21
.لن أذرفَ أقنعتي على الطاولةِ أمامهم
سأدلقُ براميلَ من الألوانِ و البيرة
موهمةً أصدقائي بالبهجةِ
.غناءً خلفَ أبوابِ الحمامات
من الخيوطِ و القصاصاتِ
-إذ لم أمتلك الأحجارَ في تدحرجِها-
.سأصنعُ المشانقَ و الميِّتين
لشموسٍ عديدةٍ
بستارتي لوّحتُ
لراحلينَ
خلّفوا سجائرَهم في المنافض
.تفنى من تلقاءِ نفسِها
كُلُّ ما كانَ لي
تركتُهُ على الحبالِ
القمصانُ
و تلكَ الجثثُ المزرقّةُ
كأظفاري
كسماءٍ في الحقدِ
تمطرُ الغابةَ
.بضحكٍ حامضٍ و خذلان
كُلُّ ما حلمتُ به
خذلني
و كأنّ قدميّ الصغيرتينِ
.مخلوقتانِ للانزلاقِ
22
كجذعٍ هجرتْهُ العصافيرُ
أقفُ وحدي
أكسرُ حدّةَ الفراغِ
بقامةٍ ضئيلةٍ
و أصدُّ الرياحَ المنهكةَ
عن ظلٍّ يتطايرُ
.و لا يلامسُ أطرافَ المطر
كلّما قطعتُهُ التأمَ
الشريانُ الذي يَصِلُ خياناتِهِمْ بدمي
و هذه الديدانُ
كلّما هَوَتْ
متخمةً بفاكهتي
أعدتُها إلى الجرحِ
.يدًا تجدّدُ خلايا عزلتِها
بمفتاحينِ ذهبيّينِ
-هما كُلُّ ما تبقّى منهما-
أغلقُ عينيّ
على الفقرِ في العلاقةِ
على هذيانِ المرتعدينَ من أنفاسهم
لعلّي في الوقتِ الذي على هيئةِ نهرٍ
أسقطُ
.خشبًا على خديعةٍ
23
.شبحًا، أخترقُ الجدارَ
أستلقي على آلامِ ظهري
شاردةً في السقفِ الشاهقِ
.كصرخةِ جبلٍ
جثّتي مدلاّةٌ
تتأرجحُ بينَ ظلالهم
طائرةً من الورقِ المقوّى
عَلِقَتْ بجسرٍ أحدبٍ
يعبرُهُ الصبيةُ العائدونَ من مدارسهم
يجمعونَ عصافيرَ ميّتةَ في الطرقاتِ
يتبادلونَ الأجنحةَ
حالمينَ بفضاءٍ أكثرَ اتّساعًا
و آباءٍ أقلَّ قسوةً
خشيةً من تآكلِ الأبوابِ
.بأحقادِ البكتيريا
قلبي فردٌ
آنيةُ دمعٍ خاويةٌ
إلاّ من عفونةِ الأزهارِ المتحلّلةِ إلى حشراتٍ
.تتنامى على غبارِ الكومودينو الأسود
24
بأيّةِ يدٍ أقفلُ النافذة َعلى المشهد؟
.صناديقُ الموتى تزحمُ حجرتي
.الأمُّ تهمسُ لعشيقِها بأسرار ِالعائلةِ
،صوتُها الخؤونُ يقودُني على أسلاكٍ مكشوفةٍ
و هذه الجرذانُ في الزوايا متربّصةٌ
.تتغذّى على ما ترسّبَ في الدمِ من أقراصٍ مهدّئة
.مسّني جنونٌ
أصابعُ المهرّجينَ في خواتمِ الدخانِ
و الحسرةُ شجرةٌ محنتُها الفقدُ
.تحدّقُ في حذائها
هل يستمرُّ الأطفالُ الملوّنونَ طويلاً على بياضِ الحوائط؟
من دلّ أقدامَهُمْ على طريقٍ سلكَتْهُ الراقصةُ بعدهم؟
و كيفَ استطاعوا أن يتسلّلوا إلى الكوابيس
دونَ أن يرجّفوا الظلّ؟
وحيدونَ في حضنها
رغمَ تداخلِ الأعضاءِ و الشوارع
يعانقونَ دميةً تُشْبِهُها و لا تُبادِلُهُمْ القُبَلَ
و لأنّ السلالمَ لا تصعدُ
يتسلّقونَ آثامَهُمْ
عتمةً ثنائيةَ الجنسِ
.وردًا عائمًا يرافقُ انجرافَ الجثّة
ربّما يكونُ الادراكُ قد أتلفَ تعدّدي
فلا أستمتعُ بالصخبِ و الكؤوسِ ثابتةً
.و لا أقوى على تحمّلِ حناني
.شخوصٌ يتكاثرونَ حولَ السرير
.يُعْتِمونَ في الغيبوبةِ مساحةَ الركضِ
بطلقةٍ واحدةٍ
يمكنني التخلّصَ من كُلِّ هذه الأشباحِ في الرأس
.في أنفاسِ حجرةٍ تضيقُ و تتّسعُ
25
.عبرتُ
.رأيتُ غابةً هادرةً
.أعرفُ الوجوهَ
.لا أذكرُ أسماءَها
.ليسَ الأزرقُ لونًا أو سماءً أو بحرًا
.الأزرقُ لوحةُ طفولتي
،الأزرقُ عصفورٌ بلا شجرة
.أسماكٌ في العينين، في الرئتين، في العروق
رأيتُ قصيدتي تغادرني
،كالمكان)
(كمربّعاتِ الإسمنتِ و المقاعد
روحًا تحلّقُ فوقَ الجثّةِ
.ثم تتّجهُ نحوَ النفق
.إنّني الآن على الجانب الآخر
.عبرتُ حياتي حيثُ لا شئ، لا أحد، سوى هذا الفراغ الأسود
.ما من أحدٍ مغلق
26
الشوارعُ ذاتُها
بالأسماءِ التي تحملُها منذُ قرونٍ
بأشجارِها العاريةِ
.عروقًا في أعضاءِ الفراغ
عناوينُنا فقطْ
.هي التي تغيّرت
أمشي
ظلّي آخر
شأنَ أفرادِ العائلةِ
.مثلَ أصدقائي
ثمّةَ عصافير من الغليسرين تنهمرُ
مطرًا خادعًا
رغم تدفّقِهِ
.كالحنانِ الذي في قسوتك
27
.ليست هذه مدينتي، أعلمُ
الخواءُ ضيّقٌ، ما من رفاقٍ في هذا البلدِ البعيدِ يوسّعونَ الروحَ
.و الأمكنة
أكثرَ وحدةً من جثّةٍ لم تألف عتمتَها بعد
الذينَ أخمدوا صرختي بترابٍ
.عادوا إلى منازلهم
في انتظارِهِ
.سريرٌ و امرأة
أدخّنُ الفقدَ
رئتينِ متفحّمتينِ تنتفضانِ بسعالك
كي أصنعَ غيمًا يؤنسُ ظلّي
.و أجعلَ من السقفِ سماءً صغيرة
28
من أطفأ الأباجورةَ العاليةَ في غرفتي؟
.لا بدّ أنّ شبحًا يقيمُ حيثُ كانَ لي في الزاويةِ سريرٌ
،ثمّةَ يدٌ مجهولةٌ نزعتْ صورةَ المغنّي عن جدارِها
.و ألقت بخشبِ غيتارِهِ في المدفأة
.الستارةُ في الطابقِ الثالثِ من العتمةِ و الريحِ تلوّحُ
لعلّها لمحتُ يدي المعلّقةَ في خواءٍ
.غيمةً بلا خواتم
29
الشجرةُ التي حدّثتني عنها مرارًا
التي تسقطُ أوراقَها الصفراء
كمن ينفضُ عن معطفِهِ بعضَ الغبار
.لم تعد أمّي
.ما عادَ الطائرُ الأزرقُ الذي تطوّقُهُ بذراعيها يأمنُ مزاجَ حنانها
30
هكذا أعودُ
في ساعةٍ متأخّرةٍ من التعبِ
.لعلّ الجمرَ الذي في الأعضاءِ يستحيلُ رمادًا
.أخرجُ عن سياقِ الكؤوسِ و الأصدقاء
.أغادرُ الضحكَ مكانًا لا يتّسعُ لانسكابي
.أتبعُ الوقتَ الذي مرّ كغريبٍ تحتَ النافذة
.لم يعد في القسوةِ ما يُدْهِشُ
يدي اعتادت سقوطَ خواتمها
و أشباحَ المحبَّةِ
خارجةً من المناديل
.حينَ ألوّحُ
هكذا
عبرَ البياضِ في أكفانٍ مرصوصةٍ خلفَ البابِ
...توطّدت علاقةُ الأصابعِ بالفراغِِ
.أطفالي نائمونَ في الورق
توسّدوا الألوانَ
.ناموا
.مُحْكَمٌ بيننا الزجاجٌ، لئلاّ توقظَ أحدَهُمْ خشونةُ سعالي
.أستلقي على السريرِ الأَرِقِ بثيابي
.علبةُ السجائر في مكانِها و الهاتفُ المنسيّ
أفكّرُ في النُدْبِ الذي في خدّها الأيمن. تلكَ المرأةُ الغامضةُ لم تُسْقِطْ كُلَّ جلودِها. ليست عاهرةً، كما صوّرَتْ لنا ملابسُها الفاضحةُ أحيانًا و تعدّدُ لهجاتِها. و لا أعتقدُ أنّ المقهى المهدومَ سيعودُ إلى ما كانَ عليهِ: قشُّ السقفِ و الجدران، الحبالُ ال
.أُغْمِضُ
.ما عاد ممكنًا أن أستعيدَها أمًّا ليتمي
.حضنُها مغلقٌ. ما من مفتاحٍ للبوّابةِ التي تخذلُ ظلّي كلّما اقتربْت
31
تحتَ مطرٍ من شجرٍ في السماءِ
سأقفُ
جذعً ميّتًا
نحتَتْهُ
-ليصيرَ أنا-
ريحٌ
.في خشبِهِ، نفخَتْ روحَها
سيّاراتٌ قليلةٌ ستعبرني
في ظلّي، سيدخّنُ صغارُ المدرسةِ
كما كنّا نفعلُ في الماضي تمامًا)
تحتَ تلكَ الشجرةِ الكبيرةِ
قُرْبَ البوّابةِ الرئيسيةِ
.(و السورِ الأحمر
سأنصتُ لارتطامِ الطيورِ
على المعطفِ البلاستيكيّ
و الأسفلتِ الموحشِ
حتّى تُفقِدني أحماضُ الملائكةِ وجهي
و يدي
.و الأرضَ التي لم تعرف بعدَ الغيابِ حذائي
32
البابُ المعدنيُّ الأخضرُ
ذو القضبانِ العديدةِ و الحارسِ الأوحد
الذي كنّا ندخلُهُ في الصباحِ ركضًا و الحقائبُ الصغيرةُ تقفزُ على ظهورِنا مثلَ ضفادع تبعتْنا من النهرِ البعيدِ
.البابُ -عتبةُ الجنّةِ في الخروجِ- مغلقٌ على طفولتِنا
.يدي تحثّني على ملامسةِ حديدٍ مبتلّ
.لا أجرؤ
33
على الرصيفِ المقابلِ، شبحُ ذلكَ المقهى. دوريٌّ على كتفِهِ الأيمن يحدّقُ في ظلّي. غبارُ السنواتِ بيننا. مِنْهُ، يولدُ المكانُ ثانيةً، و تحلّقُ عصافيرُهُ بذاكرتي:
البابُ الخشبيُّ الخشنُ، المتأرجحُ الستارةِ بينَ صقيعِ الشارعِ العموميّ و الدخان. الطاولاتُ المستطيلةُ ذاتَ المنافض و الفناجين و الصحون و الأيدي. الكراسي التي قوّسَتْ ظهورَنا. الجدرانُ الصفراءُ كأسنانِنا. النادلةُ الطيّبةُ التي تعرفُنا أكثرَ من أمّهاتِنا.
مروة، عالية، منى، أنا: أربعةُ حوائط هُدِمَتْ في مثلِ هذا المطر.
.السقفُ موتٌ ملوّنٌ، معلّقٌ في الخواءِ، يظلّلُ رأسَ الشبحِ و دهشةَ الدوريّ على الرصيفِ المقابل
34
تحتَ هذا المطر المتساقط من الأعالي
سأقفُ
جذعًا يقلّ
.وحلاً تتكاثرُ فيه أعقاب السجائر
.لن يفتحَ البابَ الحطّابُ الذي قطّعَ أعضائي
لن تحطّ على كتفي
لن تدركني
في هذا المكانِ القديمِ
.شمسُ الأصدقاء
35
.أرجّحُ الاحتمالاتِ الطيّبة لِكُلِّ السوءِ الذي حدث
المحبَّةُ خدعةٌ
و الحنانُ مشبوهٌ
.لكنّني -رغمَ حدّةِ الألمِ- سأستمرُّ في تصديق ما لا أراهُ
.لن أذرفَ أقنعتي على الطاولةِ أمامهم
سأدلقُ براميلَ من الألوانِ و البيرة
موهمةً أصدقائي بالبهجةِ
.غناءً خلفَ أبوابِ الحمامات
من الخيوطِ و القصاصاتِ
-إذ لم أمتلك الأحجارَ في تدحرجِها-
.سأصنعُ المشانقَ و الميِّتين
لشموسٍ عديدةٍ
بستارتي لوّحتُ
لراحلينَ
خلّفوا سجائرَهم في المنافض
.تفنى من تلقاءِ نفسِها
كُلُّ ما كانَ لي
تركتُهُ على الحبالِ
القمصانُ
و تلكَ الجثثُ المزرقّةُ
كأظفاري
كسماءٍ في الحقدِ
تمطرُ الغابةَ
.بضحكٍ حامضٍ و خذلان
كُلُّ ما حلمتُ به
خذلني
و كأنّ قدميّ الصغيرتينِ
.مخلوقتانِ للانزلاقِ
22
كجذعٍ هجرتْهُ العصافيرُ
أقفُ وحدي
أكسرُ حدّةَ الفراغِ
بقامةٍ ضئيلةٍ
و أصدُّ الرياحَ المنهكةَ
عن ظلٍّ يتطايرُ
.و لا يلامسُ أطرافَ المطر
كلّما قطعتُهُ التأمَ
الشريانُ الذي يَصِلُ خياناتِهِمْ بدمي
و هذه الديدانُ
كلّما هَوَتْ
متخمةً بفاكهتي
أعدتُها إلى الجرحِ
.يدًا تجدّدُ خلايا عزلتِها
بمفتاحينِ ذهبيّينِ
-هما كُلُّ ما تبقّى منهما-
أغلقُ عينيّ
على الفقرِ في العلاقةِ
على هذيانِ المرتعدينَ من أنفاسهم
لعلّي في الوقتِ الذي على هيئةِ نهرٍ
أسقطُ
.خشبًا على خديعةٍ
23
.شبحًا، أخترقُ الجدارَ
أستلقي على آلامِ ظهري
شاردةً في السقفِ الشاهقِ
.كصرخةِ جبلٍ
جثّتي مدلاّةٌ
تتأرجحُ بينَ ظلالهم
طائرةً من الورقِ المقوّى
عَلِقَتْ بجسرٍ أحدبٍ
يعبرُهُ الصبيةُ العائدونَ من مدارسهم
يجمعونَ عصافيرَ ميّتةَ في الطرقاتِ
يتبادلونَ الأجنحةَ
حالمينَ بفضاءٍ أكثرَ اتّساعًا
و آباءٍ أقلَّ قسوةً
خشيةً من تآكلِ الأبوابِ
.بأحقادِ البكتيريا
قلبي فردٌ
آنيةُ دمعٍ خاويةٌ
إلاّ من عفونةِ الأزهارِ المتحلّلةِ إلى حشراتٍ
.تتنامى على غبارِ الكومودينو الأسود
24
بأيّةِ يدٍ أقفلُ النافذة َعلى المشهد؟
.صناديقُ الموتى تزحمُ حجرتي
.الأمُّ تهمسُ لعشيقِها بأسرار ِالعائلةِ
،صوتُها الخؤونُ يقودُني على أسلاكٍ مكشوفةٍ
و هذه الجرذانُ في الزوايا متربّصةٌ
.تتغذّى على ما ترسّبَ في الدمِ من أقراصٍ مهدّئة
.مسّني جنونٌ
أصابعُ المهرّجينَ في خواتمِ الدخانِ
و الحسرةُ شجرةٌ محنتُها الفقدُ
.تحدّقُ في حذائها
هل يستمرُّ الأطفالُ الملوّنونَ طويلاً على بياضِ الحوائط؟
من دلّ أقدامَهُمْ على طريقٍ سلكَتْهُ الراقصةُ بعدهم؟
و كيفَ استطاعوا أن يتسلّلوا إلى الكوابيس
دونَ أن يرجّفوا الظلّ؟
وحيدونَ في حضنها
رغمَ تداخلِ الأعضاءِ و الشوارع
يعانقونَ دميةً تُشْبِهُها و لا تُبادِلُهُمْ القُبَلَ
و لأنّ السلالمَ لا تصعدُ
يتسلّقونَ آثامَهُمْ
عتمةً ثنائيةَ الجنسِ
.وردًا عائمًا يرافقُ انجرافَ الجثّة
ربّما يكونُ الادراكُ قد أتلفَ تعدّدي
فلا أستمتعُ بالصخبِ و الكؤوسِ ثابتةً
.و لا أقوى على تحمّلِ حناني
.شخوصٌ يتكاثرونَ حولَ السرير
.يُعْتِمونَ في الغيبوبةِ مساحةَ الركضِ
بطلقةٍ واحدةٍ
يمكنني التخلّصَ من كُلِّ هذه الأشباحِ في الرأس
.في أنفاسِ حجرةٍ تضيقُ و تتّسعُ
25
.عبرتُ
.رأيتُ غابةً هادرةً
.أعرفُ الوجوهَ
.لا أذكرُ أسماءَها
.ليسَ الأزرقُ لونًا أو سماءً أو بحرًا
.الأزرقُ لوحةُ طفولتي
،الأزرقُ عصفورٌ بلا شجرة
.أسماكٌ في العينين، في الرئتين، في العروق
رأيتُ قصيدتي تغادرني
،كالمكان)
(كمربّعاتِ الإسمنتِ و المقاعد
روحًا تحلّقُ فوقَ الجثّةِ
.ثم تتّجهُ نحوَ النفق
.إنّني الآن على الجانب الآخر
.عبرتُ حياتي حيثُ لا شئ، لا أحد، سوى هذا الفراغ الأسود
.ما من أحدٍ مغلق
26
الشوارعُ ذاتُها
بالأسماءِ التي تحملُها منذُ قرونٍ
بأشجارِها العاريةِ
.عروقًا في أعضاءِ الفراغ
عناوينُنا فقطْ
.هي التي تغيّرت
أمشي
ظلّي آخر
شأنَ أفرادِ العائلةِ
.مثلَ أصدقائي
ثمّةَ عصافير من الغليسرين تنهمرُ
مطرًا خادعًا
رغم تدفّقِهِ
.كالحنانِ الذي في قسوتك
27
.ليست هذه مدينتي، أعلمُ
الخواءُ ضيّقٌ، ما من رفاقٍ في هذا البلدِ البعيدِ يوسّعونَ الروحَ
.و الأمكنة
أكثرَ وحدةً من جثّةٍ لم تألف عتمتَها بعد
الذينَ أخمدوا صرختي بترابٍ
.عادوا إلى منازلهم
في انتظارِهِ
.سريرٌ و امرأة
أدخّنُ الفقدَ
رئتينِ متفحّمتينِ تنتفضانِ بسعالك
كي أصنعَ غيمًا يؤنسُ ظلّي
.و أجعلَ من السقفِ سماءً صغيرة
28
من أطفأ الأباجورةَ العاليةَ في غرفتي؟
.لا بدّ أنّ شبحًا يقيمُ حيثُ كانَ لي في الزاويةِ سريرٌ
،ثمّةَ يدٌ مجهولةٌ نزعتْ صورةَ المغنّي عن جدارِها
.و ألقت بخشبِ غيتارِهِ في المدفأة
.الستارةُ في الطابقِ الثالثِ من العتمةِ و الريحِ تلوّحُ
لعلّها لمحتُ يدي المعلّقةَ في خواءٍ
.غيمةً بلا خواتم
29
الشجرةُ التي حدّثتني عنها مرارًا
التي تسقطُ أوراقَها الصفراء
كمن ينفضُ عن معطفِهِ بعضَ الغبار
.لم تعد أمّي
.ما عادَ الطائرُ الأزرقُ الذي تطوّقُهُ بذراعيها يأمنُ مزاجَ حنانها
30
هكذا أعودُ
في ساعةٍ متأخّرةٍ من التعبِ
.لعلّ الجمرَ الذي في الأعضاءِ يستحيلُ رمادًا
.أخرجُ عن سياقِ الكؤوسِ و الأصدقاء
.أغادرُ الضحكَ مكانًا لا يتّسعُ لانسكابي
.أتبعُ الوقتَ الذي مرّ كغريبٍ تحتَ النافذة
.لم يعد في القسوةِ ما يُدْهِشُ
يدي اعتادت سقوطَ خواتمها
و أشباحَ المحبَّةِ
خارجةً من المناديل
.حينَ ألوّحُ
هكذا
عبرَ البياضِ في أكفانٍ مرصوصةٍ خلفَ البابِ
...توطّدت علاقةُ الأصابعِ بالفراغِِ
.أطفالي نائمونَ في الورق
توسّدوا الألوانَ
.ناموا
.مُحْكَمٌ بيننا الزجاجٌ، لئلاّ توقظَ أحدَهُمْ خشونةُ سعالي
.أستلقي على السريرِ الأَرِقِ بثيابي
.علبةُ السجائر في مكانِها و الهاتفُ المنسيّ
أفكّرُ في النُدْبِ الذي في خدّها الأيمن. تلكَ المرأةُ الغامضةُ لم تُسْقِطْ كُلَّ جلودِها. ليست عاهرةً، كما صوّرَتْ لنا ملابسُها الفاضحةُ أحيانًا و تعدّدُ لهجاتِها. و لا أعتقدُ أنّ المقهى المهدومَ سيعودُ إلى ما كانَ عليهِ: قشُّ السقفِ و الجدران، الحبالُ ال
.أُغْمِضُ
.ما عاد ممكنًا أن أستعيدَها أمًّا ليتمي
.حضنُها مغلقٌ. ما من مفتاحٍ للبوّابةِ التي تخذلُ ظلّي كلّما اقتربْت
31
تحتَ مطرٍ من شجرٍ في السماءِ
سأقفُ
جذعً ميّتًا
نحتَتْهُ
-ليصيرَ أنا-
ريحٌ
.في خشبِهِ، نفخَتْ روحَها
سيّاراتٌ قليلةٌ ستعبرني
في ظلّي، سيدخّنُ صغارُ المدرسةِ
كما كنّا نفعلُ في الماضي تمامًا)
تحتَ تلكَ الشجرةِ الكبيرةِ
قُرْبَ البوّابةِ الرئيسيةِ
.(و السورِ الأحمر
سأنصتُ لارتطامِ الطيورِ
على المعطفِ البلاستيكيّ
و الأسفلتِ الموحشِ
حتّى تُفقِدني أحماضُ الملائكةِ وجهي
و يدي
.و الأرضَ التي لم تعرف بعدَ الغيابِ حذائي
32
البابُ المعدنيُّ الأخضرُ
ذو القضبانِ العديدةِ و الحارسِ الأوحد
الذي كنّا ندخلُهُ في الصباحِ ركضًا و الحقائبُ الصغيرةُ تقفزُ على ظهورِنا مثلَ ضفادع تبعتْنا من النهرِ البعيدِ
.البابُ -عتبةُ الجنّةِ في الخروجِ- مغلقٌ على طفولتِنا
.يدي تحثّني على ملامسةِ حديدٍ مبتلّ
.لا أجرؤ
33
على الرصيفِ المقابلِ، شبحُ ذلكَ المقهى. دوريٌّ على كتفِهِ الأيمن يحدّقُ في ظلّي. غبارُ السنواتِ بيننا. مِنْهُ، يولدُ المكانُ ثانيةً، و تحلّقُ عصافيرُهُ بذاكرتي:
البابُ الخشبيُّ الخشنُ، المتأرجحُ الستارةِ بينَ صقيعِ الشارعِ العموميّ و الدخان. الطاولاتُ المستطيلةُ ذاتَ المنافض و الفناجين و الصحون و الأيدي. الكراسي التي قوّسَتْ ظهورَنا. الجدرانُ الصفراءُ كأسنانِنا. النادلةُ الطيّبةُ التي تعرفُنا أكثرَ من أمّهاتِنا.
مروة، عالية، منى، أنا: أربعةُ حوائط هُدِمَتْ في مثلِ هذا المطر.
.السقفُ موتٌ ملوّنٌ، معلّقٌ في الخواءِ، يظلّلُ رأسَ الشبحِ و دهشةَ الدوريّ على الرصيفِ المقابل
34
تحتَ هذا المطر المتساقط من الأعالي
سأقفُ
جذعًا يقلّ
.وحلاً تتكاثرُ فيه أعقاب السجائر
.لن يفتحَ البابَ الحطّابُ الذي قطّعَ أعضائي
لن تحطّ على كتفي
لن تدركني
في هذا المكانِ القديمِ
.شمسُ الأصدقاء
35
.أرجّحُ الاحتمالاتِ الطيّبة لِكُلِّ السوءِ الذي حدث
المحبَّةُ خدعةٌ
و الحنانُ مشبوهٌ
.لكنّني -رغمَ حدّةِ الألمِ- سأستمرُّ في تصديق ما لا أراهُ