بين الرماد ..جمر وذاكرة!
بين يديك كتب كثيرة
ووجوه تملأ جدار الذاكرة ..
في إطار الأمس تسكن.. وأنت بلطف تمسح عنها غبار النسيان، بمنديل الحنين!
كيف حدث هذا ؟ أنت تشرب قهوتك وحدك ، تكثر من السكر لتخفف من تلك النكهة المرة للحياة !
وتنفض رماد سيجارتك بعصبية، يتناثر رمادها،ليختنق المكان بالسعال، أو تقع المنفضة وتنكسر ..
كما انكسرتَ طويلا ... وما ذنبها إن كانت ذاكرتك ضبابا ثقيلا .. وبركانا غاضبا حينا!
ووجوه تملأ جدار الذاكرة ..
في إطار الأمس تسكن.. وأنت بلطف تمسح عنها غبار النسيان، بمنديل الحنين!
كيف حدث هذا ؟ أنت تشرب قهوتك وحدك ، تكثر من السكر لتخفف من تلك النكهة المرة للحياة !
وتنفض رماد سيجارتك بعصبية، يتناثر رمادها،ليختنق المكان بالسعال، أو تقع المنفضة وتنكسر ..
كما انكسرتَ طويلا ... وما ذنبها إن كانت ذاكرتك ضبابا ثقيلا .. وبركانا غاضبا حينا!
ماذا تريد؟ تسأل نفسك وتغفل الجواب ..
الأجوبة تظهر عجزك وضعفك ..
ثم تؤنب نفسك موبخا :
أولم تختر أنت هذا ؟
كانت الشقة قبلا واسعة، تسع الجميع بضحكاتهم، اليوم ضاقت بك، حتى اختنقتَ بأنفاسك
المتصاعدة ... لا لشيء تتنفس، فقط هي طقوس روتنية، .. الرئة لا تيأس ! ولا تتوقف مع النبض!
تبقى صامدة وسط الدخان .. قوية الإرادة ..أنت فقط المهزوم هنا!
والطائر الجريح الذي حلّق بجناح واحد، فسقط في وديان أنانيته .. القمم تنسى من خسروا،
السماء لا تلتقط من سقطوا .. والغمام يضحك منهم كثيرا!
ما بقي لي اليوم هو هذه الشقة المؤثثة بالذاكرة والألم .. وهذا الجسد العاري من لمسة دافئة!
كنت أقامر على حياتي .. وانسحبت بعد خسائر كبيرة !
كانت هنا، ومازالت أثار يديها المشتققة في كل مكان، على حافة السرير، على الطاولة المتصدعة بالذكريات،
في المطبخ، فوق آنية النحاس الحزينة ، وحول ماكينة الخياطة الصدئة .. !
حتى صوتها هنا، يعاتب كثيرا، يختنق أكثر .. وفي المساء يغني لطفل يأبى أن ينام، وكأنه يفهم ما يجري حوله،
ويرى القدر أمامه دهليزا مظلما .. تأكل الحمى من جبينه ، والرعشة زلزال يضرب بعنف .. والعيون المهملة أكثر فتكا ..!
وحدي كنت الأعمى .. كان المساء لأغنية تنسيني الدنيا، وكانت يدي تلعب بخفة ، ترمي ورقة رابحة هنا وأخرى هناك ..
وكنت أفوز .. أفوز كثيرا .. لأعلب أكثر ..ولأخسر كل شيء في النهاية!
كالدمية التفت حولي الخيوط .. جرفني السيل بعيدا عن نفسي .. وأخذتني الحماسة لأمتطي خيول أحلامي،
أمسح عرقا يتصبب من خيبتي ..وأتابع الانطلاق ..نحو السراب!
وهي الفرس الأبيض المكبل بالحزن والحسرة!
ها أنا في تلك اليلة أعود خاسرا ، محطما ، محترقا بنار الغضب، أردت أن أخمد لهيبي، فكانت أمامي
مرتبكة حد الجنون، صامتة حد الصراخ، تقذفني بنظرات حادة .... فأطفأت جمري .. بها !
خفت نبضها ، صار زمرد الخدين رمادا ....... وانطفأ سراج أيامنا!
وهاهي في الصباح التالي ترحل .... تحمل طفلنا قنديلا يخبو .. شيئا فشيئا .. حتى وهب للأغاني الحزينة
كل ما عنده من ضوء وحب !
كان صباحا ماطرا ، لكن الغمام في عينيّ أبى أن يبكي .. !
والمطر رغم غزارته لم يسق سوى الجفاف .. وأزهر في معطفي البرد!
ومضى من العمر ما مضى .. الضجة طوت كل شيء ، بقيت الذكرة صامتة إلا من بعض أنين ..!
أنسلُّ في كل ليلة نحو هناك ..لأرى كيف كنت خلف ستار الأيام .. يتكرر المشهد مرارا ..
يحاصرني هو .. وهو يعني أنا .. وأنا يعني شقاء الزمان ، ومعول أحمله على كتفي، أحرث به
الفراغ القاتل .. كمن يحفر قبره في الصمت .. !
أشتاق ولا أدري تماما لمن .. هي .. أم قنديلنا الذي خبا .. أم لنفسي وعمري الذي ضاع سدى ..
المنزل مؤثث بخيوط العناكب ، تحاول خنفي كل ليل أسود، أتوغل تحت لحاف الماضي ..أهرب إليه
لأقذفه بما تيسر لي من كلام ولوم وحجر .. وكم حاولت قتله .. وقتل تلك الأيام ..!
يعلو صوت زئير فجأة .. في داخلي ما زال هناك أسد متمرد، يحاول التخلّص من السلاسل ..
وخيوط العناكب أمتن .. والحجج التي تدفعني للاستسلام أقوى .... لكنني رأيت واحة هناك، نخلة وظلا ..
عطش للراحة، لبرهة من النسيان، لرشفة من شفقة الأيام .. عطش لوجهي ..لمرآتي القديمة..
لو أن المنزل يغفر لي ..أو يتركني أرحل .. !
أهيم فيه بحثا عن ركن يأويني بحنان ، كمن يبحث عن زاوية في عالم دائري!
والأحلام مستطيلة .. كأنني قطع مستحيلة التركيب ..!
مبعثر كالضوء الذي لا يدخل من الشباك الخشبي... لم لم أفتحه يوما؟
هل يمكن لشعاع أن يغسل ليلا بكامله؟
أتردد .. العناكب تخاف .. تحاول أن تمنعني مجددا .. أمد يدي ..لم تعد خفيفة كما كانت ..
ظلها مازال يحتفظ ببعض الرشاقة .. ها هو يراوغ الخيوط، يهرب من المشاهد المتكررة،
يخرج عن رتابة النوتة .. يكاد ينجح ..يكاد ينجح .. أخيرا ..أخيرا ..!
لكن المكان يضيق المكان أكثر ..كل ما أريده شيئا من النور .. أهرب نحو الشارع .. ضوء شديد يفرش الطريق ، يقترب ، يقترب .. يلتهم ما أمامه !
.
14/2/2012