الثبات على الحق
السلام عليكم ورحمة الله
الثبات على الطريق الصحيح مهما اشتدت الفتن والمغريات والشدائد والصعاب
في سورة الإسراء ذكر قصة الإسراء إسراء نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى حيث صلى صلوات الله وسلامه عليه بالأنبياء إماما وكان ذلك بمثابة هديه من الله عز وجل لحبيبه وخير خلقه محمد صلى الله عليه وسلم بعد ثباته على الحق رغم كل ما مر به من صعاب وإيذاء و تعب
نعم أخي سيكافئ الله كل من يثبت على الحق ، سينجح في الاختبار وعندها سيكون التكريم
تأملوا معي تلك الآية الكريمة في سورة الإسراء :
(( وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا ))
فالله تعالى يخاطب نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم بأنه عز وجل منحه ووهبه الثبات رغم كفر قومه وإيذائهم ومغرياتهم له عليه الصلاة والسلام حيث أغروه بالمال والجاه والمنصب فقال لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهر الله أو أهلك دونه
وعذبوه وآذوه فداه روحي وأهلي ومالي فصبر وظل ثابتاً على الحق
وحاولوا أن يخرجوه من أرضه فثبته الله تعالى :
(( وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا))
هذا هو الثبات الذي أتكلم عنه اليوم معكم الثبات على الحق مهما حصل
وقد أرشدنا الله تعالى إلى الطريق الصحيح وأرسل لنا الأنبياء ليعلمونا و يرشدونا فصار الخيار بأيدينا قال تعالى :
مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ?15?
وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وجعل لنا الليل والنهار لنعرف المكان والزمان أولاً قال تعالى :
((وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا ?12?))
و منحنا الله تعالى فرصة للاختيار بين الدنيا وزينتها والآخرة حيث البقاء والخلود ورزق الطرفين أي رزق من اختار الدنيا ورزق من اختار الآخرة وفضل بعضهم على بعض في الرزق بحكمته وتدبيره ولكن المفاضلة الحقيقية هي في الآخرة وليس في الدنيا فهناك الفوز للمتقين ولمن اختار الآخرة بالتأكيد بينما مصير من اختار الدنيا هو جهنم والعياذ بالله :
(( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا ?18? وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ?19? كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ?20? انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا ?21?))
وتأتي بعد ذلك آيات تبين شرع الله حيث الحلول الوسط فقد غرس الله فينا شهوات كثيرة شهوة المال والنساء والجاه والسلطان وغيرها وأمامنا طريقان طريق صحيح سوي بشرع الله وطريق خاطئ باتباع الهوى
فالمسلم ليس بخيلاً وليس مبذراً بنفس الوقت :
((وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ?29?))
والمسلم لا يشرك بالله ولا يعق والديه ولا يزني بل يتزوج بالحلال
(( وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ?32?))
والمسلم لا يقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يأكل مال اليتيم ولا يغش في الميزان ويفي بعهوده ولا يتكبر على الخلق
وآيات سورة الإسراء ستوضح لكم كل ذلك ولذلك أنصحكم بقراءتها اليوم بتركيز
إذاً هذا هو شرع الله وهذا هو طريقنا الصحيح والاختيار متروك لنا بالتأكيد
ويحذرنا الله تعالى وينبهنا من الشيطان الرجيم ومحاولاته و خطته في تحويلنا عن الطريق الصحيح ويذكرنا بأن إبليس اللعين عدو لنا فانظر أخي إلى كرهه الشديد لنا لعنه الله :
((قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا ?62?))
ولو علمت أخي ما معنى لأحتنكن لشعرت بالخزي والخجل من نفسك إذا اتبعت الشيطان فكلمة أحتنكن مشتقة من الحنك وتعرفون ما هو الحنك أسفل الوجه ويقصد إبليس لعنة الله عليه من هذا أنه سيقود من يتبعونه كالدواب أجلكم الله حيث يلجمهم من حنكهم تماماً كمل يلجم الفلاح حماره
فهل تقبل أخي بهذا ؟؟؟
وهنا حدد الله تعالى لنا خيارين لا ثالث لهما إما اتباع الشيطان أو اتباع الحق
(( قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا ?63?))
أما المؤمنون المتوكلون على الله تعالى فسينجيهم الله من كيد الشيطان برحمته :
(( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا ?65?))
ويرشد الله تعالى نبيه الكريم إلى أهم وسائل الثبات ألا وهو العبادة : الصلاة والقرآن و قيام الليل والاستغفار والدعاء
وهذه هي الوسائل التي يجب أن يتبعها كل الثابتين على الحق
تأملوا معي تلك الآيات الرائعة التي تحثكم على الثبات وتمدكم بالصبر والسلوان والقوة كما أمدت نبينا وحبيبنا وأسوتنا محمد صلى الله عليه وسلم :
((أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ?78? وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ?79? وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا ?80? وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ?81? وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ?82?))
آيات رائعة جداً تتحدث عن نفسها
ويذكر الله تعالى نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بأن الحرب على الحق موجودة دائماً ويذكره بالمحن التي تعرض لها سيدنا موسى عليه السلام لثباته على الحق أيضاً ونصره الله تعالى في النهاية وانتصر الحق ونجا موسى ومن معه وغرق فرعون وانتهى :
((فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا ?103?
فكن ثابتاً على الحق أخي الحبيب وقاوم كل المغريات والعقبات وابق على الطريق المستقيم بلا أي عوج أو ميل ولهذا بدأت سورة الكهف بتوضيح ذلك المعنى :
((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا))
ويضرب الله تعالى لنا مثلاً عن الثبات قصة أصحاب الكهف الذين فضلوا سجن الطاعة على حرية المعصية واختاروا أن يعيشوا في كهف مظلم على أن يفتنوا في دينهم فياله من ثبات ما بعده ثبات :
(( وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا ?16? ))
إنهم فتية اختاروا الحق وتوكلوا على العلي القدير فرحمهم ونجاهم وآواهم :
(( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ?13? وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ?14?
فثق بالله أخي الحبيب واثبت على طريق الحق وسيحميك الله الكريم العظيم و سيثبتك و سينصرك
((وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا ?27?))
ومن وسائل الثبات المهمة أيضاً والتي نلمحها في سورة الكهف الصحبة الصالحة ولهذا ثبت أصحاب الكهف لأنهم أصحاب وأصدقاء صالحون ثبتوا بعضهم البعض فاصبر نفسك مع أهل الحق وصاحبهم وكن معهم وابتعد عن رفاق السوء مهما حاولوا أن يغروك وأن يجروك إلى عالمهم وعندها ستنجو :
((وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ?28?))
أعرف أن الموضوع طويل وهام وأعتذر عن هذه الإطالة لكن أتمنى أن تنسخوا الموضوع لتقرؤوه جيداً وأعدكم ببحث أكثر تفصيلاً عن موضوع الثبات بعد رمضان والسلام عليكم ورحمة الله