في دراسة لغوية للمصطلحات اللغوية عند اللغوي بان جني /الكتور محمود عبد الله جفال تناول فيه ما يأتي :
ابن جنّي والمصطلح اللغوي:
عاش ابن جني كل حياته في القرن الرابع
الهجري، وقد تميز بعقلية علمية رفيعة، فكان علماً من أعلام علوم العربية كافة
مبرزاً في نحوها وصرفها وأصواتها وفقهها، إلى جانب حذقه لعلوم الدين وعلم الكلام.
إذ لا بد من أنه قد حذقها وعرف أصولها ومناهجها، مما كان له الأثر الأكبر في تكون
شخصيته العلمية. وتدلنا كتبه ومؤلفاته الكثيرة على أننا إزاء شخصية مبدعة، فقد
كانت له اجتهاداته اللغوية الكثيرة. وعلى الرغم من تتلمذه على عدد من المبدعين في
مجالات الدارسة اللغوية ولا سيّما شيخه أبو علي الفارسي، فإن ابن جنّي استقل
بآرائه وتعليلاته وتأويلاته في مجال اللغة. وقد تحدث مترجمو حياته أن مؤلفاته تجلت
فيها مظاهر ثلاثة: المظهر اللغوي، والمظهر الفقهي، والمظهر الكلامي، إذ قيل إنه
كان ينزع إلى مذهب المعتزلة .
كل هذا كان له أثره في اهتمام ابن جني
بموضوع (المصطلح اللغوي) إذ لم يكن مجرد ناقل مردّد لما وضعه شيوخه، على الرغم من
أنه كان تلميذاً وفياً للبصريين نقل عنهم وردد مصطلحاتهم
ولكن ابن جني المجتهد اللغوي ابتدع
مصطلحات خاصة به، وقد صرح هو نفسه بذلك في خصائصه، نحو وضعه مصطلح الاشتقاق
الأكبر.
وأما فيما يتعلق بموضوعات هذه
المصطلحات فإننا نجد ابن جني قد استنبط موضوعاتها في اللغة محاكاة للقضايا الفقهية
أو الكلامية إلى جانب القضايا اللغوية. أو أنه استقى موضوعاتها مما كان يأنس به
شيوخه الأدنين كأبي علي الفارسي.
يضاف إلى ذلك وضع ابن جني مصطلحات
فرعية لمسائل في اللغة محاكاة لبعض فروع الفقه. وسنشير فيما بعد إلى هذه المصطلحات
وأصولها.
ويرى بعض الدارسين المحدثين في الحديث
عن عقلية ابن جني ومنهجه في كتبه وبحوثه أنه كان "يلمح الإشارة الخاطفة
فيأخذها ويتبناها ويبني عليها حتى يتملكها وتعرف به، فرب عبارة أو إشارة لمحها
فعقد عليها باباً أو أكثر، وأخرجها إلى الوجود فكرة واضحة محدودة المعالم، من مثل
الاشتقاق الأكبر، والجوار، والتجريد... وغيرها"
ويعجب الباحث أن ابن جني لم يردد ما
يسميه الدارسون (المصطلحات الكوفية) على الرغم من إعجابه ببعض علمائهم البارزين من
مثل أبي العباس أحمد بن يحيى الملقب بثعلب (ت291هـ).
تطوير ابن جني لمصطلحات شيوخه:
أ- المصطلحات اللغوية:
سبقت الإشارة إلى أنّ ابن جني قد تلقى علوم
العربية عن شيوخ عرفوا بالمهارة
والإتقان والإبداع سواء من حيث
الموضوعات اللغوية التي ورثوها عن شيوخهم، أو من حيث ابتكار الموضوعات أو
التفسيرات للظواهر اللغوية المتنوعة. وقد أثر عن ابن جني أنه تلقف علوم البصريين
فنشرها وطورها ولا سيما تلك القضايا اللغوية التي ذكرها سيبويه في الكتاب. وكان
لأبي علي الفارسي – بعد سيبويه – الفضل في صقل شخصية ابن جني اللغوية، بل كان له
الأثر الطيب في تكوين ثقافته إذ لم يقف عند حدود النقل عن شيوخه فكان يضع
المصطلحات للمسائل اللغوية التي استقاها منهم، ويزيد عليهم بالتفسير والتقسيم
والتطوير، وكان أحياناً يختار مصطلحه من أقوال شيوخه، فيختصر كلاماً كثيراً لهم
ليضع مصطلحاً واضحاً وموجزاً.
المطرد والشاذ:
والواقع أن ابن جني لم يبتدع تسمية
المطرد والشاذ، ولكنه اختصر كلاماً كثيراً لشيخه أبي علي الفارسي وشيخ شيخه ابن
السراح. فها هو ذا ابن السراج ينثر كلامه حول المطرد والشاذ في صفحات كثيرة .
ثم يأخذ تلميذه أبو علي الفارسي بكلام
شيخه فيضعه في باب في كتاب (المسائل العسكرية) أطلق عليه (معرفة ما كان شاذاً في
كلامهم) . وجعل الشيخان الشاذ ثلاثة أنواع:
أ-
شاذ عن الاستعمال مطرد في القياس.
ب- مطرد في الاستعمال شاذ عن القياس.
ج- وشاذ عنهما.
ثم يأتي ابن جني فيلحظ أن القسمة
تحتاج نوعاً رابعاً، فإن كل نوع له ما يقابله إلا الشاذ في الاستعمال والقياس، فإن
ما يقابله لا بد من أن يكون المطرد في الاستعمال والقياس، ولذلك جعل المطرد والشاذ
ليس عنواناً للباب فحسب، وإنما جعله مصطلحاً لمسائل في اللغة ارتبط فيها الاطراد
والشذوذ في الاستعمال والقياس.
بدأ ابن جني الباب (باب القول على
المطرد والشاذ) بتعريف المصطلحين وبيان تطور المعنى اللغوي إلى المعنى الاصطلاحي،
فعرف مصطلح (المطرد) بقوله: "أصل مواضع (ط ر د) في كلامهم التتابع
والاستمرار، فذكر استعمالات (طرد) واستشهد لمعانيها بما ورد في كلام العرب. ثم
انتقل بعد ذلك إلى مادة (ش ذ ذ)، فقال: "وأما مواضع (ش ذ ذ) في كلامهم فهو
التفرق والتفرد. ثم خلص إلى بيان معنى المصطلحين: "هذا أصل هذين الأصلين في
اللغة، ثم قيل ذلك في الكلام والأصوات على سمة وطريقة في غيرهما، فجعل أهل علم
العرب ما استمر من الكلام في الإعراب وغيره من مواضع الصناعة مطرداً، وجعلوا ما
فارق عليه بقية بابه وانفرد عن ذلك إلى غيره شاذاً، حملاً لهذين الموضعين على
أحكام غيرها" .
ثم أخذ ابن جني يفصل للأنواع الأربعة
من المطرد والشاذ. ولعلنا هنا نسجل لابن جني ليس لاستخدامه المصطلحين فحسب، ولكن
لأن عقليته المنظمة قد فرقت بين كل نوع بشكل واضح مقنن، فإنه يذكر كل نوع فيوضحه،
ثم يضرب له الأمثلة، ويضع لها قواعد يسير عليها مَنْ جاؤوا بعده في تبويب القضايا
اللغوية وتوضيحها واستنباط أحكامها.
وهذا الذي طوره ابن جني تطويراً
بديعاً جعل السيوطي ينقل الباب كله تقريباً عن ابن جني فجعل (المطرد والشاذ) باباً
خاصاً من أبواب كتاب المزهر في علوم اللغة
ب- الاشتقاق الأكبر:
عرف اللغويون العرب القدامى الاشتقاق.
ولعل أول من ألف في الاشتقاق (الأصمعي) في كتيب سماه (الاشتقاق)، وأراد العلماء
الأوائل من الاشتقاق ما عرف لاحقاً بالاشتقاق الصغير/ الأصغر أو العام وهو
الاشتقاق التصريفي، وقد عني به البصريون الذين كانوا يرون أن الكلام يشتق بعضه من
بعض، وأن المصدر أصل المشتقات. وهذا موقف البصريين، وكان ابن جني تلميذهم الوفي.
ولقد طور اللغويون درس الاشتقاق
فاستنبطوا له أنواعاً لا نوعاً واحداً وما أن أهل القرن الرابع الهجري حتى عرفنا
للاشتقاق ثلاثة أنواع هي:
1- الاشتقاق الصغير/ العام.
2- والاشتقاق الكبير، وهو الإبدال.
3- والاشتقاق الأكبر، وهو الاشتقاق التقليبي، وصاحب تسميته
ابن جني على ما صرح في باب الاشتقاق الأكبر. على أن ابن جني اعترف بالفضل لشيخه
أبي علي الفارسي الذي كان يأنس به
والاشتقاق الأكبر هو أن تأخذ أصلاً من
الأصول ثم تجري قلباً لمواطن الحروف فيتكون لنا من كل أصل عددٌ من الصور هي: الصور
الست للحروف الثلاثة المختلفة من حيث النظم، والأربع والعشرون للأربعة، والمائة
والعشرون للخمسة
ولكن بعض اللغويين، ومنهم السكاكي سمى
هذا اللون من الاشتقاق بالاشتقاق الكبيـر.
ويظهر أن الذي دعا ابن جني إلى تسميته
بالاشتقاق الأكبر وجعله من باب الاشتقاق أن الصور المختلفة للأصل الواحد/ للحروف
ينتظمها معنى واحد، وقد طبق ذلك على عدد من ألفاظ اللغة نحو اشتقاق المواد
التالية: ك ل م، ق و ل، ل م س، و ج د، ج ب ر.
ولكن ابن جني اعترف بعدم اطراد
الاشتقاق الأكبر في كل ألفاظ اللغة. ويرى أحد الدارسين المحدثين أن الذي فتح الباب
لابن جني في الاشتقاق الأكبر كان عمل الخليل بن أحمد في معجم العين حين جعل
المقلوبات جزءاً من منهج العين .
وأما الاشتقاق الأكبر عند اللغويين
فهو ما يسمى بالإبدال اللغوي، وشرطه أن تتفق كلمتان في أغلب حروفهما على أن يكون
المعنى واحداً أو متوافقاً لكلا الكلمتين، يقول عبد الله أمين: "وهذا الضرب
من الاشتقاق يمكن أن ينتفع به في اشتقاق اسمين لمسميين متشابهين في الشكل والعمل،
أو في أحدهما إن كان بين الاسمين والمسميين ملاءمة. مثال ذلك: الغُمْنة
والغُمْرَة: تمر ولبن تطلي به المرأة وجهها ويديها، حتى تَرِقَّ بشرتها .
ويذهب بعض الدارسين إلى أن أحمد بن
فارس (ت 395هـ) بنى معجمه (مقاييس اللغة) على فكرة هذا الاشتقاق.
غير أن بعض الدارسين عكس التسمية فجعل
الاشتقاق الكبير للمقلوبات والاشتقاق الأكبر للإبدال اللغوي
اتفاق اللفظين واختلاف المعنيين:
وهذا عنوان باب في الخصائص جعله ابن
جني - كما يبدو من تكملة عنوان الباب - "في الحروف والحركات والسكنات".
إذ استعار عنوان الباب مما ذكره اللغويون قبله في تقسيم ألفاظ اللغة، فقد ورد هذا
التقسيم في كتاب سيبويه كالآتي:
1- اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين نحو: جلس وذهب.
2- اختلاف اللفظين والمعنى واحد، نحو ذهب وانطلق. وهذا الذي
استخدم له اللغويون مصطلح (الترادف).
3- واتفاق اللفظين والمعنى مختلف، نحو: وجدتُ عليه من
الموجدة، ووجدت إذا أردت وجدان الضالة. وهذا هو المسمى بالمشترك اللفظي .
صرح ابن جني في الباب أن غرضه منه
"ليس ما جاء به الناس في كتبهم..." فإن هذه الأنواع قد كثر
تناولها" وقد تناهبتها أقوالهم، وأحاطت بتحقيقها أغراضهم"، ولكن ابن جني
استعار (المصطلح) وتناوله بطريقته الخاصة، بأن قسم الكلام ثلاثة أنواع كالآتي:
أ- اتفاق اللفظين واختلاف المعنيين في الحروف:
ويقصد ابن جني بهذا النوع الألفاظ
التي تتفق حروفها في المفرد والجمع ولكن معانيها مختلفة، نحو كلمة: دلاص التي
تستخدم للمفرد فيقال درع دلاص، وتجمع مكسرة: أدرع دلاص، ثم مثل للمفرد بألفاظ نحو:
ناقة كِناز، وامرأة ضِناك، وبين أن ألف (دِلاص) للمفرد بمنزلة ألف كِناز وضِناك.
وأما ألف الجمع في أدرع دِلاص، فهي بمنزلة الألف في ظِراف وشِراف، "وذلك لأن
العرب كسرت فِعالاً على فِعال، كما كسرت فعيلاً على فِعال نحو كريم وكِرام، ولئيم
ولِئام".
ويفسر ابن جني هذه الظاهرة بقوله:
"وعذرها (يعني العرب) في ذلك أن فعيلاً أخت فِعال، ألا ترى أن كل واحدة منهما
ثلاثية الأصل، وثالثها حرف لين، وقد اعتقبتا أيضاً على المعنى الواحد، نحو: كليب
وكلاب، وعبيد وعباد
ب- اتفاق الحركات:
وينطبق ما قال ابن جني في الحروف على
الحركات إذ يقول: "هذه الحال موجودة في الحركات وجدانها في الحروف". وجاء
بأمثلة افتراضية بقوله: "وذلك كامرأة سميتها بحيثُ، وقبلُ، وبعدُ، فإنك قائل
في رفعه: هذه حيث، وجاءتني قبل، وعندي بعد". وينبّه ابن جني على أن الضمة في
الأصل هي للبناء، ولكنها تصير بعد التسمية ضمة إعراب. وهذا ينطبق على كل الكلم
المبنية، نحو أين وكيف، "وكذلك لو سميت رجلاً بأمس".
ولكن ابن جني استثنى من هذه الألفاظ
المبنية "هؤلاء" التي يرى أن كسر همزتها قبل التسمية وبعد التسمية سواء.
وأما سبب هذا فهو "أن هؤلاء مما يجب بناؤه، وحكايته بعد التسمية به على ما
كان من قبل التسمية، ألا ترى أنه اسم ضم إليه حرف فأشبه الجملة
ج- اتفاق السكون:
وهذا للألفاظ التي لا يتغير سكون أحد
حروفها في حالتي الإفراد والجمع، نحو صنو للواحد، وصنوان للجمع، وقنو وقنوان. ويرى
ابن جني أن سكون المفرد والجمع "مختلفان تقديراً" على الرغم من اتفاقهما
لفظاً. ومثل لهذا الاختلاف التقديري بألفاظ في اللغة اختلف مفردها عن جمعها، نحو:
شبث وبرق فإنها تجمع على شبثان وبرقان، فدل ذلك على اختلافهما. ولهذا يرى ابن جني
أنه لا بد من اختلاف صِنْو وصِنْوان، وقِنْو وقِنْوان، لأن سكون الواحد غير سكون
الجمع، وسكون الجمع ليس لسكون الواحد، بل هو "شيء أحدثته الجمعية".
ولذلك وصف الفرق بين نوعي الجمع اللذين ذكرهما – أي شبثان وصنوان - بالنسبة إلى
مفرديهما، بقوله: "فكما أن هذين مختلفان لفظاً (شبث وشبثان)، فكذلك ذانك
السكونان (صِنْو وصِنْوان) هما مختلفان تقديراً"
عدم النظير:
وهو عنوان باب في الخصائص يتابع فيه
ابن جني رأي سيبويه في أنه "إذا دل الدليل فإنه لا يجب إيجاد النظير"،
وهذا هو مذهب صاحب الكتاب الذي مثل على وزن (فعل) بكسر الفاء والعين بلفظة واحدة
هي (إبل). وخلص ابن جني إلى أنه "لم يمنع الحكم بها عنده إن لم يكن لها نظير،
لأن إيجاد النظير بعد قيام الدليل إنما هو للأنس به، لا للحاجة إليه
ويرى أحد الدارسين المحدثين أن مصطلح
(النظير) من "المصطلحات التي وجدت عند علماء أصول النحو بعد سيبويه"،
فقد استخدمه ابن السراج، وأكثر من استخدامه ابن جني مفرداً (النظير)، وجمعاً
(النظائر)
باب في فرق بين البدل والعوض:
والبدل والعوض مصطلحان يستخدمهما
اللغويون في تفسير ما يقع في الألفاظ من تغيير وتبديل وتعويض. وجعل ابن جني هذا
الباب توضيحاً لمن قد يقع في اللبس في التفريق بين المصطلحين. ويتضح من خلال
الأمثلة وتفسيرها مواقع البدل ومواقع العوض، فمن ذلك فإن الألف من الفعل (قام)
"بدل من الواو التي هي عين الفعل، ولا تقول فيها إنها عَوْض منها".
وأما العوض فهو من لفظ (عَوْض)، وهو
الدهر ومعناه، كما في بيت الأعشى:
رضيعي لبان ثدي أم تقاسما بأشحم
داج: عَوْض لا نتفرق
داج: عَوْض لا نتفرق
ومن أمثلة العوض التي يذكرها ابن جني:
"التاء في (عدة) و (زنة) فهي عوض عن فاء الفعل، ولا تقول إنها بدل
منها"، وكذلك الحال في ميم (اللهم) "إنها عوض من (يا) في أولها، ولا
تقول: بدل..".
وقد قرر ابن جني في هذا الباب حقيقة
"أن البدل أشبه بالمبدل منه من العوض بالمعوض منه. وإنما يقع البدل في موضع
المبدل منه، والعوض لا يلزم فيه ذلك"(40).
مصطلح التجريد:
وعقد ابن جني للتجريد باباً نص في
أوله أنه يقتدي به أثر شيخه أبي علي الفارسي الذي كان "به غرياً
معنياً"، غير أنه لم يفرد له باباً في كتبه "ولكنه وسمه في بعض ألفاظه
بهذه السمة، فاستقريتها منه، وأنقت لها".
وعرَّف ابن جني (التجريد) بأن
"معناه أن العرب قد تعتقد أن في الشيء من نفسه معنى آخر، كأنه حقيقته
ومحصوله، وقد يجري ذلك إلى ألفاظها لما عقدت عليه معانيها"
ونقل ابن جني للتجريد مثالاً نسبه إلى
سيبويه وهو: "أما أبوك فلك أب، أي لك منه أو به أو بمكانه أب". وذكر
سيبويه هذا المثال في باب سماه (باب ما يختار فيه الرفع ويكون فيه الوجه في جميع
اللغات)، وأشار محقق الكتاب إلى أن الرماني ترجم عنوان الباب بـ "باب اسم
الجنس الجاري على طريقة أما كذا فكذا"
ويدرك ابن جني أن ما ذكره سيبويه
وشيوخه قد يشوبه شيء من عدم الوضوح فذكر أمثلة أخرى وفسرها ووضحها – على سمته
وطريقته -، ومن ذلك قوله: لئن لقيت زيداً لتلقينّ منه الأسد، ولئن سألته لتسألنَّ
منه البحر. "فظاهر هذا أن فيه من نفسه أسداً وبحراً، وهو عينه هو الأسد
والبحر، لا أن هناك شيئاً منفصلاً عنه وممتازاً منه".
وزاد ابن جني (التجريد) توضيحاً فبين
أن معناه كأن يجرد الإنسان من نفسه شخصاً آخر فيخاطبه، وأكثر ما يجيء هذا في
الشعر، فقال: "وعلى هذا يخاطب الإنسان منهم نفسه، حتى كأنها تقابله أو
تخاطبه، ومنه قول الأعشى:
وهل تطيق وداعاً أيها الرجل
وهو الرجل نفسه لا غيره". ثم مثل
على التجريد ببعض القراءات القرآنية كما في قراءة قوله تعالى: "قال اعلم أن
الله على كل شيء قدير" . (البقرة 259).
مصطلح تلاقي اللغة:
وموضوع تلاقي اللغة يعني ورود لفظين
تشابهت حروفهما أو أوزانهما فتلاقت "في عرض اللغة من غير قصد لجمعها ولا
إيثار لتقاودهما". وعزا ابن جني التنبّه لهذا اللون من الألفاظ إلى شيخه أبي
علي الفارسي، فنقل عنه قوله: "في باب أجمع وجمعاء، وما يتبع ذلك من أكتع
وكتعاء، وبقيته: إن هذا اتفاق وتوارد وقع في اللغة على غير ما كان في وزنه
منها". وقصد أبو علي الفارسي بذلك أن "باب أفعل وفعلاء، إنما هو للصفات،
وجميعها تجيء على هذا الوضع نكرات، نحو: أحمر وحمراء، وأصفر وصفراء... وأخرق
وخرقاء. هذا كله صفات نكرات، فأما أجمع وجمعاء فاسمان معرفتان، وليسا
بصفتين". وخلص الفارسي إلى حقيقة أن هذا إنما هو "اتفاق وقع بين هذه
الكلم المؤكد بها".
وأقر ابن جني شيخه على ما أورده لهذا
الاتفاق والتوارد، فسمى الباب الذي عقده لهذه الظاهرة اللغوية "بتلاقي
اللغة"، وأضاف أمثلة أخرى من نحو قولهم في العلم: سلمان وسلمى، فهما أشبه
بوزن (فَعْلان) الذي مؤنثه (فَعْلى)، ولكنه نبه إلى أن "فعلان الذي يقاوده
فعلى إنما بابه الصفة كغضبان وغضبى وسكران وسكرى". ونفى ابن جني أن يكون
سلمان من سلمى بمنزلة الصفات المذكورة، لأنهما ليستا "بصفتين ولا نكرتين..
غير أنهما كانا من لفظ واحد فتلاقيا في عرض اللغة من غير قصد لجمعهما، ولا إيثار
لتقاودهما، ألا تراك لا تقول: هذا رجل سلمان، ولا امرأة سلمى، كما نقول: هذا
سكران، وهذه سكرى، وهذا غضبان، وهذه غضبى
مصطلح السلب:
وجعل له ابن جني باباً في خصائصه،
واعترف في تقديمه أن شيخه أبا علي الفارسي قد نبه عليه. ثم ذكر أن الأصل في
الأفعال والأسماء المشتقة من الأفعال إثبات معناها لا سلبها، فلفظ قام إنما هو
لإثبات القيام. فإذا "أردت نفي شيء منها ألحقته حرف النفي، فقلت: ما فعل، ولم
يفعل، ولن يفعل، ولا تفعل، ونحو ذلك".
وأضاف ابن جني أن العرب "قد
استعملوا ألفاظاً من كلامهم من الأفعال ومن الأسماء الضامنة لمعانيها، في سلب تلك
المعاني لا إثباتها" ومثل على ذلك بتصريف (ع ج م) التي تأتي في اللغة
"للإبهام وضدّ البيان" نحو: العجم الذين لا يفصحون، وعجم الزبيب
لاستتاره".. وغير ذلك، ولكن هذه الأصول إذا أضيف إليها زيادة بحرف أو أكثر
فقد يتحول المعنى من الإثبات إلى النفي، فمادة (ع ج م) إذا زيد عليها الألف/ الهمزة
في أولها آل معناها إلى ضده، فصار المعنى: إزالة الإبهام.
ولا تقتصر الزيادة على الهمزة فحسب،
بل قد نضعف عين الكلمة نحو مادة (م ر ض)، فإذا قلت: "مرضت الرجل أي داويته من
مرضه حتى أزلته عنه أو لتزيله عنه" فإنك تثبت عكس المعنى الأصلي للمادة وهي
الدلالة على المرض
مصطلح الإتباع:
عرف اللغويون العرب القدامى الإتباع
في الألفاظ وفي الحركات، وانصب اهتمام النحاة من لدن سيبويه ومن جاؤوا بعده بدراسة
الإتباع المسمى إتباع الحركات. ولعل أول من ألف في الإتباع في الألفاظ أحمد بن
فارس في كتابه الموسوم (الإتباع والمزاوجة)، وقد عرف الإتباع بقوله: "هو أن
تتبع الكلمةُ الكلمةَ على وزنها أو رويها إشباعاً وتأكيداً". وجعل ابن فارس
الإتباع – وقرن به المزاوجة – على وجهين:
أحدهما: أن تكون كلمتان متواليتان على
رويّ واحد.
والثاني: أن يختلف الرويان.
هذا من حيث الشكل، وأما من حيث المعنى
فهو ضربان: أحدهما: أن تكون الكلمة الثانية ذات معنى، والثاني: أن تكون الثانية
غير واضحة المعنى ولا بينة الاشتقاق، إلا أنها كالإتباع لما قبلها
ومن الأمثلة على هذا الإتباع ما رُوي
عن الكسائي أنه فسر ما نقله أبو عبيد في غريب الحديث "في قوله صلى الله عليه
وسلم في الشبرم: إنه حار يار, "والشبرم هو ضرب من الشيح، قال الكسائي في
تفسيره: "حار من الحرارة، ويار: إتباع".
ويذكر السيوطي أن هذا إنما "سمي
إتباعاً، لأن الكلمة الثانية إنما هي تابعة للأولى على وجه التوكيد لها، وليس
يتكلم بالثانية منفردة، فلهذا قيل: إتباع
وأما الإتباع الذي ذكره ابن جني فهو
ما تابع فيه ما قال النحاة منذ سيبويه: أي: إتباع الحركات. ويظهر من كلام ابن جني
مقارنة بما ورد في كتاب سيبويه أن كلامهما متقارب إلى حد كبير، غير أن سيبويه لم
يضع للموضوع مصطلح (الإتباع)، فقد ذكر في باب سماه: "باب الحروف الستة إذا
كان واحدٌ منها عيناً، وكانت الفاء قبلها مفتوحة، وكانت فعلاً"، ما يلي: فإن
الفاء في وزن (فعيل) تكسر في لغة تميم، ويقصد سيبويه بالحروف الستة: الحروف
الحلقية، ومثل لها بالألفاظ الآتية: لِئيم، وشِهيد، وسِعيد، ونِحيف، ورِغيف,
وبِخيل، وبِئيس".
وفسر سيبويه سبب كسر الفاء فيها:
"لأنه ليس في الكلام فَعَيْل، وكراهية أن يلتبس فعل بفعل فيخرج من هذه الحروف
فعل، فلزمها الكسر ههنا، وكان أقرب الأشياء الفتح، فكسرت ما قبلها حيث لزمها
الكسر، وكان ذلك أخف عليهم حيث كانت الكسرة تشبه الألف، فأرادوا أن يكون العمل من
وجه واحد"
وروى ابن جني عن الأخفش (أبي الحسن ت
215هـ) ذكره مصطلح الإتباع في قوله تعليقاً على أن العرب كانت قديماً تقول: مررت
بأخويك وأخواك جميعا.. "ولغتهم عند أبي الحسن أضعف من (هذا جحر ضب خرب)، قال:
لأنه كثر عنهم الإتباع: نحو: شُدُّ وضُرُّ وبابه، فشبه هذا به
وأما ابن جني، فيبدو أنه أقر بما
أورده عن شيوخه البصريين، ولكنه يضيف على ما قدموا فبين "أن علة الإتباع في
(نِقيذ) وإن عري أن تكون عينه حلقية قرب القاف من الخاء والغين"، ويقصد بذلك
ابن جني ما أورده سيبويه من أمثلة على وزن فعيل وجاءت العين حرفاً حلقياً نحو: النِّخير
والرِّغيف. وذهب ابن جني إلى جواز "أن تشبه القاف لقربها من حروف الحلق بها،
كما شبه من أخفى النون عند الخاء والغين إياهما بحروف الفم، فالنقيذ في الإتباع
كالمنخل والمنغل فيمن أخفى النون
مصطلح الجوار:
وهو مصطلح يعرف عند الدارسين بمصطلح
(الحمل على الجوار)، وقد ذكره سيبويه في (باب ما يجرى على الموضع لا على الاسم
الذي قبله)، فقال: "وقد حملهم قرب الجوار على أن جروا "هذا جحر ضب
خرب" ونحوه
وجاء ابن جني فسمى الباب (باب في
الجوار) وقد جعله أقساماً، وهو على ضربين: أحدهما تجاور الألفاظ، والآخر تجاور
الأحوال، فأما تجاور الألفاظ فهو قسمان: أحدهما في المتصل، والآخر في المنفصل.
أ- تجاور
المتصل: وذلك نحو: تجاور العين واللام بحملها على حكمها، فقد
قالوا في صوم: صيم.
ويقر ابن جني
أن سيبويه قد ذكر هذا القسم ولكنه لم يذكر المصطلح في باب (هذا باب تقلب الواو فيه
ياءً لا لياء قبلها ساكنة، ولا لسكونها وبعدها ياء) .
وذكر ابن جني
من الأمثلة لجوار الحركات في المتصل قولهم: "هذا بكُر، ومررت ببكِر".
ب- تجاور الألفاظ في المنفصل، نحو المثال المشهور: "هذا جحر ضبّ خرب
وأما تجاور الأحوال فهو يتعلق بأزمنة
الظروف، ومثل له ابن جني بقوله: "أحسنت إليه إذ أطاعني.. ويرى أن المعنى أنك لم تحسن إليه في أول وقت الطاعة،
فإن ما بعد الظرف (إذ) وهو الفعل (أطاع) زمنه يختلف عن زمن الإحسان... ويذهب ابن
جني إلى أن تجاور الأحوال "غريب" وذلك أن "من شرط الفعل إذا نصب
ظرفاً أن يكون واقعاً فيه أو في بعضه كقولك: صمت يوماً، وسرت فرسخاً... فكل واحد
من هذه الأفعال واقع في الظرف الذي نصبه لا محالة، ونحن نعلم أنه لم يحسن إليه إلا
بعد أن أطاعه، ولكن لما كان الثاني مسبباً عن الأول وتالياً له، فاقتربت الحالان،
وتجاور الزمانان، وصار الإحسان كأنه إنما هو والطاعة في زمان واحد، فعمل الإحسان
في الزمان الذي يجاور وقته، كما يعمل في الزمان الواقع فيه هو نفسه"
مصطلح التقريب:
لم يفرد ابن جني للتقريب باباً
مستقلاً، ولم يعرفه مصطلحاً لظاهرة لغوية، ولكنه ذكره في أثناء تعريفه ظاهرة
(الإدغام)، فقال: في تعريفه: "تقريب صوت من صوت". وهو ضربان:
"أحدهما أن يلتقي المثلان على الأحكام التي عليها الإدغام، فيدغم الأول في
الآخر، والأول من الحرفين في ذلك على ضربين: ساكن ومتحرك، فالمدغم الساكن الأصل
كطاء قطّع، وكاف سكّر، والمتحرك نحو: دال شدّ. والآخر: أن يلتقي المثلان على
الأحكام التي يسوغ معها الإدغام، فتقلب أحدهما إلى لفظ صاحبه فتدغمه فيه، نحو:
(ودّ) في اللغة التميمية (وأصله وتد)، ونحو امّحى، وامّاز، واثّاقل. وهذا النوع
الثاني الذي هو عنده المسمى (التقريب) هو الذي قال عنه: "المعنى الجامع لهذا
كله تقريب الصوت من الصوت
وذكر ابن جني أنواعاً أخرى من
(التقريب)، ومن ذلك ما سماه الإدغام الأصغر، وهو عنده "تقريب الحرف من الحرف
وإدناؤه منه من غير إدغام يكون هناك". ومن ضروبه:
أ- الإمالة
التي "وقعت في الكلام لتقريب الصوت من الصوت، نحو كلمة: (عالم) التي
"قربت فتحة العين من عالم إلى كسرة اللام منه بأن نحوت بالفتحة نحو الكسرة،
فأملت الألف إلى الياء
ب- وضرب آخر من
(الإدغام الأصغر) الذي هو "تقريب من غير إدغام" في الألفاظ التي هي على
وزن (افتعل) إذا كانت فاؤها صاداً أو ضاداً أو طاءً أو ظاءً: "فتقلب تاؤه
طاءً، وذلك نحو" اصطبر، واضطرب، واطرد واظطلم".
ج- وضرب آخر
اجتمع فيه الإدغام مع التقريب، نحو لفظة (ست) التي أصلها (سدس)، فقد قربوا السين
من الدال بأن قلبوها تاءً، فصارت (سدت) فهذا تقريب لغير إدغام، ثم إنهم فيما بعد
أبدلوا الدال تاءً لقربها منها إرادة الإدغام، فقالوا: ست، وقد سمى ابن جني التغيير
الأول تقريباً من غير إدغام. وأما التغيير الثاني فمقصود به الإدغام
د- تقريب
الحركة: ومنه تقريب الصوت من الصوت مع حروف الحلق، نحو: شعير وبعير ورغيف، وهذا
التقريب هو الذي ذكره في موضوع (الإتباع) ومنه أيضاً قراءة بعضهم في الفاتحة:
الحمد لله، والحمد لله، بضم اللام من لفظ الجلالة في الأولى، وكسرها في الثانية
هـ- تقريب
الحرف من الحرف: وهو ما يسمى عند اللغويين (الإبدال)، كما في قولهم في مصدر: مزدر،
وفي التصدير، التزدير.
و- تقريب الحرف
من الحرف من الإشمام، وهو من الإبدال إلا أنه ليس إبدالاً تاماً، نحو قول العرب في
المثل: "لم يحرم من فزد له"، وأصله، فصد له، فقد أسكنت الصاد "فلما
سكنت الصاد فضعفت به وجاورت الصاد – وهي مهموسة- الدال – وهي مجهورة – قربت منها
بأن أُشمت شيئاً من لفظ الزاي المقاربة للدال بالجهر".
وذكر ابن جني
أن لهذه الظاهرة نظائر في اللغة، فقالوا: ضُرْبَ والأصل فيه: ضُرِبَ
ز- ومن أنواع
التقريب التي ذكرها ابن جني ما سماه (إضعاف الحركة)، ويعني بذلك أنه إذا ضعفت
الحركة قربت "بذلك من السكون، نحو: "حيي، وأحيي، وأعيي، فهو، وإن كان
مخفى، بوزنه محركاً".
ح- التقريب على
سبيل الروم:
والروم على جهة التقريب – أي تقريب
الحركة – "هي كالإهابة بالساكن نحو الحركة، وهو لذلك ضرب من المضارعة، وأخفى
منها الإشمام. لأنه للعين لا للأذن
ومن المعلوم عند علماء القراءات أن
الروم هو اختلاس الحركة أي عدم نطقها كاملة واضحة وهو للأذن، وأما الإشمام فهو
للعين في الضم خاصة: تضم الشفتين كأنك تنطق ضمة ولكن من دون إحداث صوت الضمة.
وقد نبه ابن جني إلى مواضع التقريب
الذي يجري مجرى الإدغام ":مما قرب فيه الصوت من الصوت"، ولكنه ليس
إدغاماً تامّاً, واستخدم له مصطلح (التقريب).
وتجدر الإشارة إلى أن ابن جني قد ذكر
مصطلحي الإشمام والروم في باب (الساكن والمتحرك) الذي أورد فيه بعض المصطلحات
الصوتية، ولكنه لم يعرف هذه المصطلحات تعريفاً شافياً، بل كان يذكرها ويبين ما
يحدث فيها من تقريب في الأصوات – أصوات الحروف أو الحركات – كما في قوله في بيان
الفرق بين الإشمام والروم: "فأما الإشمام فإنه للعين دون الأذن، لكن روم
الحركة يكاد الحرف يكون به متحركاً، ألا تراك تفصل به بين المذكر والمؤنث في قولك
في الوقف أنتَ وأنتِ، فلولا أن هناك صوتاً لما وجدت فصلاً"
ابتداع المصطلح اللغوي ودلالته لدى ابن جني:
لقد بلغ من عناية ابن جني بالمصطلح
أنه بدأ أبواب كتابه الخصائص بعد التقديم – بباب (القول على الفصل بين الكلام
والقول)، بأن جعل الكلام والقول مصطلحين قد يخلط الناس بينهما. وقد أفصح في بداية
هذا الباب عن منهجه في تناول المصطلحين بقوله: "ولنقدم أمام القول على فرق
بينهما، طرفاً من ذكر أحوال تصاريفهما، واشتقاقهما، مع تقلب حروفهما، فإن هذا موضع
يتجاوز قدر الاشتقاق، ويعلوه إلى ما فوقه". ووصف ابن جني منهجه الذي أدرك أنه
جديد على قارئه، فيخاطبه قائلاً: "وستراه فتجده طريقاً غريباً، ومسلكاً من
هذه اللغة الشريفة عجيباً"
مصطلحات من أصول لغوية:
مصطلحا القول والكلام:
طبق ابن جني منهجه الذي أشار إليه في
معالجة مصطلح (القول) على طريقة ما سماه فيما بعد بالاشتقاق الأكبر، أي استخراج
معنى مشترك أصلي لجميع تقليبات المادة اللغوية، فـإن ( ق و ل) وجهات تراكيبها الست
وهي: ق و ل، وق ل، و ل ق، ل ق و، ل و ق، مستعملة في اللغة ومعناها جميعاً
"أين وجدت، وكيف وقعت، من تقدم بعض حروفها على بعض، وتأخره عنه، إنما هو
للخفوف والحركة".
ثم أخذ ابن جني يفصل في تعريف كل
تقليب على حدة. ثم اتبع ذلك بمعالجة الأصل (ك ل م)، ويرى أنها حيث تقلبت فمعناها
الدلالة على القوة والشدة. والمستعمل منها أصول خمسة، وهي: ك ل م، ك م ل، ل ك م، م
ك ل، م ل ك"(63).
وبعد معالجة تقليبات المادتين خلص ابن
جني إلى دلالة المصطلحين الكلام والقول، "أما الكلام فكل لفظ مستقل بنفسه،
مفيد لمعناه. وهو الذي يسميه النحويون الجمل".
"وأما القول فأصله أنه كل لفظ
مذل به اللسان، تاماً كان أو ناقصاً، فالتام هو المفيد، أعني الجملة وما كان في
معناها.. والناقص ما كان بضدّ ذلك.. فكل كلام قول، وليس كل قول كلاماً. هذا
أصله..".
ولم يكتف ابن جني بذلك، بل أتبع كلامه
بتوضيح مجالات استخدام كل من القول والكلام مصطلحين والفرق في استعمالاتهما ونجتزئ
من كلامه الدلالات الآتية:
1- "يوضع القول على الاعتقادات والآراء وذلك نحو قولك:
فلان يقول بقول أبي حنيفة، ويذهب إلى قول مالك، ونحو ذلك، أي يعتقد ما كانا
يريانه، ويقولان به، لا أنه يحكي لفظهما عينه، من غير تغيير لشيء من حروفه".
2- "ومن أدل الدليل على الفرق بين الكلام والقول إجماع
الناس على أنْ يقولوا: القرآن كلام الله، ولا يقال: القرآن قول الله"، وبين
ابن جني السبب في استخدام المصطلح الأصلح للقرآن وهو "كلام الله" أن
الكلام "لا يكون إلا أصواتاً تامة مفيدة"، وأن القول "قد يكون
أصواتاً غير مفيدة، وآراء معتقدة"
3- وخلص ابن جني من بيان الفصل بين مصطلحي الكلام والقول
إلى "أن الكلام إنما هو في لغة العرب عبارة عن الألفاظ القائمة برؤوسها،
المستغنية عن غيرها، وهي التي يسميها أهل الصناعة الجمل، على اختلاف
تراكيبها". و "أن القول عندها أوسع من الكلام تصرفاً، وأنه قد يقع على
الجزء الواحد، وعلى الجملة، وعلى ما هو اعتقاد ورأي، لا لفظ وجرس
ويقول السامرائي في التعليق على تناول ابن جني
لمصطلح الكلام:
"وتعريفه للكلام موافق للنحاة
المتأخرين عنه في تعريفهم له. جاء في (أسرار العربية): "أما الكلام فلا ينطلق
إلا على المفيد خاصة" ويخلص السامرائي إلى ما يأتي: "فليس من خلاف في
المدلول النحوي لهذا الاصطلاح".
وأما مصطلح القول: فيذكر السامرائي أن
النحويين قد اعتمدوا تعريف ابن جني: "أما القول فهو من معنى الإسراع والخفة،
ولذلك قيل لكل ما مذل به اللسان وأسرع إليه تاماً أو ناقصاً قول
المصدر :
المصطلح
اللغوي عند ابن جني في كتاب الخصائص
مصدره
ودلالته
اللغوي عند ابن جني في كتاب الخصائص
مصدره
ودلالته
د.
محمود عبد الله جفال
قسم اللغة العربية وآدابها – كلية الآداب
الجامعة الأردنية
بتصرف