الجرأة..
كانت تحوم حول مبنى الإدارة مترددة..مضطربة...تذرع تلك الباحة جيئة وذهابا..تفرك يديها بتوتر..سمعت صوت نفير سيارة ..التفتت تراقب الحارس وهو يهب من مكانه في عجلة ويفتح البوابة على مصراعيها..بادر بالتحية لمديره الذي كان يقود سيارة فارهة..تمر بانسياب ونعومة فوق الأرض ..كأنها لا تلامسها..ترجل المدير بهدوء..كان يحمل في يده حقيبة جلدية سوداء..رجل في أواخر الخمسين..ذو ملامح جامدة ..ونظرات ثاقبة..اتجه في ثقة وعجرفة إلى مبنى الإدارة..استرعت تلك الفتاة انتباهه..كانت في العشرين من عمرها..بسيطة في مظهرها..لم تكن مميزة في شيء..توقف فجأة وتفحصها عابسا...كانت تختلس النظرات إليه بخوف ..قال بلهجة آمرة :_ اتبعيني..!
وقفت السكرتيرات في آن واحد يحيين المدير الذي اعتاد المرور بتجهم دون أن يكلف نفسه عناء رد التحية..تبعته الفتاة بخطوات وجلة...
رمى حقيبته فوق سطح المكتب بعنف..جلس فوق كرسيه الوتير..وبدأ يقلب الأوراق أمامه بلا اهتمام..توقف بغتة..نظر الى الى الفتاة بعينين حادتين كالصقر..ثم قال بخشونة :_حسنا ما مشكلتك يا آنسة..؟
ردت بتلعثم :_لا مشكلة لدي سيدي..لقد أرسلتم في طلبي..أحنى رأسه و التقط ورقة..ونظر إليها مليا كأنه سيملي عليها أمرا..ثم قال بصبر نافذ :_لقد تغيبت أسبوعا كاملا..! ردت بصوت خافت :_لا سيدي المدير...لقد تركت العمل..!
أعاد الورقة إلى مكانها وتراجع بكرسيه إلى الوراء..ثم قال بامتعاض :_ أحقا..ولماذا تركته..؟ جف ريق الفتاة من فرط التوتر..سعلت قليلا..ثم أجابته بارتباك :_ بعد انتقال الشركة الى مقرها الجديد..أصبحت لدي مصاريف إضافية..قاطعها محتدا :_لقد انتقل الجميع يا آنسة..لست وحدك من انتقل..! أجابته بمرارة :_لكن أجرتي ضئيلة و...سكتت فجأة وفكرت..لا ضرورة لتفسير المزيد..لم تشجعها نظراته المتجهمة...تطلع إليها بغضب..عاد بكرسيه إلى الأمام وسألها بسخرية :_وهل تريدين زيادة في أجرك..؟ ردت بعبوس :_لم أجرؤ على طلبها..لأني أعرف سياسة الشركة..ابتسم بتهكم وقال :_فتاة عاقلة..حسنا يمكنك الانصراف..!
خطت خطوتين نحو الباب ثم التفتت إليه ..سألته باستغراب :_لماذا أرسلت في طلبي سيدي..؟
برقت عيناه بظفر وهتف :_حتى أخبرك أنك مطرودة..! ظهرت الدهشة جلية على وجهها..غمغمت بخفوت :_لكني تركت العمل من تلقاء نفسي منذ اسبوع..صاح بغضب :_وأنا لا أسمح بأمرين..ترك العمل وطلب زيادة في الأجر..أنا الذي أقررهما وقتما أشاء..! ترقرقت الدموع في عينيها السوداوين وهمت بالانصراف..لكنه أوقفها بإشارة من يده..اقترب نحوها وقال بشماتة :_يمكنني تعيين عشر عاملات .. ليقمن بعملك..و لا أضيف لأجرتك درهما واحدا..أتعلمين لماذا..؟لأنك ناكرة للجميل..ألحقناك بالعمل لدينا..وعلمناك حرفة تقتاتين منها..وبعد ذلك تتجرئين وتتركين العمل..؟
فكرت الفتاة بحيرة..مذا يقصد بتعليمي..هل عناء حمل علب الكرتون المليئة ببكرات الصوف وترتيبها يعد حرفة ..؟ كان يصرخ بحدة ويلوح بيديه ساخطا..أزعجه سكوتها...ود لو اعتذرت..لو أقرت بذنبها..لكنها كانت تقف بشموخ وصمت..ضغط على زر بمكتبه..ظهرت على الفور سكريترة أنيقة الهندام وسألته بقلق :_نعم سيدي..؟ أشار إلى الفتاة وأردف بحقد :_لا أريد رؤيتها بعد الآن..! أسرعت العاملة تغادر مكتبه الفاخر وغشاوة من الدموع في مقلتيها تحجب عنها الرؤية بشكل واضح..راقبها عبر النافذة وهو مستاء..شيء ما جعله يحس أنه ليس راضيا..شعر أنها قوية رغم فقرها..كان يريد أن يراها صاغرة ..ذليلة ..تستعطفه لتعود إلى عملها ..فيقبل بذلك ويتبث للجميع أنه مدير عطوف..تمتم بكراهية عندما رآها تجتاز بوابة المصنع :_سوف أجعل منك عبرة للجميع..!
تنفست الصعداء حين أصبحت خارجا...كان الممر خاليا في تلك المنطقة الصناعية..لفت انتباهها فتاة تطرق باب أحد المصانع ..تذكرت مقولة لطالما رددتها والدتها..ما إن يُقفل باب للرزق حتى يفتح الله مكانه أبوابا أخرى..شعرت بالطمئنينة تعتري فؤادها..وأسرعت تطرق باب المصنع المجاور بحماس..!
حنين فيروز28/11/2014
كانت تحوم حول مبنى الإدارة مترددة..مضطربة...تذرع تلك الباحة جيئة وذهابا..تفرك يديها بتوتر..سمعت صوت نفير سيارة ..التفتت تراقب الحارس وهو يهب من مكانه في عجلة ويفتح البوابة على مصراعيها..بادر بالتحية لمديره الذي كان يقود سيارة فارهة..تمر بانسياب ونعومة فوق الأرض ..كأنها لا تلامسها..ترجل المدير بهدوء..كان يحمل في يده حقيبة جلدية سوداء..رجل في أواخر الخمسين..ذو ملامح جامدة ..ونظرات ثاقبة..اتجه في ثقة وعجرفة إلى مبنى الإدارة..استرعت تلك الفتاة انتباهه..كانت في العشرين من عمرها..بسيطة في مظهرها..لم تكن مميزة في شيء..توقف فجأة وتفحصها عابسا...كانت تختلس النظرات إليه بخوف ..قال بلهجة آمرة :_ اتبعيني..!
وقفت السكرتيرات في آن واحد يحيين المدير الذي اعتاد المرور بتجهم دون أن يكلف نفسه عناء رد التحية..تبعته الفتاة بخطوات وجلة...
رمى حقيبته فوق سطح المكتب بعنف..جلس فوق كرسيه الوتير..وبدأ يقلب الأوراق أمامه بلا اهتمام..توقف بغتة..نظر الى الى الفتاة بعينين حادتين كالصقر..ثم قال بخشونة :_حسنا ما مشكلتك يا آنسة..؟
ردت بتلعثم :_لا مشكلة لدي سيدي..لقد أرسلتم في طلبي..أحنى رأسه و التقط ورقة..ونظر إليها مليا كأنه سيملي عليها أمرا..ثم قال بصبر نافذ :_لقد تغيبت أسبوعا كاملا..! ردت بصوت خافت :_لا سيدي المدير...لقد تركت العمل..!
أعاد الورقة إلى مكانها وتراجع بكرسيه إلى الوراء..ثم قال بامتعاض :_ أحقا..ولماذا تركته..؟ جف ريق الفتاة من فرط التوتر..سعلت قليلا..ثم أجابته بارتباك :_ بعد انتقال الشركة الى مقرها الجديد..أصبحت لدي مصاريف إضافية..قاطعها محتدا :_لقد انتقل الجميع يا آنسة..لست وحدك من انتقل..! أجابته بمرارة :_لكن أجرتي ضئيلة و...سكتت فجأة وفكرت..لا ضرورة لتفسير المزيد..لم تشجعها نظراته المتجهمة...تطلع إليها بغضب..عاد بكرسيه إلى الأمام وسألها بسخرية :_وهل تريدين زيادة في أجرك..؟ ردت بعبوس :_لم أجرؤ على طلبها..لأني أعرف سياسة الشركة..ابتسم بتهكم وقال :_فتاة عاقلة..حسنا يمكنك الانصراف..!
خطت خطوتين نحو الباب ثم التفتت إليه ..سألته باستغراب :_لماذا أرسلت في طلبي سيدي..؟
برقت عيناه بظفر وهتف :_حتى أخبرك أنك مطرودة..! ظهرت الدهشة جلية على وجهها..غمغمت بخفوت :_لكني تركت العمل من تلقاء نفسي منذ اسبوع..صاح بغضب :_وأنا لا أسمح بأمرين..ترك العمل وطلب زيادة في الأجر..أنا الذي أقررهما وقتما أشاء..! ترقرقت الدموع في عينيها السوداوين وهمت بالانصراف..لكنه أوقفها بإشارة من يده..اقترب نحوها وقال بشماتة :_يمكنني تعيين عشر عاملات .. ليقمن بعملك..و لا أضيف لأجرتك درهما واحدا..أتعلمين لماذا..؟لأنك ناكرة للجميل..ألحقناك بالعمل لدينا..وعلمناك حرفة تقتاتين منها..وبعد ذلك تتجرئين وتتركين العمل..؟
فكرت الفتاة بحيرة..مذا يقصد بتعليمي..هل عناء حمل علب الكرتون المليئة ببكرات الصوف وترتيبها يعد حرفة ..؟ كان يصرخ بحدة ويلوح بيديه ساخطا..أزعجه سكوتها...ود لو اعتذرت..لو أقرت بذنبها..لكنها كانت تقف بشموخ وصمت..ضغط على زر بمكتبه..ظهرت على الفور سكريترة أنيقة الهندام وسألته بقلق :_نعم سيدي..؟ أشار إلى الفتاة وأردف بحقد :_لا أريد رؤيتها بعد الآن..! أسرعت العاملة تغادر مكتبه الفاخر وغشاوة من الدموع في مقلتيها تحجب عنها الرؤية بشكل واضح..راقبها عبر النافذة وهو مستاء..شيء ما جعله يحس أنه ليس راضيا..شعر أنها قوية رغم فقرها..كان يريد أن يراها صاغرة ..ذليلة ..تستعطفه لتعود إلى عملها ..فيقبل بذلك ويتبث للجميع أنه مدير عطوف..تمتم بكراهية عندما رآها تجتاز بوابة المصنع :_سوف أجعل منك عبرة للجميع..!
تنفست الصعداء حين أصبحت خارجا...كان الممر خاليا في تلك المنطقة الصناعية..لفت انتباهها فتاة تطرق باب أحد المصانع ..تذكرت مقولة لطالما رددتها والدتها..ما إن يُقفل باب للرزق حتى يفتح الله مكانه أبوابا أخرى..شعرت بالطمئنينة تعتري فؤادها..وأسرعت تطرق باب المصنع المجاور بحماس..!
حنين فيروز28/11/2014