مدارات انتظار
-ستسافر إذاً...
-لا خياراً آخر ...
-ولمَ...
-لأنه الحل الأنسب ...
- من قال أنه الأنسب ،هكذا بكل سهولة تصل لقرار وتسلمني للا نتظار
-لم أفهم ...هل تقصدي بأنك لا ترغبي بالانتظار
-وائل... أنظر إليَّ جيداً نحن لم نحب بعضنا هذا الحب ليقفلهُ شرط أبي ولن
أسمح لأي أحد أن يرسم لي مدى سعادتي معك.
- كان يتوجب عليّ احترام شروطه
- أي شروط هذه، التي تجعلك تتقنع بالقبول وفي داخلك رفضٌ يمقت تلك العقليات
الموروثة
-هل كنت تنتظري أن يسود بيني وبينه حوار مثلاً
-ولم لا ...على الأقل تظهر له تمسكك بالمبادىء والتي هي أهم لك من أي شيء علّه يشعر بالأمان
-ماذا تقولي "شذا" ...هذا النمط لا يشعر بالأمان إلا إذا أسندت له
ظهره على جرة مملوءة بالوعود المقدمة والمؤجلة ووضعت طي كفه مفتاح الطلب.
آسف نسيت أني أتكلم عن والدك ...لكني شعرت للحظةٍ بأنني أمام مشروع مزاودة ...لذا التزمت الصمت
اسمعيني "شذا" أنت تساوي
عمري كله ...لكني أنتظر منك حلاً للمشكلة ،إن سافرتْ أنقذُ عجزي وأفرحُ والدك...وإن
بقيت لا أضمن نوافذ الفرج أن تُفتح أمامي ... كان والدك واضحاً بقوله((شوف ياابني
...متل وضعك في كتير وياما بنات اتزوجوا ورجعوا عابيوت أهلن بسبب المشاكل المادية
وأنت لا تملك من يسر الحال شيء ،لكن بإمكاني إمهالك بعض الوقت دون ارتباط ولا يحق
لك رؤية شذا متى أردت))
-ما بالك "وائل" ...أظن نفسي إنسانة أستطيع أن أقرر مصيري ،لا يهمني
كيف يفكر والدي ولست مسؤولة عن طريقة تفكيره ...إنما يقف بوجه سعادتي مقابل مهر لا
يُقدم ولايؤخر عندي بشيء لا أوافقه الرأي أبداً
سنصنع قرارنا سوية ..سنتزوج ونسافرّإذا أحببنا
-نتزوج كيف ...؟وأنت الآن تلتقي بي
خلسة.
-لكني لست ضعيفة حدّ الانصياع وراء قرار لا يخدم مشاعري ولا يحترمها ...
ما يؤلمني بأن الزمن في حالة تجدد وكل فكرةٍ كانت مغلقة سادها الإنفتاح
...لم يبق شيئاً على حاله ،طريقة الزواج على عهد آبائنا لا تليق الآن بحاضرنا
والسعادة لا توضع بكفة المال ...كل شيء يتبدل مع الظروف إلاالأفكار المتخلفة و كأن
جلدها صاج حديد.
-جميل موقفك "شذا" وبتُ متمسك بك أكثر ...لكن انتبهي ربما تخسري أهلك بأخذنا أي قرار.
-هم سيخسروني...
لاحظ "وائل" استيائها ،أحب ممازحتها فقال:
اقتربي وأعطني قبلة ...
- ليس الآن...
امتعض منها ...عقد حاجبيه ...زفر اشتياقاً وتمتم
حفظت درسي القبلة عندما نتزوج..ياله
من كلام عجائز
لولا أني أحبك لأخذتها قوة
-دعك الآن وقل لي متى نحدد موعد الزفاف
-سنرتب أولاً موعد مع أصدقائنا
ونطلعهم على القصة ...نحن بحاجة لمساعدتهم لكن لا تطرحي الفكرة في المنزل ودعيها
تكون مفاجأة
-أوافقك ...
سأعود الآن للمنزل قبل أن أتعرض لقافلة أسئلة وعندما تحدد
موعد لنلتقي مع الأصدقاء سأكون جاهزة ...فقط
اتصل بي أراك بخير حبيبي.
شذا المتعلقة بخطيبها لاتنتابها لحظة تفكير في الإبتعاد عنه ولا تقبل بمجرد
طرح الفكرة بينها وبين نفسها لأي أمر كان لكنها تتفق مع ذاتها دائماً على فكرة
الصبر والتضحية وتُعلّق قلبها على مسمار المستقبل القادم ...فأي قصة عشق تُبنى على
الصدق والعشق الحاد ويمرُّ عليها فترة طويلة لا يمكن اعتزال تفاصيلها حتى ولو كانت
عادية.
وخصوصاً عندما يكون الحديث محصور عند "شذا " التي لا تعرف سوى
عشقها ومساعدة والدتها في المنزل ومداعبة ابنة أخيها الصغيرة أما الفسحة الوحيدة
التي تجمع فيها شتاتها هي فرصة الليل ،عندما تجلس لتترجم اشتياقها لوائل على ورق
الذكريات.
ماذا لو يتنازل والدها قليلاً ويُسهل الطريق أمام حبيبها ويمنحُ تلك النفسين
السعادة التي تحكي اشتياقهما كلما تعانقت نظراتهما ...؟!!
من يكفل اللحظات التي لا تكف عن تحقيق قراراتها فينا أن يكون لنا عندها
الحصة ذاتها...الكلام لا يجدي، متصلب وعنيد ولا يُناقش ذاك الذي يدعى العم سلطان.
وصلت "شذا" للمنزل وعندما رأت ابنة أخيها في انتظار لوح الشوكولا
،تألمت في نفسها كيف لها أن تنسى "لانا "..لكن "لانا" لم تبكي
كعادتها مما زاد من توتر" شذا" ...ربما الصغيرة بدأت بتقبل استيعاب
الأشياء والقلق الذي بدا على "شذا" ليس له مبرر سوى أنها مرهقة من ظنون
عاتية تعصف بمخيلتها.
والدتها المغلوبة على أمرها تود لو تساعد ابنتها، تارةً تقسو عليها ويكون
الدافع خوفها عليها وتارةً تسايرها...
-لا تحزني ياابنتي ،أعلم مدى تعلقك بوائل ولكن هل من طريقة أخرى
- طبعاً وهو ألّا تفكروا بطريقة مهترئة
وتكمّلوا سعادتي بوجودكم معي ،أما إن كان رأيك من رأي أبي تأكدي بأني لن
أنذرَ سعادتي فداءً لعناده
- لا تقولي هذا ياابنتي وتخسري بعدها والدك.
رنّ الهاتف... كالبرق أسرعت "شذا" با تجاهه
-ألو... وائل ...!!
خير إنشاء الله
-خير "شذا" خير ولكن
كعادتي أسمع صوتك قبل أن أنام ،كيف هو
مساءك
-متوترة ولا أدري سبب قلقي ...
-ما الذي تجدد
- لاشيء سوى أني أشتاق إليك
-وأنا أكثر...ولكي لا أطيل بالحديث وينتبه والدك غداً موعدنا في النادي القريب من منزلي الساعة
السادسة ...موافقة
-بالطبع...
-اذهبي الآن ونامي ولا تفكري بشيء وستكون الأمور بخير ...أعدك حبيبتي
أراك غداً...تصبحي على خير.
اطمأنت "شذا" بعض الشيء
وألقت عن فكرها أحمال الآتي.
بينما "وائل" قضى ليله غارقاً
في دخان سجائره يصعب عليه حزن حبيبته إن سلمها لقياد القلق وذل الظنون
...ويصعب عليه أكثر عجزه المادي حيالها بينما الأمر ليس هكذا عند "شذا "
الحب ولحظات العشق الخاطفة أثمن من شيكات وعود فاشلة
فالصدق هو كنز الحب ...ولا تريد أماناً يُزنر قلبها سوى عشق "وائل ".
***
في صبيحة اليوم الآخر استيقظت "شذا" والعبق يفوح من جمال وجهها ،
النشاط الذي بدت مرسومةٌ ملامحه في رغبتها
يوحي بأنها ستنهي اليوم تعمير برج لتصل فيه للقمر.
كل شيءٍ كان على مايرام ولا ينغص تفكيرها شيء لولا سماع أبيها وأمها
يتحاوران بخصوصها ،كان والدها بلهجة المحتد يقول ((لا تعطيها وجه وكوني جديّة معها
،مابزوجها لواحد مامعو يطعميها خبز
-وكّل الله يارجال بكرى الله بيكرمو
وبتصير أحوالو أحسن المهم إنو بحب البنت وكمان بنتك بتحبو... طيّب مابتتذكر
لما تزوجنا كيف كان حالك مابتملك شي ولولا
مساعدة الأهل ماتزوجنا
-إي بس هالوقت بيخوف غير الوقت المضى اللي كان كلو بساطة .
-والله أنا خايفي عاشذا تعمل بحالها شيء وبعدين نندم
-لا تخافي بكرى لما بيجيها عريس أحسن بتنساه))
سمعت "شذا " الحوار واستاءت أحوالها أكثر ...
أخذت قرارها ...لن تدع الجهلُ يفتك بقدرتها ولن تسمح لأحد أن يسحق إرادتها حيال
فكرة واثقة من تخطيها بقوة ... الإصرار بدا واضحاً في رغبتها وكأنها تدفع ضريبة
تخلف ليست مسؤولة عنه سوى أنها تحقق لعشقها ذكرى .
هكذا مضى نهارها ،الوقت مرّ بسرعة مما جعلها تسرع في تحضير نفسها للذهاب للنادي حيث
"وائل" والأصدقاء في انتظارها ..سرحت شعرها ..ارتدت ثوباً أنيق ولم تنس
ربطة العنق وبخة البارفان التي لابد منها
وعندما خرجت وجدت ابنة أخيها تجلس على عتبة الباب من الخارج فسعدت لأنها
كحلت عينيها برؤيتها قبّلتها ووعدتها بأنها عندما تعود ستجلب لها شوكولا
وبينما كانت تنقل خطاها للأمام وتستدير مراراً للخلف رنّ جهازها الخليوي وإذ بوائل يسأل :
-أنا بالنادي ،أين أنت
-انظر إليِّ ...أمامي الطريق أعبره وأصل إليك
- آآ لمحتك سأبقى أكلمك لتصلي
قطعت "شذا" الطريق
ومازالت تكلم "وائل "وفجأةً دبت
من حولها أصواتاً مرعبة
يالطيف ...يالطيف أبعدوا الصغيرة
ارتبكت وأخذت تسأله ماهذه الأصوات "وائل "
-الأصوات تصدر من عندك "شذا "
استدارت "شذا" والصوت شدها
للجهة التي قدمت منها فلاحظت طفلة تعبر الشارع وبما أنها الأقرب لنجدتها سرعان مااندفعت تجاهها منادية "لانا" ..في قرارة نفسها كانت
تحسب الطفلة بأنها ابنة أخيها ،ماهي إلا دقائق كانت ترنوها أيمكن أن تكون قد
تبعتها ،لا لا يمكن فلانا يزيد عمرها عن العامين وتعي خطورة الشارع .
عجلات الشاحنة المسرعة والليل الذي يكاد أن يهبط منع السائق من رؤية طفلة
بهذا الحجم لكن "شذا "كانت أسرع
منه فوثبت منها الروح في اللحظة
الأخيرة لتبعد الطفلة بساعدها وترميها باتجاه الرصيف أما عنها فلم تستطع إزاحة نفسها من تحت عجلات الموت
عندما أسرعت لتنجد الطفلة ربما خرجت عن نطاق التفكير بنفسها وكل مافيها من
قوة تيقظ من نشوة الأنا ...إنها الغريزة الفطرية دفعتها لتكون ضحية دون أن ترسم
لسلامتها مضمون رجوع.
كل هذا حصل في رفة عين .
"وائل" مازال متسمراً في مكانه يَعلقُ نظره على ربطة العنق التي
تغطي وجهها ...ينتظر ابتعاد الناس عن
المكان وكيف ستنهض "شذا" بعد قليل ...
يبتسم ويتمتم
كم تمنيت أن أراك مستلقية لأتوه معك
في خيالي ولم تتحقق الأمنية..كان حياؤك يؤجل الشوق ويُخبيء المفاجأة وتقولي ...هذا ليس وقتي مادام التوتر والقلق يحيط بي ،الأيام
آتية وسيكون الأمان خيمة تحمي اشتياقنا... لمَ العجلة ؟
-حقاً "شذا" لمَ العجلة
سأبقى أنتظر...
الغروب مازال في أوله ستصلين حتماً.
-ستسافر إذاً...
-لا خياراً آخر ...
-ولمَ...
-لأنه الحل الأنسب ...
- من قال أنه الأنسب ،هكذا بكل سهولة تصل لقرار وتسلمني للا نتظار
-لم أفهم ...هل تقصدي بأنك لا ترغبي بالانتظار
-وائل... أنظر إليَّ جيداً نحن لم نحب بعضنا هذا الحب ليقفلهُ شرط أبي ولن
أسمح لأي أحد أن يرسم لي مدى سعادتي معك.
- كان يتوجب عليّ احترام شروطه
- أي شروط هذه، التي تجعلك تتقنع بالقبول وفي داخلك رفضٌ يمقت تلك العقليات
الموروثة
-هل كنت تنتظري أن يسود بيني وبينه حوار مثلاً
-ولم لا ...على الأقل تظهر له تمسكك بالمبادىء والتي هي أهم لك من أي شيء علّه يشعر بالأمان
-ماذا تقولي "شذا" ...هذا النمط لا يشعر بالأمان إلا إذا أسندت له
ظهره على جرة مملوءة بالوعود المقدمة والمؤجلة ووضعت طي كفه مفتاح الطلب.
آسف نسيت أني أتكلم عن والدك ...لكني شعرت للحظةٍ بأنني أمام مشروع مزاودة ...لذا التزمت الصمت
اسمعيني "شذا" أنت تساوي
عمري كله ...لكني أنتظر منك حلاً للمشكلة ،إن سافرتْ أنقذُ عجزي وأفرحُ والدك...وإن
بقيت لا أضمن نوافذ الفرج أن تُفتح أمامي ... كان والدك واضحاً بقوله((شوف ياابني
...متل وضعك في كتير وياما بنات اتزوجوا ورجعوا عابيوت أهلن بسبب المشاكل المادية
وأنت لا تملك من يسر الحال شيء ،لكن بإمكاني إمهالك بعض الوقت دون ارتباط ولا يحق
لك رؤية شذا متى أردت))
-ما بالك "وائل" ...أظن نفسي إنسانة أستطيع أن أقرر مصيري ،لا يهمني
كيف يفكر والدي ولست مسؤولة عن طريقة تفكيره ...إنما يقف بوجه سعادتي مقابل مهر لا
يُقدم ولايؤخر عندي بشيء لا أوافقه الرأي أبداً
سنصنع قرارنا سوية ..سنتزوج ونسافرّإذا أحببنا
-نتزوج كيف ...؟وأنت الآن تلتقي بي
خلسة.
-لكني لست ضعيفة حدّ الانصياع وراء قرار لا يخدم مشاعري ولا يحترمها ...
ما يؤلمني بأن الزمن في حالة تجدد وكل فكرةٍ كانت مغلقة سادها الإنفتاح
...لم يبق شيئاً على حاله ،طريقة الزواج على عهد آبائنا لا تليق الآن بحاضرنا
والسعادة لا توضع بكفة المال ...كل شيء يتبدل مع الظروف إلاالأفكار المتخلفة و كأن
جلدها صاج حديد.
-جميل موقفك "شذا" وبتُ متمسك بك أكثر ...لكن انتبهي ربما تخسري أهلك بأخذنا أي قرار.
-هم سيخسروني...
لاحظ "وائل" استيائها ،أحب ممازحتها فقال:
اقتربي وأعطني قبلة ...
- ليس الآن...
امتعض منها ...عقد حاجبيه ...زفر اشتياقاً وتمتم
حفظت درسي القبلة عندما نتزوج..ياله
من كلام عجائز
لولا أني أحبك لأخذتها قوة
-دعك الآن وقل لي متى نحدد موعد الزفاف
-سنرتب أولاً موعد مع أصدقائنا
ونطلعهم على القصة ...نحن بحاجة لمساعدتهم لكن لا تطرحي الفكرة في المنزل ودعيها
تكون مفاجأة
-أوافقك ...
سأعود الآن للمنزل قبل أن أتعرض لقافلة أسئلة وعندما تحدد
موعد لنلتقي مع الأصدقاء سأكون جاهزة ...فقط
اتصل بي أراك بخير حبيبي.
شذا المتعلقة بخطيبها لاتنتابها لحظة تفكير في الإبتعاد عنه ولا تقبل بمجرد
طرح الفكرة بينها وبين نفسها لأي أمر كان لكنها تتفق مع ذاتها دائماً على فكرة
الصبر والتضحية وتُعلّق قلبها على مسمار المستقبل القادم ...فأي قصة عشق تُبنى على
الصدق والعشق الحاد ويمرُّ عليها فترة طويلة لا يمكن اعتزال تفاصيلها حتى ولو كانت
عادية.
وخصوصاً عندما يكون الحديث محصور عند "شذا " التي لا تعرف سوى
عشقها ومساعدة والدتها في المنزل ومداعبة ابنة أخيها الصغيرة أما الفسحة الوحيدة
التي تجمع فيها شتاتها هي فرصة الليل ،عندما تجلس لتترجم اشتياقها لوائل على ورق
الذكريات.
ماذا لو يتنازل والدها قليلاً ويُسهل الطريق أمام حبيبها ويمنحُ تلك النفسين
السعادة التي تحكي اشتياقهما كلما تعانقت نظراتهما ...؟!!
من يكفل اللحظات التي لا تكف عن تحقيق قراراتها فينا أن يكون لنا عندها
الحصة ذاتها...الكلام لا يجدي، متصلب وعنيد ولا يُناقش ذاك الذي يدعى العم سلطان.
وصلت "شذا" للمنزل وعندما رأت ابنة أخيها في انتظار لوح الشوكولا
،تألمت في نفسها كيف لها أن تنسى "لانا "..لكن "لانا" لم تبكي
كعادتها مما زاد من توتر" شذا" ...ربما الصغيرة بدأت بتقبل استيعاب
الأشياء والقلق الذي بدا على "شذا" ليس له مبرر سوى أنها مرهقة من ظنون
عاتية تعصف بمخيلتها.
والدتها المغلوبة على أمرها تود لو تساعد ابنتها، تارةً تقسو عليها ويكون
الدافع خوفها عليها وتارةً تسايرها...
-لا تحزني ياابنتي ،أعلم مدى تعلقك بوائل ولكن هل من طريقة أخرى
- طبعاً وهو ألّا تفكروا بطريقة مهترئة
وتكمّلوا سعادتي بوجودكم معي ،أما إن كان رأيك من رأي أبي تأكدي بأني لن
أنذرَ سعادتي فداءً لعناده
- لا تقولي هذا ياابنتي وتخسري بعدها والدك.
رنّ الهاتف... كالبرق أسرعت "شذا" با تجاهه
-ألو... وائل ...!!
خير إنشاء الله
-خير "شذا" خير ولكن
كعادتي أسمع صوتك قبل أن أنام ،كيف هو
مساءك
-متوترة ولا أدري سبب قلقي ...
-ما الذي تجدد
- لاشيء سوى أني أشتاق إليك
-وأنا أكثر...ولكي لا أطيل بالحديث وينتبه والدك غداً موعدنا في النادي القريب من منزلي الساعة
السادسة ...موافقة
-بالطبع...
-اذهبي الآن ونامي ولا تفكري بشيء وستكون الأمور بخير ...أعدك حبيبتي
أراك غداً...تصبحي على خير.
اطمأنت "شذا" بعض الشيء
وألقت عن فكرها أحمال الآتي.
بينما "وائل" قضى ليله غارقاً
في دخان سجائره يصعب عليه حزن حبيبته إن سلمها لقياد القلق وذل الظنون
...ويصعب عليه أكثر عجزه المادي حيالها بينما الأمر ليس هكذا عند "شذا "
الحب ولحظات العشق الخاطفة أثمن من شيكات وعود فاشلة
فالصدق هو كنز الحب ...ولا تريد أماناً يُزنر قلبها سوى عشق "وائل ".
***
في صبيحة اليوم الآخر استيقظت "شذا" والعبق يفوح من جمال وجهها ،
النشاط الذي بدت مرسومةٌ ملامحه في رغبتها
يوحي بأنها ستنهي اليوم تعمير برج لتصل فيه للقمر.
كل شيءٍ كان على مايرام ولا ينغص تفكيرها شيء لولا سماع أبيها وأمها
يتحاوران بخصوصها ،كان والدها بلهجة المحتد يقول ((لا تعطيها وجه وكوني جديّة معها
،مابزوجها لواحد مامعو يطعميها خبز
-وكّل الله يارجال بكرى الله بيكرمو
وبتصير أحوالو أحسن المهم إنو بحب البنت وكمان بنتك بتحبو... طيّب مابتتذكر
لما تزوجنا كيف كان حالك مابتملك شي ولولا
مساعدة الأهل ماتزوجنا
-إي بس هالوقت بيخوف غير الوقت المضى اللي كان كلو بساطة .
-والله أنا خايفي عاشذا تعمل بحالها شيء وبعدين نندم
-لا تخافي بكرى لما بيجيها عريس أحسن بتنساه))
سمعت "شذا " الحوار واستاءت أحوالها أكثر ...
أخذت قرارها ...لن تدع الجهلُ يفتك بقدرتها ولن تسمح لأحد أن يسحق إرادتها حيال
فكرة واثقة من تخطيها بقوة ... الإصرار بدا واضحاً في رغبتها وكأنها تدفع ضريبة
تخلف ليست مسؤولة عنه سوى أنها تحقق لعشقها ذكرى .
هكذا مضى نهارها ،الوقت مرّ بسرعة مما جعلها تسرع في تحضير نفسها للذهاب للنادي حيث
"وائل" والأصدقاء في انتظارها ..سرحت شعرها ..ارتدت ثوباً أنيق ولم تنس
ربطة العنق وبخة البارفان التي لابد منها
وعندما خرجت وجدت ابنة أخيها تجلس على عتبة الباب من الخارج فسعدت لأنها
كحلت عينيها برؤيتها قبّلتها ووعدتها بأنها عندما تعود ستجلب لها شوكولا
وبينما كانت تنقل خطاها للأمام وتستدير مراراً للخلف رنّ جهازها الخليوي وإذ بوائل يسأل :
-أنا بالنادي ،أين أنت
-انظر إليِّ ...أمامي الطريق أعبره وأصل إليك
- آآ لمحتك سأبقى أكلمك لتصلي
قطعت "شذا" الطريق
ومازالت تكلم "وائل "وفجأةً دبت
من حولها أصواتاً مرعبة
يالطيف ...يالطيف أبعدوا الصغيرة
ارتبكت وأخذت تسأله ماهذه الأصوات "وائل "
-الأصوات تصدر من عندك "شذا "
استدارت "شذا" والصوت شدها
للجهة التي قدمت منها فلاحظت طفلة تعبر الشارع وبما أنها الأقرب لنجدتها سرعان مااندفعت تجاهها منادية "لانا" ..في قرارة نفسها كانت
تحسب الطفلة بأنها ابنة أخيها ،ماهي إلا دقائق كانت ترنوها أيمكن أن تكون قد
تبعتها ،لا لا يمكن فلانا يزيد عمرها عن العامين وتعي خطورة الشارع .
عجلات الشاحنة المسرعة والليل الذي يكاد أن يهبط منع السائق من رؤية طفلة
بهذا الحجم لكن "شذا "كانت أسرع
منه فوثبت منها الروح في اللحظة
الأخيرة لتبعد الطفلة بساعدها وترميها باتجاه الرصيف أما عنها فلم تستطع إزاحة نفسها من تحت عجلات الموت
عندما أسرعت لتنجد الطفلة ربما خرجت عن نطاق التفكير بنفسها وكل مافيها من
قوة تيقظ من نشوة الأنا ...إنها الغريزة الفطرية دفعتها لتكون ضحية دون أن ترسم
لسلامتها مضمون رجوع.
كل هذا حصل في رفة عين .
"وائل" مازال متسمراً في مكانه يَعلقُ نظره على ربطة العنق التي
تغطي وجهها ...ينتظر ابتعاد الناس عن
المكان وكيف ستنهض "شذا" بعد قليل ...
يبتسم ويتمتم
كم تمنيت أن أراك مستلقية لأتوه معك
في خيالي ولم تتحقق الأمنية..كان حياؤك يؤجل الشوق ويُخبيء المفاجأة وتقولي ...هذا ليس وقتي مادام التوتر والقلق يحيط بي ،الأيام
آتية وسيكون الأمان خيمة تحمي اشتياقنا... لمَ العجلة ؟
-حقاً "شذا" لمَ العجلة
سأبقى أنتظر...
الغروب مازال في أوله ستصلين حتماً.