ماجدة حسن
فيك نور ضلّ .. وانكسب
فيك نور ضلّ .. وانكسب
فاقتربْ..هلاّ اقتربت..؟
هنا لحنُ عطركَ..
يتماوجُ منديلهُ فوق عنقِ الخرافة
هنا يشيّع الليلُ جناحهُ حتى أوّل الضوء
يشقشقُ ثوبَ الندى
يرفرفُ في الهزيعِ الأخيرِمن دهشتي
يسافرُ كذاكرةٍ.. أيقظها التعبْ
فاغتسلْ...هلاّ اغتسلت..؟
هنا الغديرُ يسمعنا
هناكَ صهيلُ الماءِ يتعلّم
خيلٌ تركضُ ..
أخرى تشعلُ زوابعَ الصمت
مربطُ يديك..
علامةٌ فارقةٌ في وجعِ الضحى
يقرأ طيبهُ فاتحةً
فوقَ جبينِ النّور
يتشكلُ بحيرةً سماوية
تحرسُها بجعاتُ المطر
هلاّ أمسكتَ الآهَ حبيبي
كيما ترحلُ للرقصِ البعيد
و تهمسُ لسلاطينٍ الدجى :
حانَ وقتُ الطرب ..!
فاشتعلْ..هلاّ اشتعلت..؟
هنا نبوءةُ المواقد..
هناكَ دخانُ التيه
كيف العناقُ ...تسألني ؟
جمرُ الوقتِ طفلٌ
يبدّل أحلامهُ برمادنا
كل شيءٍ دونَ احتفال الحريقِ...ملحمةٌ
إلا
شفتيكَ و بعضُ المغيبِ الطاهر
اتّقدْ..ابتردْ..ثم اتقد واصطبرْ
هنا لاخوفَ على النارِ من الذنوب
هنا روحُ السماءِ..تنبتُ أشفارَ الحطب.
الأديبة السورية الألماسية ماجدة حسن والتي يتنساب الحبر من أناملها برزخا من فردوس أقف اليوم أمام قصيدة لها تعتبر من أجمل وأبدع ما قرأت لغة وتركيبا مسورة بلوحات سريالية فاخرة تنســــــــاب جداول أنوثة من أفياء الحرف
عندما نقرأ للأديبة ماجدة حسن نقر ونعترف أن هناك دِلالات عميقة يختزنها الحرف بحداثوية مميزة فقد ابتكرت لغة للبحر بانسيابية النور
لنبدأ من عنوان النص
فيك نورضلّ... وانسكب
عنوان يرسم لوحة متمايزة بتركيبها الأنثوي الطاغي لتجعل من الجملة برمتها حالة سرمدية صادمة ورغم دهشتنا فيها فهي تشعرنا بحالة من الروحانية التي تجعل من المتلقي في حالة من بحث دائم عن تكملة هذه الجملة في جسد القصيدة وتفتح له باب التساؤلات اللا منتهي
من هو النور ؟؟ هل هو الحبيب بحد ذاته أم هو انعكاسها في الحبيب فلو فرضنا أنها عَنت الحالة الأولى فما الحبيب إلا عالما من فضيلة و طهرفالنور دلالة الهداية والتخلص من ظلام وتيه ونفق حيرة لا نهاية له وإن كنت أميل أن العنوان هو انعكاسها الروحاني في ذات الحبيب فهي بكل حواسها وجوارحها وروحانيتها كتلة واحدة موحدة منصهرة في ذاتٍ لم تتجزأ عنها لا شكلا ولا مضمونا برغم أن الفعل ( ضلّ ) هنا يعطي المعنى المضاد لأن الذات الشاعرة تحتاج للمزيد من هذا القرب
ليأتي بداية السطر بجملة
فاقتربْ..هلاّ اقتربت..؟
الفاء هنا تفيد التعقيب وتحثه على الاقتراب بنبرة لوم على البعد بكلمة هلاّ
هنا لحنُ عطركَ..
يتماوجُ منديلهُ فوق عنقِ الخرافة
هنا يشيّع الليلُ جناحهُ حتى أوّل الضوء
يشقشقُ ثوبَ الندى
يرفرفُ في الهزيعِ الأخيرِمن دهشتي
يسافرُ كذاكرةٍ.. أيقظها التعبْ
لوحة سريالية ساحرة تمزج فيها الشاعرة كل الألوان بالكلمات تمرح في بلاغيتها وكأنها تعزف قيثارة حرف
صورة تهز عرش الجمال في الجملة ( يشيّع الليل جناحه تحت أول الضوء ) بدلالات نفسية بعيدة المدى وتوظيف معنوي للكلمة تزيح الثقل عن روح المتلقي بنسمة أثيرية الخطى ولا تزال صادمة مدهشة في رحلتها الشاعرية
باستخدام باذخ للمعنى فقد صقلت دررها بعناية فائقة وصوبت سهام الحرف بحرفية عالية لترسم صورة التعب المنغمس بالدهشة وتحفظه في ذاكرة لينتشي الكلام
فاغتسلْ...هلاّ اغتسلت..؟
هنا الغديرُ يسمعنا
هناكَ صهيلُ الماءِ يتعلّم
خيلٌ تركضُ ..
أخرى تشعلُ زوابعَ الصمت
مربطُ يديك..
علامةٌ فارقةٌ في وجعِ الضحى
يقرأ طيبهُ فاتحةً
فوقَ جبينِ النّور
يتشكلُ بحيرةً سماوية
تحرسُها بجعاتُ المطر
هلاّ أمسكتَ الآهَ حبيبي
كيما ترحلُ للرقصِ البعيد
و تهمسُ لسلاطينٍ الدجى :
حانَ وقتُ الطرب ..!
ونستمر في هذه الدهشة الحرفية من خلال تعاقب المفردات التي تمسك بناصية الصدمة وتمضي
فاقترب ومن ثم اغتسل والحث على ذلك لتفتح تساؤلا آخرا من ماذا الاغتسال ؟؟
حالة روحانية علوية صوفية تمزج فيها الذات الشاعرة الروح ب الطهر ليدخل محرابها بلا آثام ولا آثار تدل ماضية تعكر صفو الجمال للانزياح في هذه القصيدة رقصات منحت للتركيب الأدبي جمالية منفردة
غدير يسمعنا وما هذه ال ( نا ) دلالة الاقتراب فالطبيعة هنا هي الشاهدة على الحدث ولا مفر من النكران البتة
ونلاحظ كثيرا في أدب الشاعرة ماجدة حسن كثرة تداولها للمفردات التي ترتبط بالطبيعة والبحر وهذا يدل على صفاء ذهني روحاني يشدنا نحو العمق أكثر ويحرك فينا الفطرة الانسانية بشكل أوسع
علامةٌ فارقةٌ في وجعِ الضحى
يقرأ طيبهُ فاتحةً
فوقَ جبينِ النّور
يتشكلُ بحيرةً سماوية
تحرسُها بجعاتُ المطر
هلاّ أمسكتَ الآهَ حبيبي
كيما ترحلُ للرقصِ البعيد
و تهمسُ لسلاطينٍ الدجى :
حانَ وقتُ الطرب ..!
هنا في هذا المقطع لوحة حرفية مكللة بالجمال بأطر أجمل راسمة ملامح الحبيب
بأبهى حلة ونعود لنلاحظ تلك المسحة العلوية في إحساسها المتدفق شاعرية والروحانية
مسحة صوفية علوية تكتسح القصيدة وتحتل مكامنها فقد رسمت ووجبينه نورا ومقلتاه بحيرات سماوية وحاجباه بجعات مطر لتكتمل تنهيدة مزقت الوجع وتشبثت بالفرح من خلال كلمة ( حبيبي) فحتى كلمة آه في محضره ( ترقص ) وهنا دلالة تقبل الألم والفرح على سواء بكل امتنان دام حضوره هو الطرب لكل شيء ولا يزال للانزياح والتفرد فيه معنى متميز
فاشتعلْ..هلاّ اشتعلت..؟
هنا نبوءةُ المواقد..
هناكَ دخانُ التيه
كيف العناقُ ...تسألني ؟
جمرُ الوقتِ طفلٌ
يبدّل أحلامهُ برمادنا
كل شيءٍ دونَ احتفال الحريقِ...ملحمةٌ
إلا
شفتيكَ و بعضُ المغيبِ الطاهر
اتّقدْ..ابتردْ..ثم اتقد واصطبرْ
هنا لاخوفَ على النارِ من الذنوب
هنا روحُ السماءِ..تنبتُ أشفارَ الحطب
الاشتعال بعد طلب الاقتراب والاغتسال مما مضى ......... ألا تلاحظون معي ترتيب متميز بل ومتفرد لتعاقب هذه المقاطع السريالية بهذا الطريقة المبدعة ...
هنا لحن العطر / هنا نبوءة المواقد وكأنها تريد القول أنها اختزال الاختزال
هناك ........ دخان التيه ...... بين هنا وال هناك ......... كان لا بد جدا من فعل الاغتسال
كيف العناقُ ...تسألني ؟ هنا ليس سؤالا بل تعجبا من السؤال بحد ذاته
وكيف يكون العناق بعد الاقتراب والاغتسال والاشتعال فهنا الجو لا يحتاج لتفسير بالمطلق فهو مفسر بطريقته
بسميائية واضحة أتت القصيدة بدلالات وإشارات تخاطب فهنا في هذا المقطع تناقض كل شيء
الرماد ما هو إلا دلالة عمق الاشتعال والوقت طفل لا يدرك اللحظات وهنا دلالة الانتشاء
فهنا لا ذنوب رغم النار وطهر رغم الاتقاد
لغة النار في هذه القصيدة على طرفي نقيض بين ال هنا وال هناك
وذلك لسبب بسيط أنها روح السماء وهنا مطلق الصوفية بمسحة علوية فخمة
فقد كانت لحن العطر ونبوءة المواقد وأيضا روح السماء وكيف يطيب له الابتعاد برغم كل هذه المغريات
هنا فقط تنبت جذور النار من الحطب .........
رحلة أدبية بمقاطع سريالية ثلاث أغنت الأدب العربي بأصالة متميزة وكأنني أراها حورية نور في محضر سماء
محبتي لك سيدة البحر الأديبة السورية ماجدة حسن
ولمزيد من تألق