الشاعرة بارقة ابوالشون
تبحث عن الخصوصية والتفرد
وجدان عبدالعزيز
دأبت الشاعرة بارقة ابوالشون في تعميق مسارها الشعري من خلال استمرارها في الكتابة بعيدا بعض الشيء عن الاضواء ، وبصمت احيانا متخذة طريقة أنسنة الاشياء وحوارها كما تفعل في قصيدتها (تمرد حرف)، فان التعامل مع الشعر كونه التعبير الاصدق عن الذات مما يجعله يتماهى مع الذات، وان هناك قوة تربطه وتشده الى منطقة الوجدان وتصورات الشاعر وخياله وبالتالي تجعله يبحث عن علاقة تبادلية مع الاشياء ، مما قد يجعله يستنطق الاشياء ويؤنسنها كما فعلت الشاعرة ابو الشون في قصيدتها اعلاه ، حيث استطاعت من خلال قدرتها ان تستعمل الكلمة وتبعث فيها قدرة روحية بايحاءات المعنى ، (فالكلام في الشعر يحوي بلاغاً وإبلاغاً إذا يسعى إلى وظيفة جمالية تسبق الوظيفة الابلاغية واللغة الشعرية تختلف عن اللغة العادية بأنها مميزة بتركيباتها ومستغلة جميع طاقاتها المعجمية والصوتية والدلالية ومن هذه الاطر تأتي الوظيفة الجمالية للشعر ومن هنا تأتي أهمية الشاعر المبدع القادر على تسخير امكانية اللغة والتلاعب بتركيباتها مما يمنح نصه خصوصية شعرية تجعله يتميز عن غيره من النصوص.)، تقول الشاعرة ابوالشون :
(اهداب معلقة
خبت انفاس اوراقنا
فلا غبار الهواء ياتي
بالنشيد
ولارمال المسافات تذر الاماني
تمردي ايتها الحروف
ذاك النحيب نقيض
وذاك الصراخ يفيض
الشعر في دمي مسهد
تمردي قلائد الندى
نامي وسادة اغتراب
ومأذنة الحنين)
وهنا الشاعرة عاشت الافتراضات وانسنة الاشياء وجعلت من الحرف ثورة تمردية يفيض بالصراخ مما جعل من الشعر سريان مسهد في دمها .. وهذا زادها قلق في البحث عن جمال الحياة .. وحقيقة الكون .. وهذه اسئلة مثارة ، بيد انها مخفية في دواخل الانسان المتمرد على الواقع الضنين، (من هنا، كان الشعر اعمق انهماكات الانسان واكثرها اصالة، لانه اكثرها براءة وفطرية والتصاقا بدخائل النفس، ومن هنا كان الشعر وسيلة حوار اولى بين الانا والاخر، فهو لانغراسه في اعماق الانسان، فعّال وملزم، انه حميا تسري في الانسان وتسري من ثم عبر سلوكه ومواقفه وافكاره ومشاعره في الحياة والواقع)ص92 مقدمة للشعر العربي، يقول ديمقرطس : (ان الاحساس هو المصدر الوحيد لمعرفة الاشياء في العالم)، ولهذا فان الشعر معرفة انسانية تحمل معطيات الاحساس والرؤية معبرا عنها من خلال تلك اللغة المجازية.. وبما ان (القصيدة الجديدة لم تعد شكلا جاهزا يستقبل كل انواع التجارب باختلاف نماذجها وحساسيتها وعمقها ونضجها، بل هي "عالم ذو ابعاد .. عالم متموج متداخل، كثيف بشفافية، عميق بتلألؤ، تعيش فيها وتعجز عن القبض عليها، تقودك في سديم من المشاعر والاحاسيس، سديم يستقل بنظامه الخاص" بعيدا عن أي خارج على النحو الذي يجب معاينته هو بكل ما ينطوي عليه من خصوصية وتفرد، وعبر قراءة حرة لا تذعن لأي مؤثر خارجي)ص33، تقول بارقة ابوالشون :
(أرجعي الى ضفتك راضية...
عودي لخاتمة
الشعر....
قارب يمشي على حد الظهيرة
وسراب الرغبات
يطبق ليل الحلم
يعدوا هاربا وحيدا الا من
قدري
اعزف على حافة الرمل لحن
الوجود)
فكان قصيدة (تمرد حرف) صرخة وجودية عبرت عن قلق الشاعرة في بحثها عن معنى الحياة ومحاولة ملامسة الحقيقة من خلال العزف على الحان الانتظار ، بمعنى هناك قوة تجذب الشاعرة باتجاه الانتظار ، رغم ذلك القلق الذي ينتابها من حلم ولى هاربا ووحيدا الا من قدرها ، ثمة رغبات مكبوتة ومحرمة تشاكسها ، لكنها تيمم وجهها هربا ايضا من السلطات الاجتماعية التي لاتعي ما تحمله الشاعرة من جماليات الحياة والوجود وهذا تبريرها في ركوب لغة الشعر والتعبير من خلالها عن خلجاتها الانسانية ورؤيتها تجاه هذا الموقف، فـ(الفن اذن نتاج انساني تاريخي، تتسامى فيه اعمق حالات الذات والواقع في تركيب مبدع وتأليف غامض من نوع خاص : بين المعطى الموضوعي والاسهام الذاتي، بين الجزئي المحدود والكلي الضروري غير المحدود، بين العياني الملموس والمطلق، لكنه تركيب يجري في الذات وخارجها، ويختزل في لحظة الابداع وعيها باكمله بالاضافة الى استعدادها اساسا.)ص60 الادب الفلسفي ، هكذا تعطينا الشاعرة بارقة ابوالشون تجربتها الحياتية وبحثها الجمالي من خلال مساحات الشعر ...
كتاب (مقدمة للشعر العربي) ادونيس/دار الساقي ـ لبنان بيروت طبعة منقحة ومزيدة لسنة 2009م
تبحث عن الخصوصية والتفرد
وجدان عبدالعزيز
دأبت الشاعرة بارقة ابوالشون في تعميق مسارها الشعري من خلال استمرارها في الكتابة بعيدا بعض الشيء عن الاضواء ، وبصمت احيانا متخذة طريقة أنسنة الاشياء وحوارها كما تفعل في قصيدتها (تمرد حرف)، فان التعامل مع الشعر كونه التعبير الاصدق عن الذات مما يجعله يتماهى مع الذات، وان هناك قوة تربطه وتشده الى منطقة الوجدان وتصورات الشاعر وخياله وبالتالي تجعله يبحث عن علاقة تبادلية مع الاشياء ، مما قد يجعله يستنطق الاشياء ويؤنسنها كما فعلت الشاعرة ابو الشون في قصيدتها اعلاه ، حيث استطاعت من خلال قدرتها ان تستعمل الكلمة وتبعث فيها قدرة روحية بايحاءات المعنى ، (فالكلام في الشعر يحوي بلاغاً وإبلاغاً إذا يسعى إلى وظيفة جمالية تسبق الوظيفة الابلاغية واللغة الشعرية تختلف عن اللغة العادية بأنها مميزة بتركيباتها ومستغلة جميع طاقاتها المعجمية والصوتية والدلالية ومن هذه الاطر تأتي الوظيفة الجمالية للشعر ومن هنا تأتي أهمية الشاعر المبدع القادر على تسخير امكانية اللغة والتلاعب بتركيباتها مما يمنح نصه خصوصية شعرية تجعله يتميز عن غيره من النصوص.)، تقول الشاعرة ابوالشون :
(اهداب معلقة
خبت انفاس اوراقنا
فلا غبار الهواء ياتي
بالنشيد
ولارمال المسافات تذر الاماني
تمردي ايتها الحروف
ذاك النحيب نقيض
وذاك الصراخ يفيض
الشعر في دمي مسهد
تمردي قلائد الندى
نامي وسادة اغتراب
ومأذنة الحنين)
وهنا الشاعرة عاشت الافتراضات وانسنة الاشياء وجعلت من الحرف ثورة تمردية يفيض بالصراخ مما جعل من الشعر سريان مسهد في دمها .. وهذا زادها قلق في البحث عن جمال الحياة .. وحقيقة الكون .. وهذه اسئلة مثارة ، بيد انها مخفية في دواخل الانسان المتمرد على الواقع الضنين، (من هنا، كان الشعر اعمق انهماكات الانسان واكثرها اصالة، لانه اكثرها براءة وفطرية والتصاقا بدخائل النفس، ومن هنا كان الشعر وسيلة حوار اولى بين الانا والاخر، فهو لانغراسه في اعماق الانسان، فعّال وملزم، انه حميا تسري في الانسان وتسري من ثم عبر سلوكه ومواقفه وافكاره ومشاعره في الحياة والواقع)ص92 مقدمة للشعر العربي، يقول ديمقرطس : (ان الاحساس هو المصدر الوحيد لمعرفة الاشياء في العالم)، ولهذا فان الشعر معرفة انسانية تحمل معطيات الاحساس والرؤية معبرا عنها من خلال تلك اللغة المجازية.. وبما ان (القصيدة الجديدة لم تعد شكلا جاهزا يستقبل كل انواع التجارب باختلاف نماذجها وحساسيتها وعمقها ونضجها، بل هي "عالم ذو ابعاد .. عالم متموج متداخل، كثيف بشفافية، عميق بتلألؤ، تعيش فيها وتعجز عن القبض عليها، تقودك في سديم من المشاعر والاحاسيس، سديم يستقل بنظامه الخاص" بعيدا عن أي خارج على النحو الذي يجب معاينته هو بكل ما ينطوي عليه من خصوصية وتفرد، وعبر قراءة حرة لا تذعن لأي مؤثر خارجي)ص33، تقول بارقة ابوالشون :
(أرجعي الى ضفتك راضية...
عودي لخاتمة
الشعر....
قارب يمشي على حد الظهيرة
وسراب الرغبات
يطبق ليل الحلم
يعدوا هاربا وحيدا الا من
قدري
اعزف على حافة الرمل لحن
الوجود)
فكان قصيدة (تمرد حرف) صرخة وجودية عبرت عن قلق الشاعرة في بحثها عن معنى الحياة ومحاولة ملامسة الحقيقة من خلال العزف على الحان الانتظار ، بمعنى هناك قوة تجذب الشاعرة باتجاه الانتظار ، رغم ذلك القلق الذي ينتابها من حلم ولى هاربا ووحيدا الا من قدرها ، ثمة رغبات مكبوتة ومحرمة تشاكسها ، لكنها تيمم وجهها هربا ايضا من السلطات الاجتماعية التي لاتعي ما تحمله الشاعرة من جماليات الحياة والوجود وهذا تبريرها في ركوب لغة الشعر والتعبير من خلالها عن خلجاتها الانسانية ورؤيتها تجاه هذا الموقف، فـ(الفن اذن نتاج انساني تاريخي، تتسامى فيه اعمق حالات الذات والواقع في تركيب مبدع وتأليف غامض من نوع خاص : بين المعطى الموضوعي والاسهام الذاتي، بين الجزئي المحدود والكلي الضروري غير المحدود، بين العياني الملموس والمطلق، لكنه تركيب يجري في الذات وخارجها، ويختزل في لحظة الابداع وعيها باكمله بالاضافة الى استعدادها اساسا.)ص60 الادب الفلسفي ، هكذا تعطينا الشاعرة بارقة ابوالشون تجربتها الحياتية وبحثها الجمالي من خلال مساحات الشعر ...
كتاب (مقدمة للشعر العربي) ادونيس/دار الساقي ـ لبنان بيروت طبعة منقحة ومزيدة لسنة 2009م