أنا ما تشاء أنا الحقير

صبّاغ أحذية الغزاة و بائع الدم و الضمير

للظالمين أنا الغراب

يقتات من جثث الفراخ أنا الدمار أنا الخراب

شفة البغيّ أعفّ من قلبي و أجنحة الذباب

أنقى و أدفأ من يدي كما تشاء أنا الحقير

لكن لي من مقلتي إذا تتبعتا خطاك

و تقرتا قسمات وجهك و ارتعاشك إبرتين

ستنسجان لك الشراك

و حواشي الكفن الملطخ بالدماء و جمرتين

تروعان رؤاك إن لم تحرقاك

و تحول دونهما ودونك بين كفيّ الجريدة

فتندّ آهتك المديدة

و تقول أصبح لا يراني بيد أن دمي يراك

إني أحسّك في الهواء و في عيون القارئين

لم يقرأون لأن تونس تستفيق على النضال

و لأن ثوار الجزائر ينسجون من الرمال

و من العواصف و السيول و من لهاث الجائعين

كفن الطغاة ؟ و ما تزال قذائف المتطوعين

يصفرن في غسق القنال

لم يقرأون و ينظرون إليّ حينا بعد حين

كالشامتين ؟

سيعلمون من الذي هو في ضلال

و لأيّنا صدأ القيود لأينا صدأ القيود

لأيّنا

نهض الحقير

و سأقتفيه فما يفرّ سأقتفيه إلى السعير

أنا ما تشاء أنا اللئيم أنا الغبيّ أنا الحقود

لكنّما أنا ما أريد أنا القويّ أنا القدير

أنا حامل الأغلال في نفسي أقيد من أشاء

بمثلهنّ من الحديد و أستبيح من الخدود

ومن الجباه أعزهن أنا المصير أنا القضاء

الحقد كالتنور في إذا تلهّب بالوقود

الحبر و القرطاس أطفأ في وجوه الأمّهات

تنورهنّ و أوقف الدم عن ثدي المرضعات

في البدء كان يطيف بي شبح يقال له الضمير

أنا منه مثل اللص يسمع وقع أقدام الخفير

شبح تنفّس ثمّ مات

و اللص عاد هو الخفير

في البدء لم أك في الصراع سوى أجير

كالبائعات حليبهنّ كما تؤجّر للبكاء

و لندب موتى غير موتاهنّ في الهند النساء

قد أمعن الباكي على مضض فعاد هو البكاء

الخوف و الدم و الصغّار فأي شيء أرتجيه

فعلى يديّ دم و في أذنيّ وهوهة الدماء

و بمقلتيّ دم و للدم في فمي طعم كريه

أثقل ضميرك بالآثام فلا يحاسبك الضمير

و انس الجريمة بالجريمة و الضحية بالضحايا

لا تمسح الدم عن يديك فلا تراه و تستطير

لفرط رعبك أو لفرط أساك و احتضن الخطايا

بأشدّ ما وسع احتضان تنج من وخز الخطايا

قوتي و قوت بني لحم آدمي أو عظام

فليحقدن علي كالحمم الأنام

كي لا يكونوا إخوة لي آنذاك و لا أكون

و ريث قابيل اللعين سيسألون

عن القتيل فلا أقول

أأنا الموكل و يلكم بأخي فإن المخبرين

بالآخرين موكّلون

سحقا لهذا الكون أجمع و ليحلّ به الدمار

مالي و ما للناس لست أبا لكل الجائعين

و أريد أن أروى و أشيع من طوى كالآخرين

فلينزلوا بي ما استطاعوا من سباب و احتقار

لي حفنة القمح التي بيدي و دانية السنين

خمس و أكثر أو أقل هي الربيع من الحياة

فليحلموا هم بالغد الموهوم يبعث في الفلاة

روح النماء و بالبيادر و انتصار الكادحين

فليحملوا إن كانت الأحلام تشبع من يجوع

إني سأحيا رجاء و لا اشتياق و لا نزوع

لا شيء غير الرعب و القلق الممض على المصير

ساء المصير

ربّاه إن الموت أهون من ترقّبه المرير

ساء المصير

لم كنت أحقر ما يكون عليه إنسان حقير