رِدي يا خيولَ اللهِ مَنْهَلَكِ العَذْبا | ويا شرقُ عُدْ للغربِ فاقتَحمِ الغَرْبا
|
ويا شرقُ هَلْ سَرَّ الطواغيتَ أنَّها | فويقَكَ أشلاءٌ مبعثرةٌ إربا
|
يدٌ جَذَّ يومُ القيروانِ عُروقَها | وظهرٌ على القفقاسِ مستعلِياً جُبَّا
|
ويا طارقَ الجيلِ الجديدِ تلفُتاً | إلى جبلٍ إجتازه طارقٌ دَرْبا
|
أثرتَ لنا في غَمرةِ النصرِ خَطْرَةً | من الذكرِ فيها ما نحبُّ وما نأبى
|
هزَزْنا بها ذِكرى ، وتِهنا بزهوها | بُدوءاً ، ونُحنا من تصوَّرها عُقْبى
|
لمثلِ الذي تَبْغي من الحقِّ قادَها | إلى الموتِ ، لم تسألْ به السَّهْلَ الصَّعبْا
|
حَدا من جيوشِ الوحي والنصر ما حدا | وعَبَّا من الإيمانِ بالنصر ما عَبَّا
|
كنارِ " ابن عمرانَ " التي جاءَ قابساً | سناها حريقٌ في سفائنهِ شبَّا
|
وألواحُها " الألواحُ " لولا " رسالةٌ " | على " قُرَشيٍّ " لم تُرِدْ عينُه الربَّا
|
تخطَّتْ إلى مَحْميَّةِ الغربِ أُمَّةٌ | حمتْ فأجادت قبلَها عن حِمّى ذَبَّا
|
تحدَّتْ عُبابَ البحرِ تُزعجُ حُوتَهُ | ومن قبلهِ في البرّ أزعجتِ الضَّبَّا
|
أولاءِ " البُداةُ " الغامطُ النّاسِ حقَّهم | وتلكَ التي منها العربَ العَرْبا
|
لَتِلكَ قلوبٌ نَنشُدُ اليومَ مِثْلَها | أبى دينُها أنْ تجمعَ اللهَ والرُّعبا
|
سرَتْ كشُعاعِ النورِ في فَحمةِ الدُّجى | ومثلَ النسيم الرَّخْو في يَبَسٍ هبَّا
|
وفي ذلَّةٍ عزّا ، وفي ضَلَّةٍ هُدىً | وفي جَنَفٍ عدلاً ، وفي جَدَبٍ خصبْا
|
وفي عصبيَّاتٍ غِلاظٍ تسامُحاً | وفي مُلْتوٍ مِنْ نهجها منهجاً لحَبا
|
أطلت على " مدريدَ " تُسمِعُ دعوةً | وسارتْ إلى " باريسَ " تَسمعُ من لَبَّى
|
ودبَّتْ مَدَبَّ الروحِ في الكونِ رحمةً | وشدَّتْ لجسمٍ خائرٍ مُتْعَبٍ صُلبا
|
ومدَّتْ برفقٍ كفَّها فتلَمَّسَت | جراحَ بني الدُّنيا فآستْ لهم نُدْبا
|
وآوتْ من الأديانِ شتَّى وأطْلَعَتْ | مِن الخطراتِ النيّراتِ بها شُهْبا
|
وحامَتْ يَراعاً جالَ في جَنَباتِها | وصانَتْ – عليها أو لها – مِقولاً ذَرْبا
|
وما سَمَلَتْ عيناً ، وما قَطَعَتْ يداً | ولا حجزتْ رأيا ، ولا أحْرَقَتْ كتبا
|
نظرتُ إلى ما كانَ منها . وما جرى | عليها ، وما يأتي الشقاقُ إذا دَبَّا
|
وكيفَ أفاءَتْ ما أرادتْ ظِلالَها | وكيفَ اغتدَتْ مستثقلاً ظِلّها ، نُهْى
|
فقلتُ : وبعضُ القولِ عُتْبى وبعضُه | عتابٌ ، وشرُّ القولِ عتبٌ بلا عُتَبى
|
أساءَت صنيعاً أُمَّةٌٌ مستكينةٌ | صبورٌ على البلوى إلى أُمَّةٍ غَضْبى
|
سقى " تونساً " ما يدفعُ الخَطْبَ ، إنَّها | بخُضْرَتِها تُكْفَى الذي يدفعُ الجَدْبا
|
وحَيَّاً القِبابَ البيضَ رَوْحٌ كأهلها | رقيقُ الحواشي يَمسحُ الماءَ والعُشْبا
|
ورافقَها نورٌ من الوعيِ مُسْفِرٌ | كأنوارِ أسحارٍ ترقرقها سكبا
|
نَحنُّ لِذكراها ، ونشكو افتقادَها | كما شَكَتِ العينُ التَّي افتقدَتْ هُدْبا
|
ويا" مونتكُمري " لو سقى القولُ فاتحاً | سقَتْكَ القوافي صفَوها السلسلَ العذْبا
|
ولو كانَ ذَوْبُ العاطفاتِ نِثارةً | نَثْرنا لكَ الإعجابَ والشكرَ والحُبَّا
|
نضتْكَ لدَرْءِ الشرِّ عَضْباً " صياقلٌ " | أعَدَّتْ لِلُقْيا كلِّ مستكبرٍ عَضْبا
|
حلَلْتَ على " روميلَ " كَرْباً ، وقبلَها | أحلَّ بأدهى منه " ولنِكْتِنٌ " كربا
|
وأنتَ انتزعتَ النصرَ من يدِ قادرٍ | عليهِ ، ولم ترحَمْ معنّىً به صَبَّا
|
ودحرجتَهُ عن " مِصْرَ " وهوَ مُعرِّسٌ | بأحلامهِ ، يُحصي الخراجَ الذي يُجْبى
|
وغرَّتْهُ من ريحِ الصحاري قَبُولُها | فكيفَ رآها وهي مُعرِضةٌ نَكْبا
|
دَحَا أرضَها ، وانصَبَّ كالموتِ فوقَها | ولُحْتَ له مَوتاً على الموتِ مُنصَباً
|
تركتَ الَّذي رامَ السَّما يلمِسُ الثَّرى | ومنْ كانَ يشكُو بِطنَةً يشتكي السَّغْبا
|
وبَصَّرْتَهُ لَّما تَصَعَّرَ خدُّهُ | بأنَّكَ أعلْى من أخادِعِهِ كَعْبا
|
قصَصْتَ جناحَيْه فقَرَّتْ شَذاتُهُ | وعادتْ " نوازي " شَرِّه أفرخاً زُغبا
|
كشفتَ لهُ ضَعْفاً وغطَّيْتَ قُوَّةً | فكنتَ ، ولولا خُدعةٌ لم تكن ، خِبَّا
|
أرادَ الَّتي من دونِها أنت ، والوغى | وعدلُ القَضا ، تَبّاً لِما رامهُ تَبَّا
|
سددتَ عليه الرأيَ حتى تركتَه | يَرى من سَدادِ الرأيِ ما عدَّه سبَّا
|
وحتى رأى ذُلَّ الفِرارِ غنيمةً | وحتى رأى الداءَ الذي يشتكي طِبَّا
|
وضاقتْ عليه الأرضُ فهوَ مهوِّمٌ | عليها نهَتْهُ أنْ يُريحَ بها جَنْبا
|
تمنَّى عليهِ " رَبُّهُ " مِصْرَ مَنْحةً | وكادَ على " القطَّارِ " أنْ يُرضيَ الربَّا
|
وكادَ على " القَطَّارِ " يُرْسِلُ حاصباً | على " الشرقِ " لولا أنْ قذفتَ به حَصْبا
|
تراءى له نَهْباً ، ولمَّا صَدَمْتَهُ | تراءتْ له الأحلامُ صيْحَ بها نَهْبا
|
ومدَّتْ لهُ الأطماعُ في نَزواتهِ | إلى أنْ غَدَتْ كَلاً على نَفْسْهِ حَرْبا
|
وداعَبَتِ " الاسكندريَّةُ " عينَهُ | وخادَعَ منه " النيلُ " في طميْهِ اللُبَّا
|
ولاحَ له " الاسكندرُ " الصِّدْقُ فانثنتْ | تُزَيَّفُ منه النفسُ إسكندراً كذِِبْا
|
ومَنَّى بيَنْبوعِ الفراتِ حصانَهُ | وعلَّل " بالزّابَيْنِ " عسكرَهُ اللّجبْا
|
فيا لَكَ زَوراً ذادَ عن عينهٍ الكَرى | وشَرَّدَ عنْ أجفانهِ حُلُماً رَطْبا
|
فلمْ يَرَ إلاَّ مَغرِزَ الرَّجْلِ يَقْظَةً | وكانَ يناغي حالِماً عالَماً رَحْبا
|
من " العَلَمَيْن " استَقْتَهُ محكَمَ القُوى | وفي " تونسٍ " أدركتَهُ رازحاً لَغْبا
|
نثرتَ لهُ شُمَّ المتالعِ والقُرى | كما نَثَرَ الصيَّادُ للطَّائرِ الحَبَّا
|
وأغريتَهُ بالقرب حتَّى إذا دَنَا | إليكَ رأى منكَ الَّذي بَغَّضَ القُرْبا
|
عنودٌ ، تأبَّى الوَثْبَ في نكَساتهِ | من الكِبْرِ ، لولا أنْ تُطاردَهُ وَثَبْا
|
ولو غيرُ " رُوَميلٍ " لقُلْنا كغيرِها | سُقاةُ الرَّدى عاطَتْ بأكؤسُها شَرْبا
|
ولكنَّه نَدْمانُ موتٍ إذا سَقى | ألحَّ وعاطى مَنْ ينادمُهُ عَبَّا
|
وقد خَبَّأ السَمَّ الزُّعافَ فَبزَّهُ | خبيرٌ بما أبدى ، بصيرٌ بما خَبَّا
|
ولمَّا التقى الجمعانِ غُلْبٌ أشاوسٌ | دَهَتْ مثلَها شُوْساً مُدَجَّجةً غُلْبا
|
وحُم الحديدُ الضخمُ ، والصبرُ ، والحجى | كِلا المعدِنين استَنجدا معدِناً صُلبْا
|
مشى الحقُّ في الصفَّينِ يدمَغُ باطلاً | ويغمُرُ بالريحان أوفاهما كَسْبا
|
تَفادى بـ " أرنيمٍ " وفَرَّ بنفسه | وأبقى لك الأهلَ الأعزَّةَ والصَّحبا
|
وأهداكَهم أسرى وقتلى كأنه | بهم يستميحُ العفوَ ممَّا جنى ذَنْبا
|
تَلَظَّى بهمْ بالنارِ بَرٌّ ، وقاءهُمْ | خِضمٌّ ، وراحَ الجوُّ يُمطرهم عَطْبا
|
كأنَّكَ إذ تُحصي رُكاماً حُطامَهُ | تُصَحِّحُ أغلاطاً فتوسِعُها شَطْبا
|
فمن يَرَ في الصحراءِ نَثْراً قبورَهُمْ | يخَلْها من الأجداثِ مجنونةً رُعْبا
|
ومن يُبصرِ الأسرى يُقادونَ هُطَّعاً | يَجِدْ حادياً يحدو إلى سَقَرٍ رَكْبا
|
وخَلَّى لكَ " الطليانَ " يحتَكُّ بعضُها | ببعضٍ كما تحتَكُّ منَجَربٍ جَرْبا
|
أتى بهمُ إلْباً عليكَ سَفاهةً | فكانوا عليهِ في تَغَنُّجِهِمْ إلبا
|
أرادَ لخوْضِ الموتِ أغراسَ نِعمةٍ | غذاها وليُّ الأمرِ فاكهةً أبَّا
|
حَسِبْنَ لاِزعاجِ ابنِ آوى بنادقِاً | وخلْنَ لمِضمار الهَوى شُزَّباً قُبَّا
|
وضاعَفْنَ نسجاً من حريرٍ ولأمةً | وجرْنَ بيضَ الهندِ والوشيَ والعَصْبا
|
ورُحْنَ كأسراب القطا نُعَّمَ الخُطَى | وقىَ اللهُ - من شَرٍّ يرادُ به - السِّرْبا
|
وجازى بشَرٍّ من أرادَ بجَورْهِ | وجُوهَ الحسان الغيدِ أن تْلمِس الترْبا
|
وأن تهبِطَ الوديانَ ليلاً لريبةٍ | وأن ترتقي صُبحاً على عَجَلٍ هُضْبا
|
وأن تَشْهَدَ الأشلاء تنقضُّ حولَها | وفي دَمِها الفرسانُ مخضوبةً خَضْبا
|
ولم ترتِكبْ إثماً سوى أنَّها دُمًى | ولم تأتِ – إلَّا أنَّها عورة – ذَنْبا
|
فلو كنتَ يومَ النَّقْعِ شاهِدَ أمرِها | وقد خَبَّأتْ تِرْبٌ بأثوابها تِرْبا
|
وسدَّتْ ثقوبَ الأرضِ مُحجرةً بها | فما غادرَتْ مأوىً لضبٍ ولا ثقبا
|
دعوتَ على مَنْ شَقَّ عنها حجابَها | وأقحَمَها ما ليسَ من شأنِها غْصبا
|
إذن لسألتَ اللهَ فَّلاً لغَربِه | جزاءً على ما فلَّ من سترِها غَرْبا
|
فرِفْقاً باشباهِ القواريرِ صُدِّعَتْ | وما اسْطعتمُ فاسَتدركوا صدعها رأبا
|
فيالكِ بُشرى ما أرقَّ وما أصفَى | أغاثَتْ نفوساً ما أحنَّ وما أصبي
|
ويا حُلفاءَ اليومِ والأمسِ إنَّنا | لكُمْ – ما اردتُم – في مودَتِنا قُرْبى
|
أريدوا بنا خيراً نَعِدْكُمْ بمثِلهِ | وكونوا لنا حِزْباً ، نَكُنْ لكُمُ حِزبا
|
وظَنُّوا بنا خَيراً فَفينا كَوامِنٌ | من الخير إنْ تُبعث تَزدْكمْ بنا عُجْبا
|
ولا تذكروا عَتْباً فانَّ مُوطّداً | من الودِ زِدْنا فيه ما يرفعُ العتبا
|
وإلا فكيلوه عتاباً بمثله | لنا . وكلانا مُعْتِبٌ بَعْدُ من أرْبى
|
ولا تَخْلِطوا شَغباً عليكم مُبغَّضا | إلينا وحقاً لا نريدُ به شغْبا
|
وآخوا بنا شعباً وهانَتْ أُخوَّةٌ | إذا كنتَ تَلقى عندها الفردَ لا الشَعبا |