" آهٍ أيها الغائب لا تدري ماذا فعل غيابك بي؟ ... لاتدري كيف نهاري وكانت ضحكتك قبل ذلك شمسي ، لا تدري كيف أحيا وأنت من يجعل قلبي يخفق ، آهٍ كم أجرم بي غيابك يا حبيبي !"
كلمات ذرفتها من عيوني الدامعة وأنا أحدق بقطرات المطر الملتصقة على نوافذ الحافلة ، كنت برحلة من حلب إالى درعا وسطَ كمٍّ هائل من المخاطر ، الحب وحده من يدفع المرء لمثل هذه الرحلة المجنونة ، حبيبي رقيب بالجيش النظامي ويقضي خدمته العسكرية بدرعا ، انقطعت أخباره عني منذ شهرين ، لم أستطع الوقوف مكتوفة اليدين ، كان علي أن أفعل شيئاً ،أن ألحقه، أن أقفز بأية حفرة قد سقط بها فالعاشق مجرد تابع أعمى لمعشوقه ...
التفت إلى ما وراء قطرات المطر الرقيقة لأرى فظاعة الحرب ، بيوت سويت بالأراض ... وأحلام سويت بالأرض أيضاً ، أناس يهربون إلى أماكن قد تأويهم ،يحملون أغراضهم على غير هدى والحزن يحتل أعينهم المرهقة ، لم يبقى من ضحكات أبناءك سوى رماداً تلهو به رياح الأسى ، وحتى زغاريد نساؤك لم تعد تُطلق إلا لتزف القتلى لقبورهم
ما الفاجعة إلا أن ترى بلداً جميلاً كسوريا يتساقط حجراً حجراً كأوراق الششجر المتساقطة بنهاية الصيف ، لقد طال هذا الكابوس حتى خلتُ أننا لن نستيققظ منه أبداً ، نسينا نور الشمس وكأننا نعيش بهذا الظلام الدامس منذ الأزل ، ولكن عندما يجتاحني اليأس أتذكر عندما صرخت لحبيبي على الهاتف : أنظر إلى شعب يبات تحت الركام ، ألازال أمل موجوداً؟
فيجيب بصوتٍ هادئ : ألازلتُ أحبك؟
إن كان الحب يستطيع أن يعيش بوسط الكراهية هذا فلايزال الأمل موجوداً
تأملت صورة حبيبي وأنا أتلمسها ، تذكرت آخر مكالمة له على الهاتف قبل أختفاءه ، عبرت عن خوفي عندما سمعت عن تفجير إحدى ثكنات الجيش ، أجابني :"حتى لو أستحلتُ أشلاءاً ، سيظل عشقك يسكن كل شلوان من جسدي "
إنها خدمة أجباريةعلى كل شاب سوري ، كان مجبراً على الذهاب ولم يستطع قط الهرب فقد حاول احد أصدقاءه ذلك ولقى حتفه
لاشيء كنا نتشاركه بكل يوم سوى الحب والكثير والكثير من العذاب ، لا شيء كنت أتمناه سوى أن نحيا إلى اليوم الذي سنلتقي به ، أتقلب على ذكراه ليلاً كما تتقلب الذبيحة على نار هادئة ، وحتى عندما أغفو كنت أستيقظ مذعورة من كابوس فقدانه، ياترى ماذا حل بك يا حبيبي ؟!
وصلت أخيراً إلى اللواء الذي يخدم به ، عندما سألت عنه أدخلني أحد الجنود إلى غرفة العقيد ، فجلست أنتظره على كرسي حديدي لم يتوقف أزيزه جراء أرتجافي، تجمدت حبات العرق على جبهتي وأنا أنتظر أخباراً أتوقعها ولا أتمناها
دخل العقيد وجلس خلف مكتبه وهو يمعن بي ، سألني : تريدين رؤية أحدهم؟
أجبت : نعم الرقيب ياسين حلبي
قال : عينان خضراوتان شعر أشقر
هتفت بلهفة : نعم ، نعم
هز برأسه وبدا وكأنه يجد طريق لتغيير الموضوع بسؤاله:أأنتِ مؤيدة ام معارضة ؟
السؤال المعتاد ، سؤال بشكل ما يشبه :"أأنت مؤمن أم كافر من وجهة نظري؟!"
أجبت : أنا مع المواطن العادي ، الذي دفع الثمن !
استشعرت تلكؤه وتجنبه للإجابة عن أسئلتي قلت وعيناي تهطلان دموعاً : ماذا حدث ؟
ردَّ: لقد حدثني عنك يوماً ، أخبرني أنه عشق البراءة التي تلمع بفضاء عينيك
قاطعته بتشنج : أخبرني أرجوك ماذا حدث لياسين ؟
هزَّ برأسه وهو لا يجد طريقاً آخر سوى الإجابة ، فهمس : قبل شهرين تفجرت إحدى ناقلات الجند إثر كمين عبوة ناسفة وقد فقدنا العديد من الرجال بها وكان من بينهم ياسين
أردف عندما رأى الوجع الفظيع الذي أرتسم بعيناي الباكيتان : لا تبكي أرجوكي ،انه شهيد
شهيد؟ ... لمن قاتل ولماذا أستشهد
جميع الأطراف ترى بأنها تحارب من أجل سوريا إذاً من الذي دمرها؟!
قلت بصوت مرتجف : أنا لا أبكي لأنه قُتِلَ ... أبكي على السبب الذي قُتِلَ من أجله ... لا شي يستحق أن نقاتل ونقتل وندمر بأيدينا بلادنا من أجله ... لا شيء!
عدل سابقا من قبل براءة حسين في الأحد مارس 31, 2013 6:01 pm عدل 2 مرات
كلمات ذرفتها من عيوني الدامعة وأنا أحدق بقطرات المطر الملتصقة على نوافذ الحافلة ، كنت برحلة من حلب إالى درعا وسطَ كمٍّ هائل من المخاطر ، الحب وحده من يدفع المرء لمثل هذه الرحلة المجنونة ، حبيبي رقيب بالجيش النظامي ويقضي خدمته العسكرية بدرعا ، انقطعت أخباره عني منذ شهرين ، لم أستطع الوقوف مكتوفة اليدين ، كان علي أن أفعل شيئاً ،أن ألحقه، أن أقفز بأية حفرة قد سقط بها فالعاشق مجرد تابع أعمى لمعشوقه ...
التفت إلى ما وراء قطرات المطر الرقيقة لأرى فظاعة الحرب ، بيوت سويت بالأراض ... وأحلام سويت بالأرض أيضاً ، أناس يهربون إلى أماكن قد تأويهم ،يحملون أغراضهم على غير هدى والحزن يحتل أعينهم المرهقة ، لم يبقى من ضحكات أبناءك سوى رماداً تلهو به رياح الأسى ، وحتى زغاريد نساؤك لم تعد تُطلق إلا لتزف القتلى لقبورهم
ما الفاجعة إلا أن ترى بلداً جميلاً كسوريا يتساقط حجراً حجراً كأوراق الششجر المتساقطة بنهاية الصيف ، لقد طال هذا الكابوس حتى خلتُ أننا لن نستيققظ منه أبداً ، نسينا نور الشمس وكأننا نعيش بهذا الظلام الدامس منذ الأزل ، ولكن عندما يجتاحني اليأس أتذكر عندما صرخت لحبيبي على الهاتف : أنظر إلى شعب يبات تحت الركام ، ألازال أمل موجوداً؟
فيجيب بصوتٍ هادئ : ألازلتُ أحبك؟
إن كان الحب يستطيع أن يعيش بوسط الكراهية هذا فلايزال الأمل موجوداً
تأملت صورة حبيبي وأنا أتلمسها ، تذكرت آخر مكالمة له على الهاتف قبل أختفاءه ، عبرت عن خوفي عندما سمعت عن تفجير إحدى ثكنات الجيش ، أجابني :"حتى لو أستحلتُ أشلاءاً ، سيظل عشقك يسكن كل شلوان من جسدي "
إنها خدمة أجباريةعلى كل شاب سوري ، كان مجبراً على الذهاب ولم يستطع قط الهرب فقد حاول احد أصدقاءه ذلك ولقى حتفه
لاشيء كنا نتشاركه بكل يوم سوى الحب والكثير والكثير من العذاب ، لا شيء كنت أتمناه سوى أن نحيا إلى اليوم الذي سنلتقي به ، أتقلب على ذكراه ليلاً كما تتقلب الذبيحة على نار هادئة ، وحتى عندما أغفو كنت أستيقظ مذعورة من كابوس فقدانه، ياترى ماذا حل بك يا حبيبي ؟!
وصلت أخيراً إلى اللواء الذي يخدم به ، عندما سألت عنه أدخلني أحد الجنود إلى غرفة العقيد ، فجلست أنتظره على كرسي حديدي لم يتوقف أزيزه جراء أرتجافي، تجمدت حبات العرق على جبهتي وأنا أنتظر أخباراً أتوقعها ولا أتمناها
دخل العقيد وجلس خلف مكتبه وهو يمعن بي ، سألني : تريدين رؤية أحدهم؟
أجبت : نعم الرقيب ياسين حلبي
قال : عينان خضراوتان شعر أشقر
هتفت بلهفة : نعم ، نعم
هز برأسه وبدا وكأنه يجد طريق لتغيير الموضوع بسؤاله:أأنتِ مؤيدة ام معارضة ؟
السؤال المعتاد ، سؤال بشكل ما يشبه :"أأنت مؤمن أم كافر من وجهة نظري؟!"
أجبت : أنا مع المواطن العادي ، الذي دفع الثمن !
استشعرت تلكؤه وتجنبه للإجابة عن أسئلتي قلت وعيناي تهطلان دموعاً : ماذا حدث ؟
ردَّ: لقد حدثني عنك يوماً ، أخبرني أنه عشق البراءة التي تلمع بفضاء عينيك
قاطعته بتشنج : أخبرني أرجوك ماذا حدث لياسين ؟
هزَّ برأسه وهو لا يجد طريقاً آخر سوى الإجابة ، فهمس : قبل شهرين تفجرت إحدى ناقلات الجند إثر كمين عبوة ناسفة وقد فقدنا العديد من الرجال بها وكان من بينهم ياسين
أردف عندما رأى الوجع الفظيع الذي أرتسم بعيناي الباكيتان : لا تبكي أرجوكي ،انه شهيد
شهيد؟ ... لمن قاتل ولماذا أستشهد
جميع الأطراف ترى بأنها تحارب من أجل سوريا إذاً من الذي دمرها؟!
قلت بصوت مرتجف : أنا لا أبكي لأنه قُتِلَ ... أبكي على السبب الذي قُتِلَ من أجله ... لا شي يستحق أن نقاتل ونقتل وندمر بأيدينا بلادنا من أجله ... لا شيء!
عدل سابقا من قبل براءة حسين في الأحد مارس 31, 2013 6:01 pm عدل 2 مرات