ليالي بيروت

في ليالي الضِّيقِ والحرمانِ

والريحِ المدوِّي في متاهاتِ الدروبْ

مَن يُقَوِّينا على حَمْلِ الصليبْ

مَن يَقينا سَأمَ الصَّحْراءِ,

مَن يَطْرُدُ عنَّا ذلك الوحشَ الرَّهيبْ

عندما يزحَفُ من كَهفِ المغيبْ

واجِمًا محتَقِنًا عبرَ الأزقَّهْ,

أَنَّةٌ تُجْهِشُ في الريحِ, وَحُرْقَه,

أعينٌ مشبوهَةُ الوَمضِ

وأشباحٌ دَميمَهْ.

ويثورُ الجنُّ فينا

وتُغاوينا الذنُوبْ

والجَريمهْ:

"إنَّ في بيروتَ دنيا غيرَ دنيا"

"الكَدحِ والمَوتِ الرتيبْ"

"إنَّ فيها حانةً مسحورةً,"

"خمرًا, سريرًا مِن طيوبْ"

"للحيارى"

في متاهات الصحارَى,

في الدهاليزِ اللعينَهْ

ومواخيرِ المدينَهْ

(...)

مَن يقوِّينا على حملِ الصليبْ

كيف نَنجُو مِن غِواياتِ الذنوبْ

والجَريمَهْ?

مَن يقينا وهلةَ النَّوْمِ

وما تَحملُ مِن حُمَّى النَّهارْ.

أين ظلُّ الوردِ والرَّيْحانِ

يا مِروحَةَ النوْمِ الرَّحيمَهْ?

آهِ مِن نومي وكابوسي الذي

ينفُضُ الرُّعْبَ بوَجْهي وَجَحيمَهْ

مُخدعي ظلُّ جدارٍ يتداعى

ثُمَّ ينهارُ على صَدْري الجِدارْ

وغريقًا ميِّتًا أطفو على دَوَّامةٍ

حرَّى ويُعميني الدُّوارْ

آهِ والحقْدُ بقلبي مِصهرٌ

أمتَصُّ, أجترُّ سمومَهْ

ويدي تُمسِكُ في خِذْلانها

خَنجَرَ الغَدرِ, وسُمَّ الانتِحارْ,

رُدَّ لي يا صُبحُ وجهي المستعارْ

رُدَّ لي, لا, أي وجهٍ

وجحيمي في دمي, كيف الفِرارْ

وأنا في الصبحِ عبدٌ للطواغيتِ الكبارْ

وأنا في الصبحِ شيءٌ تافهٌ, آهِ من الصبحِ

وجَبْروتِ النَّهارْ!

أَنَجُرُّ العمرَ مشلولاً مدمًّى

في دروبٍ هدَّها عبءُ الصليبْ

دون جدوى, دون إِيمانٍ

بفردوسٍ قريبْ?

عمرُنا الميِّتُ ما عادتْ تدمِّيه الذنوبْ

والنيوب

ما علَيْنا لَوْ رَهنَّاهُ لدى الوحشِ,

أو لدى الثعلَبِ في السوقِ المُريبْ

ومَلأنَا جَوفَنا المَنْهومَ

مِنْ وهجِ النُّضار

ثُمَّ نادَمنا الطواغِيتَ الكبارْ

فاعتَصَرْنا الخمرَ من جوعِ العَذارى

والتَهمْنا لحمَ أطفالٍ صغارْ,

وَغَفوْنا غَفْوَ دُبٍّ قُطُبيٍّ

كهْفُه منطمِسٌ, أعمى الجِدارْ