هبط الليل وما زال مكاني عند شطّ النهر , في الصمت العميق
شردت روحي,وغابت عن عياني صور الحاضر والماضي السحيق
وامحي في خاطري ذكر الزمان وتلاشت ذكر الدهر المحيق
ليس إلا الحزن يمشي في كياني وأنا في ظلمة الليل الصديق
غرق الضوء وراء الأفق وخلا العالم من لون الضياء
ليس إلا رمق من الشفق حائل قد كان يمحوه الفناء
وأنا تمثال حزن محرق وشقاء مطبق فوق شقاء
أرمق الأفق بطرف مغرق تائه يطوى دياجير الفضاء
أيّ معنى هاج في نفسي الغروب؟ أجفلت في جسدي منه الحياة
وسرى في مسمعي همس غريب كلّه هول ورعب وشكاة
واعتراني خاطر مشج رهيب وتجلّى لخيالاتي الممات
ها أنا وحدي تناجيني غمومي وكآباتي وأشباح الفناء
كلّ ما حولي مثير للوجوم مصرع الشمس وأحزان المساء
عبثا أطرد عن نفسي همومي عبثا أرجو شعاعا من رجاء
غرقت أحلام قلبي في الغيوم وتلاشت مثل أحلام الضياء
أقفر العالم حولي لا نشيد من صبي أو هتاف أو حفيف
أنا والأمواج واليأس الشديد وانحدار الشطّ والظلّ الوريف
وحواليّ ظلام وركود ألقيا الحزن على حسّي الرهيف
من بعيد أبصر الراعي الحزين يرجع الأغنام في صمت الغروب
مطرقا أتعبه ركب السنين فقضاها في نحول وشحوب
هو والأغنام حزن وسكون وخطى في مسمع الليل الرهيب
وأنا أرمقهم غرقى الجفون تحت أحلام شبابي وكروبي
وبعيدا في الفضاء المدلهمّ خفقة من جنح طير عابر
فاجأته ظلمة الليل الملمّ وجبال من سحاب ماطر
فسرى بين دياجير وغيم كخيال في فؤاد الشاعر
لحظة , ثم تواى في الخضمّ بين أمواج الظلام الغامر
آه ما أرهبه الآن سكونا لا أعي فيه سوى دّقات قلبي
صمت الكون ونام المتعبونا وهو ما زال صدى حزن وحبّ
نظراتي لم تزل حلما حزينا وخيالات مسائي لم تعد بي
طفقت تصعد بي أفق السنينا وترود الكون من شرق لغرب
ونباح الكلب في الحقل البعيد رفّ في سمعي ضئيلا مجهدا
موحشا في ظلمة الليل الوليد غامض الوقع , غريبا كالصدى
ذا فؤاد مرهف الحسّ شريد دفن الأمس ولم يرج الغدا
ومياه النهر تجري في شحوب تحت أكداس الغيوم الجاثمات
وصدى طاحونة القمح الغريب يكئب النفس بأشجى النغمات
هكذا مرّ على روحي الغريب غامض الظلّ حزين الخطوات
فوداعا أيّها الجرف الكئيب ووداعا يا غمار الظلمات