تأمل الدكتور "زياد" دخان أسود من خلال نافذة مكتبه ،كان نتيجة قصف على الحي المجاور ،أشعل سيجارته وأخذ يرتشف أنفاساً عميقة وهو يفكر ،إنها معركةلا رابح بها بالتأكيد ،انها المعركة التي سيخسر بها الجميع ،ولكنه هزًّ برأسه "إلا أنا " يعتقد أنه الرابح الوحيد ،فالأطباء النفسيين أمثاله سيزدهر عملهم بعد حرب مروعة كهذه ،سيكون لديهم حوالي خمس وعشرين مليون مريض نفسي ،أعلم أنه يفوق عدد السكان بسوريا ولكنه يعتقد انه ستكون هنالك حالات شاسعة من انفصام الشخصية !...
دخلت السكرتيرة وقاطعت سلسلة أفكاره :دكتور ،المريض لازال ينتظرك...
أطفأ سيجارته وأتجه إلى الغرفة التي يقابل بها مرضاه بالعيادة ،تفاجأ بمريضه ، أنه جاره "وليد" ،شاب أعزب يملك "سوبر ماركت" بإحدى أحياء دمشق ،كل ما يعرفه عنه أنه شاب رزين ومهذب
الدكتور زيادوهو يجلس : أهلا سيد وليد ،كيف حالك؟
كان يظهر على وجهه علامات الهلع،ومن خلال مظهره العام يبدو أنه لم ينم ولم يذق طعم الراحة منذ أيام ،أجاب بصوت مرتجف:بأسوء حال! ،عليك أن تزجني بمشفى المجانين!!
قال الدكتور زياد:ما المشكلة؟!
أجاب وليد:هذه هي المشكلة ،ليست هنالك أية مشكلة بي !!
فقال بحزم : بني ، اولاً نحن ندعوها بمشفى للأمراض العقليه والنفسية ،ثانياً ،لم أفهم للحظة ما ترمي اليه!
أجاب :لأنهم هم السعداء الوحيدون بهذا العالم ،أقال لك أحد مرضاك يوماً أنه يتعذب ،بالتأكيد لا ،لأنهم لا يدركون أنهم يتعذبون ، أريد أن أتصرف مثلهم ،أن أقفز وأصرخ و أنسى أن لي حياة بائسة أتعذب بها!
إمارات الدهشة أرتسمت على وجه الدكتور زياد وهو يحدق بوليد ،هذه المرة الأولى التي يزوره بها شخص يريد أن يجن بدلا من أن يشفى
سأله :أريد أن أعرف ما قصتك؟!
أومأ برأسه وقال :أختبرت ذاك الشعور ،عندما تشاهد حياتك تنهار حجراً حجراً وأنت لا تستطيع أن تفعل شيئاً سوى أن تتألم بصمت قاتل ...
البداية كانت مع أبتهال احدى جاراتي ،لديها العينان اللتان أريد أحتجازهما بقلبي للأبد ،كلما مررت بها بالشارع أرسل لها رسائل حب عبر صمتي وعيناي اللتان عشقتا كل تفاصيلها ،وبذلك المساء ابتسمت لي عندما مررت بها ،أشرقت شمسي لتتفتح أزهار الصباح الأرجوانية لنسمات الصباح وأشتم عبيرها بعمق ،فرحة غمرتني للحظات قليلة أنهاها قناص على ظهر إحدى المباني ،أصابة مباشرة برأسها أنهتها على الفور
تنهد الدكتور زياد :هذا مؤسف
قلّده وليد ساخراً : "هذا مؤسف" دكتور زياد هذا ليس بمؤسف ، هذا قاتل! .... شعرت أن الرصاصة أخترقتني قبل أن تخترقها
قاطعه:وماذا حدث بعدها؟
أجاب : ماحدث بعدها أن "السوبر ماركت" التي أمتلكها قد نهبت وكسرت وتم حرقها ،ولاتسألني أية جهة قامت بذلك فأيّاً كانت الجهة النتيجة واحدة ،اضطررت للعمل كعامل بعد أن كنت رب عمل،أتفهم مقولة "ارحموا عزيز قوم ذل"؟
الدكتور زياد:نعم أفهمها
أكمل :ولكن مديري بالعمل لم يكن يفهما ،ويستمر بالقول لِمَ الله لا يرحمنا ؟ .. لا أدري لماذا ،ربما لأننا نحن لا نظهر الرحمة لبعضنا البعض ،الله لم يلقي بالقنابل ولم يقتل ولم يدمر المدن ، نحن من فعلنا!
الدكتور زياد :معك كل الحق
قال وليد :حتى مالك الشقة التي كنت أسكن بها رغم كل ما كان بيننا من صداقة و"خبز وملح" جاء إلي غاضباً بعد أن تأخرت عن سداد أجرة الشقة ، أخبرته أن مردود عملي الجديد ضئيل وأنني أعاني بشدة بسبب مقتل والدي بالقرية خلال هذه الحرب وأن شقيقي العسكري قد انقطعت الاتصالات بيننا منذ مدة ولا أعرف شيئاً عنه فكان ردّه الوحيده :"أخلي الشقة ، واذهب إلى الجحيم!" ولم أدرِ أية جحيم يقصد ، داريا أم الحجر الأسود!
أتمنى لو كان الأحساس قابساً لأفصله عن جسدي ، ذلك الألم اللامتناهي دفعني إلى محاولة الأنتحار ولكنني لم أستطع ،لأني جبان! ... ولا تقل لي تلك الجملة السخيفة "بل لأنك تحب الحياة" لأنني أخشى الموت ولاشيء بحياتي البائسة يستحق الحياة ،لذا أخبرني أرجوك أيها الطبيب كيف أجن ، أرجوك جنني !!
هزًّ الدكتور رأسه مبتسماً وقال :سيد وليد ،إن لم يدفعك كل ماذكرته للجنون،فلا أدري مالذي سيفعل ذلك!!
دخلت السكرتيرة وقاطعت سلسلة أفكاره :دكتور ،المريض لازال ينتظرك...
أطفأ سيجارته وأتجه إلى الغرفة التي يقابل بها مرضاه بالعيادة ،تفاجأ بمريضه ، أنه جاره "وليد" ،شاب أعزب يملك "سوبر ماركت" بإحدى أحياء دمشق ،كل ما يعرفه عنه أنه شاب رزين ومهذب
الدكتور زيادوهو يجلس : أهلا سيد وليد ،كيف حالك؟
كان يظهر على وجهه علامات الهلع،ومن خلال مظهره العام يبدو أنه لم ينم ولم يذق طعم الراحة منذ أيام ،أجاب بصوت مرتجف:بأسوء حال! ،عليك أن تزجني بمشفى المجانين!!
قال الدكتور زياد:ما المشكلة؟!
أجاب وليد:هذه هي المشكلة ،ليست هنالك أية مشكلة بي !!
فقال بحزم : بني ، اولاً نحن ندعوها بمشفى للأمراض العقليه والنفسية ،ثانياً ،لم أفهم للحظة ما ترمي اليه!
أجاب :لأنهم هم السعداء الوحيدون بهذا العالم ،أقال لك أحد مرضاك يوماً أنه يتعذب ،بالتأكيد لا ،لأنهم لا يدركون أنهم يتعذبون ، أريد أن أتصرف مثلهم ،أن أقفز وأصرخ و أنسى أن لي حياة بائسة أتعذب بها!
إمارات الدهشة أرتسمت على وجه الدكتور زياد وهو يحدق بوليد ،هذه المرة الأولى التي يزوره بها شخص يريد أن يجن بدلا من أن يشفى
سأله :أريد أن أعرف ما قصتك؟!
أومأ برأسه وقال :أختبرت ذاك الشعور ،عندما تشاهد حياتك تنهار حجراً حجراً وأنت لا تستطيع أن تفعل شيئاً سوى أن تتألم بصمت قاتل ...
البداية كانت مع أبتهال احدى جاراتي ،لديها العينان اللتان أريد أحتجازهما بقلبي للأبد ،كلما مررت بها بالشارع أرسل لها رسائل حب عبر صمتي وعيناي اللتان عشقتا كل تفاصيلها ،وبذلك المساء ابتسمت لي عندما مررت بها ،أشرقت شمسي لتتفتح أزهار الصباح الأرجوانية لنسمات الصباح وأشتم عبيرها بعمق ،فرحة غمرتني للحظات قليلة أنهاها قناص على ظهر إحدى المباني ،أصابة مباشرة برأسها أنهتها على الفور
تنهد الدكتور زياد :هذا مؤسف
قلّده وليد ساخراً : "هذا مؤسف" دكتور زياد هذا ليس بمؤسف ، هذا قاتل! .... شعرت أن الرصاصة أخترقتني قبل أن تخترقها
قاطعه:وماذا حدث بعدها؟
أجاب : ماحدث بعدها أن "السوبر ماركت" التي أمتلكها قد نهبت وكسرت وتم حرقها ،ولاتسألني أية جهة قامت بذلك فأيّاً كانت الجهة النتيجة واحدة ،اضطررت للعمل كعامل بعد أن كنت رب عمل،أتفهم مقولة "ارحموا عزيز قوم ذل"؟
الدكتور زياد:نعم أفهمها
أكمل :ولكن مديري بالعمل لم يكن يفهما ،ويستمر بالقول لِمَ الله لا يرحمنا ؟ .. لا أدري لماذا ،ربما لأننا نحن لا نظهر الرحمة لبعضنا البعض ،الله لم يلقي بالقنابل ولم يقتل ولم يدمر المدن ، نحن من فعلنا!
الدكتور زياد :معك كل الحق
قال وليد :حتى مالك الشقة التي كنت أسكن بها رغم كل ما كان بيننا من صداقة و"خبز وملح" جاء إلي غاضباً بعد أن تأخرت عن سداد أجرة الشقة ، أخبرته أن مردود عملي الجديد ضئيل وأنني أعاني بشدة بسبب مقتل والدي بالقرية خلال هذه الحرب وأن شقيقي العسكري قد انقطعت الاتصالات بيننا منذ مدة ولا أعرف شيئاً عنه فكان ردّه الوحيده :"أخلي الشقة ، واذهب إلى الجحيم!" ولم أدرِ أية جحيم يقصد ، داريا أم الحجر الأسود!
أتمنى لو كان الأحساس قابساً لأفصله عن جسدي ، ذلك الألم اللامتناهي دفعني إلى محاولة الأنتحار ولكنني لم أستطع ،لأني جبان! ... ولا تقل لي تلك الجملة السخيفة "بل لأنك تحب الحياة" لأنني أخشى الموت ولاشيء بحياتي البائسة يستحق الحياة ،لذا أخبرني أرجوك أيها الطبيب كيف أجن ، أرجوك جنني !!
هزًّ الدكتور رأسه مبتسماً وقال :سيد وليد ،إن لم يدفعك كل ماذكرته للجنون،فلا أدري مالذي سيفعل ذلك!!