استيقظت وأنا أرتجف على أرضٍ تفوح منها رائحة الدم ، لا شيء حولي سوى ظلام
وعيون حاولتُ أن أنهض ولكن جرحٌ بجسدي آلمني ومنعني من ذلك ،"على رُسلك
" همسة سمعتها من خلفي فالتفتُ لمُطلِقها ، كانت فتاة يافعة والظلام لم يغير
حقيقة كونها فاتنة ، نظرتُ حولي بدهشة ، كانت زنزانة ملئى بمساجين غارقين بدمائهم
، تمتمتُ وأنا أشعر بالدوار :"أين أنا ؟"
وبدأت أتذكر ما حدث معي ، كيف تم جري من بيتي بمنتصف الليل إلى فرع الأمن
الجوي وضربي وتعذيبي ، لمجرد أنني شاركت بتظاهرة وأبديت رأيي على موقعٍ للتواصل
الاجتماعي ، زحفت بصعوبة وأسندت ظهري على الحائط بإحدى الزوايا ، تبعتني الفتاة
إلى هناك ، كان يجلس أمامي رجل أربعيني سألني عن اسمي فأجبته عمر ، وصار يردد هذا
السؤال علي مراراً وتكراراً وأنا أجيبه حتى قاطعتني الفتاة :"أتركه إنه مريض
... ذاكرته كذاكرة سمكة صغيرة ... أنه ليس الوحيد ، فمثلا ذاك هادي ، إنه يرى
أشخاصاً لا نراهم ، يعيش بعالمه المنفصل عن عالمنا وذاك كريم ... إنه عدة أشخاص
بوقتٍ واحد !..جميعنا قادنا هذا السجن اللعين إلى الجنون!..
بعدها قامت الفتاة بخط خطٍ طولي صغير على الجدار ، همست : ماذا تفعلين ؟
أجابت :أحتسب كم مضى على وجودي هنا ،وأخمن كم سيبقى قبل أن أموت
ضحكت ساخراً وقلت : هذا سخيف ،نحن لن نموت هنا ،أنا لن أموت هنا !
همست : تقول هذا لأنه اليوم الأول لك ،إن الأمل الذي تقتات عليه الآن
سيتلاشى يوماً بعد يوم ،إنه فقط مخدر وسيزول مفعوله قريباً ،انظر إلى الجدران فقط
التفتُ إلى الجدران ،كانت ملئى برسومٍ رسموها من كانوا هنا قبلنا
بدمائهم،ربّاه ،أسمع صرخاتهم ،بكائهم ،نحيبهم ،صلواتهم من خلال هذه الرسوم .....
لا أمل لا بصيص نور يتراءى لنا بنهاية الطريق ، هذا ما يخبرهم به جراحهم وأجسادهم
المقرحة والمتألمة
أحقاً ستكون أنوار الشمس التي تقاتل من أجل التسرب من النافذة هي آخر ما
سأراه من النور ؟ !
وفجأة سمعت أصوات أقدام الحراس
المتجهين إلى الزنزانة،وبلا أدنى وعي رمت الفتاة بنفسها علي بذعر و اختبأت بظلمة
الزاوية التي كنت أجلس بها ،دخل الحراس وأخذوا أحد المساجين وخرجوا به إلى غرفة
التعذيب ،كانت ترتجف بشدة وعندما خرج الحراس انهارت بالبكاء وهي تردد: لا أريد أن
يلمسني هؤلاء السفلة مجدداً!
ثم مسحت دموعها بيدي فهمست لي:صدقني ،بتلك الغرفة تكره كل شيء ،تكره من
قتلوك بصمتهم ،تكره العالم الذي خذلك ،تكره جسدك الذي يتلذذون بتعذيبك به ،بتلك
الغرفة تكره كل شيء ... وتعشق الموت!
سألتها عن اسمها لعلّي بتغييري الموضوع أوقف سيل الدموع من عينيها فأجابتني
بابتسامة شفافة :"لمى"
كنا خمسين سجيناً بتلك الزنزانة ،بدأ يتناقص عددنا بكل يوم ،سجناء يُسحبون
من الزنزانة ولا يعودون ،وسجناء يعودون ليتلفظوا بأنفاسهم الأخيرة بالزنزانة ،كان
المحقق ينهال علي ضرباً وتعذيباً بشتى الوسائل ،كدت أصرخ له : لِمَ كل هذا الحقد
يا ابن بلدي؟ وأنا ما ناضلت إلا من أجل
حريتي وحريتك!
وبالنهاية لم يتبقى بالزنزانة سواي أنا ولمى ،بلعت جرعة مريعة من العذاب
بغرفة التحقيق ،ولكنه أهون بكثير من عذاب احتضان لمى وهي تحتضر ،النظر إلى عينيها
وهي تودع الحياة كانت أشبه بطعنات متتالية بصدري
بهذا المكان الذي يرغمك على كره كل شيء ،"تجد الحب بأماكن لا
تتوقعها" وخاصة بمكان كهذا ،تفوح منه رائحة الكراهية والموت والألم ،اعتقدت
أنني سأتحسر على حريتي ،بيتي ،عائلتي ،على كل شيء خارج القضبان ولم أعتقد للحظة أن
كل ما سأتحسر عليه كان وراء القضبان ،كانت حبيبة لن اظفر بها أبداً ،صنعت من حضني
وسادة لسرير موتها ، همست بكل أسى : أتمنى لو قابلتك بعالم آخر ،غير هذا ،عالم
يمكنني أن أحبك فيه ...
قاطعتني : يكفيني أنني رأيتك بهذا العالم ،يكفيني أنني أحببتك وإن لم ينتهي
بنا المطاف إلى تلك النهاية السعيدة ...السجن معك كان بالنسبة إلي حرية!
صحت باكياً عندما فارقت الحياة : لا تموتي ! ... أرجوكِ ستقتلني الظلمة من
بعدكِ يا شمسي ...
صرخت بكل قطرة أسى عُصِرت من قلبي : أرجوكم ، خذوني عذبوني قطعوني أرموني
بأعمق قبر ،ما عدت أحتمل أكثر!
من الغريب أن يصنع موت شخص آخر منك جثة هامدة ، قتلني موتها ، صنع مني
أشلاء مترامية هنا وهناك
طوال الليل وأصوات الاشتباكات لا تتوقف بالخارج ،كنت جالساً بإحدى الزوايا
المظلمة وحيداً بالزنزانة ،وأنا أتمنى من كل قلبي أن تصيبني إحدى الرصاصات وتنهي
كل هذه المعاناة التي أعيشها وفجأة فُتِحَت البوابة التي تؤدي إلى الزنازين ،وصرت
أسمع أصوات تحطيم أبواب الزنازين الزنزانة تلوى الزنزانة حتى وصل الجيش الحر إلى
زنزانتي ودخل أحد العناصر ونظر حوله بدهشة حتى لمحني فهمس قائلاً : لا يوجد أحدٌ
سواك هنا؟! فقط سجين واحد بالزنزانة
فأجبته: لقد تأخرتم ،كنا خمسين!
وعيون حاولتُ أن أنهض ولكن جرحٌ بجسدي آلمني ومنعني من ذلك ،"على رُسلك
" همسة سمعتها من خلفي فالتفتُ لمُطلِقها ، كانت فتاة يافعة والظلام لم يغير
حقيقة كونها فاتنة ، نظرتُ حولي بدهشة ، كانت زنزانة ملئى بمساجين غارقين بدمائهم
، تمتمتُ وأنا أشعر بالدوار :"أين أنا ؟"
وبدأت أتذكر ما حدث معي ، كيف تم جري من بيتي بمنتصف الليل إلى فرع الأمن
الجوي وضربي وتعذيبي ، لمجرد أنني شاركت بتظاهرة وأبديت رأيي على موقعٍ للتواصل
الاجتماعي ، زحفت بصعوبة وأسندت ظهري على الحائط بإحدى الزوايا ، تبعتني الفتاة
إلى هناك ، كان يجلس أمامي رجل أربعيني سألني عن اسمي فأجبته عمر ، وصار يردد هذا
السؤال علي مراراً وتكراراً وأنا أجيبه حتى قاطعتني الفتاة :"أتركه إنه مريض
... ذاكرته كذاكرة سمكة صغيرة ... أنه ليس الوحيد ، فمثلا ذاك هادي ، إنه يرى
أشخاصاً لا نراهم ، يعيش بعالمه المنفصل عن عالمنا وذاك كريم ... إنه عدة أشخاص
بوقتٍ واحد !..جميعنا قادنا هذا السجن اللعين إلى الجنون!..
بعدها قامت الفتاة بخط خطٍ طولي صغير على الجدار ، همست : ماذا تفعلين ؟
أجابت :أحتسب كم مضى على وجودي هنا ،وأخمن كم سيبقى قبل أن أموت
ضحكت ساخراً وقلت : هذا سخيف ،نحن لن نموت هنا ،أنا لن أموت هنا !
همست : تقول هذا لأنه اليوم الأول لك ،إن الأمل الذي تقتات عليه الآن
سيتلاشى يوماً بعد يوم ،إنه فقط مخدر وسيزول مفعوله قريباً ،انظر إلى الجدران فقط
التفتُ إلى الجدران ،كانت ملئى برسومٍ رسموها من كانوا هنا قبلنا
بدمائهم،ربّاه ،أسمع صرخاتهم ،بكائهم ،نحيبهم ،صلواتهم من خلال هذه الرسوم .....
لا أمل لا بصيص نور يتراءى لنا بنهاية الطريق ، هذا ما يخبرهم به جراحهم وأجسادهم
المقرحة والمتألمة
أحقاً ستكون أنوار الشمس التي تقاتل من أجل التسرب من النافذة هي آخر ما
سأراه من النور ؟ !
وفجأة سمعت أصوات أقدام الحراس
المتجهين إلى الزنزانة،وبلا أدنى وعي رمت الفتاة بنفسها علي بذعر و اختبأت بظلمة
الزاوية التي كنت أجلس بها ،دخل الحراس وأخذوا أحد المساجين وخرجوا به إلى غرفة
التعذيب ،كانت ترتجف بشدة وعندما خرج الحراس انهارت بالبكاء وهي تردد: لا أريد أن
يلمسني هؤلاء السفلة مجدداً!
ثم مسحت دموعها بيدي فهمست لي:صدقني ،بتلك الغرفة تكره كل شيء ،تكره من
قتلوك بصمتهم ،تكره العالم الذي خذلك ،تكره جسدك الذي يتلذذون بتعذيبك به ،بتلك
الغرفة تكره كل شيء ... وتعشق الموت!
سألتها عن اسمها لعلّي بتغييري الموضوع أوقف سيل الدموع من عينيها فأجابتني
بابتسامة شفافة :"لمى"
كنا خمسين سجيناً بتلك الزنزانة ،بدأ يتناقص عددنا بكل يوم ،سجناء يُسحبون
من الزنزانة ولا يعودون ،وسجناء يعودون ليتلفظوا بأنفاسهم الأخيرة بالزنزانة ،كان
المحقق ينهال علي ضرباً وتعذيباً بشتى الوسائل ،كدت أصرخ له : لِمَ كل هذا الحقد
يا ابن بلدي؟ وأنا ما ناضلت إلا من أجل
حريتي وحريتك!
وبالنهاية لم يتبقى بالزنزانة سواي أنا ولمى ،بلعت جرعة مريعة من العذاب
بغرفة التحقيق ،ولكنه أهون بكثير من عذاب احتضان لمى وهي تحتضر ،النظر إلى عينيها
وهي تودع الحياة كانت أشبه بطعنات متتالية بصدري
بهذا المكان الذي يرغمك على كره كل شيء ،"تجد الحب بأماكن لا
تتوقعها" وخاصة بمكان كهذا ،تفوح منه رائحة الكراهية والموت والألم ،اعتقدت
أنني سأتحسر على حريتي ،بيتي ،عائلتي ،على كل شيء خارج القضبان ولم أعتقد للحظة أن
كل ما سأتحسر عليه كان وراء القضبان ،كانت حبيبة لن اظفر بها أبداً ،صنعت من حضني
وسادة لسرير موتها ، همست بكل أسى : أتمنى لو قابلتك بعالم آخر ،غير هذا ،عالم
يمكنني أن أحبك فيه ...
قاطعتني : يكفيني أنني رأيتك بهذا العالم ،يكفيني أنني أحببتك وإن لم ينتهي
بنا المطاف إلى تلك النهاية السعيدة ...السجن معك كان بالنسبة إلي حرية!
صحت باكياً عندما فارقت الحياة : لا تموتي ! ... أرجوكِ ستقتلني الظلمة من
بعدكِ يا شمسي ...
صرخت بكل قطرة أسى عُصِرت من قلبي : أرجوكم ، خذوني عذبوني قطعوني أرموني
بأعمق قبر ،ما عدت أحتمل أكثر!
من الغريب أن يصنع موت شخص آخر منك جثة هامدة ، قتلني موتها ، صنع مني
أشلاء مترامية هنا وهناك
طوال الليل وأصوات الاشتباكات لا تتوقف بالخارج ،كنت جالساً بإحدى الزوايا
المظلمة وحيداً بالزنزانة ،وأنا أتمنى من كل قلبي أن تصيبني إحدى الرصاصات وتنهي
كل هذه المعاناة التي أعيشها وفجأة فُتِحَت البوابة التي تؤدي إلى الزنازين ،وصرت
أسمع أصوات تحطيم أبواب الزنازين الزنزانة تلوى الزنزانة حتى وصل الجيش الحر إلى
زنزانتي ودخل أحد العناصر ونظر حوله بدهشة حتى لمحني فهمس قائلاً : لا يوجد أحدٌ
سواك هنا؟! فقط سجين واحد بالزنزانة
فأجبته: لقد تأخرتم ،كنا خمسين!