سنعرج هنا على علاقة النظام (المقطعي ) اللغوي الشعري الحديث مجازاً(1) بوحدات الخليل وتفعيلاته , ثم على الترقيم العروضي الى المدى المتاح والقدر المباح , بادئاَ نقول : للصوت اللغوي العربي خصوصيته المتميزة بالنسبة لبعض اللغات الأخرى , واللغة نطق قبل أن تكون كتابة , وهكذا الشعر , ولكل من الحروف الساكنة والمتحركة والحركات وحتى حروف المد مدى زمني جزئي صوتي خاص بها , تبثه الحنجرة وأعضاء النطق , أو ما يسمى بالجهاز الصوتي , بتردد معين , والتردد هو عدد الذبذبات الصوتية في الثانية الواحدة , ويرجع إليه تحديد درجة الصوت ونغمته , وبنبرة خاصة , والنبرة يكتسبها المتكلم من بيئته المناطقية أوالقبلية ...حتى تقترب من اللهجة المحلية , ولا تؤثر النبرة في العربية على إيقاع الشعر الكمي , ولكن في بعض اللغات الأجنبية لها دور فيه تؤدي الى كسره آو استقامة وزنه, حسب الحالة الشعرية (2) , وفي النظام اللغوي المقطعي الكمي الحديث , قسّم العلماء الحدث اللغوي الى أجزاء حسب الفترة الزمنية المقطوعة الى ( مقاطع ) ,والمقطع ظاهرة صوتية عضوية ,تعريفه أقل كمية لصوت ملفوظ يصدر خلال حدوث نبضة صدرية , وقد يعتبر النظام المقطعي في الشعر وعروضه الرقمي
حركة قصيرة أو طويلة , مكتنفة بصوت أو أكثر من الأصوات الساكنة وفي العربية المقطع لا يبدأ بصائت, ولا يحتوي على صامتين متتاليين بداية ( 3) و المقاطع منها أولا: المقطع القصير , ويرمز له بالرمز ( ب ), ويتكون من : صامت + صائت قصير ( حرف منطوق بحركته في اللغة العربية ,والسكون ليست منها, مثل حرفي الجر الباء واللام, , وثانيا : المقطع الطويل ,ورمزه ( - ) , ويتكون إما من : صامت + صائت طويل (حرف +حرف مد مثل لا) , وهو المفتوح , آو من : صامت + صائت قصير + صامت (حرف بحركته + حرف ساكن مثل : لـَمْ ) , وهو المغلق ,وهذا هو السبب الخفيف , وهنا فقط يلتقي النظام المقطعي الحديث مع الوحدات الوزنية الخليلية ) ,وثالثاً : المقطع زائد الطول , ورمزه ( ^) , ويتكون إما من : صامت + صائت طويل + صامت مثل: دارْ , وهو مغلق بصامت , أو من صامت +صائت قصير + صامتين مثل :حَبْرْ , وهو مغلق بصامتين ( 4) وهنا يلتقي النظام المقطعي الحديث مع السبب المتوالي الذي أقر به القرطاجني , وهو نادر الحدوث في اللغة العربية .(5) , ويذكر تمام حسّان مقطعا سادسا ,يمكن أن نسميه بـ (المقطع الأقصر ) ,وهو حرف صحيح مشكل بالسكون , مثل لام التعريف ( 6 ) ,ويمكن للصائت القصير أن يشبع الى حرف مد للضرورة الشعرية , ولكن لا يساويه تماما, هنا قد نلجأ الى إيجاد صيغة المقطع شبه الطويل , ويجب التمييز عند التقطيع بين حروف العلة ( الياء والألف و الواو ) أبان مدّها ولينها , فالحرف عند المد تكون حركة ما قبله تجانسه ,ويقف بالسكون ,ومخرجه من الجوف , وحرف العلة نفسه عند اللين تكون حركة ما قبله الفتح دائما , ويقف ساكناًً أيضاً , ومخرج الواو عندئذ من الشفتين , ومخرج الياء من وسط اللسان , وهنالك فروق أخر .
و(الكم ) يعتمد على ترتيب عدد المقاطع حسب التفعيلة والبحر وحتى صورة تكوينه , وقد تأتي التفاعيل من مقطع واحد ( فعْ ) , أو مقطعين ( مفـْعو ) و (فعْلنْ ) - التي كثرت في شعر التفعيلة - أو ستة مقاطع ( متفاعلاتن ) (مَ تَ فا ع ِ لا تنْ ) ,وهذا أمر قليل او نادر , ولكن معظمها تتكون مابين ثلاثة او خمسة مقاطع (7 ) , ويمنع العروضيون أنْ تتوالى في الشعر خمسة متحركات ( خمسة مقاطع قصيرة ,أو أربعة مقاطع قصيرة يليها مقطع طويل ) ,والواقع لم يرد في الشعر اكثر من ثلاثة مقاطع قصيرة متتالية, نعم وردت أحيانا في الرجز - وهو حالة خاصة - التفعيلة ( مُتـَعَلـَنْ ) , وهي تتكون من ثلاثة مقاطع قصيرة يليها مقطع طويل , وإذا جاءت ثلاثة مقاطع قصيرة متتالية في القافية , أوسموه بـ ( المتكاوس ) , ويقول التبريزي , إنما سمي بذلك للإضطراب , ومخالفته المألوف , كتكاوس الأبل إذامشت على ثلاث قوائم( . أمّا المقاطع الطويلة , فقد تأتي أربعة منها بشكل متوال ٍ, تقبله الأذن العربية , ومما ألفته كـ (مستفعلن مفعولن ) ,اوكما في كثير من أبيات بحر (المتدارك ) يا ليل ُ الصبُّ متى غدهُ )أو ( مالي مال الا درهمْ.......أو برذوني ذاك الأدهمْ), ولكن نادرا ما تتوالى أكثر من اربعة مقاطع طويلة في غير شعر (التفعيلة )(9).
وعلى العموم قراءة الشعر العربي , وحدوه وترتيله بلسان أصحابه , اقرب الى وحدات الخليل الوزنية منه الى المقاطع الحديثة , ربما يعود للممارسة والتعويد على طيلة العهود العربية الموروثة , ثم أن المقاطع تؤدي الى وحدات الخليل فالسبب الثقيل يساوي مقطعين قصيرين (ب ب), والوتد المجموع يساوي (ب -) , والوتد المفروق هو (- ب) , والفاصلة الصغرى (ب ب -), والفاصلة الكبرى (ب ب ب -) , وتفعيلة :فعولن تصبح ب - - , وتفعيلة : مفاعلتن تقطع ب - ب ب - , وهكذا دواليك ..تعوض أجزاء التفاعيل بما يساويها من المقاطع .
وذهب آخرون الى تسهيل دراسة العروض وتعقيداته المزعومة بلغة الأرقام اللينة, أو قل ليتأملوا فيه بعقلية الرياضي المستنبط للأمور من دقائق حساباتها , ورسم خرائطها ,للإنطلاق الى الإبداع النظري المفتوح , وللناس فيما يعشقون مذاهب , وأوسموه بالعروض الرقمي الشمولي أو القياسي , وهذا ربما يفيد لوزن الشعر وإبداعه كتابيا بتان وتفحص ٍ وتقليب , وبالتالي يلجأ إليه النقاد أبان بحوثهم ودراساتهم وتحليلاتهم , أما إذا اردت البديهة العاجلة والسرعة الخاطفة , ولديك الملكة الشعرية النافذة , والأذن المرهفة العارفة , أرى أن اللجوء الى التفعيلات ووحداتها , أو الأجزاء ومقاطعها مباشرة , دون وساطة الأرقام , أجدى وأسرع للإفهام , فللأرقام البحث والأقلام , ربما تأتي بلذيذ جديد غير مكتشف في عالم القصيد ,من بعد "هل غادر الشعراء من متردم " و" معاداَ من قولنا مكرورا " منذ علم الجاهليين , وجهل العارفين !!, على كل حال , تـُعطى الرموزالرقمية كالآتي : الرقم 1 : للحرف الواحد المتحرك ( / ), أو الساكن ( ه ) ,( ويمكن لا يُعطى للساكن الرقم :1 ويبقى على سكونه ( ه ) , الرقم : 2 : للمتحرك يليه ساكن ( /ه ), وهو السبب الخفيف , وللمتحركين ( // ) , وهو السبب الثقيل , والرقم : 3 : للمتحركين يليهما ساكن (//ه ) , وهو الوتد المجموع , وللمتحركين بينهما ساكن ( /ه/ ) , وهو الوتد المفروق , والرقم :4 : لثلاث متحركات والرابع ساكن ( ///ه ) , وتساوي الاربعة سبباً خفيفاً وسبباً ثقيلاً (الفاصلة الصغرى ) , أما الرقم :5 (ولا يستخدم تطبيقياَ ) :وإنما تُرجع ( الخمسة) الى أعدادها الأولية 2 ,3 , لأنها تمثل الفاصلة الكبرى ( ////ه) , التي تتشكل من السبب الثقيل والوتد المجموع , والتكرار للإفادة والإعتبار .
الوحدتان الرئيسيتان في العروض الرقمي هما 2 , 3 , ومنهما تُستنبط التفعيلة - التسمية مجازية - الأساسية السباعية من سببين ووتد دون ترتيب (2 , 2 ,3 ) , فإذا كان الوتد متصدر ا (3 ,2 , 2) سميت تفعيلة الصدر , و إذا كان الوتد يتوسطها (2 , 3 , 2) دعيت تفعيلة القلب , وعندما يقعالوتد في نهايتها ( 2 , 2 ,3 ) أطلق عليها تفعيلة العجز(10 ) , وللدكتور محمد طارق الكاتب طريقة رقمية تجعل المتحرك : صفر , والساكن : 1 , فمثلا (مستفعلن ) قدرها ( مُسْ 10 - تـََفْ 10 -عََلـُنْ 100),ويحولها الى (2-2-4) , اما مزاحفتها ( مُفـَتـْعلنْ ) قدرها (100- 100 ) , وتتحول الى ( 4 - 4 ), وبالتالي حاصل ضرب الأرقام (الجداء ) له القيمة نفسها, والدكتور أحمد مستجير يفترض رقماً للحرف المتحرك الذي لا يتبعه ساكن (مقطع قصير) - وهو بالأساس سبب خفيف حذف ساكنه - , فمثلا الشطر ( مستفعلن مستفعلن مستفعلن ) له الأرقام ( 3 -7-11). (11) أي ألأسباب الخفيفة , الثالث والسابع والحادي عشر التي حذفت حروفها الساكنة في الشطر المحصور بين قوسين, لاحظ معي : ( مسْ تفْ عَ 3 لنْ مسْ تفْ عَ7 لنْ مسْ تفْ عَ11 لنْ ) , وهذه الأراء لاتستقيم مع جميع البحور والزحافات والعلل التي تعتريها , فهي حسابات رياضية نظرية وللباحثين فيما يذهبون ترقيم , والله فوق كل ذي علم عليم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)أشار الأخفش الأوسط ( ت 215 هـ ) ال المقطع بمعناه الاصطلاحي , بشكل غير دقيق , ولم يستخدم المفردة نفسها , ولكن الفارابي ( ت 339 هـ) له نص دقيق وواضح في كتابه الموسيقى الكبير , يشير فيه الى المقطع بقوله : " وكل حرف غير مصوت اتبع بمصوت قرن به ,فأنه يسمى " المقطع القصير " , والعرب يسمونه الحرف المتحرك من قبل , انهم يسمون المصوتات القصيرة حركات , وكل حرف لم يتبع بمصوت أصلاً, وهو يمكن أن يقرن به , فأنهم يسمونه الساكن , وكل حرف غير مصوت قرن به مصوت طويل , فأننا نسميه المقطع الطويل " راجع البحراوي : مصدر سابق ص 31 - 32 الهامش , نقلا عن :محمد عامر أحمد : الدوائر العروضية - رسالة ماجستير - دار العلوم - جامعة القاهرة - 1974م - ص 229 - و حاول ابن رشد ( توفي بمراكش سنة 595 هـ/ 1198م ) في تلخيصه لكتاب أرسطو في الشعر , أن يطابق مفهوم المقطع اليوناني القديم على اللغة العربية ,وعندهما صوت غير دال مركب من حرف مصوت وآخر غير مصوت ( المقطع المفتوح ), راجع : علي يونس : نظرية جديدة في موسيقى الشعر العربي ص 23 - 24-الهيئة المصرية للكتاب 1993م . (2) بعد اندفاع الهواء المضغوط من الرئتين نتيجة لتقلص وانبساط عضلة الحجاب الحاجز وغيرها , يندفع الهواء عبر أوتار الحنجرة ,ثم أعضاء النطق على شكل موجات صوتية تخترق الوسط المادي , وعادة ما يكون الهواء , فيكون لكل إنسان صوته المميز ,وهنالك خصائص تميز كل صوت , فمدى آتساع الموجة - حسب الجهد المبذول - هو الذي يحدد علوه. ...طوله..نبرته..جهورته, اما التردد - عدد الذبذبات الصوتية في الثانية - فهو الذي يحدد درجة الصوت ونغمته , واخيرا نوع صوت المتكلم كأن يكون امرأة أو رجل أو صبي , هذا تحدده نوع الموجات البسيطة المكونة للموجة المركبة , وليس للنوع علاقة بالمقاطع الشعرية (راجع البحراوي ص 111 ) , والنبرة : هي ازدياد وضوح نطق مقطع من مقاطع الكلمات عقبى آلية النطق وسلامته خلال الجهاز الصوتي , والنبر على ثلاثة أنواع , النبر الآولي : وهو أول نبر حسب آخر الكلمة , موجود في كل الكلمات , والنبر الثانوي : وهو النبر الذي لا يوجد الا في الكلمات متعددة المقاطع , وهو يلي النبر الأولي بأتجاه اول الكلمة , والنبر الضعيف وهو يتحقق في بقية مقاطع الكلمة .للإستفاضة راجع د تمام حسان :اللغة العربية ..معناها ومبناها , د سلمان حسن العاني :التشكيل الصوتي في اللغة العربية .
(3) علي يونس : المصدر السابق
(4) البحراوي :ص13 بتصرف .وراجع ابراهيم أنيس :: الأصوات اللغوية ,مكتبة الأنجلو المصرية 1999م ص 134.
(5) والقرطاجني نفسه يقر بوجود السبب المضاعف, (منهاج البلغاء : المصدر السابق ), وهو: مقطع صغير + مقطع زائد الطول
.ملفوظ .
(6) يسميه حسّان تمام ( المقطع الأقصر ), لأنه استعمل تصنيفا {خر راجع :اللغة العربية معناها ومبناها ,عالم الكتب ط4 ص 69.
(7 ) راجع ,علي يونس :نظرية جديدة في موسيقى الشعر العربي ص 93-الهيئة المصرية للكتاب 1993م
( الخطيب التبريزي :الكافي في العروض والقوافي و تحقيق الحساني حسن عبد الله - الناشر دار الخانجي - القاهرة - 1994 ص147 يورد قول أحدهم ( قد جبّر الدينَ الإلهُ فـَجَبَرْ) .
(9) راجع :علي يونس , المصدر السابق ص92 .
(10) نحن ذكرنا الفكرة الأساسية , وهذا ما سنسير عليه , راجع بحوث د عبد العزيز غانم (مدخل الى العروض الرقمي القياسي ) ,
(11) راجع د .علي يونس : المصدر السابق ص 9 , 11 -. نقلا عن د.طارق الكاتب :موازين الشعر العربي بإستعمال الأرقام الثنائية ص 27 ,46 - مطبعة مصلحة المؤانىء العراقية البصرة ط1 -1971م .أحمد مستجير :في بحور الشعر - الأدلة الرقمية لبحور الشعر العربي - مكتبة غريب - القاهرة - بلا .
الاستاذ كريم ميرزا الاسدي
حركة قصيرة أو طويلة , مكتنفة بصوت أو أكثر من الأصوات الساكنة وفي العربية المقطع لا يبدأ بصائت, ولا يحتوي على صامتين متتاليين بداية ( 3) و المقاطع منها أولا: المقطع القصير , ويرمز له بالرمز ( ب ), ويتكون من : صامت + صائت قصير ( حرف منطوق بحركته في اللغة العربية ,والسكون ليست منها, مثل حرفي الجر الباء واللام, , وثانيا : المقطع الطويل ,ورمزه ( - ) , ويتكون إما من : صامت + صائت طويل (حرف +حرف مد مثل لا) , وهو المفتوح , آو من : صامت + صائت قصير + صامت (حرف بحركته + حرف ساكن مثل : لـَمْ ) , وهو المغلق ,وهذا هو السبب الخفيف , وهنا فقط يلتقي النظام المقطعي الحديث مع الوحدات الوزنية الخليلية ) ,وثالثاً : المقطع زائد الطول , ورمزه ( ^) , ويتكون إما من : صامت + صائت طويل + صامت مثل: دارْ , وهو مغلق بصامت , أو من صامت +صائت قصير + صامتين مثل :حَبْرْ , وهو مغلق بصامتين ( 4) وهنا يلتقي النظام المقطعي الحديث مع السبب المتوالي الذي أقر به القرطاجني , وهو نادر الحدوث في اللغة العربية .(5) , ويذكر تمام حسّان مقطعا سادسا ,يمكن أن نسميه بـ (المقطع الأقصر ) ,وهو حرف صحيح مشكل بالسكون , مثل لام التعريف ( 6 ) ,ويمكن للصائت القصير أن يشبع الى حرف مد للضرورة الشعرية , ولكن لا يساويه تماما, هنا قد نلجأ الى إيجاد صيغة المقطع شبه الطويل , ويجب التمييز عند التقطيع بين حروف العلة ( الياء والألف و الواو ) أبان مدّها ولينها , فالحرف عند المد تكون حركة ما قبله تجانسه ,ويقف بالسكون ,ومخرجه من الجوف , وحرف العلة نفسه عند اللين تكون حركة ما قبله الفتح دائما , ويقف ساكناًً أيضاً , ومخرج الواو عندئذ من الشفتين , ومخرج الياء من وسط اللسان , وهنالك فروق أخر .
و(الكم ) يعتمد على ترتيب عدد المقاطع حسب التفعيلة والبحر وحتى صورة تكوينه , وقد تأتي التفاعيل من مقطع واحد ( فعْ ) , أو مقطعين ( مفـْعو ) و (فعْلنْ ) - التي كثرت في شعر التفعيلة - أو ستة مقاطع ( متفاعلاتن ) (مَ تَ فا ع ِ لا تنْ ) ,وهذا أمر قليل او نادر , ولكن معظمها تتكون مابين ثلاثة او خمسة مقاطع (7 ) , ويمنع العروضيون أنْ تتوالى في الشعر خمسة متحركات ( خمسة مقاطع قصيرة ,أو أربعة مقاطع قصيرة يليها مقطع طويل ) ,والواقع لم يرد في الشعر اكثر من ثلاثة مقاطع قصيرة متتالية, نعم وردت أحيانا في الرجز - وهو حالة خاصة - التفعيلة ( مُتـَعَلـَنْ ) , وهي تتكون من ثلاثة مقاطع قصيرة يليها مقطع طويل , وإذا جاءت ثلاثة مقاطع قصيرة متتالية في القافية , أوسموه بـ ( المتكاوس ) , ويقول التبريزي , إنما سمي بذلك للإضطراب , ومخالفته المألوف , كتكاوس الأبل إذامشت على ثلاث قوائم( . أمّا المقاطع الطويلة , فقد تأتي أربعة منها بشكل متوال ٍ, تقبله الأذن العربية , ومما ألفته كـ (مستفعلن مفعولن ) ,اوكما في كثير من أبيات بحر (المتدارك ) يا ليل ُ الصبُّ متى غدهُ )أو ( مالي مال الا درهمْ.......أو برذوني ذاك الأدهمْ), ولكن نادرا ما تتوالى أكثر من اربعة مقاطع طويلة في غير شعر (التفعيلة )(9).
وعلى العموم قراءة الشعر العربي , وحدوه وترتيله بلسان أصحابه , اقرب الى وحدات الخليل الوزنية منه الى المقاطع الحديثة , ربما يعود للممارسة والتعويد على طيلة العهود العربية الموروثة , ثم أن المقاطع تؤدي الى وحدات الخليل فالسبب الثقيل يساوي مقطعين قصيرين (ب ب), والوتد المجموع يساوي (ب -) , والوتد المفروق هو (- ب) , والفاصلة الصغرى (ب ب -), والفاصلة الكبرى (ب ب ب -) , وتفعيلة :فعولن تصبح ب - - , وتفعيلة : مفاعلتن تقطع ب - ب ب - , وهكذا دواليك ..تعوض أجزاء التفاعيل بما يساويها من المقاطع .
وذهب آخرون الى تسهيل دراسة العروض وتعقيداته المزعومة بلغة الأرقام اللينة, أو قل ليتأملوا فيه بعقلية الرياضي المستنبط للأمور من دقائق حساباتها , ورسم خرائطها ,للإنطلاق الى الإبداع النظري المفتوح , وللناس فيما يعشقون مذاهب , وأوسموه بالعروض الرقمي الشمولي أو القياسي , وهذا ربما يفيد لوزن الشعر وإبداعه كتابيا بتان وتفحص ٍ وتقليب , وبالتالي يلجأ إليه النقاد أبان بحوثهم ودراساتهم وتحليلاتهم , أما إذا اردت البديهة العاجلة والسرعة الخاطفة , ولديك الملكة الشعرية النافذة , والأذن المرهفة العارفة , أرى أن اللجوء الى التفعيلات ووحداتها , أو الأجزاء ومقاطعها مباشرة , دون وساطة الأرقام , أجدى وأسرع للإفهام , فللأرقام البحث والأقلام , ربما تأتي بلذيذ جديد غير مكتشف في عالم القصيد ,من بعد "هل غادر الشعراء من متردم " و" معاداَ من قولنا مكرورا " منذ علم الجاهليين , وجهل العارفين !!, على كل حال , تـُعطى الرموزالرقمية كالآتي : الرقم 1 : للحرف الواحد المتحرك ( / ), أو الساكن ( ه ) ,( ويمكن لا يُعطى للساكن الرقم :1 ويبقى على سكونه ( ه ) , الرقم : 2 : للمتحرك يليه ساكن ( /ه ), وهو السبب الخفيف , وللمتحركين ( // ) , وهو السبب الثقيل , والرقم : 3 : للمتحركين يليهما ساكن (//ه ) , وهو الوتد المجموع , وللمتحركين بينهما ساكن ( /ه/ ) , وهو الوتد المفروق , والرقم :4 : لثلاث متحركات والرابع ساكن ( ///ه ) , وتساوي الاربعة سبباً خفيفاً وسبباً ثقيلاً (الفاصلة الصغرى ) , أما الرقم :5 (ولا يستخدم تطبيقياَ ) :وإنما تُرجع ( الخمسة) الى أعدادها الأولية 2 ,3 , لأنها تمثل الفاصلة الكبرى ( ////ه) , التي تتشكل من السبب الثقيل والوتد المجموع , والتكرار للإفادة والإعتبار .
الوحدتان الرئيسيتان في العروض الرقمي هما 2 , 3 , ومنهما تُستنبط التفعيلة - التسمية مجازية - الأساسية السباعية من سببين ووتد دون ترتيب (2 , 2 ,3 ) , فإذا كان الوتد متصدر ا (3 ,2 , 2) سميت تفعيلة الصدر , و إذا كان الوتد يتوسطها (2 , 3 , 2) دعيت تفعيلة القلب , وعندما يقعالوتد في نهايتها ( 2 , 2 ,3 ) أطلق عليها تفعيلة العجز(10 ) , وللدكتور محمد طارق الكاتب طريقة رقمية تجعل المتحرك : صفر , والساكن : 1 , فمثلا (مستفعلن ) قدرها ( مُسْ 10 - تـََفْ 10 -عََلـُنْ 100),ويحولها الى (2-2-4) , اما مزاحفتها ( مُفـَتـْعلنْ ) قدرها (100- 100 ) , وتتحول الى ( 4 - 4 ), وبالتالي حاصل ضرب الأرقام (الجداء ) له القيمة نفسها, والدكتور أحمد مستجير يفترض رقماً للحرف المتحرك الذي لا يتبعه ساكن (مقطع قصير) - وهو بالأساس سبب خفيف حذف ساكنه - , فمثلا الشطر ( مستفعلن مستفعلن مستفعلن ) له الأرقام ( 3 -7-11). (11) أي ألأسباب الخفيفة , الثالث والسابع والحادي عشر التي حذفت حروفها الساكنة في الشطر المحصور بين قوسين, لاحظ معي : ( مسْ تفْ عَ 3 لنْ مسْ تفْ عَ7 لنْ مسْ تفْ عَ11 لنْ ) , وهذه الأراء لاتستقيم مع جميع البحور والزحافات والعلل التي تعتريها , فهي حسابات رياضية نظرية وللباحثين فيما يذهبون ترقيم , والله فوق كل ذي علم عليم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)أشار الأخفش الأوسط ( ت 215 هـ ) ال المقطع بمعناه الاصطلاحي , بشكل غير دقيق , ولم يستخدم المفردة نفسها , ولكن الفارابي ( ت 339 هـ) له نص دقيق وواضح في كتابه الموسيقى الكبير , يشير فيه الى المقطع بقوله : " وكل حرف غير مصوت اتبع بمصوت قرن به ,فأنه يسمى " المقطع القصير " , والعرب يسمونه الحرف المتحرك من قبل , انهم يسمون المصوتات القصيرة حركات , وكل حرف لم يتبع بمصوت أصلاً, وهو يمكن أن يقرن به , فأنهم يسمونه الساكن , وكل حرف غير مصوت قرن به مصوت طويل , فأننا نسميه المقطع الطويل " راجع البحراوي : مصدر سابق ص 31 - 32 الهامش , نقلا عن :محمد عامر أحمد : الدوائر العروضية - رسالة ماجستير - دار العلوم - جامعة القاهرة - 1974م - ص 229 - و حاول ابن رشد ( توفي بمراكش سنة 595 هـ/ 1198م ) في تلخيصه لكتاب أرسطو في الشعر , أن يطابق مفهوم المقطع اليوناني القديم على اللغة العربية ,وعندهما صوت غير دال مركب من حرف مصوت وآخر غير مصوت ( المقطع المفتوح ), راجع : علي يونس : نظرية جديدة في موسيقى الشعر العربي ص 23 - 24-الهيئة المصرية للكتاب 1993م . (2) بعد اندفاع الهواء المضغوط من الرئتين نتيجة لتقلص وانبساط عضلة الحجاب الحاجز وغيرها , يندفع الهواء عبر أوتار الحنجرة ,ثم أعضاء النطق على شكل موجات صوتية تخترق الوسط المادي , وعادة ما يكون الهواء , فيكون لكل إنسان صوته المميز ,وهنالك خصائص تميز كل صوت , فمدى آتساع الموجة - حسب الجهد المبذول - هو الذي يحدد علوه. ...طوله..نبرته..جهورته, اما التردد - عدد الذبذبات الصوتية في الثانية - فهو الذي يحدد درجة الصوت ونغمته , واخيرا نوع صوت المتكلم كأن يكون امرأة أو رجل أو صبي , هذا تحدده نوع الموجات البسيطة المكونة للموجة المركبة , وليس للنوع علاقة بالمقاطع الشعرية (راجع البحراوي ص 111 ) , والنبرة : هي ازدياد وضوح نطق مقطع من مقاطع الكلمات عقبى آلية النطق وسلامته خلال الجهاز الصوتي , والنبر على ثلاثة أنواع , النبر الآولي : وهو أول نبر حسب آخر الكلمة , موجود في كل الكلمات , والنبر الثانوي : وهو النبر الذي لا يوجد الا في الكلمات متعددة المقاطع , وهو يلي النبر الأولي بأتجاه اول الكلمة , والنبر الضعيف وهو يتحقق في بقية مقاطع الكلمة .للإستفاضة راجع د تمام حسان :اللغة العربية ..معناها ومبناها , د سلمان حسن العاني :التشكيل الصوتي في اللغة العربية .
(3) علي يونس : المصدر السابق
(4) البحراوي :ص13 بتصرف .وراجع ابراهيم أنيس :: الأصوات اللغوية ,مكتبة الأنجلو المصرية 1999م ص 134.
(5) والقرطاجني نفسه يقر بوجود السبب المضاعف, (منهاج البلغاء : المصدر السابق ), وهو: مقطع صغير + مقطع زائد الطول
.ملفوظ .
(6) يسميه حسّان تمام ( المقطع الأقصر ), لأنه استعمل تصنيفا {خر راجع :اللغة العربية معناها ومبناها ,عالم الكتب ط4 ص 69.
(7 ) راجع ,علي يونس :نظرية جديدة في موسيقى الشعر العربي ص 93-الهيئة المصرية للكتاب 1993م
( الخطيب التبريزي :الكافي في العروض والقوافي و تحقيق الحساني حسن عبد الله - الناشر دار الخانجي - القاهرة - 1994 ص147 يورد قول أحدهم ( قد جبّر الدينَ الإلهُ فـَجَبَرْ) .
(9) راجع :علي يونس , المصدر السابق ص92 .
(10) نحن ذكرنا الفكرة الأساسية , وهذا ما سنسير عليه , راجع بحوث د عبد العزيز غانم (مدخل الى العروض الرقمي القياسي ) ,
(11) راجع د .علي يونس : المصدر السابق ص 9 , 11 -. نقلا عن د.طارق الكاتب :موازين الشعر العربي بإستعمال الأرقام الثنائية ص 27 ,46 - مطبعة مصلحة المؤانىء العراقية البصرة ط1 -1971م .أحمد مستجير :في بحور الشعر - الأدلة الرقمية لبحور الشعر العربي - مكتبة غريب - القاهرة - بلا .
الاستاذ كريم ميرزا الاسدي