برق الضاد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

برق الضاددخول

منتدى ادبي شامل يعني بفروع الادب العربي


description" لعبة المناديل الملونة "  ( الجزء الثاني ) بقلم  سليم عوض عيشان ( علاونة ) Empty" لعبة المناديل الملونة " ( الجزء الثاني ) بقلم سليم عوض عيشان ( علاونة )

more_horiz
" لعبة المناديل الملونة "

( الجزء الثاني )

... من بين الدموع الحمراء الكثيفة التي كانت تغطي عينيّ .. وقبل أن أسقط على الأرض فاقدة الوعي ... فاقدة الحياة .. كانت الذكريات القريبة تتوالى في مخيلتي بصور ضبابية كثيفة متتالية ...
* * *
طفلة كبيرة .. جميلة .. مرحة .. هي أنا .. لم أصل لربيع عمري السادس عشر بعد ... كنت أقوم بالواجبات المنزلية داخل منزلنا المتواضع .. الليل البهيم كان قد بدأ يرخي سدوله .. ويغطي البيت والمكان كله بالسحب الكثيفة السوداء من جحافل الظلمة الدامسة المخيفة .

الأمر كان يتطلب مني ضرورة الخروج من محيط دائرة المنزل لقضاء بعض الأمور الضرورية والملحة ..

الهدف المنشود ؛ لم يكن بعيداً عن المنزل .. كان في محيط المنزل فحسب وليس خارجه ...

بطبيعتي الطيبة البريئة .. لم أكن أميل إلى الابتعاد عن المنزل كثيراً .. حتى في ساعات النهار المضيء .

كنت بحاجة لإحضار بعض قطع الحطب ، وبعض المياه من الأماكن القريبة في محيط المنزل .. لكي أنجز بعض الأعمال المنزلية .

بطبيعتي .. فقد كنت أخشى السير في ظلمة الليل .. أو الابتعاد عن المنزل .. ومنذ كنت طفلة صغيرة .. وها قد أصبحت طفلة كبيرة .. فأنا أخشى حيوانات الليل ... أشباح الليل .. لصوص الليل .

كان يتبادر إلى ذهني وفكري دوماً .. بأنه سوف ينقض عليّ بغتة .. وعلى حين غرة .. حيوان من الحيوانات المتوحشة .. أو شبح ظلام من أشباح الليل .. أو لص من لصوص دياجي الظلمة .

قبل أن أغادر المنزل المتواضع .. لكي أجلب ما أحتاج إليه .. وما تقتضيه الضرورة القصوى .. ترددت كثيرا .. بل كثيراً جدا .. وقبل أن أغادر المكان .. شجعت نفسي كثيراً ... وأقنعت نفسي بأن لا داعي للخوف أو التخوف .. فلم يحدث أن هاجم وحشاً أو شبحا أو لصاً أحدا ما ذات يوم في هذه المنطقة الآمنة .

كنت ما بين الشك واليقين .. الحيرة والتردد .. الإقدام والتراجع .. تتنازعني العوامل ..وتتقاذفني الأهواء والأنواء .

في النهاية .. انتصرت على التردد والخوف .. واستعذت بالله من الشيطان الرجيم .. واستعنت بترديد بعض السور القرآنية وبعض الأدعية التي كنت أحفظها وأرددها دوماً .

شجعني كثيرا ذلك الهدوء المطبق على المكان .. واستعانتي بالآيات القرآنية والأدعية المطمئنة .

بدأت السير بخطوات وئيدة وجلة .. وما لبثت أن تشجعت على السير بخطى أكبر وأسرع شيئا فشيئا ... فشعرت بشيء من الطمأنينة والهدوء تسري في نفسي وأوصالي وروحي وجسدي ..

رحت أقنع نفسي بأن تلك الأوهام التي كانت تعشش في مخيلتي وذاكرتي منذ سنوات الطفولة الأولى لم تكن سوى خزعبلات وأوهام .. لا أصل لها ولا وجود على أرض الواقع .

في قرارة نفسي .. كنت ألوم جدتي وأمي كثيراً .. لأنهن كن يقصصن عليّ القصص والحكايات الغريبة من خزعبلات ... فيزرعون في نفسي الوهم والخوف .

رحت أشجع نفسي أكثر فأكثر .. باسترجاع الذاكرة إلى تلك الحكايات والأقاصيص المفرحة .. السعيدة .. الجميلة .. التي كانت تقصها عليّ جدتي وأمي في بعض الأحيان .

ابتسمت بسعادة وفرح طفولي وبراءة .. وأنا أتذكر تلك الأحداث السعيدة التي كانت تتخلل تلك الحكايات والأقاصيص الجميلة .. ولم تلبث أن تجسدت ابتسامتي إلى ضحكات طفولية بريئة تقترب من القهقهات .. وقد تردد صداها في أرجاء المكان ... فبددت الوحشة القاتلة والصمت المطبق والهدوء الموحش .. وشعرت بأنني قد استعدت بعضاً من الطمأنينة ... وشيئاً من الثقة المفقودة.. وتبددت بالتالي الكثير من الأوهام والخزعبلات التي كانت تعشش في ذاكرتي .

رحت ألوم نفسي كثيرا .. بأنني عشت سنوات عمري السابقة أسيرة الوهم .. حبيسة الخوف .. سجينة التردد .. وأنني كنت أسيرة الخزعبلات والأفكار السوداء الخاطئة .

فالحياة أجمل من ذلك بكثير .. ولم يكن من داعٍ لأن أعيش سنوات عمري كلها حبيسة تلك الوساوس والأفكار الغريبة .. فالحياة أجمل .. أروع .. من كل وهم وخيال .

في البداية .. هيئ لي بأنني أسمع صوتا هامسا غريبا يأتي من مكان ليس بالبعيد ..
أرجعته إلى أنه حفيف شجر .. أو نقيق ضفدع .. أو خفقان أجنحة طائر أفزعه مروري قريبا منه ... أو لعله فأر أو ابن عرس يبادر إلى الفرار والهرب ..

طمأنت نفسي إلى هذه التعليلات .. ورحت أبدد من جديد ذلك الخوف الطارئ الذي بدأ يتسرب إلى نفسي من جديد .. فرحت أقنع نفسي بأن الأمر برمته لا يستحق مجرد التفكير فيه .

رحت أدندن لحناً شعبياً شائعاً كي أبدد الظلمة والوحشة والخوف .

الكثيرون قالوا – في مناسبات كثيرة سابقة - بأن صوتي جميلا .. عذباً .. رائعا في الغناء .. ابتسمت ابتسامة عريضة وأنا أتذكر أقوالهم تلك ... وشجعت نفسي على الغناء .. لكي أثبت لنفسي ذلك ؟؟ .. وعلى الأقل لكي أكون المستمعة الوحيدة لصوتي وغنائي .

شعرت جيدا بأن صوتي جميل فعلاً .. وأن غنائي رائع .. فابتسمت .. وأعدت الغناء من جديد .

كنت مستغرقة في أفكاري الحلوة الجميلة العذبة .. مندمجة مع السعادة النفسية العالية .. ومع تجليات صوتي وغنائي الجميل .

كنت مستغرقة ومندمجة في هذا وذاك إلى درجة أنني لم أتنبه في البداية لتلك الأصوات الغريبة وتلك الجلبة والضوضاء الصاخبة التي كانت تندفع نحوي كعاصفة هوجاء .. تشق دياجي الظلمة الحالكة وتندفع نحوي كالطوفان الجامح .

بسرعة البرق كانت تلك الأفكار السوداء القديمة تعود سريعاً لتنحي جانبا تلك الأفكار من السعادة وتلك الابتسامة وتحتل مكانها بقوة وعنف .. بصلف وعنجهية .

بسرعة البرق أيضاً .. كانت صور الحكايات والأقاصيص المخيفة عن الأشباح واللصوص والوحوش تتراءى في مخيلتي .

تجمد الدم في عروقي .. .. جف حلقي .. اضطرب فؤادي .. ولم أعد أقوى على الوقوف . أو الهرب من المكان .. شعرت بأن قدماي قد دقتا بأوتاد فولاذية إلى الأرض ..

الأصوات الغريبة تحيط بي من كل جانب .. من كل ناحية .. تندفع نحوي كالطوفان الجامح ..

ضباب كثيف .. يحجب الرؤيا عن عينيّ .. الأشباح تقترب مني بأشكالها الغريبة .. ووجوهها الشيطانية .

توقعت أن أرى أشباح الليل .. لصوص الظلام .. حيوانات متوحشة ..

توقعت أن أرى هذا أو ذلك .. أو أن أراها كلها مجتمعة .. ولكن بدلاً من هذا وذاك .. كانت تلك الأشباح التي راحت تهاجمني بوحشية من كل مكان .. أشباحاً لحيوانات مفترسة رهيبة .. مخيفة .. ولكنها لم تكن حيوانات وحشية .. ولم تكن وحوشاً حيوانية ...
... بل كانت وحوشا ... آدمية ؟؟!!

.. يتبع ...

description" لعبة المناديل الملونة "  ( الجزء الثاني ) بقلم  سليم عوض عيشان ( علاونة ) Emptyرد: " لعبة المناديل الملونة " ( الجزء الثاني ) بقلم سليم عوض عيشان ( علاونة )

more_horiz
البرق اللامع
سليم علاونه

ولا زلنا نتابع بصمت هذه الرائعة

ومنتظرين لبقيتها ايها الرائع

محبيت



privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى