((أزمنة الطواحين)) قصة قصيرة
نشوان محمد حسين
من هذا القلب
فتحت الأحلام شبابيكا ألفت انتظارا للذين لن يعودوا ليقطعوا التذكرة
الوحيدة، انتظارا لا يرضى أن ينتهي بمجرد أحزان، تلك الأحزان التي يؤطرها
أمل موروث من طفولة حائرة .
* * *
في
سنة ما توقفت طاحونة أبي بعد أن قطعت الحرب عنها نسمات الهواء.. طاحونة
أقامها والدي على أنقاض حظيرة سجلت حضور جدي .. طاحونة.. لطالما أنتشيت
بغبارها ورأيت الحياة في دورة مراوحها، لطالما طفت حولها مع صبية وصبيات
بدعوات بريئة شكّلت براعم أحلام لم يكتمل نموها.
الحرب نصبت طواحينها
واختارت أبي ومثله الكثيرين ليكونوا قشا يذره هديرها، تستنشقه رئاتنا
ويطول نزيفها... الحرب من حيث تشرق الشمس ومن حيث لا ملاذ في الجهات
الأخرى، يقذفها جحيم الأرض وتردها إلينا ملائكة السماء!
في سنين ما وارض
أخرى فرضتها علينا مراوح الطغاة ،كان عليَ أن أجادل الحياة بالطحن وبرحى
أمل اشرأبت به عيون الصبر وكلما كبرتُ طحنت الحب ـ مع فتاةـ بحجر
الحرمان..كم كان عليّ أن أغافل طواحين حرب أخرى لأبتسم بعدها بحزن على
الذين فاقهم دهائها!
* * *
كم
أتعبني أن أكون أما حبة تخشى الحريق في الطحن أو رحىً تطحن ما يثلمها،
لذا.. فالهرب إلى الداخل كان حلا يتيم، لكني بعد أن تزوجت صار عليَ – فيما
بعد - أن أعيش وحيدا مع طفلة ضحكها وبكائها يطحن الشجن في أمنياتي وبهدير
رخيم على مسامعي التي شابها دوي الصمت.!
* * *
ذات
سنة بيّضت شعرها طواحين الحرب ، عدتُّ إلى قريتي النائية بكل شيء إلا
بمحبتها التي ضلت ملاذا تعفره أشياء عصية على الذر في طواحين الألم، عدتُّ
ماسكا بأصابع السنوات الست لطفلتي، لأخفي رجفة بدئت تلازم أصابعي.. لا
ادري لما بدا اخضرارها يابسا في قلبي وصوتها يبث صمتا غريب ..حطام الطاحونة
وحده كان عامرا..
حضنت طفلتي وأنا أغمض عينيَ مستسلما.. لصياح أبي
يأمرني، لكف أخي تدفعني إلى كومة القش.. ابتسمت لنظرات أمي وهي تتبعني،
ناديت ابنة الجيران وهي تومئ لي .. دارت بدمي طواحين عدة تتناوب وتختلف في
طحنها وانا أناديها متألما، منتشيا : توقفي ،اطحني ،توقفي ،اطحني،
توق.......
نشوان محمد حسين
من هذا القلب
فتحت الأحلام شبابيكا ألفت انتظارا للذين لن يعودوا ليقطعوا التذكرة
الوحيدة، انتظارا لا يرضى أن ينتهي بمجرد أحزان، تلك الأحزان التي يؤطرها
أمل موروث من طفولة حائرة .
* * *
في
سنة ما توقفت طاحونة أبي بعد أن قطعت الحرب عنها نسمات الهواء.. طاحونة
أقامها والدي على أنقاض حظيرة سجلت حضور جدي .. طاحونة.. لطالما أنتشيت
بغبارها ورأيت الحياة في دورة مراوحها، لطالما طفت حولها مع صبية وصبيات
بدعوات بريئة شكّلت براعم أحلام لم يكتمل نموها.
الحرب نصبت طواحينها
واختارت أبي ومثله الكثيرين ليكونوا قشا يذره هديرها، تستنشقه رئاتنا
ويطول نزيفها... الحرب من حيث تشرق الشمس ومن حيث لا ملاذ في الجهات
الأخرى، يقذفها جحيم الأرض وتردها إلينا ملائكة السماء!
في سنين ما وارض
أخرى فرضتها علينا مراوح الطغاة ،كان عليَ أن أجادل الحياة بالطحن وبرحى
أمل اشرأبت به عيون الصبر وكلما كبرتُ طحنت الحب ـ مع فتاةـ بحجر
الحرمان..كم كان عليّ أن أغافل طواحين حرب أخرى لأبتسم بعدها بحزن على
الذين فاقهم دهائها!
* * *
كم
أتعبني أن أكون أما حبة تخشى الحريق في الطحن أو رحىً تطحن ما يثلمها،
لذا.. فالهرب إلى الداخل كان حلا يتيم، لكني بعد أن تزوجت صار عليَ – فيما
بعد - أن أعيش وحيدا مع طفلة ضحكها وبكائها يطحن الشجن في أمنياتي وبهدير
رخيم على مسامعي التي شابها دوي الصمت.!
* * *
ذات
سنة بيّضت شعرها طواحين الحرب ، عدتُّ إلى قريتي النائية بكل شيء إلا
بمحبتها التي ضلت ملاذا تعفره أشياء عصية على الذر في طواحين الألم، عدتُّ
ماسكا بأصابع السنوات الست لطفلتي، لأخفي رجفة بدئت تلازم أصابعي.. لا
ادري لما بدا اخضرارها يابسا في قلبي وصوتها يبث صمتا غريب ..حطام الطاحونة
وحده كان عامرا..
حضنت طفلتي وأنا أغمض عينيَ مستسلما.. لصياح أبي
يأمرني، لكف أخي تدفعني إلى كومة القش.. ابتسمت لنظرات أمي وهي تتبعني،
ناديت ابنة الجيران وهي تومئ لي .. دارت بدمي طواحين عدة تتناوب وتختلف في
طحنها وانا أناديها متألما، منتشيا : توقفي ،اطحني ،توقفي ،اطحني،
توق.......