جاء في كتاب جمهرة الامثال احد كتب العقد الفريد مما ضرب به المثل وهو قولهم: قَوْس حاجِب، وقرْط مارِيَة،
وحَجَّام سَابَاط، وشَقَائِق النعمان، وندَامة الكسَعِيِّ، وحَدِيث خرافة، وكَنْزُ
النّطِف، وخُفَّا حُنَيْن، وعِطْر مَنْشِم. أمّا قوسُ حاجب، فقد فَسرَّنا خبرَه في
كتاب الوفود، وأما قُرْط مارية، فإِنها مارية بنتُ ظالم بن وَهْب بن الحارث بن
مُعاوية الكِنْدِي، وأختها هِنْد الهُنود، امرأة حُجْر آكل المُرار، وابنها الحارث
الأعرج الذي ذَكره النابغة بقوله:
والحارثُ الأعْرج خَيْرُ الأنام
وإياها يَعْنى حسانُ بن ثابت بقوله:
أولادُ جَفْنةَ حَوْلَ قَبْر أبيهمُ ... قبر ابن ماريةَ الكريم المُفضِل
وأما حَجام ساباط، فإنه كان يَحْجُم الجيوشَ
بِنَسِيئةٍ إلى انصرافهم، من شدّة كَساده، وكان فارسيّا، وساباط هو ساباط كِسْرى.
ونُسبت شَقائق النُّعمان إليه، لأنّ النُعمان بنَ المُنذر أمرَ بأن تُحْمَى وتُضْر
قَبته فيها استحساناً لها، فنُسبت إليه، والعربُ تُسَمِّيها الشَقِر. وأما خُرافة،
فإن أنس بنَ مالك يَرْوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة رضي الله
عنها: إن من أصدق الأحاديث حديث خُرافة. وكان رجلاً من بني عُذْرة سَبتَهْ الجِنّ،
وكان معهم، فإذا استرقوا السمعَ أخبروه، فيًخُبِرُ به أهلَ الأرض، فَيَجدُونه كما
قال. وأما كَنْز النَّطِف، فهو رجلٌ من بني يَرْبوع، كان فقيراً يَحْمل الماء على
ظَهْره فَيَنْطُف، أي يَقْطُر، وكان أغار علىِ مالٍ بَعث به باذانُ من اليمن إلى
كِسْرى، فأَعْطِى منه يوماً حتى غَرُبت الشمس، فَضربت به العربُ المَثل " في
كثْرة المال " . وأما خُفَا حُنَين، فإنه كان إِسكافاً من أهل الحيرة ساوَمَه
أعرابي بخُفَّين، فاختلفا حتى أَغْضبه، فأَراد أن يَغِيظ الأعرابيّ، فلما ارتحل
أخذ أحدَ الخُفين فألقاه في طريق الأعرابيّ، ثم أَلقى الآخر بموضع آخر على
طَرِيقه، فلما مَرَّ الأعرابيّ بالخُف الأول، قال: ما أشبه هذا بِخُفِّ حُنين، لو
كان معه صاحبُه لأخذتُه، فلمِا مَرَّ بِالآخر نَدِم على تَرْك الأوّل، فأناخ
راحلتَه، وانصرف إلى الأوّل، وقد كَمن له حُنين، فوَثب على راحلته وذَهب بها،
وأقبل الأعرابيّ ليس معه غير خفَّي حُنَين، فَذَهبت مَثَلاً. وأما عِطْر مَنْشِم،
فإِنها كانت امرأة تَبيع الحُنوط في الجاهليّة، فقِيل للقوم إذا تَحاربوا: دَقّوا
عِطْر مَنْشِم، يُراد بذلك طِيب المَوْتى. وأما نَدامة الكُسَعيّ، فإنه رجل رَمى
فأصاب وظَنّ أنه أخطأ فكَسر قوسَه، فلما علم نَدِم على كَسر قوسه فضرِب به المثل.
ومن أمثالهمِ في التحنن على الأقارب -
قولهم: لكنْ على بَلْدَحِ قَوْمٌ عَجْفَي. وقولهم: لكِن بالأثلاث لحمٌ لا يُظَلًل.
وأصل هذا أنّ بَيْهساً الذي يُلقَب بنَعامة، كان بين أهل بيْته وبين قوِمِ حَرب.
فقتلوا سَبْعة إخْوة لِبَيهس وأسروا بَيْهساً، فلم يقتلوه لِصِغرِه وارتحلوا به،
فنزلوا منزلاً في سَفرهم ونَحَروا جَزُوراً " في يوم شديد الحرّ " ،
فقال بعضهم: ظَلِّلوا لحْم جَزُوركم " لئلا يَفسد " ؛ فقال بَيْهس: لكن
بالأثَلاث لحمٌ لا يُظَلَّل - يعني لحمَ إخوته القَتْلى - ثم ذكروا كثرة ما
غَنِموا؛ فقال بَيْهس: لكَنِ على بَلدَح قَوْمٌ عَجْفي. ثم إنه أفلت أو خَلّوِا
سبيلَه، فرجع إلى أمه، فقالت؛ أنجوت من بينهم؟ وكانت لا تًحبّه، فقال لها: لو
خُيرت لاخترتِ. فلما لم يكن لها ولدٌ غيره رَقّت له وتَعطّفت عليه. فقال بَيْهس:
الثَكلٍ أَرْأَمها، فَذَهبت كلماتُه هذه الأربع كلها أمثالاً. ومنه قولهم: لا
يَعْدَم الحُوَار من أمه حَنّة. وقولهم: لا يَضُر الحُوَار ما وَطِئَتْه أمه. وقولهم:
بأبي أَوْجُه اليتامى.
حماية القريب وإن كان مبغضاً - من ذلك
قولهم: آكل لَحْمي ولا أَدَعُه يُؤكل.
ومنه لا تَعدَم من ابن عمك نصراً. وقولهم
الحَفائظُ تُحلِّل الأحقاد. وقولهم في ابن العم: عدوُك وعدوّ عدوّك. وقولهم:
كَفُّك منك وإن كانت شلاّء. وقولهم: انصرُ أخاك ظالماً أو مَظلوماً.
إعجاب الرجل بأهله - منه قولهم: كل فتاة
بأبيها مُعْجَبة. وقولهم: القَرَنْبَى في عين أُمها حَسَنة. وقولهم: زُيِّن يا
عَين والدٍ وَلدُه. وقولهم: حَسَنٌ في كلِّ عين ما تَوَدّ. وقولهم: مَن يَمْدح
العَرُوسَ إلاّ أهلُها؟ تشبيه الرجل بأبيه - منه قولهم: من أشبه أباه فما ظَلم.
وقولهم: العُصيّة من العَصا. وقولهم: ما أشبه حَجَل الجبْال بألوان صُخُورها!
وقولهم: ما أشبه الحَوَل بالقَبَل! وما أَشْبه الليلَة بالبارحة! وقولهم: شنِشنة
أَعْرفها من أَخْزم يقال هذا في الولد إذا كانت فيه طبيعة من أبيه. قال زُهير:
وهَلْ يُنْبِت الخَطّيَّ إلا وَشيجُه ... وتُغْرس إلاّ في مَنابتها النَّخلُ
ومنه قولُ العامة: لا تَلدِ الذِّئبة إلاّ
ذِئْباً. وقولهم: حَذْوَ النَعل بالنَّعل. وحَذْوَ القذة بالقُذَّة. والقذة:
الريشة من ريش السهم تُحْذَى على صاحبتها.
تحاسد الأقارب - من ذلك قولهم: الأقارب هم
العقارب. وقال عُمر: تَزاورُوا ولا تَجَاورُوا. وقال أكثم: تَباعدوا في الدِّيار
وتَقاربوا في المَحَبة. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي هُريرة: زُرْ
غِبَّاً تَزْدَد حباً. ومنه قولهم: فَرِّق بين مَعد تَحاب. يريد أن ذوي القَربى
إذا تدانَوْا تحاسدُوا وتباغضوا.
قولهم في الأولاد - قالوا: مَن سَرَّه بنوه
ساءتْه نفسُه، أي من يَرى فيهم ما يسرُه يرى في نفسه ما يَسُوءه. وقولهم:
إنّ بَنيّ صِبْيَةٌ صَيْفِيّون ... أَفْلح مَن كان له رِبْعيُون
الولد الصيَّفي: الذي يُولد للرجال وقد
أَسنّ. والربعي: الذي يُولد له في عُنْفوان شبابه، أُخذ من ولد البَقرة الصَّيفي
والرِّبعي. ويقال للمرأة إذا تَبنَّت غير ولدها: ابنك مَن دَمَّى عَقِبيك.
الرجل يؤتى من حيث أمن - قالوا: من مَأمنه
يُؤْتىَ الحَذِر. وقال عَدِيّ بن زيد العِباديّ:
لو بِغير الماء حَلقى شَرِقٌ ... كُنْتُ كالغضَانِ بالماء آعْتِصارِي
قال الأصمعيَّ: هذا من أشرف أمثال للعَرب.
يقول: إنّ كلَّ من شرَق " بشيء يستغيث بالماء، ومَن شرق " بالماء لا
مُستغاث له. وقال الآخر:
كنتُ من كُرْبتي أَفِرُّ إليهم ... فهمُ كُرْبتي فأَينَ الفِرَارُ
ومثله قول العبّاس بنٍ الأحنف:
قَلْبي إلى ما ضرَّني داعِي ... يُكثر أَحْزَاني وأَوْجاعي
كيف احتراسي من عَدوِّي إذا ... كان عدوّي بَين أَضْلاعِي
" وقال آخر:
مَن غَصَّ داوَى بُشرب الماء غُصته ... فكيف يَصنع مَن قد غَص بالماءِ "