واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم
بسم الله الرحمن الرحيم :
يقول تعالى في سورة الكهف
بسم الله الرحمن الرحيم :
(( و اصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة و العشي يريدون وجهه ، و لا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا و اتبع هواه و كان أمره فرطا ))
آية عظيمة جداً تنبهني و تثبتني على الحق كلما قرأتها
ففي زمن طغيان الشهوات و الفتن يضل الإنسان و يتوه و يحتار أي طريق يسلك
يبحث عن طريقة يعيش فيها بين الناس و يبحث عن أصدقاء و معارف ليجد نفسه أمام طريقين
الأول صعب و ممل و يحتاج إلى صبر و تعب لكنه يوصل إلى بر الأمان
و الطريق الثاني سهل و جميل تزينه الورود و على جانبيه نساء جميلات و شتى أنواع الزينة و الشهوات لكنه يوصل في نهايته إلى هاوية و ضياع و خسران
فأي الطريقين تختار ؟؟
أخي الحبيب و أختي الغالية قبل أن تختاروا تذكروا بأن الدنيا بكل ما فيها من متع و شهوات زائلة و فانية و مهما طال العمر فلا بد من نزول القبر ،
أما الآخرة فهي دار البقاء و الخلود و النعيم المقيم
ربما ترى بأن طريق الفتن و الشهوات جميل و مسلي
مسلسلات ممتعة و فتيات جميلات و مال وفير و ضحك و متعة
لكنه لن يدوم و الشعور بالسعادة الخادعة سيزول بسرعة
نعم و صدقني عندما تكون في جلسة سمر مع أصحاب السوء تستمتع قليلا لكنك بعد انتهاء السهرة ستشعر بالندم و الخجل من نفسك و لن ترتاح و ربما تعود إلى المنزل برائحة كريهة تخرج من فمك و ربما تتعرض للكثير من المشاكل
و ربما تتعرض لعقوبة إلهية رادعة و شديدة كحادث سير أليم لا سمح الله أو مصيبة في مالك أو عائلتك أو ضرر شديد لصحتك
و ربما ستشعر بكره واقعك و ستختفي القناعة من قلبك لأنك تنظر إلى نعيم زائل و فتن خداعة
و ربما تضيع نقودك و تصرفها على الملذات بتسرع و طيش و تهور
و الأخطر من هذا كله أنك تضيع عمرك سدى و ستندم على كل لحظة ضاعت في معصية صدقني
و بالمقابل أعرف أن الطريق المستقيم السوي صعب و فيه مطبات و عوائق و جبال و يحتاج إلى الصبر و مجاهدة النفس
أعرف أنه يجعلك تكبت الكثير من شهواتك و رغباتك
و أعرف أنه قد يبدو لك مملاً بالمقارنة مع زينة الطريق الثاني
و ربما تشعر بالوحدة لأن سالكي هذا الطريق في هذا الزمان قلة قليلة و لا حول و لا قوة إلا بالله
لكن كن واثقاً بأن نهاية هذا الطريق ستجعلك تنسى كل الصعوبات و العوائق التي مررت بها
فنهاية الطريق جنة خضراء جميلة و نور ساطع و فرح كبير و نعيم لا ينتهي أبدا و الأهم من ذلك كله شعور رائع بالرضا و السكينة و راحة البال
مكان تنتهي فيه الهموم و تزول
مكان لا مرض فيه و لا تعب و لا عناء و لا حروب و لا دمار و لا ظلم
صدقني عندما تعرف إلى أين يوصلك الطريق ستهون كل الصعاب في سبيل الوصول إلى الغاية
سأشبه لكم الأمر بفكرة من حياتنا وواقعنا
سأضرب لكم مثالاً شابين أحدهما مجتهد يدرس بجد و يتعب طوال العام
و الآخر كسول يستمتع طوال السنة باللعب و السهرات الجميلة و المشاوير و كل أنواع الفتن و الشهوات
و في نهاية العام يحقق الشاب الأول نجاحاً باهراً و تكون فرحته عظيمة جداً و ينسى كل تعبه طوال العام
بينما يرسب الثاني و يذوق مرارة الفشل و الندم و ينسى كل الملذات و المتع التي عاش فيها طوال السنة
نعم فطريق النجاح يحتاج لعمل و جهد و تعب
طريق الطاعة يحتاج إلى صبر و تعب بالتأكيد و كذلك مجالسة الصالحين
منذ يومين كنت أتابع برنامجاً دينياً لأحد المشايخ الفضلاء و في نفس الوقت كان هناك مسلسل أتابعه في وقت آخر لكنني فوته اليوم فقررت أن أتابعه في ذلك الوقت و عندما هممت بتغيير المحطة سمعت الشيخ يقول تلك الآية نفسها
(( و اصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة و العشي يريدون وجهه ، و لا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا و اتبع هواه و كان أمره فرطا ))
و تجمدت يدي و شعرت بأنني أسمعها لأول مرة و شعرت بالخجل من نفسي و ندمت لمجرد تفكيري بأن أغير المحطة و أنصرف لمشاهدة مسلسل تافه بدلاً من متابعة درس ديني يفيدني في الدنيا و الآخرة
و أحسست بمدى خطورة و أهمية تلك الآية الكريمة
و تأملت في أمور كثيرة تجري معنا كل يوم تماثل تلك الحكاية
فذلك الذي اختار الذهاب للسهر في خيمة رمضانية ساهرة هههههه حيث اللهو و الغناء و الرقص و الفجور بدل أن يحيي ليالي العشر الأخير من رمضان في العبادة و الصلاة و التهجد و الدعاء و لبئس الاختيار
تذكرت ذلك الشاب الذي فضل التمسك بشلة السوء من المفسدين المضلين على أصدقاء صالحين يدعونه إلى قراءة القرآن و الاعتكاف في المسجد و تدارس القرآن و تعلمه معهم
تذكرت تلك الفتاة التي اختارت صديقة فاسدة على تلك التي تدعوها للحشمة و التمسك بالقيم و الأخلاق و الأدب
تذكرت ذلك الذي اختار علاقة غير شرعية مع فتاة ما بدل أن يبحث عن زوجة صالحة و هو قادر على الزواج لكنه فضل المتعة الرخية على الالتزام في حياة زوجية وفق شرع الله
صدقوني لو تفكرتم معي بتلك الآية العظيمة لشعرتم مثلي بالندم على كل لحظة ضيعناها مه هؤلاء الذين وصفهم الله تعالى أجل و أدق وصف على الإطلاق
(( أغفلنا قلبه عن ذكرنا و اتبع هواه و كان أمره فرطا ))
فدعونا نتوب و نستيقظ قبل فوات الأوان
فنهاية طريق الغافلين وخيمة و صعبة و إيك أخي الحبيب أن تخوض مع الخائضين و لا تغرك قلة السالكين و تذكر كثرة الهالكين و العياذ بالله
و لنكن على درب الصلاح سوية
و لندعو الله تعالى أن يمدنا بالصبر كزاد في الطريق و إلى اللقاء في الجنة بإذن الله تعالى
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته