السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
تحية طيبة لكم جميعا إخوتي الكرام و أسعد الله أوقاتكم
النقد ...
كلمة تحمل في طياتها الكثير من الأفكار و التصورات
و أغلب الناس يجدون بعض الصعوبة في تقبل النقد و قد يرفضه الكثيرون جملة و تفصيلا
فالإنسان بطبعه يكره الانتقاد و يحب أن يبدو بصورة مثالية غالبا
و للأسف يتبع الكثيرون أسلوبا خاطئا في النقد بحيث يركزون على السلبيات و يضخمونها و يتكلمون بلغة تحطيمية و تحبيطية مما جعل الكثيرين يكرهون النقد و يتصورونه وحشاً يريد أن يحطمهم
و لكي نتقبل النقد لا بد من توافر شروط هامة تجعله مستساغا و منها
1- استخدام لغة راقية و لطيفة و لبقة بعيدا عن الفظاظة و التجريح و كما قال تعالى مخاطبا نبيه الكريم محمد صلوات الله و سلامه عليه : (( و لو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ))
2- إبراز الإيجابيات قبل السلبيات و ذلك يجعل المنتقد أكثر استيعابا و تفهما للكلام عن أخطائه و جل من لا يخطئ
3- البعد عن الشخصنة و الحكايات السابقة بين الناقد و المنتقد فالكثير من النقاد يوجهون نقدهم لشخص المنتقد و يضعون تصورات مسبقة بناء على مواقف سابقة و معرفة شخصية و هذا خطأ كبير فالأصل أن ننتقد الفكرة و التصرف و ليس الشخص
4- أن يكون النقد مبنياً على أسس منطقية و موضوعية و ليس لمجرد الانتقاص من الناس و من أفكارهم دون وجه منطق أو حق
5- أن يسمح الناقد للمنتقد أو المنقود بأن يدافع عن فكرته و يوضح وجهة نظره و أن يكون على استعداد لتفهمه و تغيير نقده إن ثبت أنه أساء فهم الفكرة و أخطأ في انتقاده
6- الإخلاص في القصد و النية بحيث يكون الهدف هو الحق و الصواب و ليس فرض رأي على رأي آخر بالقوة فنحن لسنا في ساحة حرب و الهدف من النقد إغناء الحوار لا قهر الخصم و كأننا في لعبة شطرنج
عندما تتوافر هذه الشروط فالنقد سيكون مستساغا أكثر بالتأكيد و من هنا تأتي فكرة موضوعي الأساسية
كي تكون قادرا على تقبل النقد المنطقي فعليك أن تتعلم أن تنتقد نفسك و ذاتك قبل أن ينتقدك الآخرون
فتغيير الطباع و الصفات الشخصية أمر بالغ الصعوبة إن لم يبحث الإنسان عن أخطائه و ينتقد نفسه بنفسه
المشكلة أن الإنسان يتهرب من مواجهة نقاط الضعف و مواطن الخطأ في شخصيته و كما يقال في المثل العامي
( الجمل لا يرى حدبته ) و قليل من الناس من يعرفون حتى أنهم لديهم أخطاء
فعندما تقول لشخص ما عبارة " الله يهديك " يعتبرها شتيمة و يقول لك و ماذا رأيت مني حتى تقول هذا
و عندما نمتلك شخصية رافضة لمجرد التفكير بوجود أخطاء فيها فمن الصعب جدا أن تتحمل نقد الآخرين لك
و هنا أضع بين أيديكم خطة عمل تجعلنا قادرين على نقد ذاتنا تمهيدا لتقبلنا لنقد الآخرين لنا
أولاً عليك البدء بإيجابيات تظن أنها فيك فالنقد كما اتفقنا ليس مجرد توضيح للسلبيات فقط بل هو مجمل الإيجابيات و السلبيات ... فابحث عن مواطن الإيجابية في شخصيتك أو فكرتك أو مقالك و ذلك يعتمد على الخلفية الثقافية و التخصص الذي تتفوق فيه
فلو كتبت خاطرة مثلا فحاول أن تبرز الجوانب الإيجابية التي تبرع فيها كاللغة القوية مثلا أو الخيال الخصب أو الإحساس العميق أو أي من مقومات الخاطرة الناجحة و اقرأ ما كتبت بتمعن و كرر القراءة عدة مرات و ركز في البداية على الإيجابيات في نصك حسب وجهة نظرك طبعا لكن مع اعتبار نفسك قارئا و ليس صاحب المقال أو الخاطرة
بعد ذلك انتقل إلى خطوة أخرى و هي كشف مواطن الضعف و الخطأ .. حاول أن ترفع السوية تدريجيا بحيث يكون النص أقرب ما يكون إلى التكامل و عليك قبل ذلك أن تعي تماما أن الكمال لله وحده و كلنا نخطئ و لا أحد منا معصوم و لا أحد منا شاعر خارق أو كاتب من عالم آخر أو شخص لا مثيل له و لأفكاره
و ابتعد عن الغرور الذاتي و لا تنظر لمقالك بعين الإعجاب بل بعين البحث عن الجمال و الكشف عن الأخطاء
و هذا ينسحب على أفكارك و تصرفاتك
و من أهم ما يجب أن نعيه أيضا : أهمية أن نقرأ لغيرنا أو نتعلم ممن هم أكثر منا خبرة و تجربة أو حتى أقل فنحن لا نمتلك القدرة على تقييم البشر من أفضل و من أسوأ منا و لا بد من التعامل مع الجميع و نكتسب من كل إنسان فكرة حتى لو كنا نظنه أقل منا و كما يقال : الحجر اللي ما يعجبك يفجك
أن تكون أيضا مرنا و قابلا للتمدد و التقلص و الاستيراد و التصدير فلا تكن متحجرا و لا تضع قوالب فكرية جاهزة بل كن على استعداد دائما لقبول الأفكار الإيجابية و طرد الأفكار السلبية
و تعلم الصمت و التأمل و قف للحظات مع ذاتك بتجرد و اقرأ أكثر مما تكتب و اسمع أكثر مما تقول و تعلم أكثر مما تعلم أنت و ضع أمام عينيك هدفا و غاية واحدة و هي السمو و التغير نحو الأفضل
و أخيرا أدعو نفسي و أدعوكم لوقفة نقدية ذاتية وفق التساؤلات الخاصة التالية :
هل تمتلك قدرة على الاعتراف بأخطائك ؟
هل تحاسب نفسك
هل تصر على آرائك حتى و لو كانت خاطئة ؟
عن ماذا تبحث ؟ عن الثناء أم عن النجاح و التفوق
ما هي إيجابياتك و ما هي سلبياتك
لا تجيبوني أنا على تلك الأسئلة بل أجيبوا أنفسكم في سركم و ثقوا بأن الخطوة الأولى نحو التغيير هي نقد الذات
محبتي