قال الشاعر :يوسف حسين الهيازعي
الحروب خربت روحي اذ لبِستُ عباءةَ
الوقت بالمقلوب
وقال في موضع اخر
خاتم خصلاتك السليماني استجاب للريح
فكان الغروب
ليس الا
الحروب خربت روحي اذ لبِستُ عباءةَ
الوقت بالمقلوب
وقال في موضع اخر
خاتم خصلاتك السليماني استجاب للريح
فكان الغروب
ليس الا
====
نشير هنا إلى مسألة جوهرية: كيف يمكننا الاستدلال على الخيال وتقدير بلاغته دون لغة تجسد هذا الخيال؟ بعبارة أخرى، إذا كانت اللغة هي الأداة الوحيدة التي تتيح التعبير عن الخيال، فهل يمكن التمييز فعلاً بين "بلاغة الخيال" و"بلاغة اللغة"؟
التفكير الشائع يقول لك من الصعب، إن لم يكن مستحيلاً، الاستدلال على الخيال أو "رؤيته" دون أن تأخذ اللغة دورها في نقله لنا، لأن الخيال بذاته يبقى في مستوى ذهني مجرد، محصورًا في ذهن صاحبه حتى يُترجم عبر وسيلة تعبيرية. اللغة هي النافذة الوحيدة التي يمكن من خلالها تمثل تلك البلاغة ورصدها بكل ابعادها
هذا التفكير محق في ذلك ولكن لو غيرنا طريقة تفكيرنا وفق منظور بعمق أكبر، سيكون لنا الحق في التمييز بين بلاغة الخيال وبلاغة اللغة.
يمكن القول إن بلاغة الخيال هي في الجوهر الكامن خلف الفكرة، تلك "البذرة" الفكرية التي يستوحي منها الكاتب الصورة أو الموقف دون أن تكون مرتبطة بعدُ بكيفية تعبير محددة. بلاغة الخيال، في هذا السياق، تكمن في قوة الفكرة الخام، "الفكرة المودعة في المشهد" كما ذكرنا، والتي تحمل ضمنيًا إمكانات متعددة من حيث الدلالات والتأويلات والمشاهد الممكنة.
هذا التفكير محق في ذلك ولكن لو غيرنا طريقة تفكيرنا وفق منظور بعمق أكبر، سيكون لنا الحق في التمييز بين بلاغة الخيال وبلاغة اللغة.
يمكن القول إن بلاغة الخيال هي في الجوهر الكامن خلف الفكرة، تلك "البذرة" الفكرية التي يستوحي منها الكاتب الصورة أو الموقف دون أن تكون مرتبطة بعدُ بكيفية تعبير محددة. بلاغة الخيال، في هذا السياق، تكمن في قوة الفكرة الخام، "الفكرة المودعة في المشهد" كما ذكرنا، والتي تحمل ضمنيًا إمكانات متعددة من حيث الدلالات والتأويلات والمشاهد الممكنة.
بينما تأتي بلاغة اللغة بوصفها أداة تجسيد مختارة بعناية من ضمن إمكانات الخيال. فاللغة، بتقنياتها وأسلوبها، هي التي تحدد أي مشهد يُختار من بين ما يمكن للخيال أن يعرضه، وتجسد هذا المشهد ببلاغة تناسب رؤى الكاتب. إذن، اللغة تحدد الكيفيات والأسلوب، مثل اختيار المجاز أو الكناية أو الإيقاع، بحيث تترجم الخيال إلى شكل محدد يمكن للقارئ تذوقه.
بهذا الفهم، يمكننا الحديث عن بلاغة الخيال كمصدر للفكرة المبدئية وعن بلاغة اللغة كحامل لهذه الفكرة وتجسيدها، حيث تنتقي اللغة من محتملات الخيال ما تراه أكثر تعبيرًا عن المقصد الفني.
هذا الفهم لا يمر مرور الكرام دون ان يطرح أسئلة ملحة نوردها في السطور التالية لفهم وسبر هذا الطرح المعقد
هل يقتضي الخيال وسيطًا لغويًا؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخيال قد يبدو مرتبطًا بوسيط لغوي لأنه، من منظور معرفي، يتجسد غالبًا بلغة عندما نرغب في التعبير عنه أو إيضاحه للآخرين أو حتى لأنفسنا. لكن من المهم أن نلاحظ أن الخيال يتجلى في تصورات وتخيلات بصرية أو حسية داخل الذهن، تتجاوز الوسيط اللفظي، ويحتوي على مشاهد، رموز، أو أصوات داخلية قد لا تعتمد على اللغة تحديدًا. على سبيل المثال، يمكن لشخص أن يتخيل مشهدًا كاملًا أو يشعر بإحساس معين دون اللجوء إلى الكلمات؛ هو يفكر من خلال صور ذهنية أو خيالات مباشرة قد لا توضع في شكل لغوي إلا في مرحلة لاحقة، عندما يحاول التعبير عنها.
2. التفكير عبر الخيال مقابل التمثيل باللغة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التفكير عبر الخيال قد يتمثل في قدرة الفرد على تصور مشاهد، أو أحداث، أو أحاسيس دون أن تكون موصوفة بكلمات محددة. هذا النوع من التفكير أقرب إلى الأحاسيس والتجارب الذهنية المباشرة، حيث يُستخدم الخيال هنا كوسيلة استكشافية للمفاهيم والأفكار، ويكون أكثر حرية وتجردًا من اللغة. أما التمثيل عبر اللغة، فهو فعل تحويل تلك التصورات إلى بنية لغوية تُنقل من خلال كلمات وجمل وترتيب منطقي. التمثيل اللغوي يخضع لترتيب اللغة ومعاييرها، بحيث تتشكل الأفكار أو الصور بشكل يُفهَم ويُتَداوَل عبر تلك البنية.
هذا الفهم لا يمر مرور الكرام دون ان يطرح أسئلة ملحة نوردها في السطور التالية لفهم وسبر هذا الطرح المعقد
هل يقتضي الخيال وسيطًا لغويًا؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخيال قد يبدو مرتبطًا بوسيط لغوي لأنه، من منظور معرفي، يتجسد غالبًا بلغة عندما نرغب في التعبير عنه أو إيضاحه للآخرين أو حتى لأنفسنا. لكن من المهم أن نلاحظ أن الخيال يتجلى في تصورات وتخيلات بصرية أو حسية داخل الذهن، تتجاوز الوسيط اللفظي، ويحتوي على مشاهد، رموز، أو أصوات داخلية قد لا تعتمد على اللغة تحديدًا. على سبيل المثال، يمكن لشخص أن يتخيل مشهدًا كاملًا أو يشعر بإحساس معين دون اللجوء إلى الكلمات؛ هو يفكر من خلال صور ذهنية أو خيالات مباشرة قد لا توضع في شكل لغوي إلا في مرحلة لاحقة، عندما يحاول التعبير عنها.
2. التفكير عبر الخيال مقابل التمثيل باللغة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التفكير عبر الخيال قد يتمثل في قدرة الفرد على تصور مشاهد، أو أحداث، أو أحاسيس دون أن تكون موصوفة بكلمات محددة. هذا النوع من التفكير أقرب إلى الأحاسيس والتجارب الذهنية المباشرة، حيث يُستخدم الخيال هنا كوسيلة استكشافية للمفاهيم والأفكار، ويكون أكثر حرية وتجردًا من اللغة. أما التمثيل عبر اللغة، فهو فعل تحويل تلك التصورات إلى بنية لغوية تُنقل من خلال كلمات وجمل وترتيب منطقي. التمثيل اللغوي يخضع لترتيب اللغة ومعاييرها، بحيث تتشكل الأفكار أو الصور بشكل يُفهَم ويُتَداوَل عبر تلك البنية.
في المثالين السابقين، نرى أنَّ الشاعر قد استحضر صورة داخلية، ربما كانت خليطًا من مشهد الغروب وتأثر الطبيعة بالحركة، دون أن تكون مترجمة فوريًا إلى كلمات في ذهنه؛ كان بإمكانه أن يشعر بالصورة كتجربة شعورية أو تخيلية. لاحقًا، تمت بلورة هذه الصورة إلى تعبير لغوي يتميز ببلاغة لغوية تتوافق مع رؤيته لهذا المشهد.
3. الفرق بين التفكير الداخلي والتعبير اللغوي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التفكير الداخلي الذي يعتمد على الخيال هو تجسيد للحظات أو مشاعر ذهنية ذات أبعاد خاصة بالفرد. هذا التفكير قد يفتقر، أثناء وجوده داخل الذهن، إلى الدقة اللغوية أو الوضوح المعجمي؛ لكنّه يحمل طابعًا شخصيًا عميقًا، حيث يشعر الفرد بالإحساس أو يشاهد الصورة بصيغة لا تلزمها كلمات. عندما نحاول التعبير عن هذا التفكير، تبدأ اللغة في بناء إطار واضح ومحدود له، بحيث يتم اختزال أو توجيه تلك الفكرة أو المشهد حسب قدرات اللغة التعبيرية وحدودها، فتتحول إلى جمل وصور يمكن للآخرين فهمها أو تأويلها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التفكير الداخلي الذي يعتمد على الخيال هو تجسيد للحظات أو مشاعر ذهنية ذات أبعاد خاصة بالفرد. هذا التفكير قد يفتقر، أثناء وجوده داخل الذهن، إلى الدقة اللغوية أو الوضوح المعجمي؛ لكنّه يحمل طابعًا شخصيًا عميقًا، حيث يشعر الفرد بالإحساس أو يشاهد الصورة بصيغة لا تلزمها كلمات. عندما نحاول التعبير عن هذا التفكير، تبدأ اللغة في بناء إطار واضح ومحدود له، بحيث يتم اختزال أو توجيه تلك الفكرة أو المشهد حسب قدرات اللغة التعبيرية وحدودها، فتتحول إلى جمل وصور يمكن للآخرين فهمها أو تأويلها.
إذًا، نستدل على الفارق بين الخيال غير اللغوي، الذي يحتمل أبعادًا رمزية وشعورية تتجاوز اللغة، وبين الخيال الذي تمثله اللغة، الذي يهدف إلى تقديم صيغة تُنقل للآخرين عبر الوسيط اللغوي المتفق عليه.
تحليل الومضات
ــــــــــــــــــــــــــ
أولاً: بلاغة الخيال بوصفها الفكرة المودعة في المشهد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بلاغة الخيال، كما اقترحت، هي الفكرة العميقة الكامنة خلف النص؛ هي الجوهر الذي يجعل الصورة تحمل أبعاداً تتجاوز مجرد الكلمات، وتفتح آفاقًا متعددة للفهم. في المقطع الأول "الحرب خربت روحي إذ لبست عباءة الوقت بالمقلوب"، يكمن جوهر الخيال في الفكرة ذاتها: الحرب كقوة تدمر الزمن الداخلي للشخصية وتفسده. هنا، الخيال يقدم مشهداً يربط بين الحرب والزمن بوصفه حالة مشوّهة، ويزرع في ذهن القارئ فكرة قوية حول تدمير الروح والزمن، وهي فكرة تمتاز بغموض وجمال يستدعي التأمل.
ــــــــــــــــــــــــــ
أولاً: بلاغة الخيال بوصفها الفكرة المودعة في المشهد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بلاغة الخيال، كما اقترحت، هي الفكرة العميقة الكامنة خلف النص؛ هي الجوهر الذي يجعل الصورة تحمل أبعاداً تتجاوز مجرد الكلمات، وتفتح آفاقًا متعددة للفهم. في المقطع الأول "الحرب خربت روحي إذ لبست عباءة الوقت بالمقلوب"، يكمن جوهر الخيال في الفكرة ذاتها: الحرب كقوة تدمر الزمن الداخلي للشخصية وتفسده. هنا، الخيال يقدم مشهداً يربط بين الحرب والزمن بوصفه حالة مشوّهة، ويزرع في ذهن القارئ فكرة قوية حول تدمير الروح والزمن، وهي فكرة تمتاز بغموض وجمال يستدعي التأمل.
في المقطع الثاني "خاتم خصلاتك السليماني استجاب للريح فكان الغروب ليس إلا", بلاغة الخيال تتمثل في الرؤية الفريدة التي تتجاوز مشهدًا ملموسًا لتصف الغروب كاستجابة لحركة الريح عبر خاتم "خصلاتك السليماني"، مما يعكس اندماج العناصر الطبيعية (الريح والغروب) مع رمزية سحرية أو ميثولوجية (الخاتم السليماني). هنا، الخيال لا يعتمد على صورة واقعية بقدر ما يوحي بمشهد سحري، ليخلق شعورًا بالغموض وربطًا بين الشخصية والطبيعة والماضي في صورة متكاملة.
في كلتا الحالتين، تظهر بلاغة الخيال كإمكانية واسعة ومتعددة الزوايا، تحتوي على مشاهد وتصورات متعددة لم يتم اختيارها أو تحديدها بعد. هي القوة الكامنة التي تمتلك بحد ذاتها قابلية التصوير دون أن تكون محددة بعد بأسلوب معين.
ثانيًا: بلاغة اللغة وكيفيات اختيار المشهد من محتملات الخيال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بينما تتخذ بلاغة الخيال شكل فكرة واسعة وغنية بالدلالات، تأتي بلاغة اللغة لتجسد تلك الفكرة بأسلوب محدد وكيفيات مختارة بعناية. اللغة هنا هي ما يحدد أي زاوية أو مشهد من محتملات الخيال يُعرض للقارئ، وهي التي تضفي على المشهد طابعاً ملموساً وجماليات خاصة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بينما تتخذ بلاغة الخيال شكل فكرة واسعة وغنية بالدلالات، تأتي بلاغة اللغة لتجسد تلك الفكرة بأسلوب محدد وكيفيات مختارة بعناية. اللغة هنا هي ما يحدد أي زاوية أو مشهد من محتملات الخيال يُعرض للقارئ، وهي التي تضفي على المشهد طابعاً ملموساً وجماليات خاصة.
في المقطع الأول، أسلوب الكاتب في استخدام "لبست عباءة الوقت بالمقلوب" هو اختيار لغوي يعبر عن الخيال بطريقة توحي بتشويه الزمن. الكلمات المختارة هنا - مثل "لبست" و*"عباءة"* - تضفي ملمسًا ملموسًا للفكرة وتسمح للقارئ بتصور أثر الحرب على الروح والزمن، وكأن الزمن نفسه أضحى مشوهًا ويُعاش بطريقة غير طبيعية. هذا الاختيار اللغوي يحدد كيف يمكن للقارئ رؤية المشهد وتخيل فكرة الحرب في بعدها الزمني والنفسي.
في المقطع الثاني، "استجاب للريح فكان الغروب ليس إلا", اللغة هنا توظف رمز "الخاتم السليماني" لتخلق صورة سحرية أسطورية، وكأن الغروب نفسه يتحقق بفعل الريح وحركة الخاتم، وهذه صورة لا يمكن تحقيقها إلا من خلال اللغة التي تدمج الرمز الطبيعي (الريح) مع الأسطوري (الخاتم السليماني) لتكوين مشهد لا يُنسى. بلاغة اللغة هنا تكمن في القدرة على توجيه الخيال، حيث اختار الكاتب أن يجسد الغروب بوصفه فعلًا متأثرًا بقوة أسطورية، مما يعمق دلالة المشهد.
التداخل والتكامل بين بلاغة الخيال وبلاغة اللغة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بلاغة الخيال، كما يظهر في المثالين، تعبر عن الفكرة الخام التي تمتلك في جوهرها قدرة على توجيه المشاهد المتخيلة. بينما تأتي بلاغة اللغة لتُحدد كيف يتم تجسيد هذه الفكرة، بحيث تختار من محتملات الخيال ما هو أكثر تعبيرًا عن المقصد الفني والأثر المطلوب.
لولا بلاغة اللغة، لظل الخيال مجرد فكرة غير ملموسة وغير قابلة للتفاعل؛ فاللغة هي التي تأخذ من مخزون الخيال وتحدد طريقته في التشكّل أمام القارئ، مما يسمح لهذا الخيال بأن يُستَقبل كصورة جمالية واضحة وحية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بلاغة الخيال، كما يظهر في المثالين، تعبر عن الفكرة الخام التي تمتلك في جوهرها قدرة على توجيه المشاهد المتخيلة. بينما تأتي بلاغة اللغة لتُحدد كيف يتم تجسيد هذه الفكرة، بحيث تختار من محتملات الخيال ما هو أكثر تعبيرًا عن المقصد الفني والأثر المطلوب.
لولا بلاغة اللغة، لظل الخيال مجرد فكرة غير ملموسة وغير قابلة للتفاعل؛ فاللغة هي التي تأخذ من مخزون الخيال وتحدد طريقته في التشكّل أمام القارئ، مما يسمح لهذا الخيال بأن يُستَقبل كصورة جمالية واضحة وحية.
التكهن بالمحتملات المؤجلة أو المتروكة في خيال الشاعر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه المحتملات تابعة لبلاغة الخيال خارج نظام اللغة وتحديد المحتملات التي لم يخترها الشاعر في كلا المقطعين يتطلب تخيل كيف يمكن للخيال أن يتوسع أو يأخذ اتجاهات أخرى، وهي صور ربما خطرت على بال الشاعر أثناء التفكير في الفكرة الأصلية لكنه تركها جانباً لصالح خيارات لغوية أكثر قوة ووضوحاً. دعنا نحاول استكشاف بعض هذه الاحتمالات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه المحتملات تابعة لبلاغة الخيال خارج نظام اللغة وتحديد المحتملات التي لم يخترها الشاعر في كلا المقطعين يتطلب تخيل كيف يمكن للخيال أن يتوسع أو يأخذ اتجاهات أخرى، وهي صور ربما خطرت على بال الشاعر أثناء التفكير في الفكرة الأصلية لكنه تركها جانباً لصالح خيارات لغوية أكثر قوة ووضوحاً. دعنا نحاول استكشاف بعض هذه الاحتمالات.
1. في المقطع الأول: "الحرب خربت روحي إذ لبست عباءة الوقت بالمقلوب"
في هذا المقطع، تخيل الشاعر مشهدًا يوحي بتدمير الحرب للزمن الشخصي، وهنا نجد أن اختيار "لبست عباءة الوقت بالمقلوب" كان خيارًا لغويًا بارزًا، يعبر عن تشوه الزمن بشكل تصويري. من المحتمل أن هناك صورًا أخرى كان يمكن أن تكون بدائل لهذه الصورة، مثل:
في هذا المقطع، تخيل الشاعر مشهدًا يوحي بتدمير الحرب للزمن الشخصي، وهنا نجد أن اختيار "لبست عباءة الوقت بالمقلوب" كان خيارًا لغويًا بارزًا، يعبر عن تشوه الزمن بشكل تصويري. من المحتمل أن هناك صورًا أخرى كان يمكن أن تكون بدائل لهذه الصورة، مثل:
تشبيه الزمن كمرآة مكسورة: كان يمكن للشاعر أن يتصور الزمن كمرآة مكسورة، حيث ينظر فيها، فيرى انعكاساته مشوهة، مما يوحي بتحطم الزمن الداخلي بفعل الحرب. هذا البديل كان سيضيف عمقًا بصريًا قويًا، لكنه قد لا يصل إلى تأثير العبارة المختارة في التلميح إلى اللبس والانقلاب.
تصوير الزمن كبحيرة راكدة بعد عاصفة: ربما تَخيَّل الشاعر مشهدًا للزمن كبحيرة تأثرت بالعاصفة، حيث لم تعد ترى فيها صورة نقية بل ظلال مشوشة من الماضي، وهذا قد يكون رمزاً للمشاعر المدمرة التي أحدثتها الحرب. هذه الصورة كانت ستكون أكثر هدوءاً وأقل تعبيراً عن التشوه.
تصوير الزمن كسيل جارف: من الممكن أن يكون قد فكر في مشهد للزمن كسيل جارف يأخذ معه كل شيء، فيترك الإنسان خلفه بلا هوية واضحة، وهذا تصوير يوحي بتلاشي الروح والزمن في آنٍ واحد. لكن الشاعر اختار عباءة الوقت بالمقلوب لأنها توحي بصورة مجازية أقرب للحياة اليومية، وكأن الزمن يُلبس بشكل خاطئ مما يوحي باضطراب غير طبيعي في العيش.
2. في المقطع الثاني: "خاتم خصلاتك السليماني استجاب للريح فكان الغروب ليس إلا"
هنا نرى أن الشاعر استخدم فكرة الخاتم السليماني للتعبير عن تأثير الريح على الغروب، مما يخلق مشهدًا سحريًا وأسطوريًا. ومع ذلك، قد تكون هناك صور أخرى لم تُختَر لتجسيد هذا الخيال، منها:
هنا نرى أن الشاعر استخدم فكرة الخاتم السليماني للتعبير عن تأثير الريح على الغروب، مما يخلق مشهدًا سحريًا وأسطوريًا. ومع ذلك، قد تكون هناك صور أخرى لم تُختَر لتجسيد هذا الخيال، منها:
استخدام طائر يحلق في الريح: ربما خطر ببال الشاعر أن الريح تستجيب لشيء آخر كالطائر مثلاً، ليكون هو سبب حركة الغروب، فيخلق صورة للطبيعة تتجاوب مع الحياة. لكن الشاعر فضّل استخدام "الخاتم" كرمز قادم من الأساطير، ليمنح المشهد هالة سحرية قد لا يحققها الطائر.
تصوير الريح كعزف موسيقي يعزف الغروب: كان يمكن للشاعر أن يصور الريح كموسيقى تعزف على مشهد الغروب، فتكون صورة أكثر تجريدًا وتركيزًا على حس السمع بدلاً من البصر، لكن هذا الخيار قد يكون أقل تأثيرًا من الصورة المرئية الحية التي قدمها عبر الخاتم والريح والغروب.
فكرة الغروب كدمعة تسقط من عين الريح: قد يكون الشاعر تصور أن الغروب كتجسيد لمشاعر الريح الحزينة، وكأن الريح تسكب دمعًا بطيئًا يغمر الأفق. هذه الصورة قد تكون عاطفية وملائمة لمشهد حزين، لكنها لا تحمل السحر والغموض اللذين يمنحهما "الخاتم السليماني".
يمكننا أن نلاحظ أن الخيارات المؤجلة ربما قد تكون تفتقر إلى الأبعاد الرمزية أو القوة المجازية التي توفرها الصور المختارة في المقطعين. بلاغة الخيال تُظهِر لنا أن هناك احتمالات متعددة دائمًا لتصوير الأفكار، لكن بلاغة اللغة هي ما يحدد أي من هذه الصور يُختار لنقل الجوهر الفني بطريقة أكثر تأثيرًا وقوة.
حيدر الأديب
حيدر الأديب