّت تامّة. فالفعل: [كاد] من قولك مثلاً: [كاد العدوّ لعدوّه] تامّ، لأنه من الكيد والمكيدة.
· تُعَدّ [عسى] تامّةً ترفع فاعلاً، إذا تجرَّدَت من اسم لها، ظاهر أو مضمر، نحو: [عسى أن نسافر]، ويكون المصدر المؤوّل من [أنْ والمضارع] فاعلاً لها.
* * *
نماذج فصيحة من استعمال الفعل الناقص
1- نماذج كان وأخواتها:
· ]وأوصاني بالصلاة والزكاة مادمتُ حيّاً[ (مريم 19/31)
[مادام]: شرط إعمال هذا الفعلِ عمل [كان]، أن تتقدّمه [ما] المصدرية الظرفية، ويكون التأويل: [مدّة دوام]. وهو ما تراه متحققاً في الآية، فـ [مدّة]: هو الظرف، و[دوام] هو المصدر، والتأويل: [وأوصاني بالصلاة والزكاة مدّةَ دوامي حيّاً]. فالاستعمال إذاً في الآية على المنهاج. والتاء: اسم [مادام]، و[حيّاً]: خبرها.
· ]إنّ الله كان غفوراً رحيماً[ (النساء 4/23)
[كان غفوراً]: من خصائص [كان] أنها - وإن كانت ماضويّة الصيغة - قد تدلّ على الثبوت والاستمرار، فتتجرّد من الدلالة الزمنية، فيكون زمانها متصلاً بغير انقطاع. وهو ما تراه في الآية، فإنّ المعنى: كان الله وما زال وسيظلّ غفوراً. ومنه قوله تعالى: ]كنتم خيرَ أُمَّةٍ أُخرجَت للناس[ (آل عمران 3/110)
· قال امرؤ القيس (الديوان /32):
فقلتُ يمينُ الله أبرح قاعداً ولو قطعوا رأسي لديكِ وأوصالي
[أبرح]: أحد أربعة أفعال هي [برح، زال، فتئ، انفكّ]، شَرْطُ إعمالها عملَ [كان]، أن يسبقها نفيٌ بـ [ما] أو غيرها، نحو: [لا ينفكّ يزورنا، وما نزال نرحّب به]. ولقائل أن يقول: إنّ فعل: [برح] في بيت امرئ القيس، قد عمل فنصب الخبر: [قاعداً]، ولم يسبقه نفي!! والجواب أنّ أداة النفي يجوز أن تُحذَف وتُقدَّر، إذا جاءت بعد قسَم، وذلك ما تراه في البيت. والأصل: [يمين الله لا أبرح قاعداً]. وقد جاء مثلُ ذلك في التنْزيل العزيز: ]قالوا تاللهِ تفتأ تذكر يوسف[ (يوسف 12/85). فـ [تالله] قسَم، وقد حُذِفت أداة النفي بعده وهي [لا]، على المنهاج. والأصل: [تالله لا تفتأ].
· ]لن نبرح عليه عاكفين[ (طه 20/91)
[لن نبرح]: هاهنا أداة نفي هي: [لن]؛ وتقدُّمُ النفي على الأفعال الأربعة: [برح، زال، فتئ، انفكّ] شرْطٌ في إعمالها عمَل [كان]، وعليه فإنّ [عاكفين] خبر [نبرح] منصوب على المنهاج. وفي الآية دلالة على أنّ النفي يكون بـ [ما] وغيرها، وهو هنا [لن]. ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: ]ولا يزالون مختلفين[ (هود 11/118) فهاهنا فعلٌ ناقص هو [يزال]، واسمه واو الضمير في محل رفع، وخبره [مختلفين] منصوب. وذلك أنّ شرط إعماله عمَلَ [كان] قد تحقق، إذ تقدّمه نفيٌ.
· ]وكان حقّاً علينا نصْرُ المؤمنين[ (الروم 30/47)
[حقّاً]: خبر كان، مقدّم على اسمها، منصوب. واسمها مؤخر هو [نصرُ...]. والإجماع معقود على أنّ الأفعال الناقصة جميعها، يجوز أن تتقدّم أخبارُها على أسمائها، ومنه هذه الآية. بل يجوز أيضاً أن تتقدّم هذه الأخبار على الأفعال الناقصة نفسها، (ما عدا [ليس]، والأفعالَ التي تقترن بها [ما]، فلا يجوز أن تتقدّم أخبارها عليها). وعلى هذا، إنّ تقدّم خبر كان على اسمها، في الآية التي نحن بصددها، جاء على المنهاج.
· قال السموأل (شرح ابن عقيل 1/273):
سَلِي إنْ جهلتِ الناسَ عنّا وعنهمُ فليس سواءً عالمٌ وجهولُ
[سواءً]: خبر الفعل الناقص [ليس]، منصوب. وقد تقدّم على الاسم وهو: [عالمٌ]، إذ الأصل قبل التقديم والتأخير: [ليس عالمٌ وجهولٌ سواءً]. وقد جاء تقدّمُ الخبر، على المنهاج، إذ الأفعال الناقصة يجوز كما قلنا آنفاً، أن تتقدّم أخبارها على أسمائها، بل يجوز أن تتقدم أخبارها عليها نفسها أيضاً. وإنما الذي لا يجوز، هو أن تتقدّم هذه الأخبار على [ليس] والأفعال التي تقترن بـ [ما].
· ]فسبحان الله حين تُمسون وحين تُصبحون[ (الروم 30/17)
[تمسون وتصبحون]: فعلان لفظهما لفظ الناقص، ومعناهما معنى التامّ، ومن ثَمّ يُعَدّان تامَّين. وذلك أنّ معنى [تمسون]: تدخلون في المساء، ومعنى [تصبحون]: تدخلون في الصباح. ومتى كان معنى الفعل كذلك، لم يرفع اسماً وينصب خبراً، بل يكتفى بالمرفوع وحده، فيرفعه على أنه فاعل.
وعلى ذلك يقال في إعراب هذين الفعلين: إنهما فعلان تامّان، والواو في كل منهما في محل رفع فاعل. ومثل ذلك قوله تعالى: ]وإنْ كان ذو عُسْرة فنَظِرَةٌ إلى ميسَرَة[ (البقرة 2/280) فإنّ فعل [كان] في الآية فعلٌ تامّ يكتفي بمرفوعه، أي يكتفي بفاعله، وهو كلمة [ذو]. لأن معناه: إنْ وجِد ذو عسرة؛ ولو أنّ الفعل هنا كان فعلاً ناقصاً لقيل: [فإن كان المدينُ ذا عسرة فـ.....] !!
· قال الشاعر (شرح ابن عقيل 1/269):
وما كلُّ مَن يُبدي البشاشة كائناً أخاك، إذا لم تُلْفِهِ لكَ مُنْجِدا
[كائناً]: اسم فاعل مشتقّ من الفعل الناقص [كان]، وقد عمل عمله، فاسمُه ضمير مستتر (هو)، وخبره [أخاك]. وذلك أنّ الأفعال الناقصة بصيغها الثلاث: الماضي والمضارع والأمر، وما يُشتَقّ منها، ومصادرها أيضاً، ترفع الاسم وتنصب الخبر. وبتعبير آخر: ليس العمل مقصوراً على الفعل الناقص وحده، بل يعمل هو وصفته (أي: المشتقّ منه) ومصدره. ودونك من هذا أمثلة:
· ]فقلنا لهم كونوا قِرَدَةً خاسئين[ (البقرة 2/65)
[كونوا]: فعل ناقص، في صيغة الأمر. وواو الضمير اسمه، و[قِرَدَةً] خبره. ومثله طِبقاً الآية: ]كونوا حجارةً[ (الإسراء 17/50)، فالواو اسمه، و[حجارةً] خبره.
· قال الحسين بن مُطَيْر:
قضى اللّهُ يا أسماءُ أنْ لستُ زائلاً أحبّكِ حتى يُغمِض الجفنَ مُغمِضُ
[زائلاً]: اسم فاعل مشتقّ من الفعل الناقص [زال - يزال]، وقد تحقّق له شرط العمل، إذ سُبِق بـ [ليس]، وهي تفيد النفي. فاسم [زائلاً]: الضمير المستتر [أنا]، وخبره جملة [أحبّكِ]. ولقد قدّمنا آنفاً، أنّ المشتقّ من الفعل الناقص يعمل عملَه.
· قال الشاعر:
في لُجَّةٍ غَمَرت أباكَ بُحورُها في الجاهليّة - كان - والإسلامِ
[كان]: أتى بها الشاعر زائدةً بين لفظين متلازمين، هما المعطوف والمعطوف عليه.
· وقال الآخر (شرح ابن عقيل 1/291):
جِيادُ بَني أبي بكرٍ تَسامَى على -كان - المسوَّمةِ العرابِ
[كان]: أتت في البيت زائدة بين لفظين متلازمين، هما الجارّ والمجرور.
· وقال غيرُه:
ولبستُ سربالَ الشباب أزورُها ولَنِعْمَ - كان - شبيبة المحتالِ
[كان]: أتى بها الشاعر زائدةً بين لفظين متلازمين، هما نِعْمَ وفاعلها.
· وقال آخر:
في غُرَف الجنّة العُليا التي وَجَبَتْ لهمْ هناك بسعيٍ- كان - مشكورِ
[كان]: جيء بها زائدةً في البيت، بين لفظين متلازمين، هما الصفة والموصوف.
· قال الشاعر:
فإنْ لم تَكُ المرآةُ أبدَتْ وَسامةً فقد أبدَتِ المرآةُ جبهةَ ضيغَمِ
(الضيغم = الأسد). [لم تكُ]: هاهنا نونٌ محذوفة. والأصل قبل الحذف: [لم تكنْ]. وذلك في العربية جائز. والقاعدة أنّ [كان]، يجوز حذف نون مضارعها، إذا كان مجزوماً بالسكون.
· ]لم يكُنِ الذين كفروا... [ (البيّنة 98/1)
ليس في هذه القراءة ما نُدير الحديث حوله، لكنّ للآية قراءة أخرى هي غايتنا. فقد قرئت: [لم يكُ الذين...] بحذف النون. وذلك كما ذكرنا آنفاً، جائز في العربية. فمضارع الفعل الناقص [كان]، يجوز حذف نونه، إذا كان مجزوماً بالسكون.
· قال الشاعر:
ألم أكُ جارَكمْ ويكون بيني وبينكم المودّةُ والإخاءُ
[لم أكُ]: هاهنا فعلٌ مضارعٌ ناقص حُذِفت نونه، وماضيه [كان]. والأصل قبل الحذف: [لم أكنْ]. وذلك جائز في العربية. فمضارع [كان] يجوز حذفُ نونه، إذا كان مجزوماً بالسكون.
· ]ولم أكُ بغيّاً[ (مريم 19/20)
حذْف النون في هذه الآية، مِن آخر الفعل الناقص [أكنْ]، جاء على المنهاج. وليس هاهنا شيء يضاف إلى ما تقدّم من الشرح، في النماذج السابقة. وإنما أوردنا هذه الآية لمزيد من التبيين والتثبيت.
· قال الشاعر (شرح ابن عقيل 1/294):
قد قيل ما قيل إنْ صدقاً وإنْ كذباً فما اعتذارُكَ من قولٍ إذا قيلا
[إنْ صدقاً]: حذَف الشاعرمن الكلام [كان واسمَها]، وأبقى خبرها، والأصل: [إنْ كان المقولُ صدقاً]، وأعاد ذلك طِبقاً في قوله: [وإنْ كذباً]، إذ الأصل: [وإنْ كان المقول كذباً]. ويَكثُر ذلك بعدَ [إنْ] و[لو] الشرطيتين. وترى نموذجاً من هذا الحذف بعد [لو] في قول الشاعر(شرح ابن عقيل 1/295):
لا يَأمَنِ الدهرَ ذو بغيٍ، ولو مَلِكاً جنودُهُ ضاق عنها السهلُ والجبلُ
فقد حذف الشاعر من الكلام [كان واسمها]، وأبقى خبرها فقط. والأصل: [ولو كان ذو البغي ملكاً].
2- نماذج كاد وأخواتها:
· ]لا يكادون يفقهون حديثاً[ (النساء 4/78)
[يكادون]: من أفعال المقاربة، اسمه واو الضمير وخبره مضارع: [يفقهون]، غير مقترن بـ [أن]، ولو لم يكن الكلام قرآناً، واقترن بها لجاز. ومثل ذلك طِبقاً، قولُه تعالى ]فذبحوها وما كادوا يفعلون[ (البقرة 2/71)
· [ما كدتُ أن أصلّي العصر، حتى كادت الشمس أن تغرُب]. (حديث شريف)
[كدت أن] و[كادت أن]: خبر كل منهما مضارع مقترن بـ [أنْ]: [أن أصلي، أن تغرب]. وذلك جائز. ومثل ذلك البيت الآتي:
· قال الشاعر يرثي:
كادتِ النفس أن تفيض عليهِ إذ غدا حشْوَ رَيْطَةٍ وبُرودِ
(الرَّيْطَة: الملاءة إذا كانت قطعة واحدة، ويريد بذلك: الكفن).
[كادت النفس أن تفيض]: خبرُ كاد مقترن بـ [أنْ]، وذلك جائز، كما قدّمنا آنفاً.
· قال الشاعر:
ولو سُئِل الناسُ التُرابَ لأوشكوا - إذ ا قيل: [هاتوا] - أن يمَلّوا ويمنعوا
[أوشكوا أن...]: أوشك من أفعال المقاربة، اسمه واو الضمير، وخبره [أن يَمَلّوا]: مضارع مقترن بـ [أن]. وذلك جائز، كما أنّ عدم اقتران الخبر بها جائز أيضاً.
ومثلُه في اقتران خبر [أوشك] بـ [أن]، قول الشاعر:
إذا المرء لم يَغْشَ الكريهة أوشكت حبال الهُوَيْنى بالفتى أن تَقَطَّعا
[أوشكت]: اسمها: [حبال]، والخبر: [أنْ تقطّع]، مضارع مقترن بـ [أنْ].
· قال أميّة بن أبي الصلت:
يوشك مَن فرَّ مِن منيَّتِهِ في بعض غِرّاتهِ يُوافقُها
[يوشك مَن فرّ يوافق]: اسم يوشك هو [مَن]، وخبره [يوافق]: مضارع غير مقترن بـ [أن]. وجائزٌ اقتران المضارع بها - كما رأيت فيما تقدّم - وجائز أيضاً عدم اقترانه بها، كما ترى في هذا البيت الذي نحن بصدده.
· ]عسى ربُّكم أنْ يرحمكم[ (الإسراء 17/
[عسى... أن]: عسى مِن أفعال المقاربة، اسمُه: [ربّكم]، وخبره [أنْ يرحمكم]: مضارع مقترن بـ [أن]. ومثل ذلك طِبقاً، الآية: ]فعسى الله أن يأتي بالفتح[ (المائدة 5/52) [اللهُ]: لفظ الجلالة، اسم عسى، وخبره [أن يأتي]: مضارع مقترن بـ [أن]. ولكنْ جائزٌ عدم اقترانه بها أيضاً، ومنه قول هُدبة بن خشرم:
عسى الكَرْبُ الذي أمسيتَ فيهِ يكون وراءَه فَرَجٌ قريبُ
[الكربُ]: اسم عسى، وخبره [يكون]: مضارعٌ غير مقترن بـ [أنْ]. ومثل ذلك طِبقاً قول الشاعر:
عسى اللهُ يُغني عن بلاد ابن قادرٍ بمنهمِرٍ جَوْنِ الرَّبابِ سكوبِ
(أراد بالمنهمر: المطر الغزير، والجون: الأسود، والرباب: السحاب).
[الله] لفظ الجلالة، اسم عسى، وخبره [يغني]: مضارع غير مقترن بـ [أن]. ومثله قول البرج بن خنْزير التميمي:
وماذا عسى الحجّاجُ يبلغُ جهدُهُ إذا نحن جاوزنا حَفيرَ زِيادِ
(حفير زِياد: موضع على خمس ليالٍ من البصرة).
[الحجّاج] اسم عسى، وخبره [يبلغ]: مضارع غير مقترن بـ [أن]. ويتبيّن مما تقدّم من الشواهد، جوازُ اقتران المضارع بعد [عسى] بـ [أن]، وعدم اقترانه بها.
· ]وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبّوا شيئاً وهو شرٌّ لكم[ (البقرة 2/216)
[عسى]: تكررت في الآية مرتين، وهي فيهما جميعاً فعل تامٌّ، فاعلُه المصدر المؤوّل: ففي الأولى [أن تكرهوا]، وفي الثانية [أن تحبوا].
وبيان ذلك، أنّ [عسى] إذا لم يكن بعدها اسم لها ظاهرٌ أو مضمر، عُدَّت تامّةً، وكان المصدر المؤوّل من [أنْ والمضارع] فاعلاً لها.
ومثلُ هذه الآية طِبقاً قوله تعالى: ]لا يسخرْ قومٌ من قومٍ عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكنّ خيراً منهنّ[ (الحجرات 49/11)
فـ [عسى] هاهنا في الموضعين من الآية تامّة، فاعلها المصدر المؤوّل: [أن يكونوا] في الموضع الأول، والمصدر المؤول [أن يكنَّ] في الموضع الثاني. وذلك أنّ [عسى] ليس بعدها في الموضعين، اسم لها ظاهر أو مضمر، ولذلك عُدَّت تامّة في الموضعين كليهما.