حاول
بعض النُقاد وضع تعريفٍ محددٍ للقصةِ القصيرة كشكل مُتميز له من الملامح
ما يجعله منفرداً عن غيرهِ من الأشكالِ الأدبيةِ الأخرى .
فمنهم من وقع عند حجمها ... وحدد لها عدداً من الكلماتِ لا تزيدُ عنها ..
وإن زادت قليلاً دخلت في إطار فن أخر .. ومنهم من اشترط لقراءتها حيزاً
زمنيا لا تتعداه .. كأن يحتم ضرورة أن تُقرأ في جلسةٍ واحدة .. ومنهم من
نفى عنها كثرة الأحداث والشخصيات والتفصيلات وما شابه ذلك .. بل إن منهم من
ادعى خلوها من الحوار تماماً .. وإن دلت هذه الاختلافات على شيء فإنها تدل
على إن وضع تعريف جامعٍ مانعٍ أمرٌ صعب .. لأن الأشكال الأدبية .. كألف
ليلة وليلة تتطور دائماً مسايرةً بذلك تطور الإنسان في بحثه الدائب عن
الأفضل ... ومن ثم فإن الأدب لايخضع لحدود أو قوانين كالعلم ... ذلك أن
التقنين قد يضرُ به ويحدُ من انطلاقته وهويتهِ وتطوره .. ولهذا يصبح تتبع
السِماتِ والميزات عنايةَ إبرازٍ للكيان الخاص للجنس الأدبي ... كفنٍ قائمٍ
بذاته ... له اصطلح كثير من النقاد منذ ( ادجار الآن يو ) على سمات بعينها
إذا توفرت في عمل أدبي سُمي هذا العمل قصةً قصيرة .. وليست روايةً أو
مسرحيةً أو مقالاً .. أو قصيدةً شعرية ... ولقد كان لهم بذلك من معاشرتهم
الطويلة لإنتاج غزير في هذا الميدان .. ومن دراستهم وتحليلهم لنماذج منه
... ومن ثم فإنهم وجدوا إن هناك قوانين عامة مرعية الجانب في التأليف ...
وكانت هذه القواعد نتائج مستخلصة من نماذج جيدة ... وسرعان ما تحولت هذه
النتائج إلى ما يشبه القاعدة ...
ولعل أهم ما يميزُ هذه الملامح إنها تُعبر عن موقفٍ محددٍ في حياة الفرد
... وجانبٍ مُعين من جوانبِ هذه الحياة لا كُلِ الحياةِ بطبيعةِ الحال ...
ذلك إن الموقف هو الذي يحلم كاتب القصة ويرى ضرورة الكشف عنه ... وإلقاء
الضوء عليه ... وهذه هي السمةُ الغالبةُ على فنِ القصةِ القصيرة ... بينما
في الرواية يكون التعبيرُ عن حياةِ الشخصِ كلها أو جوانب متعددة من حياته
... فهي تصور حياةٍ كاملةٍ لا لحظة فيها ... ويغلبُ عليها رسم الشخوص ...
وتعددِ الأحداث ... وتدخُل الكاتب بالشرحِ والتحليلِ والوصفِ والتفسير .
وقد تستغرق أحداثها ... أزماناً وأزماناً ... وقد يطول بها الحجم فتستغرق
إجراء ... وعلى هذا شبه بعض النقاد الرواية بالنهر ... يسُيل من منبعٍ إلى
مصبٍ ... في حين إن القصةَ القصيرة تُمثل موجةً وسطَ النهر ... وهي ليست في
نفس الوقت جزءاً ولا فصلاً من الرواية ...
ففي القصةِ القصيرة يُعالج الكاتب جانباً من حياته ... ويقتصرُ على سردِ
حادثة يتألف منها موضوعٍ مستقلٍ ... مع قِصرهِ يجب أن يكون تاماً ...
ناضجاً من وجهةِ التحليل ... والمعالجة ... ولا يتهيأ هذا إلا ببراعةٍ
يمتاز بها كاتبها ... إذ أن المجالَ إمامهُ ضيقٍ محدودٍ يتطلبُ التركيز
الفني الدقيق ... وغاية الرأي في هذه النقطة كما يقول ( محمود تيمور ) - أن
القصة القصيرة على أصولها المقررة يجب أن لا تتناول موضوعاً مترامي
الأطراف ... تستغرق الحياة فيه فترة طويلة من الزمن ... فإذا تورط كاتب
الأقصوصة في معالجة موضوع واسع ... فقدت الأقصوصة فى معالجة موضوع واسع ...
فقدت لأقصوصة مقدمتها ... وأصبحت نوعاً من الخلاصات والاختصارات للقصة
الكبيرة .
وليس هذا من الفن فى القليل أو الكثير ويستلزم هذا المفهوم الفنى بالقصة
القصيرة أن يُركز الكاتب في قصته حول حادثه مفردة ... وأن يعنى أكبر
العناية بالمواقف ... لا بالأشخاص ... وأن يتميز جانباً يسيراً من جوانب
الشخصية أو جزءاً دقيقاً في حياةِ شخصٍ ويجعله محور القصة ... لا أن يكتب
تاريخ حياةٍ كاملةٍ في صفحات طوال ... ويظل الكاتب يكشف الجزئية البسيطة
ويتعمقها ... و يعمد إليها كأنها لحن من هذه الألحان التي يبني عليها
المُوسيقي قطعته الفنية ... ومن السمات الواضحة في فن القصة القصيرة أيضاً -
الوحدة وحدة الفعل المكان والزمان ... كم يقول النقاد الكلاسيكيون ...
فالقصة القصيرة ينبغي أن تتوفر فيها وحدة فنية يعبر عنها بالأثر الكلي أو
وحدة الانطباع ... ذلك إن معالجة لحظة من الزمن في حياة الفرد ... منفصلةً
عما قبلها ... وما بعدها لا يتحقق لها الأثر الكلي إلا إذا توفرت فيها هذه
الوحدة التي اعتبرها ( ادجار ألان يو ) ... يقول - إن الفنان الأدبي
الناجح إذا استطاع بعناية مقصودة أن يلحظ إن المطلوب إحداثه هو أثر واحد
فريد في نوعه ... فإنه عندئذ يخترع حوادث معينة ... ويربطها جميعاً بطريقة
تساعده في إحداث ذلك الأثر ... وإذا فشلت جملة الافتتاحية فى إبراز هذا
الأثر فمعنى هذا إنه قد فشل فى أول خطواته ... وفى عملية الإنشاء كلها ...
ويجب أن تكتب كلمة واحدة لا تساهم بطريقة مباشرة ... أو غير مباشرة فى
توضيح ذلك الأثر وتلك الخطة السابق تصميمها .
أي إن القصةَ القصيرة لكي تؤثر في القارئ لا بد أن تساهم كل كلمة فى
توضيح الهدف النهائى ... والغاية المقصودة وهو انطباع موحد ... والحادثة
إذا لم تتفاعل مع الشخصية فى بناء حكمٍ ثابت فإنها لا تُحقق هذا الأثر ...
أو الفكرة وبالتالي تجعل من القصة مجرد حكاية لا فن فيها ... ولتحقيق
الوحدة الفنية التى يعتبرها النُقاد أولى الدعائم فى بناء القصة القصيرة
... أن يراعى الكاتب حصر موضوعه فى جوهره خالياً من الزخرف ... فالقصة التي
تصور حدثاً فرداً لابد أن تدور منذ الكلمة الأولى فيها حول هدفٍ واحد ...
وأن تبدأ بداية يستطيع الكاتب عن طريقها التطور بهذا الحدث إلى لحظة ينتهى
فيها الحدث الذى دارت حوله القصة والذى بتكامله يحدث الأثر الكلى الذى تحرص
القصة القصيرة على أن تبلغه ... ولزاماً أن يجرى الحدث خارج نفس الكاتب
... ولكي تكتمل وحدة الحدث الفنية يُعطى الكاتب عناية للحدث من زاوية واحدة
ويلقى عليها ضوءاً واحداً معيناً ... وأن لا يحفل بسرد تاريخ حياته
الشخصية ... وأن يُخفي التفاصيل التي تقف ضد إحداث الأثر المطلوب الذى تسعى
القصة القصيرة إلى تحقيقه ... ولإحداث الأثر على الكاتب تجنب تدخلاته
المباشرة ... والأمثال والمواعظ ... أو الإشارة إلى ما يقصدُ إليه أو فرض
أحكام جانبية وأن لا يُظهر الكاتب تجنيده لشيءٍ أخر بل يجب أن يكون ذلك فى
غضون قصته خالصا للقارئ ... وأن يكون التجنيد ... أو النهى إذا لزم الأمر
كامناً غير ملموس وذلك هو الفرق بين القصةِ القصيرة والمقالةِ .
والقصةِ القصيرة ليست منبر للمواعظ وإلقاء الخطب بل هي معرض للتحليل يوحي
برموزه ... وإشاراته إلى القارئ بالغرض الذى رمى إليه الكاتب .. إذن لابد
أن يُراعى الكاتب في عرض موضوعه جانب التلميح ما أمكن ويحذر جانب التصريح
فلا يشرح الموضع ويحلل الشخصية ... في شكلٍ مُهلهل بحيث لا يترُكُ شيئاً
لفطنه ذلك القارئ ... وإذا لم يعن بهذا الجانب كان متهماً قارئه بالغفلة
وجمود الذهن .. كأن يوضح له ما ليس بحاجة إلى توضيح ... وإني لا أنكر أن
تكون شخصيته متميزة فى قصصه .. وإني أطالب إلى الأديب الحياد التام ...
والموضوعية البحتة .. لكني أطلب إليه أن يصوغ تجاربه صياغةً فنيةً موضوعيةً
.. في الوقت الذي يحتفظ لنفسه بسماته الخاصة التى تجعل لقصصه مذاقاً خاصاً
متميزاً متفرداً .. وأن أي أدبٍ ... أو إنتاج لا بد وأن يكون معروف النسب
.. ولا بد من أن تشيع خلاله روح تمنحه مذاقه لخاص ... والكاتب الحقيقي هو
الذي يصب نفسه فى القصة دون أن يقول - أنا هنا ... وأن عملية بناء الشخصية
هي أخطر عملية في بناء القصة جميعاً ... لأنها مرتبطة بتوفير هيكل القصة
ذاتها .. ومن هنا يضطر الكاتب القصة القصيرة .. إلى العناية الفنية ... وأن
يجعلها تصدر فى أقوالها .. وأفعالها عن منطق الحياة التى أرادها المؤلف
حتى إذا مضى القارئ فى تفهم هذه الشخصيات .. فالشخصية القصصية .. لكي تتسم
بالحيوية والتدفق .. وتبتعد عن الجفاف .. والتجريد والرمزية .. والتهليل ..
لا بد وأن تقوم خلال علاقة عريضة بالبيئة التى تتحرك فيها .. ومن خلال
تجارب معاشة .. وارتباط الشخص القصصي بالحدث يجعل له تأثيراً قويا في إيصال
الانطباع الواحد إلى نفسية القارئ ... فاختيار الحدث محتمل الوقوع ..
والشخصية ممكنة التواجد .. ويجب أن يشعر القارئ بأن ثمة تعادلاً تاماً حيث
يطغى نصيب الحدث على الشخصية .. أو العكس بل الحدث والشخصية وحدة لا يتجزأ
كل منهما عن الأخرى .. لذا يجب أن لا تكثر الشخوص كثرة مسرفة .. فالكاتب
إزاء العدد الكبير من الشخوص لتتاح له فرصة تحليل عواطفهم ودراسة نفسيا تهم
.. فيلجأ إلى وصفهم وصفاً خارجياً يركز فيه على الملامح الخارجية .. ولما
كان الحوار عنصراً مساعداً على تحليل الشخصية.. فإنه لابد أن يكون موافقاً
لها .. معبراً عن حالتها النفسية .. وعن البعد الطبقي والاجتماعي لها ..
والقصة القصيرة التى يحتاجها إنسان المجتمع هي التي تربط بين إنسان الغد ..
وإنسان اليوم .. والبطل ليس إنساناً بلا نسب .
بعض النُقاد وضع تعريفٍ محددٍ للقصةِ القصيرة كشكل مُتميز له من الملامح
ما يجعله منفرداً عن غيرهِ من الأشكالِ الأدبيةِ الأخرى .
فمنهم من وقع عند حجمها ... وحدد لها عدداً من الكلماتِ لا تزيدُ عنها ..
وإن زادت قليلاً دخلت في إطار فن أخر .. ومنهم من اشترط لقراءتها حيزاً
زمنيا لا تتعداه .. كأن يحتم ضرورة أن تُقرأ في جلسةٍ واحدة .. ومنهم من
نفى عنها كثرة الأحداث والشخصيات والتفصيلات وما شابه ذلك .. بل إن منهم من
ادعى خلوها من الحوار تماماً .. وإن دلت هذه الاختلافات على شيء فإنها تدل
على إن وضع تعريف جامعٍ مانعٍ أمرٌ صعب .. لأن الأشكال الأدبية .. كألف
ليلة وليلة تتطور دائماً مسايرةً بذلك تطور الإنسان في بحثه الدائب عن
الأفضل ... ومن ثم فإن الأدب لايخضع لحدود أو قوانين كالعلم ... ذلك أن
التقنين قد يضرُ به ويحدُ من انطلاقته وهويتهِ وتطوره .. ولهذا يصبح تتبع
السِماتِ والميزات عنايةَ إبرازٍ للكيان الخاص للجنس الأدبي ... كفنٍ قائمٍ
بذاته ... له اصطلح كثير من النقاد منذ ( ادجار الآن يو ) على سمات بعينها
إذا توفرت في عمل أدبي سُمي هذا العمل قصةً قصيرة .. وليست روايةً أو
مسرحيةً أو مقالاً .. أو قصيدةً شعرية ... ولقد كان لهم بذلك من معاشرتهم
الطويلة لإنتاج غزير في هذا الميدان .. ومن دراستهم وتحليلهم لنماذج منه
... ومن ثم فإنهم وجدوا إن هناك قوانين عامة مرعية الجانب في التأليف ...
وكانت هذه القواعد نتائج مستخلصة من نماذج جيدة ... وسرعان ما تحولت هذه
النتائج إلى ما يشبه القاعدة ...
ولعل أهم ما يميزُ هذه الملامح إنها تُعبر عن موقفٍ محددٍ في حياة الفرد
... وجانبٍ مُعين من جوانبِ هذه الحياة لا كُلِ الحياةِ بطبيعةِ الحال ...
ذلك إن الموقف هو الذي يحلم كاتب القصة ويرى ضرورة الكشف عنه ... وإلقاء
الضوء عليه ... وهذه هي السمةُ الغالبةُ على فنِ القصةِ القصيرة ... بينما
في الرواية يكون التعبيرُ عن حياةِ الشخصِ كلها أو جوانب متعددة من حياته
... فهي تصور حياةٍ كاملةٍ لا لحظة فيها ... ويغلبُ عليها رسم الشخوص ...
وتعددِ الأحداث ... وتدخُل الكاتب بالشرحِ والتحليلِ والوصفِ والتفسير .
وقد تستغرق أحداثها ... أزماناً وأزماناً ... وقد يطول بها الحجم فتستغرق
إجراء ... وعلى هذا شبه بعض النقاد الرواية بالنهر ... يسُيل من منبعٍ إلى
مصبٍ ... في حين إن القصةَ القصيرة تُمثل موجةً وسطَ النهر ... وهي ليست في
نفس الوقت جزءاً ولا فصلاً من الرواية ...
ففي القصةِ القصيرة يُعالج الكاتب جانباً من حياته ... ويقتصرُ على سردِ
حادثة يتألف منها موضوعٍ مستقلٍ ... مع قِصرهِ يجب أن يكون تاماً ...
ناضجاً من وجهةِ التحليل ... والمعالجة ... ولا يتهيأ هذا إلا ببراعةٍ
يمتاز بها كاتبها ... إذ أن المجالَ إمامهُ ضيقٍ محدودٍ يتطلبُ التركيز
الفني الدقيق ... وغاية الرأي في هذه النقطة كما يقول ( محمود تيمور ) - أن
القصة القصيرة على أصولها المقررة يجب أن لا تتناول موضوعاً مترامي
الأطراف ... تستغرق الحياة فيه فترة طويلة من الزمن ... فإذا تورط كاتب
الأقصوصة في معالجة موضوع واسع ... فقدت الأقصوصة فى معالجة موضوع واسع ...
فقدت لأقصوصة مقدمتها ... وأصبحت نوعاً من الخلاصات والاختصارات للقصة
الكبيرة .
وليس هذا من الفن فى القليل أو الكثير ويستلزم هذا المفهوم الفنى بالقصة
القصيرة أن يُركز الكاتب في قصته حول حادثه مفردة ... وأن يعنى أكبر
العناية بالمواقف ... لا بالأشخاص ... وأن يتميز جانباً يسيراً من جوانب
الشخصية أو جزءاً دقيقاً في حياةِ شخصٍ ويجعله محور القصة ... لا أن يكتب
تاريخ حياةٍ كاملةٍ في صفحات طوال ... ويظل الكاتب يكشف الجزئية البسيطة
ويتعمقها ... و يعمد إليها كأنها لحن من هذه الألحان التي يبني عليها
المُوسيقي قطعته الفنية ... ومن السمات الواضحة في فن القصة القصيرة أيضاً -
الوحدة وحدة الفعل المكان والزمان ... كم يقول النقاد الكلاسيكيون ...
فالقصة القصيرة ينبغي أن تتوفر فيها وحدة فنية يعبر عنها بالأثر الكلي أو
وحدة الانطباع ... ذلك إن معالجة لحظة من الزمن في حياة الفرد ... منفصلةً
عما قبلها ... وما بعدها لا يتحقق لها الأثر الكلي إلا إذا توفرت فيها هذه
الوحدة التي اعتبرها ( ادجار ألان يو ) ... يقول - إن الفنان الأدبي
الناجح إذا استطاع بعناية مقصودة أن يلحظ إن المطلوب إحداثه هو أثر واحد
فريد في نوعه ... فإنه عندئذ يخترع حوادث معينة ... ويربطها جميعاً بطريقة
تساعده في إحداث ذلك الأثر ... وإذا فشلت جملة الافتتاحية فى إبراز هذا
الأثر فمعنى هذا إنه قد فشل فى أول خطواته ... وفى عملية الإنشاء كلها ...
ويجب أن تكتب كلمة واحدة لا تساهم بطريقة مباشرة ... أو غير مباشرة فى
توضيح ذلك الأثر وتلك الخطة السابق تصميمها .
أي إن القصةَ القصيرة لكي تؤثر في القارئ لا بد أن تساهم كل كلمة فى
توضيح الهدف النهائى ... والغاية المقصودة وهو انطباع موحد ... والحادثة
إذا لم تتفاعل مع الشخصية فى بناء حكمٍ ثابت فإنها لا تُحقق هذا الأثر ...
أو الفكرة وبالتالي تجعل من القصة مجرد حكاية لا فن فيها ... ولتحقيق
الوحدة الفنية التى يعتبرها النُقاد أولى الدعائم فى بناء القصة القصيرة
... أن يراعى الكاتب حصر موضوعه فى جوهره خالياً من الزخرف ... فالقصة التي
تصور حدثاً فرداً لابد أن تدور منذ الكلمة الأولى فيها حول هدفٍ واحد ...
وأن تبدأ بداية يستطيع الكاتب عن طريقها التطور بهذا الحدث إلى لحظة ينتهى
فيها الحدث الذى دارت حوله القصة والذى بتكامله يحدث الأثر الكلى الذى تحرص
القصة القصيرة على أن تبلغه ... ولزاماً أن يجرى الحدث خارج نفس الكاتب
... ولكي تكتمل وحدة الحدث الفنية يُعطى الكاتب عناية للحدث من زاوية واحدة
ويلقى عليها ضوءاً واحداً معيناً ... وأن لا يحفل بسرد تاريخ حياته
الشخصية ... وأن يُخفي التفاصيل التي تقف ضد إحداث الأثر المطلوب الذى تسعى
القصة القصيرة إلى تحقيقه ... ولإحداث الأثر على الكاتب تجنب تدخلاته
المباشرة ... والأمثال والمواعظ ... أو الإشارة إلى ما يقصدُ إليه أو فرض
أحكام جانبية وأن لا يُظهر الكاتب تجنيده لشيءٍ أخر بل يجب أن يكون ذلك فى
غضون قصته خالصا للقارئ ... وأن يكون التجنيد ... أو النهى إذا لزم الأمر
كامناً غير ملموس وذلك هو الفرق بين القصةِ القصيرة والمقالةِ .
والقصةِ القصيرة ليست منبر للمواعظ وإلقاء الخطب بل هي معرض للتحليل يوحي
برموزه ... وإشاراته إلى القارئ بالغرض الذى رمى إليه الكاتب .. إذن لابد
أن يُراعى الكاتب في عرض موضوعه جانب التلميح ما أمكن ويحذر جانب التصريح
فلا يشرح الموضع ويحلل الشخصية ... في شكلٍ مُهلهل بحيث لا يترُكُ شيئاً
لفطنه ذلك القارئ ... وإذا لم يعن بهذا الجانب كان متهماً قارئه بالغفلة
وجمود الذهن .. كأن يوضح له ما ليس بحاجة إلى توضيح ... وإني لا أنكر أن
تكون شخصيته متميزة فى قصصه .. وإني أطالب إلى الأديب الحياد التام ...
والموضوعية البحتة .. لكني أطلب إليه أن يصوغ تجاربه صياغةً فنيةً موضوعيةً
.. في الوقت الذي يحتفظ لنفسه بسماته الخاصة التى تجعل لقصصه مذاقاً خاصاً
متميزاً متفرداً .. وأن أي أدبٍ ... أو إنتاج لا بد وأن يكون معروف النسب
.. ولا بد من أن تشيع خلاله روح تمنحه مذاقه لخاص ... والكاتب الحقيقي هو
الذي يصب نفسه فى القصة دون أن يقول - أنا هنا ... وأن عملية بناء الشخصية
هي أخطر عملية في بناء القصة جميعاً ... لأنها مرتبطة بتوفير هيكل القصة
ذاتها .. ومن هنا يضطر الكاتب القصة القصيرة .. إلى العناية الفنية ... وأن
يجعلها تصدر فى أقوالها .. وأفعالها عن منطق الحياة التى أرادها المؤلف
حتى إذا مضى القارئ فى تفهم هذه الشخصيات .. فالشخصية القصصية .. لكي تتسم
بالحيوية والتدفق .. وتبتعد عن الجفاف .. والتجريد والرمزية .. والتهليل ..
لا بد وأن تقوم خلال علاقة عريضة بالبيئة التى تتحرك فيها .. ومن خلال
تجارب معاشة .. وارتباط الشخص القصصي بالحدث يجعل له تأثيراً قويا في إيصال
الانطباع الواحد إلى نفسية القارئ ... فاختيار الحدث محتمل الوقوع ..
والشخصية ممكنة التواجد .. ويجب أن يشعر القارئ بأن ثمة تعادلاً تاماً حيث
يطغى نصيب الحدث على الشخصية .. أو العكس بل الحدث والشخصية وحدة لا يتجزأ
كل منهما عن الأخرى .. لذا يجب أن لا تكثر الشخوص كثرة مسرفة .. فالكاتب
إزاء العدد الكبير من الشخوص لتتاح له فرصة تحليل عواطفهم ودراسة نفسيا تهم
.. فيلجأ إلى وصفهم وصفاً خارجياً يركز فيه على الملامح الخارجية .. ولما
كان الحوار عنصراً مساعداً على تحليل الشخصية.. فإنه لابد أن يكون موافقاً
لها .. معبراً عن حالتها النفسية .. وعن البعد الطبقي والاجتماعي لها ..
والقصة القصيرة التى يحتاجها إنسان المجتمع هي التي تربط بين إنسان الغد ..
وإنسان اليوم .. والبطل ليس إنساناً بلا نسب .