لاشك ان النقد العربي في اوائل العصور الادبية كان نقدا انطباعيا تذوقيا لم يقم على اساس مدارس ومذاهب نقدية راسخة في المنهج أوتصنيف النقد على ابواب ثابتة كما رأينا ذلك في وقت متأخر عند النقاد العرب ، وقد جاء قدامة بن جعفر في كتابه (نقد الشعر ) الذي جاء في ثلاثة ابواب هي : حد الشعر والنعوت وعيوب الشعر ومما اخترته من عيوب الشعر هو :
1. إيقاع الممتنع
ومن عيوب المعاني: إيقاع الممتنع فيها في حال ما يحوز وقوعه ويمكن كونه، والفرق بين الممتنع والمتناقض - الذي تقدم الكلام فيه - أن المتناقض لا يكون، ولا يمكن تصوره في الوهم، والممتنع لا يكون، ويجوز أن يتصور في الوهم.
ومما جاء في الشعر - قد وضع الممتنع فيه فيما يجوز وقوعه - قول أبي نواس:
يا أمينَ الله عِشْ أبَداً ... دُمْ عَلَى الأيامِ والزمنِ
فليس يخلو هذا الشاعر من أن يكون تفاءل لهذا الممدوح بقوله: عش أبداً، أو دعا له، وكلا الأمرين، مما لا يجوز، مستقبح.
ولعل معترضاً أن يعترض على هذا القول منا في هذا الموضع فيقول: إنه مناقضة لا استجزناه ورأيناه صواباً في صدر هذا الكتاب من الغلو، ويجعل قول أبي نواس هذا غلواً، يلزمنا تجويزه، كما أصلنا تجويز الغلو وتجويده.
ونحن نقول: إن هذا وما أشبهه ليس غلواً ولا إفراطاً، بل خروجاً عن حد الغلو الذي يجوز أن يقع إلى حد الممتنع الذي لا يجوز أن يقع، لأن الغلو إنما هو تجاوز في نعت ما للشيء أن يكون عليه، وليس خارجاً عن طباعه إلى ما لا يجوز أن يقع له، لأن الذي كنا قلنا: إنه جائز، مثل قول النمر بن تولب:
تظلُّ تَحفرُ عنهُ إن ضربتَ بهِ ... بعد الذراعينِ والساقينِ والهادِي
فليس خارجاً عن طباع السيف أن يقطع الذراعين والساقين والهادي. وأن يؤثر بعد ذلك ويغوص في الأرض، ولكنه مما لا يكاد أن يكون: وكذلك ما قلناه فيما قال مهلهل:
فلوْلا الريحُ أسمعَ أهلُ حجرٍ ... صليلَ البيض تقرعُ بالذكورِ
فإنه أيضاً ليس يخرج عن طباع أهل حجر أن يسمعوا الأصوات من الأماكن البعيدة، ولا خارج عن طباع البيض أن تصل ويشتد طنينها بقرع السيوف إياها، ولكن يبعد بعد المسافة بين موضع الوقعة وحجر بعداً لا يكاد يقع.
وليس في طباع الإنسان أن يعيش أبداً، وأيضاً فإنا كنا قد قدمنا أن مخارج الغلو إنما هي على يكاد وليس في قول أبي نواس: عش أبداً، موضع يحسن فيه، لأنه لا يحسن على مذهب الدعاء أن يقال: يا أمين الله تكاد تعيش أبداً.
مخالفة العرف:
2. ومن عيوب المعاني: مخالفة العرف، والإتيان بما ليس في العادة والطبع، وذلك مثل قول المرار:
وخالٍ على خديك يبدُو كأنَّهُ ... سنا البدْر في دعجاءَ بادٍ دجونهَا
فالمتعارف المعلوم أن الخيلان سود، أو ما قاربها في ذلك اللون، والخدود الحسان إنما هي البيض، وبذلك تنعت، فأتى هذا الشاعر بقلب المعنى.
ومن هذا المجلس قول الحكم الخضري:
كانتْ بنُو غالبٍ لأمتها ... كالغيثِ في كلِّ ساعةٍ يكفُ
فليس في المعهود أن يكون الغيث واكفاً في كل ساعة.
نسب الشيء إلى ما ليس منه:
3. ومن عيوب المعاني: أن ينسب الشيء إلى ما ليس منه[/size]، كما قال خالد بن صفوان:
فإن صورةٌ راقتكَ فاخبُرْ فربَّما ... أمرَّ مذاقُ العودِ، والعودُ أخضرُ
فهذا الشاعر بقوله: ربما أمر مذاق العود والعود أخضر.
كأنه يومئ إلى أن سبيل العود الأخضر، في الأكثر، أن يكون عذباً، أو غير مر، وهذا ليس بواجب، لأنه ليس العود الأخضر بطعم من الطعوم أولى منه بالآخر.
ولنتبع ما تكلمنا به في عيوب المعاني بما في الأقسام الأربعة المؤتلفة. من ذلك: عيوب ائتلاف اللفظ والمعنى. فمنها:
الإخلال:
وهو أن يترك من اللفظ ما به يتم المعنى.
مثال ذلك قول عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود:
أعاذل عاجل ما أشتهي ... أحب من الأكثر الرائث
فإنما أراد أن يقول: عاجل ما أشتهي مع القلة أحب إلى من الأكثر المبطئ فترك مع القلة وبه يتم المعنى.
ومثل ذلك قول عروة بن الورد:
عجبتُ لهم إذ يقتلونَ نفوسهمْ ... ومقلتهمْ عند الوغَى كان أعذرَا
فإنما أراد أن يقول: عجبت لهم إذ يقتلون نفوسهم في السلم، ومقلتهم عند الوغى أعذر فترك في السلم.
ومن هذا الجنس قول الحارث بن حلزة:
والعيشُ خيرٌ في ظِلا ... لِ النوكِ ممنْ عاَش كدَّا
فأراد أن يقول: والعيش خير في ظلال النوك من العيش بكد في ظلال العقل فترك شيئاً كثيراً، وعلى أنه لو قال ذلك لكان في هذا الشعر خلل آخر، لأن الذي يظهر أنه أراده، هو أن يقول: إن العيش الناعم في ظلال النوك خير من العيش الشاق في ظلال العقل فأخل بشيء كثير.
ومن هذا الجنس نوع آخر، وهو كما قال بعضهم:
لا يرمضُون إذا حرتْ مغافرهمْ ... ولا ترى منهمْ في الطعنِ ميَّالا
ويفشلونَ إذا نادَى ربيئهمْ ... ألا اركبنَّ فقد آنستُ أبطالا
فأراد أن يقول: ولا يفشلون فحذف لا فعاد المعنى إلى الضد ومن عيوب هذا الجنس، عكس العيب المتقدم، وهو أن يزيد في اللفظ ما يفسد به المعنى، مثال ذلك قول بعضهم:
فما نطفةٌ من ماءِ نحضٍ عذيبةٌ ... تمنعُ من أيدِي الرقاةِ ترومُها
بأطيبَ مِنْ فيها لو أنكَ ذقتهُ ... إذا ليلةٌ أسجتْ وغارتْ نجومهَا
فقول هذا الشاعر: لو أنك ذقته زيادة توهم أنه لو لم يذقه لم يكن طيباً.
وهناك ثمة عيوب اخرى للشعر صنفها ابن جعفر بالقول :
4. عيوب ائتلاف اللفظ والوزن: منها الحشو.
الحشو: وهو أ، يخشى البيت بلفظ لا يحتاج إليه لإقامة الوزن.
مثال ذلك ما قال أبو عدي القرشي:
نحنُ الرؤوسُ وما الرؤوسُ إذا سمتْ ... في المجدِ للأقوَام كالأذنابِ
فقوله: للأقوام، حشو لا منفعة فيه.
وقال مصقلة بن هبيرة:
ألكْنِي إلى أهلِ العراقِ رسالةً ... وخصَّ بها، حييتَ، بكرَ بنَ وائلِ
فقوله: حييت، حشو لا منفعة فيه. ومنها التثليم.
التثليم:
وهو أن يأتي الشاعر بأسماء يقصر عنها العروض، فيضطر إلى ثلمها النقص منها، مثال ذلك قول أمية بن أبي الصلت:
لا أرَى من يعيننِي في حياتِي ... غيرَ نفسِي إلا بنِي إسرالِ
وقال في هذه القصيدة:
أيُّما شاطنٍ عصَاه عكاهُ ... ثمَّ يلقَى في السجنِ والأكبَال
وقال علقمة بن عبدة:
كأنَّ إبريقهمْ ظبيٌ على شرفِ ... مقدمٌ بسبا الكتان ملثومُ
أراد: بسبائب الكتان، فحذف للعروض.وقال لبيد بن ربيعة:
درسً المنا بمتالعٍ فأبانٍ
أراد المنازل. ومنها التذنيب.
التذنيب:
وهو عكس العيب المتقدم، وذلك أن يأتي الشاعر بألفاظ تقصر عن العروض، فيضطر إلى الزياد فيها.
مثال ذلك ما قال الكميت:
لا كعبدِ المليكِ أو كيزيدِ ... أو سليمان بعدُ أو كهشامِ
فالملك والمليك اسمان لله عز وجل، وليس إذا سمي إنسان بالتعبد لأحدهما، وجب أن يكون مسمى بالآخر، كما أنه ليس من سمى: عبد الرحمن هو من سمى عبد الله. ومن هذا الجنس: التغيير.
التغيير:
وهو أ، يحيل الشاعر الاسم عن حاله وصورته إلى صور أخرى، إذا اضطرته العروض إلى ذلك.
كما قال بعضهم يذكر سليمان عليه السلام:
ونسج سليم كل قضاء ذائل
وكما قال آخر:
منْ نسجٍ داودِ أبي سلامِ
ومنه التفصيل.
التفصيل:
وهو ألا ينتظم للشاعر نسق الكلام على ما ينبغي لمكان العروض، فيقدم ويؤخر، كما قال دريد بن الصمة:
وبلغْ نميراً، إن عرضتً، ابن عامرٍ ... فأيُّ أخٍ في النائباتِ وطالبِ
ففرق بين نمير بن عامر بقوله: إن عرضت، وكما قال أبو عدي القرشي:
خيرُ راعي رعيةٍ، سرهُ الله ... هشامٌ وخيرُ مأوى طريد
وكما قال الآخر:
لعمرُ أبيها لا تقولُ حليلتي ... ألا فرَّ عني مالكُ بنُ أبي كعبْ
عيوب ائتلاف المعنى والوزن:
منها المقلوب.
المقلوب:
وهو أن يضطر الوزن الشعري إلى إحالة المعنى، فيقلبه الشاعر إلى خلاف ما قصد به.
مثال ذلك لعروة بن الورد:
فلو أنِّي شهدتُ أبا سعادٍ ... غداةَ غَداً بمهجتهِ يفوقُ
فديتُ بنفسهِ نفسِي وماليِ ... وما آلوكَ إلا ما أطيقُ
أراد أن يقول: فديت نفسه بنفسي، فقلب المعنى. وللحطيئة:
فلمَّا خشيتُ الهونَ والعيرُ ممسكٌ ... على رغمهِ ما أثبتَ الحبل حافرهُ
أراد: الحبل حافره، فانقلب المعنى.
ومنها المبتور:
المبتور:
وهو ان يطول المعنى عن أن يحتمل العروض تمامه في بيت واحد، فيقطعه بالقافية، ويتمه في البيت الثاني، مثال ذلك قول عروة بن الورد:
فلو كاليَوْم كان علي أمرِي ... ومَنْ لك بالتدبُّرِ في الأُمُور
فهذا البيت ليس قائماً بنفسه في المعنى، ولكنه أتى بالبيت الثاني بتمامه، فقال:
إذاً لملكتُ عصمَة أمِّ وهبٍ ... علَى ما كان من حسَك الصدورِ
وقال امرؤ القيس:
أبعدَ الحارثِ الملكِ ابن عمروٍ ... وبعدَ الخيرِ حُجْرٍ ذِي القبابِ
فالمعنى ناقص عن تمامه، فأتمه في البيت الثاني، وقال:
أرجِّى من صروفِ الدهرِ ليناً ... ولم تغْفُلْ عن الصمّ الصلابِ
عيوب ائتلاف المعنى والقافية: منها:
التكلف في طلب القافية: أن تكون القافية مستدعاة قد تكلف في طلبها، فاشتغل معنى سائر البيت بها، مثل ما قال أبو تمام الطائي:
كالظبيَة الأَدْمَاءِ صافتْ فارتعتْ ... زهَرَ العَرَارِ الغضَّ والجَثْجَاثا
فجميع هذا البيت مبني لطلب هذه القافية، وإلا فليس في وصف الظبية بأنها ترتعي الجثجاث كبير فائدة، لأنه إنما توصف الظبية إذا قصد لنعتها بأحسن أحوالها بأن يقال: إنها تعطو الشجر، لأنها حينئذ رافعة رأسها، وتوصف بأن ذعراً يسيراً قد لحقها، كما قال الطرماح:
مِثْلَ ما عَايَنْتَ مَخْرُوفة ... نصَّها ذاعِرُ رَوْعِ مُؤامْ
فأما أن ترتعي الجثجاث، فلا أعرف له معنى في زيادة الظبية من الحسن، لا سيما والجثجاث ليس من المراعي التي توصف بأن ام يرتعى يؤثره: الإتيان بالقافية لتكون نظير لأخواتها في السجع: ومن عيوب هذا الجنس: أن يؤتى بالقافية لتكون نظيرة لأخواتها في السجع، لا لأن لها فائدة في معنى البيت، كما قال علي بن محمد البصري:
وسابِغَةُ الأذيالِ زَغْفٌ مُفَاضَةٌ ... تَكَنَّفَها مِنِّي نِجَادٌ مُخَطَّطُ
في وصف الدرع وتجويد نعتها.
فليس يزيد في جودتها أن يكون نجادها مخططاً، دون أن يكون أحمر أو أخضر، أو غير ذلك من الأصباغ، ولكنه أتى به من أجل السجع.
ومن هذا الجنس: قول أبي عدي القرشي:
وَوُقِيتَ الحُتوفَ مِن وارثٍ وَا ... لٍ وأَبْقَاكَ صَالِحاً ربُّ هودِ
فليس نسبة هذا الشاعر الله عز وجل إلى أنه رب هود بأجود من نسبته إلى أنه رب نوح، ولكن القافية كانت دالية، فأتى بذلك للسجع لا لإفادة معنى بما أتى به منه.
1. إيقاع الممتنع
ومن عيوب المعاني: إيقاع الممتنع فيها في حال ما يحوز وقوعه ويمكن كونه، والفرق بين الممتنع والمتناقض - الذي تقدم الكلام فيه - أن المتناقض لا يكون، ولا يمكن تصوره في الوهم، والممتنع لا يكون، ويجوز أن يتصور في الوهم.
ومما جاء في الشعر - قد وضع الممتنع فيه فيما يجوز وقوعه - قول أبي نواس:
يا أمينَ الله عِشْ أبَداً ... دُمْ عَلَى الأيامِ والزمنِ
فليس يخلو هذا الشاعر من أن يكون تفاءل لهذا الممدوح بقوله: عش أبداً، أو دعا له، وكلا الأمرين، مما لا يجوز، مستقبح.
ولعل معترضاً أن يعترض على هذا القول منا في هذا الموضع فيقول: إنه مناقضة لا استجزناه ورأيناه صواباً في صدر هذا الكتاب من الغلو، ويجعل قول أبي نواس هذا غلواً، يلزمنا تجويزه، كما أصلنا تجويز الغلو وتجويده.
ونحن نقول: إن هذا وما أشبهه ليس غلواً ولا إفراطاً، بل خروجاً عن حد الغلو الذي يجوز أن يقع إلى حد الممتنع الذي لا يجوز أن يقع، لأن الغلو إنما هو تجاوز في نعت ما للشيء أن يكون عليه، وليس خارجاً عن طباعه إلى ما لا يجوز أن يقع له، لأن الذي كنا قلنا: إنه جائز، مثل قول النمر بن تولب:
تظلُّ تَحفرُ عنهُ إن ضربتَ بهِ ... بعد الذراعينِ والساقينِ والهادِي
فليس خارجاً عن طباع السيف أن يقطع الذراعين والساقين والهادي. وأن يؤثر بعد ذلك ويغوص في الأرض، ولكنه مما لا يكاد أن يكون: وكذلك ما قلناه فيما قال مهلهل:
فلوْلا الريحُ أسمعَ أهلُ حجرٍ ... صليلَ البيض تقرعُ بالذكورِ
فإنه أيضاً ليس يخرج عن طباع أهل حجر أن يسمعوا الأصوات من الأماكن البعيدة، ولا خارج عن طباع البيض أن تصل ويشتد طنينها بقرع السيوف إياها، ولكن يبعد بعد المسافة بين موضع الوقعة وحجر بعداً لا يكاد يقع.
وليس في طباع الإنسان أن يعيش أبداً، وأيضاً فإنا كنا قد قدمنا أن مخارج الغلو إنما هي على يكاد وليس في قول أبي نواس: عش أبداً، موضع يحسن فيه، لأنه لا يحسن على مذهب الدعاء أن يقال: يا أمين الله تكاد تعيش أبداً.
مخالفة العرف:
2. ومن عيوب المعاني: مخالفة العرف، والإتيان بما ليس في العادة والطبع، وذلك مثل قول المرار:
وخالٍ على خديك يبدُو كأنَّهُ ... سنا البدْر في دعجاءَ بادٍ دجونهَا
فالمتعارف المعلوم أن الخيلان سود، أو ما قاربها في ذلك اللون، والخدود الحسان إنما هي البيض، وبذلك تنعت، فأتى هذا الشاعر بقلب المعنى.
ومن هذا المجلس قول الحكم الخضري:
كانتْ بنُو غالبٍ لأمتها ... كالغيثِ في كلِّ ساعةٍ يكفُ
فليس في المعهود أن يكون الغيث واكفاً في كل ساعة.
نسب الشيء إلى ما ليس منه:
3. ومن عيوب المعاني: أن ينسب الشيء إلى ما ليس منه[/size]، كما قال خالد بن صفوان:
فإن صورةٌ راقتكَ فاخبُرْ فربَّما ... أمرَّ مذاقُ العودِ، والعودُ أخضرُ
فهذا الشاعر بقوله: ربما أمر مذاق العود والعود أخضر.
كأنه يومئ إلى أن سبيل العود الأخضر، في الأكثر، أن يكون عذباً، أو غير مر، وهذا ليس بواجب، لأنه ليس العود الأخضر بطعم من الطعوم أولى منه بالآخر.
ولنتبع ما تكلمنا به في عيوب المعاني بما في الأقسام الأربعة المؤتلفة. من ذلك: عيوب ائتلاف اللفظ والمعنى. فمنها:
الإخلال:
وهو أن يترك من اللفظ ما به يتم المعنى.
مثال ذلك قول عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود:
أعاذل عاجل ما أشتهي ... أحب من الأكثر الرائث
فإنما أراد أن يقول: عاجل ما أشتهي مع القلة أحب إلى من الأكثر المبطئ فترك مع القلة وبه يتم المعنى.
ومثل ذلك قول عروة بن الورد:
عجبتُ لهم إذ يقتلونَ نفوسهمْ ... ومقلتهمْ عند الوغَى كان أعذرَا
فإنما أراد أن يقول: عجبت لهم إذ يقتلون نفوسهم في السلم، ومقلتهم عند الوغى أعذر فترك في السلم.
ومن هذا الجنس قول الحارث بن حلزة:
والعيشُ خيرٌ في ظِلا ... لِ النوكِ ممنْ عاَش كدَّا
فأراد أن يقول: والعيش خير في ظلال النوك من العيش بكد في ظلال العقل فترك شيئاً كثيراً، وعلى أنه لو قال ذلك لكان في هذا الشعر خلل آخر، لأن الذي يظهر أنه أراده، هو أن يقول: إن العيش الناعم في ظلال النوك خير من العيش الشاق في ظلال العقل فأخل بشيء كثير.
ومن هذا الجنس نوع آخر، وهو كما قال بعضهم:
لا يرمضُون إذا حرتْ مغافرهمْ ... ولا ترى منهمْ في الطعنِ ميَّالا
ويفشلونَ إذا نادَى ربيئهمْ ... ألا اركبنَّ فقد آنستُ أبطالا
فأراد أن يقول: ولا يفشلون فحذف لا فعاد المعنى إلى الضد ومن عيوب هذا الجنس، عكس العيب المتقدم، وهو أن يزيد في اللفظ ما يفسد به المعنى، مثال ذلك قول بعضهم:
فما نطفةٌ من ماءِ نحضٍ عذيبةٌ ... تمنعُ من أيدِي الرقاةِ ترومُها
بأطيبَ مِنْ فيها لو أنكَ ذقتهُ ... إذا ليلةٌ أسجتْ وغارتْ نجومهَا
فقول هذا الشاعر: لو أنك ذقته زيادة توهم أنه لو لم يذقه لم يكن طيباً.
وهناك ثمة عيوب اخرى للشعر صنفها ابن جعفر بالقول :
4. عيوب ائتلاف اللفظ والوزن: منها الحشو.
الحشو: وهو أ، يخشى البيت بلفظ لا يحتاج إليه لإقامة الوزن.
مثال ذلك ما قال أبو عدي القرشي:
نحنُ الرؤوسُ وما الرؤوسُ إذا سمتْ ... في المجدِ للأقوَام كالأذنابِ
فقوله: للأقوام، حشو لا منفعة فيه.
وقال مصقلة بن هبيرة:
ألكْنِي إلى أهلِ العراقِ رسالةً ... وخصَّ بها، حييتَ، بكرَ بنَ وائلِ
فقوله: حييت، حشو لا منفعة فيه. ومنها التثليم.
التثليم:
وهو أن يأتي الشاعر بأسماء يقصر عنها العروض، فيضطر إلى ثلمها النقص منها، مثال ذلك قول أمية بن أبي الصلت:
لا أرَى من يعيننِي في حياتِي ... غيرَ نفسِي إلا بنِي إسرالِ
وقال في هذه القصيدة:
أيُّما شاطنٍ عصَاه عكاهُ ... ثمَّ يلقَى في السجنِ والأكبَال
وقال علقمة بن عبدة:
كأنَّ إبريقهمْ ظبيٌ على شرفِ ... مقدمٌ بسبا الكتان ملثومُ
أراد: بسبائب الكتان، فحذف للعروض.وقال لبيد بن ربيعة:
درسً المنا بمتالعٍ فأبانٍ
أراد المنازل. ومنها التذنيب.
التذنيب:
وهو عكس العيب المتقدم، وذلك أن يأتي الشاعر بألفاظ تقصر عن العروض، فيضطر إلى الزياد فيها.
مثال ذلك ما قال الكميت:
لا كعبدِ المليكِ أو كيزيدِ ... أو سليمان بعدُ أو كهشامِ
فالملك والمليك اسمان لله عز وجل، وليس إذا سمي إنسان بالتعبد لأحدهما، وجب أن يكون مسمى بالآخر، كما أنه ليس من سمى: عبد الرحمن هو من سمى عبد الله. ومن هذا الجنس: التغيير.
التغيير:
وهو أ، يحيل الشاعر الاسم عن حاله وصورته إلى صور أخرى، إذا اضطرته العروض إلى ذلك.
كما قال بعضهم يذكر سليمان عليه السلام:
ونسج سليم كل قضاء ذائل
وكما قال آخر:
منْ نسجٍ داودِ أبي سلامِ
ومنه التفصيل.
التفصيل:
وهو ألا ينتظم للشاعر نسق الكلام على ما ينبغي لمكان العروض، فيقدم ويؤخر، كما قال دريد بن الصمة:
وبلغْ نميراً، إن عرضتً، ابن عامرٍ ... فأيُّ أخٍ في النائباتِ وطالبِ
ففرق بين نمير بن عامر بقوله: إن عرضت، وكما قال أبو عدي القرشي:
خيرُ راعي رعيةٍ، سرهُ الله ... هشامٌ وخيرُ مأوى طريد
وكما قال الآخر:
لعمرُ أبيها لا تقولُ حليلتي ... ألا فرَّ عني مالكُ بنُ أبي كعبْ
عيوب ائتلاف المعنى والوزن:
منها المقلوب.
المقلوب:
وهو أن يضطر الوزن الشعري إلى إحالة المعنى، فيقلبه الشاعر إلى خلاف ما قصد به.
مثال ذلك لعروة بن الورد:
فلو أنِّي شهدتُ أبا سعادٍ ... غداةَ غَداً بمهجتهِ يفوقُ
فديتُ بنفسهِ نفسِي وماليِ ... وما آلوكَ إلا ما أطيقُ
أراد أن يقول: فديت نفسه بنفسي، فقلب المعنى. وللحطيئة:
فلمَّا خشيتُ الهونَ والعيرُ ممسكٌ ... على رغمهِ ما أثبتَ الحبل حافرهُ
أراد: الحبل حافره، فانقلب المعنى.
ومنها المبتور:
المبتور:
وهو ان يطول المعنى عن أن يحتمل العروض تمامه في بيت واحد، فيقطعه بالقافية، ويتمه في البيت الثاني، مثال ذلك قول عروة بن الورد:
فلو كاليَوْم كان علي أمرِي ... ومَنْ لك بالتدبُّرِ في الأُمُور
فهذا البيت ليس قائماً بنفسه في المعنى، ولكنه أتى بالبيت الثاني بتمامه، فقال:
إذاً لملكتُ عصمَة أمِّ وهبٍ ... علَى ما كان من حسَك الصدورِ
وقال امرؤ القيس:
أبعدَ الحارثِ الملكِ ابن عمروٍ ... وبعدَ الخيرِ حُجْرٍ ذِي القبابِ
فالمعنى ناقص عن تمامه، فأتمه في البيت الثاني، وقال:
أرجِّى من صروفِ الدهرِ ليناً ... ولم تغْفُلْ عن الصمّ الصلابِ
عيوب ائتلاف المعنى والقافية: منها:
التكلف في طلب القافية: أن تكون القافية مستدعاة قد تكلف في طلبها، فاشتغل معنى سائر البيت بها، مثل ما قال أبو تمام الطائي:
كالظبيَة الأَدْمَاءِ صافتْ فارتعتْ ... زهَرَ العَرَارِ الغضَّ والجَثْجَاثا
فجميع هذا البيت مبني لطلب هذه القافية، وإلا فليس في وصف الظبية بأنها ترتعي الجثجاث كبير فائدة، لأنه إنما توصف الظبية إذا قصد لنعتها بأحسن أحوالها بأن يقال: إنها تعطو الشجر، لأنها حينئذ رافعة رأسها، وتوصف بأن ذعراً يسيراً قد لحقها، كما قال الطرماح:
مِثْلَ ما عَايَنْتَ مَخْرُوفة ... نصَّها ذاعِرُ رَوْعِ مُؤامْ
فأما أن ترتعي الجثجاث، فلا أعرف له معنى في زيادة الظبية من الحسن، لا سيما والجثجاث ليس من المراعي التي توصف بأن ام يرتعى يؤثره: الإتيان بالقافية لتكون نظير لأخواتها في السجع: ومن عيوب هذا الجنس: أن يؤتى بالقافية لتكون نظيرة لأخواتها في السجع، لا لأن لها فائدة في معنى البيت، كما قال علي بن محمد البصري:
وسابِغَةُ الأذيالِ زَغْفٌ مُفَاضَةٌ ... تَكَنَّفَها مِنِّي نِجَادٌ مُخَطَّطُ
في وصف الدرع وتجويد نعتها.
فليس يزيد في جودتها أن يكون نجادها مخططاً، دون أن يكون أحمر أو أخضر، أو غير ذلك من الأصباغ، ولكنه أتى به من أجل السجع.
ومن هذا الجنس: قول أبي عدي القرشي:
وَوُقِيتَ الحُتوفَ مِن وارثٍ وَا ... لٍ وأَبْقَاكَ صَالِحاً ربُّ هودِ
فليس نسبة هذا الشاعر الله عز وجل إلى أنه رب هود بأجود من نسبته إلى أنه رب نوح، ولكن القافية كانت دالية، فأتى بذلك للسجع لا لإفادة معنى بما أتى به منه.