سمنون ... والقنديل يشتعلُ
شعر: أحمد زكي الزبيدي
أسْـرَجْـتُ قافِــيـتِي والفِـكـْرُ ينـدَمِـلُ......ويغـرفُ الريـحَ من أنفـاسِهِ الأجَـلُ
مُستودَعُ الرفضِ يَهذي نوحَ سنبُـلةٍ......في كلِّ حوضٍ لها سِـجـنٌ ومُعتـقـلُ
رَصاصَةُ الدمعِ زَانتْ فـي تمَرُّدِهَـا......وجْهَ السَّماءِ فصَارَ الجَدْيُ والحَـمَلُ(2)
كحَّلتُ صَمتي بدِينِ الأمْسِ مُهتديـاً......فهـل رأيتَ لِحـاظَ الصَّمـتِ تكتحِـلُ؟
شكـْـلُ المَـديـنـةِ لا يَنـوي مُقـابلـَتِي......إنَّ المَلامـحَ صاحتْ: دونكَ الفشـلُ
هُم أجلسُـوني على تاريخِ شـمْعَـتهِم......حَتـَّى إذا لـمَـعَــتْ أقـمَـارُهُـمْ ذبـلـوا
للآن أحْـصدُ خـوفـي فــوقَ هـاويـةٍ......تمُـصُّ ليـلي دَمـاً، والبـابُ يحْـتـَمِـلُ
لا الوقتُ مُنتحبٌ يَعـنـى بـفاتِـنـتـي......ولا اليَـقِـينُ الذي قـد عِـشـتـُـهُ جَـذِلُ
آمَنـتُ بالحُبِّ حتى مَـلـَّـني و غـفـا......في حضْنِ صَحوٍ به الأحلامُ تَغتسِلُ
مَـا كنــتُ أعْـلمُ أنَّ النـارَ تشـتـُمُني......حتـَّى تسَلـَّـقَ أكـوابَ المُـنى الخَجلُ
جَـرَّتْ خُطايَ درُوباً لسْـتُ أفـْقهُـها......ونكـهَـةُ الفجْـرِ في عَـيـنيَّ تـمْـتـثـِلُ
آهٍ عَـلى أمَــلـِي المَـاضِي بغـَـفـْـوَتِهِ......أيَّامَ كـَانتْ حِـوَارَاتُ الهَوى القـُـبـَـلُ
نسْـتنشِقُ النورَ مِن وَاحَاتِ ظلـمَتِنا......ونلعَـقُ الشَّمـسَ إذ ينـمُو بـها العَسَـلُ
فرَاشـة الهَمسِ مِن أهْـدَابِ قصَّتِنا......رفـَّـتْ على زهـرةِ الأجْفـانِ تـبتَـهـلُ
والآنَ تـَخـنـُقُ أيَّـامِــي تـَنـَفـُّــسَـهَـا......وتـَقـلـعُ الحُـلـْــمَ من أقــدَامِـهِ المُـقـَـلُ
مُمزَّقُ الرَّملِ مَصلوبٌ على شجَنِي......مُبـعْـثَـرُ اليأسِ يَبكِي ضِلعيَ العَـطلُ
وحْيُ الأنينِ عَلى الأوثـانِ مُعـتكِفٌ......يُمَــسِّـحُ المَـوتَ ربَّــاً أسمُـهُ الأمَـــلُ !
مـاذا أُرتـِّـلُ مـن قامُـوسِ خُضرَتِـنا......وغُبـْـرةُ الآه حُبـْـلى، والسَّنـا ثـَـــمِـلُ؟
لا الـدُّودُ يُكـنِسُ سَــاعَـاتٍ مُـكـدَّسةً......ولا الـدُّروبُ على الكــافـورِ تـَنـتـقِـلُ
ولا خُـيـوط دُخـَـانٍ تـَـرتدي سُـبُـلاً......ولا تـدَلـَّى مِـن البَـدر الـجَـرى بَـــدَلُ
كارُوْنُ(3)يا وَطناً،يا جُوعَ ذاكِرَتي.....يا سُـحْـنةَ العُـمْرِ فـوقَ الآنَ تـنـسَـدلُ
كنْ شاهِـداً للنواقيسِ التي صدَحَـتْ......بِـــســرِّ وَجهِــكَ والقِـنــديلُ يـشـْـتـَعِلُ
ها هُم أتوا،وزَفيرُ الصمتِ يَحفِرُني......والأرضُ مُغـْـلـَـقةٌ، واللـَّــيلُ مُـنذهِـلُ
ها هُم أتوا لـَهبَـاً، والمَـالُ يَحْـرسُهمْ......وبـضْـعَةٌ مِـن رَنِـينِ الغَـيمِ تـُرتجَـــلُ
مَشى الوصولُ إليهم،وارتدى حَجَراً......وأغـلقَ الحــالَ في صَــبرٍ لـهُ رَحَـلُ(4)
لِلـناهِـبيـنَ تـكـَـادُ الأرضُ تـُـخـتـَزلُ......يـا ويَـحَ فـــقــرِكَ فِـيـها أيُّها الـرَّجـلُ!
فكـم بَـريـقٍ يَـلـمُّ العَـيـنَ مـا نثـَـرَتْ......شـــدُّوا عَــليـهِ جَـــرَاداً أيْـنـمَا رَحَـلوا
وكـم جـنَـاحِ نـهَــارٍ ثـقـَّــبـوهُ، وكَــمْ......عَــلى بـــذورِ غـَـــدٍ أشيـَـاءَ تـُفـْـتـعَـلُ
مـازِلتُ أخـتـَـرِقُ الأيَّـامَ فـي كَـفـَنِي......والأمـسُ يَــنـزفُ، والأفــكارُ تـُعــتقلُ
فهَـل هُـناكَ رَصِيفٌ يَحتوي مَطرِي وهَـــل هُـنــاكَ لآمَـالِــي أنـَـا أمَــلُ؟!!
__________________________________
معاني الكلمات:
(1)سمْنون:شاعر إسلامي متصوِّف من شعراء العصر العباسـي،عاش في بغـداد،وتوفي سنة 298هـ،
وكـان يلقِّب نفسه بـ((سمنون المحب)) لِحبهِ لله(سبحانه وتعالى)،له ديوان شعري عبارة عن مقطعات صغيرة في الغزل الصوفي.
(2)الجَدْي والحَمَل:هما برجان سماويان في علم التنجـيم.
(3)كـَارُوْن: هو إلــه المــوت فـي الأسـاطير الرومانية القديمة،الذي يسكن العالم السفلي، ويقابله عند الإغريق الإله (هاديس).
(4)الرَّحَل: وهو ما يُشدُّ على البعيرِ لِنقـلِ الأحمال من مكانٍ إلى آخر.
شعر: أحمد زكي الزبيدي
أسْـرَجْـتُ قافِــيـتِي والفِـكـْرُ ينـدَمِـلُ......ويغـرفُ الريـحَ من أنفـاسِهِ الأجَـلُ
مُستودَعُ الرفضِ يَهذي نوحَ سنبُـلةٍ......في كلِّ حوضٍ لها سِـجـنٌ ومُعتـقـلُ
رَصاصَةُ الدمعِ زَانتْ فـي تمَرُّدِهَـا......وجْهَ السَّماءِ فصَارَ الجَدْيُ والحَـمَلُ(2)
كحَّلتُ صَمتي بدِينِ الأمْسِ مُهتديـاً......فهـل رأيتَ لِحـاظَ الصَّمـتِ تكتحِـلُ؟
شكـْـلُ المَـديـنـةِ لا يَنـوي مُقـابلـَتِي......إنَّ المَلامـحَ صاحتْ: دونكَ الفشـلُ
هُم أجلسُـوني على تاريخِ شـمْعَـتهِم......حَتـَّى إذا لـمَـعَــتْ أقـمَـارُهُـمْ ذبـلـوا
للآن أحْـصدُ خـوفـي فــوقَ هـاويـةٍ......تمُـصُّ ليـلي دَمـاً، والبـابُ يحْـتـَمِـلُ
لا الوقتُ مُنتحبٌ يَعـنـى بـفاتِـنـتـي......ولا اليَـقِـينُ الذي قـد عِـشـتـُـهُ جَـذِلُ
آمَنـتُ بالحُبِّ حتى مَـلـَّـني و غـفـا......في حضْنِ صَحوٍ به الأحلامُ تَغتسِلُ
مَـا كنــتُ أعْـلمُ أنَّ النـارَ تشـتـُمُني......حتـَّى تسَلـَّـقَ أكـوابَ المُـنى الخَجلُ
جَـرَّتْ خُطايَ درُوباً لسْـتُ أفـْقهُـها......ونكـهَـةُ الفجْـرِ في عَـيـنيَّ تـمْـتـثـِلُ
آهٍ عَـلى أمَــلـِي المَـاضِي بغـَـفـْـوَتِهِ......أيَّامَ كـَانتْ حِـوَارَاتُ الهَوى القـُـبـَـلُ
نسْـتنشِقُ النورَ مِن وَاحَاتِ ظلـمَتِنا......ونلعَـقُ الشَّمـسَ إذ ينـمُو بـها العَسَـلُ
فرَاشـة الهَمسِ مِن أهْـدَابِ قصَّتِنا......رفـَّـتْ على زهـرةِ الأجْفـانِ تـبتَـهـلُ
والآنَ تـَخـنـُقُ أيَّـامِــي تـَنـَفـُّــسَـهَـا......وتـَقـلـعُ الحُـلـْــمَ من أقــدَامِـهِ المُـقـَـلُ
مُمزَّقُ الرَّملِ مَصلوبٌ على شجَنِي......مُبـعْـثَـرُ اليأسِ يَبكِي ضِلعيَ العَـطلُ
وحْيُ الأنينِ عَلى الأوثـانِ مُعـتكِفٌ......يُمَــسِّـحُ المَـوتَ ربَّــاً أسمُـهُ الأمَـــلُ !
مـاذا أُرتـِّـلُ مـن قامُـوسِ خُضرَتِـنا......وغُبـْـرةُ الآه حُبـْـلى، والسَّنـا ثـَـــمِـلُ؟
لا الـدُّودُ يُكـنِسُ سَــاعَـاتٍ مُـكـدَّسةً......ولا الـدُّروبُ على الكــافـورِ تـَنـتـقِـلُ
ولا خُـيـوط دُخـَـانٍ تـَـرتدي سُـبُـلاً......ولا تـدَلـَّى مِـن البَـدر الـجَـرى بَـــدَلُ
كارُوْنُ(3)يا وَطناً،يا جُوعَ ذاكِرَتي.....يا سُـحْـنةَ العُـمْرِ فـوقَ الآنَ تـنـسَـدلُ
كنْ شاهِـداً للنواقيسِ التي صدَحَـتْ......بِـــســرِّ وَجهِــكَ والقِـنــديلُ يـشـْـتـَعِلُ
ها هُم أتوا،وزَفيرُ الصمتِ يَحفِرُني......والأرضُ مُغـْـلـَـقةٌ، واللـَّــيلُ مُـنذهِـلُ
ها هُم أتوا لـَهبَـاً، والمَـالُ يَحْـرسُهمْ......وبـضْـعَةٌ مِـن رَنِـينِ الغَـيمِ تـُرتجَـــلُ
مَشى الوصولُ إليهم،وارتدى حَجَراً......وأغـلقَ الحــالَ في صَــبرٍ لـهُ رَحَـلُ(4)
لِلـناهِـبيـنَ تـكـَـادُ الأرضُ تـُـخـتـَزلُ......يـا ويَـحَ فـــقــرِكَ فِـيـها أيُّها الـرَّجـلُ!
فكـم بَـريـقٍ يَـلـمُّ العَـيـنَ مـا نثـَـرَتْ......شـــدُّوا عَــليـهِ جَـــرَاداً أيْـنـمَا رَحَـلوا
وكـم جـنَـاحِ نـهَــارٍ ثـقـَّــبـوهُ، وكَــمْ......عَــلى بـــذورِ غـَـــدٍ أشيـَـاءَ تـُفـْـتـعَـلُ
مـازِلتُ أخـتـَـرِقُ الأيَّـامَ فـي كَـفـَنِي......والأمـسُ يَــنـزفُ، والأفــكارُ تـُعــتقلُ
فهَـل هُـناكَ رَصِيفٌ يَحتوي مَطرِي وهَـــل هُـنــاكَ لآمَـالِــي أنـَـا أمَــلُ؟!!
__________________________________
معاني الكلمات:
(1)سمْنون:شاعر إسلامي متصوِّف من شعراء العصر العباسـي،عاش في بغـداد،وتوفي سنة 298هـ،
وكـان يلقِّب نفسه بـ((سمنون المحب)) لِحبهِ لله(سبحانه وتعالى)،له ديوان شعري عبارة عن مقطعات صغيرة في الغزل الصوفي.
(2)الجَدْي والحَمَل:هما برجان سماويان في علم التنجـيم.
(3)كـَارُوْن: هو إلــه المــوت فـي الأسـاطير الرومانية القديمة،الذي يسكن العالم السفلي، ويقابله عند الإغريق الإله (هاديس).
(4)الرَّحَل: وهو ما يُشدُّ على البعيرِ لِنقـلِ الأحمال من مكانٍ إلى آخر.