ذاكرة المطر
كان يوماً عاصفاً أو أن المناخ بات كله شتاء
نسيت مظلتي وهي المرة
الأولى التي أحمل فيها مظلة أصلاً
لكنني فضّلتُ متابعة المشوار
تحت هذا الوابل ..الجميع كانوا يقولون لي
،هل جربت المشي تحت المطر
- لا ..لا أحب أن
يتحرش أحدٌ بي حتى ولو كان مطر
الكل يضحك ..أوووه ما أحلاه تحرش إذاً...
لكن المطر كان غزيراً
عن غير عادته .. كاد يجرف كبريائي وأنا التي قبلت بملامسته لشعري ..أويظن من السهل
أن أجعله يغسل استحالة الخضوع بهذا الشكل
مسكينٌ هذا المطر
...بدمعةٍ واحدة أروي بيداء جفاف..
نفُذَ صبري ...اقتربت
من الطريق أوقفت سيارة ...
همي كان أن أستقل في
زاوية بطرف المقعد أستنشق القليل من النفس وأمسح عن وجهي ماء ذاك الذي يدعي الخير..خير
خير لا نكران لهذا لكن ماذا لو أنه حبس توتره قليلاً وجعلني ألوذ بمتعة هطوله على
جمر اشتعالي ...
لا بأس لم يعد التمني
يفيد ...
-عفواً مدام...إلى
أين
- لا إلى مكان
-لم أفهم
-إلى أي مكان
-لم أفهم
-أوووو كأنك مطر لا
تكف أنت أيضاً
-لم أفهم
-معك حق أتكلم هندي
أنا ...
حسناً ..إبقى سائراً
بي لا تتوقف حتى أطلب منك
-فهمت ..مشوار تقصدين
-فهمتَ أخيراً. الحمد
لله
مع أنه أرهق أطواري
وأتلف أنفاسي إلا أنه كان يذكرني بأحدٍ مرّ على ذاكرتي ...كنت أودُّ لو ينتزع عن
عينيه تلك النظارة السوداء ..ما قصة النظارة في الأقدار التي أصادفها
مازلت أذكر ذاك الرجل
الثلجي الذي اتفق مع مزاجي البركاني كيف كان يزور صوري المعلقة في مرايا نظارته
..خمس وعشرون احتراق ولم يذب جليده..خمس وعشرون احتراق تفتت الصبر وأمسى رماداً تذروه
عينيه كلما تعانقت أنفاسنا....
-هل أغير
الأغنية..مدام
-لا أتركها ..أحب
الياس خضر كثيراً
-كما تشائين
قليلاً ثم أشعل لفافة
مابه هذا السائق
المحترف ...لمَ كل تلك الأساليب المستهلكة فعلها الكثيرون من قبله ..لكنه ببراعة التمس المغريات
التي تشغلني وتلفت انتباهي له ...!!!
جميل ومهذب وأنيق وكم يُثير الفضول . يبدو أنه يفصّلَني على
مزاجه ويخترق تعابيري من تحت النظارة دون إذن .
فقط لوأنه يزيحُ
النظارة قليلا ...
يا لا حماقتي ...منذ
زمن وأنا أخشى المشي في جو ماطر ..مالذي لحَّ في نفسي لأتبَع مشاقها ..لا بأس هكذا
حصل ويكفي إيلاماً للمطر ولي.
توقف المطر وانقشع
السحاب،أرجوك توقف هنا
-بأمرك مدام..
-كم الأجرة...
-لا أريد شيء ..
يالا دهائه ...
-لا أقبل كم هي
الأجرة...رجاءً
-حسناً ...مئتان
وخمسون ليرة
ناولته المبلغ
-ثوانٍ لو سمحتي
ثمة شيء في يده
لاحظته
-تفضلي ..
كانت قطعة شوكولا
-لا أعرف مالذي
اكتشفه بي وكيف نما في هذا المقعد والنظارة وفي جوٍ عاصف جنين اللحظة.. لكنني لم
أرفض مددتُ يدي ولامستُ كفه ..كنت في وضع النزول من السيارة كادت كفه تلامس وجهي وشيئاً
ما كان أسرع من كفه ..كان عطراً أعرفه ..كان لشخص أحبه شممتُ الرائحة بعمق ،غرقتُ
في ذكرياتي الخطيرة ،كيف ومتى وأين...؟!!
كلها استفهامات ازعاج
اقتحمتْ لحظة الدهشة تلك ..حاولت جاهدة استرجاع صورة الشخص لم أتمكن ولكنني تذكرتُ
العطر الذي قاومته رغم أنه مازال يحتلني، كان لرجل لم تنته في عينيه الحروف ولن
يأتي بمثله الغروب.
وفي لحظة شرود لا إرادية ...قبّلتُها وصرخت بفرح
ٍ لاحدود له ..فاااااادي
فادي أنتْ..
(استيقظي ...ما بك يا
ابنتي ..
لم الصراخ ومن فادي)
نهضتُ على استعجال ولملمتُ
من الرعب ما يكفي لتطويق مراقبتها ...
-تكورتُ في زاوية
أخرى غاضبة يملؤني الغيظ
أصدّرُ رسائل لؤمٍ لسؤالها
..أمدد الحزن على جحيم الخيبة
أغفل عن أسئلتها
لأعيد ترتيب ما أُفلتَ من قبضة الحب وما اهتز من صدى الدهشة، لكن سدىً قابعةٌ
أمامي تصطاد هروبي من عينيها وتقشّر هدوءي بمدية تهديد
مازال الجنون يمتطي
دهشتها ...
ومازلتُ أبتسم وأنا أطوي
في مخيلتي ذاكرة أخرى للمطر ..
لا شيء كان يقهرني إلا
أنه كان حلماً
وكانت أمي .........