برق الضاد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

برق الضاددخول

منتدى ادبي شامل يعني بفروع الادب العربي


descriptionإنقاذ جندي من الجيش العربي السوري Emptyإنقاذ جندي من الجيش العربي السوري

more_horiz
"إن الموت ليس هو الخسارة الكبرى ،الخسارة الكبرى هو ما يموت فينا وونحن أحياء"محمد الماغوط
كلمات ترددت برأس لين وهي ترتشف الشاي بساحة بيتها مع شقيقتيهاالطبيبة ريمة وبنان أم الأطفال الست الذين ملئوا البيت ضجيجاًفي يوم هادئ ، أخذت تحدق بالورد الجوري القرمزي المتناثر هنا وهناك والعصافير المغردة التي تقفز من جذع لآخر ولكن لم تشعر بجمال كل هذا بعمق كما كانت  تفعل بالسابق ،ربما لأنه شيء ما بقلبها وبقلب كل سوري مات عند نزيف أول شهيد سوري
كان هذا اليوم من أكثر الأيام هدوءاً بدرعا منذ قيام الأزمة قبل عامين ،فبيتهما الواقع بذلك الشارع مابين درعا البلد ودرعا المحطة أشبه بوقوعه على جبل الأعراف بين الجنة والنار!!
مع هذا كنَّ يشعرن بالكثير من الأرتباك ، الهدوء اصبح يوترهنَّ أكثر من صوت القصف والاشتباكات العنيفة ،ربما لأنهنَّ يخشين من أن يكون هذا الهدوء هو هدوء ما قبل العاصفة
وفجأة أقتحم ضرب الدبابات السكون ، هرعت بنان بأطفالها إلى أبعد غرفة عن الشارع وتبعتها لين وريمة
اشتدت الأشتباكات بالشارع والدبابات تتعالى أصوات ضرباتها وعنينها ، ولكن كان هناك طفل مفقود ، هؤلاء خمس أطفال فقط
صاحت بنان : محمد ؟ ... أين محمد؟!
أجاب أحد أشقاءه : "كان يلعب بالشارع"
بالشارع ،حيث لا شيء الآن سوى الرصاص المتبادل والدبابات التي تتناثر حبات الأسفلت من تحتها
أنهارت أمه وحاولت ريمة أن تهدأ من روعها ، بينما وجدت لين نفسها المنقذة الوحيدة ،هرعت إلى باب البيت الخارجي وفتحته فمرت من امامها دبابة منعتها من الخروج وبعدهامرَّ ثلاثة جنود من الجيش السوري مسرعين
صرخ الأول :إلى أين تظنين نفسك ذاهبة؟!
وصرخ الثاني:أدخلي!!
وكانت رصاصة من نصيب الثالث الذي سقط أمام ناظريها ولم ينتبه له زميليه اللذان كانا مسرعين جدا ومشغولين بالمطاردة
كانت لين تحاول أن تنقذ أحدهم فوجدت نفسها تنقذ آخر ،حاولت جاهدة سحب الجندي إلى الداخل ولكنها وجدت صعوبة بالغة بسحب شاب بالغ بجسدها النحيل الذي لم يتجاوز السابعة عشرة من العمر
وعندما أدخلت جزء منه إلى البيت فاجأها الطفل محمد من ورائها قائلاً :خالتي، ماذا تفعلين؟
سألته دون أن تنظر إليه أو تكترث لإجابته:أين كنت؟
أجاب: كنت بغرفتك خالتي،أنا أسف...
قاطعته:هيا ساعدني!
جرّاه إلى الداخل بلحظاتٍ أبتعدت بها الإشتباكات إلى الأحيار المجاورة ، أغلقت الباب ببعدها وهي تلهث فأستوقفها صوت شقيقتها ريمة التي جاءت تسأل عن محمد لتتفاجأ بالمشهد ،قالت : من هذا؟
أجابت لين :جندي جريح ، أنتشلته من الشارع ،أنتهى عملي هنا ليبدأ عملك دكتورة ريمة
ردت ريمة :أتمزحين؟ ... كيف سأعالجه هنا؟!
فقالت لين بحزم :بل أنتي من تمازحيني! ،أستقفين عندك وتراقينه وهو يموت ، أفعلي شيئاً وبسرعة !
حملنه الفتيات على الدرج إلى العلية "غرفة ريمة" مددنه على السرير وراحت ريمة تتأمل أدواتها بأرتباك ثم بدأت معركتها مع الموت بهذه الأدوات البسيطة ، كانت لين تحوم حولها وتقوم بدور الممرضة بهذه اللحظات التي كانت أشبه بالساعات بثقلها
وفجأة أمسك بيد لين بشدة بلحظةٍ تأملته بأمعان ، وكأنه يمسك قلبها ويحكم عليه ،كادت أن تهتف له"افتح عينيك،أتوق لأن أبحر بهما!"
أرتجفت  يداها واضطربت أنفاسها حتى أستوقفها صوت شقيقتها ريمة :"الحمدلله ، انتهينا"
ثم أردفت:"أنظري إليه،حارب الموت بضراوة وأنتصر،لم أرى روحاً تتشبث بالحياة هكذا من قبل ، لابد وأن بحياته شيئاً يستحق الأستمرار"
قالتها وهي تنزع قفازاتها ثم غادرت الغرفة هي ولين بعد أن أفلتت يده بصعوبة
طوال الليل وذاكرتها متجمدة بتلك اللحظة التي أمسك بها يدها ،تتقلب على السرير وهي لا تنفك تفكر به
بالنهاية جلست وهي تلهث ، همست:أنني أتنفسه ،يدخل مع كل شهيق لي ليتناساه زفيري !
تساءلت بدهشة عن غرابة الشعور الذي بدأ ينضخ بعروقها: "ماذا دهاني؟!"
في صباح اليوم التالي دخلتا ريمة وبنان المطبخ لتتفاجأا بلين التي كانت تعد الفطور ،سألتها ريمة بأستغراب :ماذا تفعلين؟ ... منذ متى تستيقظين بالصباح الباكر مفعمة النشاط ، كنت أواجه صعوبة بأيقاظك قبل العصر!
ردت لين :لدينا ضيف اليوم ويتوجب علينا أكرامه ، أنسيتي ؟!
أخذت الفطور مسرعة وصعدت به الى العلية ، لم يستيقظ المريض بعد ، وضعت الفطور جانباً وأخذت تتأمله ... من قال أن الملائكة تسكن السماء فقط ،لقد وجدت لين ملاكاً يسكن الأرض أيضاَ،لقد تساقطت الدقائق دونما أن تشعر بها وهي تتأمله بنهم، لم تشعر لا بالوقت ولا بالمكان ولا حتى بالشبع من النظر إليه ، أحست بالتوق المبرح لرؤية عينيه ،لسماع صوته ، همست :"إذا ما اسمك؟ .. ملاك،قمر ، خيط من الضياء الجميل أخترق قلبي ، أتدري ؟ لايهم ، من يسأل شهاب يلوح بالسماء عن اسمه ، أنه فقط يسقط من السماء ليسحرنا بجماله "
وفجاة فتح عينيه ، شهقت بسعادة ونزلت مسرعة لتخبر شقيقتيها اللتان تبعتاها إلى الأعلى ،وجدن الجندي يرتدي قميصه ،التفت إليهن بوجه شاحب منهك : أين سلاحي ؟
ردت ريمة : على رسلك ،لقد أصبت البارحة ويجب أن ...
قاطعها بحزم : أين سلاحي؟؟
أجابت لين : لقد سحبناك من الشارع ضمن ضروف صعبة ولا أدري حقاً أين هو الآن
ظهر عليه الأرتباك والغضب بالوقت ذاته ، طأطأ راسه وهو يتمتم :علي المغادرة
ردت ريمة :لن تذهب إلى أية مكان قبل أن تتماثل للشفاء...
قاطعتها بنان :أريد التحدث معك فوراً!
شدتها ونزلت بها إلى المطبخ ،احتجت بشدة على بقاءه وعندما تساءلت ريمة عن السبب أجابت :زوجي "طه" سيأتي اليوم إلى هنا ،انسيتي أنه من الجيش الحر ،ماذا لو رآه هنا
 تتفهم ريمة مكنونات الزوجة التي تجعلها أشبه للجارية لزوجها ولكن هذا ليس وقت الطاعة الموضوع أنساني بالنسبة لريمة
فشبَّ بينهما جدال عنيف جرّاء ذلك
بينما كانت لين تقف على باب الغرفة وتتأمل الجندي وهو يتحدث على الهاتف :"نعم ... حاضر ،سأكون هناك بأقرب وقت ممكن ... حاضر سيدي"
أغلق سماعة الهاتف ووضع يده على رأسه والدوار يجتاحه
فقالت لين مبتسمة : اسمي لين ....مممممم،أنا من سحبتك من الشارع وساعدت بعلاجك...
ولكن ابتسامتها اصطدمت بصمته ،فوجهه الباهت لم تتغير ملامحه أبدا
ردَّ بغضب بعد لحظات من امعانه بها : وماذا تريدينني أن أفعل ؟.. أشكرك ،لأنقاذك لي من الموت ،أتعرفين ماذا كنت سأجد بالموت ،لا خوف ،لا كراهية ،لا حنين يقتلني يوماً بعد بوم ،لا أرق يذيب عيناي ليلة بعد ليلة ، وسأتخلص من ذاك الرفيق الثقيل الذي يدعى الألم ،سأجد الراحة بالموت وانتي من سحبتني من تلك السكينة لتعيديني إلى حياتي التي يستعمرها الضجيج !
تلاشت أبتسامتها لتسيل الدموع على شفتيها الورديتين ،هرعت مسرعةً وانهارت باكيةً على درابزين الدرج ،بعد أن أستحال الملاك شيطاناً يقطر من عينيه السم ،بكت بمرارة تحت دوي شرخ كبير بداخلها ... لقد تحطم قلبها إلى آلاف الشظايا
حتى سمعت أصوات أقدام من خلفها ثم جلس الجندي  بجانبها على الدرج ،فال لها : أنوي المغادرة ولا أريد أن أخرج وأنتي غاضبة مني هكذا ، لو كنتي تعرفين ما هو شعور أن تموتي بكل يوم عشرات المرات دون أن تموتي فعلاً،لو كنتي تحسين بذلك الشعور الذي يباغتني بكل صباح لدرجة أنني لا أتجرأ على النظر إلى المرآة لكنتي عذرتني ، أنا فقط تائه ، أحاول أن أكون نفسي التي اعتدت أن أكونها قبل عامين ، ولكن هذه ليست مشكلتي لوحدي ، كلنا نحاول أيجاد أنفسنا بعد هذه الأزمة
ظلت صامتة فألتفت أليها وقال،أنظري ألي ... أريد رؤيتك...
التفتت فلثم دمعها ببطء ثم همس:أتعلمين؟... لا أشعر بالندم لأني أبكيتك ،عيناكي كالأزهار تماماً ،تحتاج لأن تسيل على وريقاتها الندى لتبدو أجمل ...
بعد أن تعالت أصوات خفقات قلبها قطعها طرق الباب ودخول "طه" مرتدياً الزي العسكري وحاملاً سلاحه ليتفاجأ بالجندي ،فسأل زوجنه بنان التي خرجت من المطبخ مسرعةً : من هذا ؟
وقف الجندي وأجابه:جندي من الجيش العربي السوري
ارتسمت الدهشة على وجه طه الذي قال : أنا مسلح وأنت أعزل ، ألستَ خائفاً؟
أجابه: مطلقاً
كان وقعها ك"أفعل أسوأ ما لديك!"
ولكنه بدا مألوفاً جداً ل"طه" ،تذكره بعد إمعان ، تذكر كيف أنه قبل أربعة سنوات قد تعرض لحادث سيارة باللاذقية وأسعفه ثلاثةشبان وكان هذا الجندي من بينهم ،قاموا بأسعافه وملازمته بالمشفى إلى أن تماثل للشفاء ،لقد تصرفو كأخوة كما ينبغي
"ولكن مالذي حدث ؟ ...لست أنت من يجب أن أصوب عليه السلاح ولست أنا من يجب أن تقتلني ،لماذا حملنا السلاح هكذا وقتلنا به سوريا،لماذا يا أخي؟!"
أفكار دارت برأس طه وهو يمعن بالجندي ،قاطعتها ريمة بقولها:لقد وجدته لين جريحا بالشارع البارحة وعالجته أنا   

 
قاطعتها بنان لتخفف من حدة الموقف :لقد كان ينوي المغادرة
رد طه : إلى أين ،لاتزال منهكا يجب أن تسترح قليلا ، أنت ضيفنا
دهشهم رد طه وما كان جواب الجندي سوى :لا أستيطع البقاء هنا أكثر ، علي المغادرة
وبينما كان الجندي خارجا طأطأ برأسه وهو يتذكر شيئا ... ثم ألتفت الى طه قبل خروجه وقال : شكرا .... ووداعا يا طه

descriptionإنقاذ جندي من الجيش العربي السوري Emptyرد: إنقاذ جندي من الجيش العربي السوري

more_horiz
مؤثرة ومؤلمة جداً 
تم استدعائها من واقع يتألم ..وبشدة

فاللهم أصلح أحوال سوريا ، وأحقن دماء أهلها ، وكن لها ..ياأجود الأجودين .

صباحكم صبر..

descriptionإنقاذ جندي من الجيش العربي السوري Emptyرد: إنقاذ جندي من الجيش العربي السوري

more_horiz
لن اقول سوى قطعتي قلبي Sad
ربما انا حساسة زيادة او لان القصة واقعية او اقرب للواقع..
تحياتي براءة ابدعتي...
صباح الورد

descriptionإنقاذ جندي من الجيش العربي السوري Emptyرد: إنقاذ جندي من الجيش العربي السوري

more_horiz
الغالية عاشقة الروح والراقي طيفك موطني المسلوب
أشكركما لمروركما الكريم وأرجو الدعاء لسوريا التي لا تنفك تنزف كل يوم

descriptionإنقاذ جندي من الجيش العربي السوري Emptyرد: إنقاذ جندي من الجيش العربي السوري

more_horiz
 البرق اللامع
براءة حسين


قصة مزجت الواقعية مع تكحيل حكائي رومانتيكي


استطاعت من خلاله الكاتبة ايصال دالتها الانسانية بيسر عبر المشهد الوصفي والدرامي


ابدعت بل واكثر


تقديري

descriptionإنقاذ جندي من الجيش العربي السوري Emptyرد: إنقاذ جندي من الجيش العربي السوري

more_horiz
نشرت عطر مرورك على أوراقي
تقديري لك سيد محمد

descriptionإنقاذ جندي من الجيش العربي السوري Emptyرد: إنقاذ جندي من الجيش العربي السوري

more_horiz
هو النسيج الاجتماعي الانساني الذي يجب ألا نخرج منه ولا يمكننا العيش من دونه
فهو معطف الدفء وعشق الأرض وتبتلات الروح
أبدعت براءة في نسج حكائية واقعية برومانتيكة عذبة

descriptionإنقاذ جندي من الجيش العربي السوري Emptyرد: إنقاذ جندي من الجيش العربي السوري

more_horiz
قصتك سيدتى كانت مثل النار ترسل الدفئ والنور لكنها بمشاعر حارقة 

اكثر من مبدعة

descriptionإنقاذ جندي من الجيش العربي السوري Emptyرد: إنقاذ جندي من الجيش العربي السوري

more_horiz
الرائعة شيرين كامل والراقي نوفل أرائكما تسعدني كما حضوركما المعطر
تحيتي لكما



privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى