في السرقات الشعرية
بيت ابن الخياط:
أغار إذا آنست في الحي أنّةً ... حذارا عليه أن تكون لحبّه
وبيت عمارة:
وهل درى البيت أنّي بعد فرقته ... ما سرت من حرمٍ إلاّ إلى حرم
إن هذين مسروقان من قول المتنبي:
لو قلت للدّنف المشوق فديته ... ممّا به لأغرته بفدائه
ومن قول أبي تمام يمدح بعض الخلفاء وقد حج:
يا من رأى حرما يسعى إلى حرم ... طوبى لمستلم يأتي وملتزم
وأخد في الشناع على أهل الشام ومصر، في
كونهم خفي عليهم مثل هذا، وزاد في التعجب.
أقول: إن سبب خفاء السرقة في هذين البيتين
وغيرهما، أن الأصل يكون ركيكا غير مستعمل ولا دائرٍ على الألسنة في المكاتبات
والمحاورات والأمثال، فيأتي بعض الشعراء إلى ذلك المعنى الخامل، ويبرزه في صورة
حسناء، ويسبكه في قالب أرشق وألطف من الأول، فيحلو ويعذب ويتداوله الناس، ويعود
الأول نسيا منسيا كأن لم يكن. كما إذا بدا النجم ثم يبدو البدر من بعده، فلا يشتغل
البصر بالنجم ويدع البدر.
وما أحسن قول أبي تمام:
أعندك الشمس تزهى في محاسنها ... وأنت منشغل الأحشاء بالقمر
ولا يلتفت في الثاني إلا إلى حسنه من غير
بحث عن أصله، وهل هو مسروق أو مبتدع. على أن الأديب لو أنه ما عسى أن يكون من
النقل والاطلاع، ليس في إمكانه استخراج كل معنى يمر به من غير روية ولا تتبع لذلك.
خصوصا فيما عذب وساغ، وبرز في صورة غير صورته الأولى.
ولا شك أن قول ابن الخياط أعذب من قول
المتنبي، ولهذا اشتهر. وكذا قول عمارة أحسن وأرق من قول أبي تمام، ولهذا ساغ
واشتهر، واستعمل مثلا على تأخر زمانه، وتقدم زمان أبي تمام. خصوصا عجز بيت عمارة،
فإنه ذاع وضاع، وملأ الأفواه والأسماع.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فما أحلى قول
عبد الحكم بن الخطيب العراقي في رجل وجب عليه القتل، فرماه المستوفي للقصاص بسهم
فأصاب كبده فقتله من وقته:
أخرجت من كبد القوس ابنها فغدت ... تئنّ، والأمّ قد تحنو على الولد
وما درت أنّه لما رميت به ... ما سار من كبدٍ إلاّ إلى كبد
وأما الغيرة، فمن أبلغ ما جاء في ذلك قول
ابن قلاقس من أبيات:
وابلائي من مخدّرةٍ ... دونها سورٌ وجدران
وأُسودٌ خاف سطوتها ... كلّ ما حازته خفّان
ورقيبٌ لو يلاحظها ... لتثنّى وهو غيران
وقول علي بن عبد الله الجعفري:
ربّما سرّني صدودك عنّي ... في طلابيك وامتناعك منّي
حذرا أن أكون مفتاح غيري ... وإذا ما خلوت كنت التّمنّي
وبالغت حفصة المغربية في قولها:
أغار عليك من غيري ومنّي ... ومنك ومن مكانك والزّمان
ولو أنّي خبأتك في جفوني ... إلى يوم القيامة ما كفاني
وأخذ جمال الدين ابن مطروح بعض هذا وقال:
فلو أمسى على تلفي مصرا ... لقلت: معذّبي باللّه زدني
ولا تسمح بوصلك لي فإني ... أغار عليك منك، فكيف منّي
ومنه قول سعد الدين محمد بن عربي:
يا من أغار عليه منّي في الهوى ... فأصدّ عنه وقلبي المشتاق
صن حسن وجهك عن لحاظي إنّ لي ... قلبا يرى ولناظري إطراق
وما أحسن قول شهاب الدين ابن الخيمي:
وعذولٍ رابني في نصحه ... كلّما زدت هوىً زاد لجاجا
ما عذولي قطّ إلا عاشقٌ ... ستر الغيرة بالعذل ودجى
وقد نظم أحدهم في معنى قول ابن الخيمي:
تداهى عذولي في الغرام ولم تكن ... مقاصده تخفى على عاشقٍ مثلي
أحبّ حبيبي ثم غار فخاف أن ... أفاتحه فيه فسابق بالعذل
على أن المتنبي في الأصل، أخذ المعنى من
العباس بن الأحنف حيث يقول:
لم ألق ذا شجنٍ يبوح بحبه ... إلا حسبتك ذلك المحبوبا
حذرا عليك وإنني بك واثقٌ ... أن لا ينال سواي منك نصيبا
ومن الغيرة قول أبي تمام الطائي:
أغار عليك من قبلي ... وإن أعطيتني أملي
وأشفق أن أرى خدي ... ك نصب مواقع القبل
ومن الغيرة قول القائل:
خلص الهوى لك واصطفتك محبّتي ... حتى أغار عليك من ملكيكا
وأراك تخطر في محاسنك التي ... هي محنتي فأغار منك عليكا
ولو استطعت جرحت لفظك غيرةً ... إنّي أراه مقبّلا شفتيكا
وما ألطف قول عبد المحسن الصّوري، فإنه عكس
المقصد لمّا قال:
تعلّقته سكران من خمرة الصبا ... به غفلةٌ عن لوعتي ولهيبي
يشاركني في حبّه كلّ أغيدٍ ... يشاركني في مهجتي بنصيب
فلا
تلزموني غيرةً ما ألفتها ...
فإنّ حبيبي من أحب حبيبي
أقول:
ومنه بعض قصائدي الموجودة على البرق أمثال قصيدة ((الى مسافر)) وهي قصيدة نسجتها على منوال قصيدة أستاذي الدكتور مقداد رحيم ، وقصيدة ((يناديني احبيني))) من شاعرآخر كبير وما سواهما ...
وما أظنه الامن باب سرقة المعاني الذي جوّزه او اجازه بعض الباحثين والنقاد العرب كما توارد عنهم في تراثنا الثر الوفير .