لقد افحمني الأستاذ الجواهري بهذا البيان الساحر الذي هو البقية الباقية من التراث الأدبي العربي الصحيح هكذا كتبه طه حسين عام 1944
كم أودُّ أن اكتب جواهري الكلام بصيغة لم يسبقني اليها أي احد خاصة والكل يعرف من هو هذا الشاعر العملاق الذي احدث ثورة غير مسبوقة منذ قرون في عالم الشعر العربي وكما ينبغي ان يعرف القارئ الكريم ان مثل هذا الحديث لا يمكن باي حال ان يتمه مقال واحد ، سأتناول اليوم ومن خلال منتدى برق الضاد مولد أبن الفراتين ونهر العراق الثالث وعملاق الأسطورة محمد مهدي الجواهري رحمه الله
ولد الجواهري عام 1899 بمركز الدين والأدب حيث مجالس الشعر والعلماء اذ تعتبر النجف بالنسبة للجواهري احدى اعبق أسراره ليس لانه ولد فيها وحيث طفولته وثقافته الشعرية فحسب بل لأنها تشكل لديه كل القيم الروحية والأختلاجات المقدسة التي تجيش روحه فيها وهكذا تمنى أن ينهي رحلته الأخيرة في رملة النجف بقبر يجاور قبور الأحبة وقريباً من الفرات لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه
تحدَّر الجواهري من أسرة عريقة نجفية تعرف بآل الجواهر نسبة لأحد اجداد الأسرة والذي الف كتاباً معروف لأغلبيتنا واسمه جواهر الكلام في شرح شرائح الأسلام للشيخ محمد حسن صاحب الجواهر وهو كتاب غني عن التعريف ويعرفه اغلب طلاب العلم في العراق والدول الاسلامية . فقد كان للجواهري ميولا أدبية وتذوقا للشعر وحفظا ظهرت وهو لا يزال فتى وبعمر مبكر حيث قرأ القرآن وحفظه وكان مصاحباً لوالده مجالس الكبار وبعد ان راى والده حدة ذكاءه ومقدرته الفائقة على الحفظ أراد له أن يكون عالماً لذلك البسه عباءة العلماء وعمامتهم تمكن من حفظ نهج البلاغة وبالرغم من صغر سنه كان غواصاً ماهراً ببحور الشعر ودواوينه وفيما بعد درس الفلسفة والبيان والمنطق ولم يتوانى عن قراءة الشعر المترجم الى اللغة العربية وليس فقط الشعر العربي اذ كان نهماً في قراءة كتب الشعر والأدب واللغة وحفظ ديوان المتنبي وبالأضافة الى ذلك كان يحفظ مئة الف بيت من الشعر وهو عدد كبير ويدل على حافظة ثاقبة وموهبة فريدة وهذا ما شكل الاساس الذي ابدع فيه الجواهري وتربع على تاج الشعر العربي
اول قصيدة نشرت له عام 1921 حلبة الأدب . وفي عام 1927 عمل في ديوان التشريفات فيصل الأول ملك العراق بدلاً من عمله بمجال التعليم ولكنه ترك عمله والذي دام حوالي الثلاث سنوات لكي يتفرغ للصحافة ومتاعبها
بين الشعور والعاطفة ديوان صدر له عام 1928
ومجموعته الشعرية الأولى كانت بأسم ( خواطر الشعر في الحب والوطن والمديح) . لقد تسنم شاعر الشطرين والنهرين ومنذ شبابه المناصب والمهمات وكان نابضاً حياً لقضايا الوطن ومستشعراً نبض الناس
وتدور عجلة الجوادث المتلاحقة والجواهري ينبض وينبض حتى يقول
كان الحديد على معصميهِ مفاتيح مستقبل زاهر
في سنة 1930 اصدر جريدة الفرات وما كان معروفا ان صحبفته منعت من الصدور بسبب هجومه على ساسة الحكم وبالرغم من اصدار صحفه بأسماء مستعارة ( الرأي العام ) و (العصور ) و(الدستور ) وأسماء كثيرة اخرى
فان الجواهري لم يكن شاعراً وصحافيا فحسب بل دخل المجلس النيابي وكان نائباً عن الكوفة ونتيجة الأحتجاج على معاهدة بورتسموث استقال من منصبه ...
تزوج الجواهري من ام فرات وبعد رحيلها رثاها بقصيدة هي اشبه بملحمة رثائية توضح بمعانيها نبص الصدق والحب ورومانسية مغدقة في الشجن توضح مدى العلاقة التي كانت لام فرات في قلب ابو الفرات
لكم بعض الأبيات من القصيدة
في ذِمَّةِ اللهِ ما ألقَى وما أجِدُ أهذِهِ صَخرةٌ أمْ هذِه كبِدُ
قدْ يقتُلُ الحُزنُ مَنْ أحبابهُ بَعُدوا عنه فكيفَ بمنْ أحبابُهُ فُقِدوا
تَجري على رِسْلِها الدُنيا ويتبَعُها رأيٌ بتعليلِ مَجراها ومُعتقَد
أعيا الفلاسفةَ الأحرارَ جهلُهمُ ماذا يخِّبي لهمْ في دَفَّتيهِ غد
طالَ التَمحْلُ واعتاصتْ حُلولُهم ولا تزالُ على ما كانتِ العُقَد
ليتَ الحياةَ وليت الموتَ مرَحمَةٌ فلا الشبابُ ابنُ عشرينٍ ولا لبَد
رحمة ونور لأرواحهم الزكية
اعتمد الجواهري في شعره على القسم وإن كان الموضوع حديثا حيث انه يحافظ على اطارها العام ومحتفظاً بالكلمة الأصيلة العربية القديمة وعلى سبيل المثال حينما يرثي جعفر ابو التمن يقول
قسماً بيومكَ والفرات الجاري ...............والثورة الحمراء والثوار
عام 1948 أنطلقت المظاهرات إثر معاهدة (بوتمسموث) وأسقطت وزارة صالح جبر وتم أطلاق النار على المتظاهرين وكان من بينهم جعفر الشقيق الأصغر للجواهري والذي استشهد وهذه الحادثة كان لها وقع مؤثر ومدوي لدى الجواهري ونظم على اثرها قصائد منها (يوم الشهيد ) و (الشهيد قيس ) و(قف بأجداث الضحايا) ولا يخفى عنا قصيدته أخي جعفر ويقول مطلعها
أتعلم أم أنت لا تعلمُ ................... بأن جراح الضحايا فَمُ
أتعلمُ أن جراح الشهيد ...................تظلُّ عن الثأر تستقيمُ
وقصيد اخي جعفر من ضمن اهم أشهر قصائده إنه نهر ثالث يجري بدءاً من مصبه في النجف نحو بغداد الجياع ومن ثم يصعد الى كردستان ماراً بسهول القلوب ويذوب بجسد البصرة مانحاً عشقه وعطاءه
لغة الجواهري لها امواج منتفضة كالفرات وما اشعاره سوى أمطاراً مدرارة في تشقي ارض السمو بما يشذو ويترقرق
الحديث يطول عن عملاق الشعر العربي وللحديث تتمة ومزيداً من الأحداث والقصائد
تحياتي لقراء منتدى برق الضاد
زينب الجواهري