في شعر المتنبي يمكننا دراسة ادواته الفنية في شعر الحكمة لديه كما يأتي :
الادوات : 1- اللغة
2- الصورة
3- الموسيقى
– اللغة :
بدأ المتنبي حياته الفنية تلميذا بارعا في مدرسة أبي تمام ، ومضى يترسم خطاه
ويقتفي أثره في خطواته الأولى على الطريق الفني الذي كان أبو تمام يضرب بخطاه الثابتة
القوية فيه ، مثيرا من حوله تلك الضجة النقدية الضخمة التي شغلت القرن الثالث ووضعته
على قمة حركة التجديد فيه ، ممثلا لتلك المدرسة الجديدة التي شق دروبها الأولى رائدها
الأول مسلم بن الوليد . وفي قصائد المتنبي المبكرة التي نظمها في صدر حياته الفنية تبدو
بصمات أبي تمام البديعية واضحة ، وتطل أصباغه وألوانه وتشكيلاته الزخرفية وكأنها تعلن
عن نفسها ، ولكنها تبدو – على الرغم من كل الجهد الذي يبذله المتنبي في صناعتها –
مجرد محاولات ساذجة يحاول فيها التلميذ الناشئ أن يقلد أستاذه الكبير. ويمكننا أن نعتبر
الأسلوب هو المنهج أو الطريقة التي يصوغ بها الأديب أو المبدع أفكاره ويعبر بها عما
يجول في خاطره من عواطف وانفعالات سواء أكانت هذه الطريقة شعرا أم نثرا ، فهو بذلك
أداة لإبراز الأفكار وبلورة العواطف .
وقد كان المتنبي واسع الإطلاع على كتب اللغة والنحو ودواوين الشعراء ،
واسع العلم بأسرار اللغة وغريبها ولهجاتها ، ومذاهب النحاة وشواهدهم . فقد كان مبرزا في
مجال اللغة ، مكثرا في نقلها ، مطلعا على غريبها وحوشيها . وأكثر استشهاده بكلام العرب
نظما ونثرا . قرأ عليه ابن العميد كتابه الذي جمعه في اللغة وكان يعجب من حفظه وغزير
علمه . كما قرأ عليه أهل مصر كتاب المقصور والممدود لأبي العباس ابن ولاد فصححه
وأخذ على مؤلفه بعض الغلطات . قيل إن كتبه بعد موته كانت تحمل ملاحظات نفيسة دونها
بيده . وكان حريصا على حمل مكتبته في أسفاره وقد امتازت لغة المتنبي في قوتها
فلاءمت بها قوة نفسه ومعانيه وأغراضه . وتبدو هذه القوة في ألفاظه الصلبة ، وتراكيبه
المتينة ، وتشابيهه واستعاراته وقد وُصف بأنه نادرة زمانه ، وأعجوبة عصره ، وظل
شعره إلى اليوم مصدر إلهام ووحي للشعراء والأدباء . وكان أكثر الشعراء تمكنًا باللغة
العربية وأعلمهم بقواعدها ومفرداتها ، وله مكانة سامية لم تتح مثلها لغيره من شعراء
العربية .
إن اللغة الأدبية تختلف عن لغة العلم والحياة اليومية اختلافا بينا وهي بهذا السياق تعبير لا
ألفاظا مفردة بما تحمله من انفعالات ودلالات إيحائية ، ولهذا فإن لهذه اللغة المثيرة ألفاظها
الخاصة التي لا يجوز للشاعر تجاوزها ، وذلك أن لغة الشعر لغة العاطفة تختلف عن
لغة العقل .
ومن هذا المنطلق فقد أولاها النقاد والدارسون أهمية بالغة لما تمتاز به من مكانة
في العمل الإبداعي باعتبارها العنصر الأساسي لكل عمل فني يعتمد الكلمة كأداة للتعبير .
ويعتبر الدكتور مصطفى سويف أن اللغة مجرد وسيلة عند من عنوا بالمضمون في العمل
الفني دون الصورة ، وعلى الضد من ذلك هي غاية الفنان عند فريق آخر من الباحثين من
. فالنقد نفسه لا يتعلق في التجربة ) j.p. Sartre أمثال ريتشاردز وجان بول سارتر
الشعورية بالعمل الأدبي إلا حين تأخذ صورتها اللفظية . ولأن الحكم عليها لا يتأتى إلا
باستعراض الصورة النقدية التي وردت فيها وبيان ما تنقله هذه الصورة إلينا من حقائق
ومشاعر .
ولهذا كان من أوليات الشعر ، حسن استظهار خصائص اللغة لأنها مادة العمل
الشعري ، فكانت بذلك علاقة تجربة الشاعر بلغته ، أوثق من علاقة الشاعر أو المؤلف
المسرحي ، وذلك لأن الشاعر يعتمد على ما في قوة التعبير من إيحاء بالمعاني في لغته
التصويرية الخاصة .
ومن هنا عمد النقاد والدارسون إلى اعتبار الشعر اكتشافا دائما للكلمة واكتشافا
للوجود ، من خلال اللغة وطريقة تعامله معها تتم عن مدى قدرته على عملية الخلق
والاكتشاف للأبعاد الجديدة التي تحملها الألفاظ ، والتراكيب ، ومن ثم فإن : " الشعر الوسيلة
الوحيدة لغنى اللغة وغنى الحياة على السواء ، والشعر الذي لا يحقق هذه الغاية الحيوية لا
. ( يمكن أن يسمى شعرا بحق "
وعلى هذا الأساس فقد تفاوت الأدباء والشعراء وتمايزوا في طريقة تعاملهم مع اللغة ،
فمنهم المجيد ، ومنهم العادي ومنهم دون ذلك لأن التعبير الأدبي في أبسط صوره صنعة
.
لغوية تختلف اختلافا واضحا من أديب إلى آخر ، فقد يكون البعض مقتصدا كأحمد
حسن الزيات ، أو مسرفا كطه حسين ، أو أن يكون هادئا كإبراهيم ناجي ، أو هادئا كحسن
إسماعيل أو مكثفا معقدا كالرافعي ، أو سهلا رشيقا كنزار قباني .
وليس ذلك مرده إلى طبيعة الشاعر ، بل إنه يعود إلى طريقة تعامله مع اللغة وفهمها
وفي إحساسه لها في استعماله كل حبالها من البساطة الكاملة إلى المعاضلة المعقدة .
ونتيجة للدور الكبير والهام الذي تلعبه اللغة في الحكم على العمل الإبداعي ، كان من
واجبنا أن نقف على هذا الجانب في شعر المتنبي لنكتشف ونستقصي الخصائص التي تميزت
بها لغة شاعرنا .
لقد أضفت لغة المتنبي القوية على أشعاره صورا حماسية رائعة ارتسمت في تطور
منحاه البياني ، هذه الروح الثورية المتأججة ، وهذه الصرخات الأليمة التي تصدر من نفس
شاعرنا التي تشكل المصدر أو الينبوع المتدفق في بناء قصائده ، إذ يقول في قصيدة يمدح
فيها سيف الدول
وَمَا أَنَا إِلاَّ سَمْهَرِيٌّ حَمَْلتَهُ فَزَيَّنَ مَعْرُوضًا وَرَاعَ مُسَدَّدَا
أَجِزِْني إِذَا أَنْشَدْتُ شِعْراً فَِإنَّمَا ِبشِعْرِي أَتَاكَ اْلمَادِحُونَ مُرَدَّدَا
وَدَعْ ُ كلَّ صَوْتٍ غَيْرَ صَوْتِي فَِإنَِّني أَنَا الصَّائِحُ اْلمَحْكِيُّ وَاْلآخَرُ الصَّدَى
تَرَ ْ كتُ السُّرَى خَْلفِي لِمَنْ قَلَّ مَاُلهُ وَأَنْعَْلتُ أَ ْ فرَاسِي ِبنُعْمَاكَ عَسْجَدَا
فالمتأمل لهذا النص الشعري يلفته الشكل الخارجي للغة التي تحمل جملة من الوظائف
والدلالات في بنيتها الفردية (الكلمة) وبنيتها الكلية (التركيب) . فاللغة بهذا البناء الفني
عند المتنبي كانت مادة لدلالة ظاهرة وباطنة تتجاوز القرائن البعيدة لتقف عند سطوة
المدرك الملموس الذي يستشعره المتنبي . فقد أوجد عالما كاملا من الكلمات في
مستوى طموحه ( سمهري ، مسددا ، عسجدا ... ) كلمات كلها قوة ، ويمكن أن نرد
هذا إلى نفسيته المتأججة بنار الثورة المتطلعة إلى المعالي وهذا ما مكن هذه النفس
الثائرة إنتاج فخامة على هذا الشعر الذي له علاقة وطيدة بنفسية صاخبة وهو ما مكن
العمل الفني أن يكون في مستوى تطلعاته وطموحه واعتداده بذاته من جهة ، وميله إلى
نهج سبيل القوة من جهة أخرى .
إذا فاللغة الشعرية عند المتنبي لغة تسعى إلى البحث عن الجديد وغير المألوف لكي
تكون تمثلا صادقا لنفسية الشاعر ، ولقد سعى بلغته هذه إلى بناء معمار فني خاص ، يعتمد
على استثمار العلاقات الصوتية للغة فتسعى الكلمات في قصائده إلى أن تغمر القارئ بمتعة
صوتية تصرفه عن المعنى للحظة في عالم من التراكيب المتخيلة ، ولكنه لا يلبث بعد انتهاء
الموجة الشعرية أن يتكشف جلاء هذا الغموض مما يولد لديه إحساسا بالارتياح .
وهذا ما لاحظه الدكتور طه حسين : " روحا عذبا غريبا ليس من اليسير وصفه ولا
تصويره ، ولكنك تحسه إحساسا قويا ، بل أنت تقرأ القصيدة ، فإذا هذا الروح يسبق ألفاظها
ومعانيها إلى قلبك ، ويشيع في نفسك خفة وطربا ...والغريب أن هذا الروح العذب الخفيف
يحتفظ بعذوبته وخفته في القصيدة كلها ، ولكنه مع ذلك يتخذ أشكالا ، وإن شئت فقل
يتخذ ألوانا مختلفة ، تتباين بتباين المعاني والموضوعات التي يطرقها الشاعر في هذه
.
لقد ارتقى أبو الطيب المتنبي باللغة إلى أبعد الحدود وأعطاها أبعادا جديدة تكشف
عن رؤية جديدة لنظام اللغة حيث كانت له قدرة فائقة على تطويع الكلمة واستخدامها
في شعره .
ويحذر الشعر من تلك القيود التي يراها بمثابة المعوقات التي تحد من الانطلاق في
التحليق نحو سماء الشعر ، فيستطيع من خلال تلك الكلمات المضيئة المشرقة أن يرسل
نشيده الخالد الذي يملأ الكون بضيائه ويعيد الإنسان إلى كيانه البشري .
هذه هي إذا مهمة الشاعر الذي يجعل من الكلمة ثورة لا تهدأ وصرخات تهز العالم
هزا ، فالكلمة بهذا التصوير هي ثورة غاضبة وعاصفة هوجاء عند شاعرنا تبعث في
الخاملين والكسالى ، وتفجر من الألم أملا وتبعث من اليأس رجاء ، فيقول المتنبي :
اْلخَيْل وَاللَّيْل وَاْلبَيْدَاءُ تَعْرُِفِني وَالسَّيْفُ وَالرُّمْحُ وَاْلقِرْطَاسُ وَاْلقََلمُ
( صَحِبْتُ فِي اْلفََلوَاتِ اْلوَحْشِ مُنْفَرِدًا حَتَّى تَعَجَّبَ مِنِّي اْلُقورُ وَاْلَأكَمُ
ويقول أيضا :
ُأرِيدُ مِنْ زَمَِني ذَا أَ ْ ن يُبَلِّغَِني مَا َليْسَ يَبُْلغُهُ مِنْ نَ ْ فسِهِ الزَّمَنُ
( مَا ُ كلُّ مَا يَتَمَنَّاهُ اْلمَرْءُ يُدْرِ ُ كهُ تَجْرِي الرِّيَّاحُ ِبمَا لاَ تَشْتَهِي السُُّفنُ
وقوله كذلك :
وَمَا أَنَا إِلَّا سَمْهَرِيٌّ حَمَْلتَهُ فَزَيَّنَ مَعْرُوضًا وَرَاعَ مُسَدَّدَا
( وَمَا الدَّهْرُ إِلاَّ مِنْ رُوَاةِ قَلاَئِدِي إِذَا ُقْلتُ شِعْرًا أَصْبَحَ الدَّهْرُ مُنْشِدَا
ذلك أن أبا الطيب ينظر إلى الكلمة على أنها ينبوع الثورة المتفجر فهو لم يتوانى لحظة في
استخدام الكلمة المعبرة ، فكأن لسان قومه في التعبير الثوري الذي يتأتى طرق الموت
والهلاك ناشدا الوصول إلى بغيته . فكان يكثر من اختيار الألفاظ المدوية التي تحمل دلالات
كبيرة ومن تلك الألفاظ ( الرياح ، سمهري ، الدهر ) . فقد افتخر بنفسه في التشبه بالرمح ،
وعظم الأمير بإظهار طواعيته له وخضوعه المطلق لإرادته ، وهذا يظهر لنا قدرته الفائقة
على مزاوجة المعاني ، وجمع المتناقض منها في معنى واحد بالتخريج والتأويل .
ويمكننا القول أن المتنبي الذي استوعب تراثه وثقافة عصره على نحو فريد ، استطاع
أن يجعل في قصائده أعماقا وتجليات لتلك الثقافة وذلك التراث ، ولكنه استطاع في الوقت
نفسه أن يتعداهما إلى تحقيق إنجازه الشعري الباهر، الذي يتمثل في الدرجة الأولى بلغة
شعرية صقيلة نافذة متألقة . بهذا الإنجاز الشعري ، ربح المتنبي معركته مع الزمن ، الذي
كان في شعره أبرز الخصوم .
ويقول الأصفهاني في كتابه ( الواضح في مشكلات شعر المتنبي ) : " وجملة القول
. ( في المتنبي أنه من حفاظ اللغة ، ورواة الشعر "
ويعتقد جودت فخر الدين أن التباس المتنبي بأسرار لغته هو أساس الموقف الذي
صدر عنه في شعره كله . إنه موقف الشعور بالتفوق ، الذي يضع المشروع الشعري اللغوي
فوق أي مشروع آخر، والذي يتراجع إزاءه كل غرض وكل موضوع وكل موقف آخر.
إزاء هذا الموقف ، لا يكون المديح سوى ذريعة أو فرصة . وكذلك الهجاء أو الغزل ... أو
.
غير ذلك من الأغراض . لا أظن أن الدارسين قد ذهبوا بعيدًا في الكشف عن أسرار اللغة
الشعرية للمتنبي . وعلى رغم الدراسات الكثيرة والسجالات والمعارك النقدية التي دارت
.( حوله ، فإن شعره لا يزال يغري بالمزيد من البحث والتعمق
و لعل سر اقتران الحكمة الشعرية بالمتنبي أكثر من غيره من الشعراء هو قدرته
اللغوية الفائقة ، والخبرة بمتطلبات الصياغة التي جعلت أبياته تتردد على الألسنة ؛ فتكتسب
سيرورتها واستمرارها ، وهي لغة صقيلة حاسمة واضحة ؛ تقنع المتلقي وتدهشه معا . يقول
المتنبي في هذا البيت :
( وَوَضعُْ النَّدَى فِي مَوْضِعِ السَّيْفِ بِالعُلا مَُضِرٌّ كَوَضْعِ السَّيْفِ فِي مَوْضِعِ النَّدَى
فهذا البيت يخبر عن معنى دقيق ، خلاصته أن الأفعال لا تمدح أو تذم مجردة عن ظروفها
وملابساتها ؛ فللشدة مواطنها التي لا ينفع فيها الرفق واللين ، والعكس صحيح أيضا . فهو
في هذا البيت قد سكب هذه الحكمة المستمرة الثابتة في قالب الجملة الاسمية الدالة على
الثبوت والرسوخ والدوام ، واللافت أنه لم يستخدم في البيت فعلا قط ! وهذا الاختيار أي
الاقتصار على الأسماء في أبيات الحكمة ، هو اختيار واع من الشاعر للغته ، ويكاد يكون
ملمحا أسلوبيا في شعر الحكمة ؛ إذ له نظائر كثيرة ، منها قوله :
( الرَّأْيُ قَبْلَ شَجَاعِةِ الشُّجْعَانِ هُوَ أَوَّلٌ، وَهِيَ فِي المَحَلِّ الثَّاِني
وقوله أيضا :
( فَطَعمُْ المَوْتِ فِي أَمْرٍ حَقِيرٍ كَطَعْمِ المَوْتِ فِي أَمْرٍ عَظِيمِ
في حين يرى الدكتور/ صالح بن عبد الله بن عبد العزيز الخضيري أن المتنبي ينأى
عن الألفاظ المستعملة في الوسط الأدبي و يختار الألفاظ الغريبة أو النادرة أو الشاذة و
يقحمها في نصه الشعري عن قصد و تنتشر هذه الألفاظ في شعره بشكل يختلف إلى حد كبير
عن الأدباء المعاصرين له ، فقد قال في مطلع قصيدته التي مدح بها عبد الواحد بن العباس
المتنبي صاحب اللغة المتجددة ، جودت فخر الدين .
.
أَركَائبَ الأحْبَابِ إنَّ الأدْمُعَا تَطِسُ الخُدُوْدَ كَمَا تَطِسْنَّ اليَرْمُعا
فَاعْرِ ْ فنَ مَنْ حَمَلَتْ عَلَيْ ُ كنّ النَّوَى وَاَمْشِيْنَ هَوْنًَا فِي الأزِمَّةِ خُضَّعَا
لقد اختار كلمة " تطس " من بين عدة بدائل متاحة ، و كان بإمكانه أن يختار كلمة
" تدق " لكنه اختار كلمة تطس لأنها هي التي تعبر عما في نفسه ، وكذلك اختار كلمة
اليرمع ، وكان بإمكانه أن يختار كلمة الحجارة ، وربما يكون للقافية دور في اختيار
كلمة اليرمع .
فقد أصبح اختيار الألفاظ الغريبة و تفضيلها على غيرها من البدائل المتاحة هي إحدى
Stylistic " السمات الأسلوبية لشعر أبي الطيب المتنبي ، فهي بمثابة البصمة الأسلوبية
التي امتاز بها المتنبي عمن عداه من الشعراء . " Finger
لقد أخضع المتنبي مهارته الأسلوبية لإيثاراته الخاصة فهو شاعر متحرر مما يمليه
عليه المقام ولا يضبط اختياراته تبعا لما يتطلبه الموقف ، لذلك نجده يختار الألفاظ ذات
المعاني غير المألوفة و يقحمها في شعره مع إمكان استبدالها بغيرها .
على أن طبيعة الشاعر ونفسيته وراء اختيار هذا النوع من الألفاظ ، فهو لا ينظر
إلى الممدوح فقط لأن صورة المتلقي تتراءى أمامه ولا تغيب عنه، فالمتلقي هو الغائب
الحاضر.
بتصرف :
عن اطروحة ماجستير /جزائرية في الادب العباسي ((شعر الحكمة بين الرؤية الفلسفية والملفوظ النفسي عند المتنبي ))
الطالبة: سامية مدوري.......كلية الآداب / قسم اللغة العربية 2009/2010
اشراف د.معمر حجيج
((يتبع ))
الادوات : 1- اللغة
2- الصورة
3- الموسيقى
– اللغة :
بدأ المتنبي حياته الفنية تلميذا بارعا في مدرسة أبي تمام ، ومضى يترسم خطاه
ويقتفي أثره في خطواته الأولى على الطريق الفني الذي كان أبو تمام يضرب بخطاه الثابتة
القوية فيه ، مثيرا من حوله تلك الضجة النقدية الضخمة التي شغلت القرن الثالث ووضعته
على قمة حركة التجديد فيه ، ممثلا لتلك المدرسة الجديدة التي شق دروبها الأولى رائدها
الأول مسلم بن الوليد . وفي قصائد المتنبي المبكرة التي نظمها في صدر حياته الفنية تبدو
بصمات أبي تمام البديعية واضحة ، وتطل أصباغه وألوانه وتشكيلاته الزخرفية وكأنها تعلن
عن نفسها ، ولكنها تبدو – على الرغم من كل الجهد الذي يبذله المتنبي في صناعتها –
مجرد محاولات ساذجة يحاول فيها التلميذ الناشئ أن يقلد أستاذه الكبير. ويمكننا أن نعتبر
الأسلوب هو المنهج أو الطريقة التي يصوغ بها الأديب أو المبدع أفكاره ويعبر بها عما
يجول في خاطره من عواطف وانفعالات سواء أكانت هذه الطريقة شعرا أم نثرا ، فهو بذلك
أداة لإبراز الأفكار وبلورة العواطف .
وقد كان المتنبي واسع الإطلاع على كتب اللغة والنحو ودواوين الشعراء ،
واسع العلم بأسرار اللغة وغريبها ولهجاتها ، ومذاهب النحاة وشواهدهم . فقد كان مبرزا في
مجال اللغة ، مكثرا في نقلها ، مطلعا على غريبها وحوشيها . وأكثر استشهاده بكلام العرب
نظما ونثرا . قرأ عليه ابن العميد كتابه الذي جمعه في اللغة وكان يعجب من حفظه وغزير
علمه . كما قرأ عليه أهل مصر كتاب المقصور والممدود لأبي العباس ابن ولاد فصححه
وأخذ على مؤلفه بعض الغلطات . قيل إن كتبه بعد موته كانت تحمل ملاحظات نفيسة دونها
بيده . وكان حريصا على حمل مكتبته في أسفاره وقد امتازت لغة المتنبي في قوتها
فلاءمت بها قوة نفسه ومعانيه وأغراضه . وتبدو هذه القوة في ألفاظه الصلبة ، وتراكيبه
المتينة ، وتشابيهه واستعاراته وقد وُصف بأنه نادرة زمانه ، وأعجوبة عصره ، وظل
شعره إلى اليوم مصدر إلهام ووحي للشعراء والأدباء . وكان أكثر الشعراء تمكنًا باللغة
العربية وأعلمهم بقواعدها ومفرداتها ، وله مكانة سامية لم تتح مثلها لغيره من شعراء
العربية .
إن اللغة الأدبية تختلف عن لغة العلم والحياة اليومية اختلافا بينا وهي بهذا السياق تعبير لا
ألفاظا مفردة بما تحمله من انفعالات ودلالات إيحائية ، ولهذا فإن لهذه اللغة المثيرة ألفاظها
الخاصة التي لا يجوز للشاعر تجاوزها ، وذلك أن لغة الشعر لغة العاطفة تختلف عن
لغة العقل .
ومن هذا المنطلق فقد أولاها النقاد والدارسون أهمية بالغة لما تمتاز به من مكانة
في العمل الإبداعي باعتبارها العنصر الأساسي لكل عمل فني يعتمد الكلمة كأداة للتعبير .
ويعتبر الدكتور مصطفى سويف أن اللغة مجرد وسيلة عند من عنوا بالمضمون في العمل
الفني دون الصورة ، وعلى الضد من ذلك هي غاية الفنان عند فريق آخر من الباحثين من
. فالنقد نفسه لا يتعلق في التجربة ) j.p. Sartre أمثال ريتشاردز وجان بول سارتر
الشعورية بالعمل الأدبي إلا حين تأخذ صورتها اللفظية . ولأن الحكم عليها لا يتأتى إلا
باستعراض الصورة النقدية التي وردت فيها وبيان ما تنقله هذه الصورة إلينا من حقائق
ومشاعر .
ولهذا كان من أوليات الشعر ، حسن استظهار خصائص اللغة لأنها مادة العمل
الشعري ، فكانت بذلك علاقة تجربة الشاعر بلغته ، أوثق من علاقة الشاعر أو المؤلف
المسرحي ، وذلك لأن الشاعر يعتمد على ما في قوة التعبير من إيحاء بالمعاني في لغته
التصويرية الخاصة .
ومن هنا عمد النقاد والدارسون إلى اعتبار الشعر اكتشافا دائما للكلمة واكتشافا
للوجود ، من خلال اللغة وطريقة تعامله معها تتم عن مدى قدرته على عملية الخلق
والاكتشاف للأبعاد الجديدة التي تحملها الألفاظ ، والتراكيب ، ومن ثم فإن : " الشعر الوسيلة
الوحيدة لغنى اللغة وغنى الحياة على السواء ، والشعر الذي لا يحقق هذه الغاية الحيوية لا
. ( يمكن أن يسمى شعرا بحق "
وعلى هذا الأساس فقد تفاوت الأدباء والشعراء وتمايزوا في طريقة تعاملهم مع اللغة ،
فمنهم المجيد ، ومنهم العادي ومنهم دون ذلك لأن التعبير الأدبي في أبسط صوره صنعة
.
لغوية تختلف اختلافا واضحا من أديب إلى آخر ، فقد يكون البعض مقتصدا كأحمد
حسن الزيات ، أو مسرفا كطه حسين ، أو أن يكون هادئا كإبراهيم ناجي ، أو هادئا كحسن
إسماعيل أو مكثفا معقدا كالرافعي ، أو سهلا رشيقا كنزار قباني .
وليس ذلك مرده إلى طبيعة الشاعر ، بل إنه يعود إلى طريقة تعامله مع اللغة وفهمها
وفي إحساسه لها في استعماله كل حبالها من البساطة الكاملة إلى المعاضلة المعقدة .
ونتيجة للدور الكبير والهام الذي تلعبه اللغة في الحكم على العمل الإبداعي ، كان من
واجبنا أن نقف على هذا الجانب في شعر المتنبي لنكتشف ونستقصي الخصائص التي تميزت
بها لغة شاعرنا .
لقد أضفت لغة المتنبي القوية على أشعاره صورا حماسية رائعة ارتسمت في تطور
منحاه البياني ، هذه الروح الثورية المتأججة ، وهذه الصرخات الأليمة التي تصدر من نفس
شاعرنا التي تشكل المصدر أو الينبوع المتدفق في بناء قصائده ، إذ يقول في قصيدة يمدح
فيها سيف الدول
وَمَا أَنَا إِلاَّ سَمْهَرِيٌّ حَمَْلتَهُ فَزَيَّنَ مَعْرُوضًا وَرَاعَ مُسَدَّدَا
أَجِزِْني إِذَا أَنْشَدْتُ شِعْراً فَِإنَّمَا ِبشِعْرِي أَتَاكَ اْلمَادِحُونَ مُرَدَّدَا
وَدَعْ ُ كلَّ صَوْتٍ غَيْرَ صَوْتِي فَِإنَِّني أَنَا الصَّائِحُ اْلمَحْكِيُّ وَاْلآخَرُ الصَّدَى
تَرَ ْ كتُ السُّرَى خَْلفِي لِمَنْ قَلَّ مَاُلهُ وَأَنْعَْلتُ أَ ْ فرَاسِي ِبنُعْمَاكَ عَسْجَدَا
فالمتأمل لهذا النص الشعري يلفته الشكل الخارجي للغة التي تحمل جملة من الوظائف
والدلالات في بنيتها الفردية (الكلمة) وبنيتها الكلية (التركيب) . فاللغة بهذا البناء الفني
عند المتنبي كانت مادة لدلالة ظاهرة وباطنة تتجاوز القرائن البعيدة لتقف عند سطوة
المدرك الملموس الذي يستشعره المتنبي . فقد أوجد عالما كاملا من الكلمات في
مستوى طموحه ( سمهري ، مسددا ، عسجدا ... ) كلمات كلها قوة ، ويمكن أن نرد
هذا إلى نفسيته المتأججة بنار الثورة المتطلعة إلى المعالي وهذا ما مكن هذه النفس
الثائرة إنتاج فخامة على هذا الشعر الذي له علاقة وطيدة بنفسية صاخبة وهو ما مكن
العمل الفني أن يكون في مستوى تطلعاته وطموحه واعتداده بذاته من جهة ، وميله إلى
نهج سبيل القوة من جهة أخرى .
إذا فاللغة الشعرية عند المتنبي لغة تسعى إلى البحث عن الجديد وغير المألوف لكي
تكون تمثلا صادقا لنفسية الشاعر ، ولقد سعى بلغته هذه إلى بناء معمار فني خاص ، يعتمد
على استثمار العلاقات الصوتية للغة فتسعى الكلمات في قصائده إلى أن تغمر القارئ بمتعة
صوتية تصرفه عن المعنى للحظة في عالم من التراكيب المتخيلة ، ولكنه لا يلبث بعد انتهاء
الموجة الشعرية أن يتكشف جلاء هذا الغموض مما يولد لديه إحساسا بالارتياح .
وهذا ما لاحظه الدكتور طه حسين : " روحا عذبا غريبا ليس من اليسير وصفه ولا
تصويره ، ولكنك تحسه إحساسا قويا ، بل أنت تقرأ القصيدة ، فإذا هذا الروح يسبق ألفاظها
ومعانيها إلى قلبك ، ويشيع في نفسك خفة وطربا ...والغريب أن هذا الروح العذب الخفيف
يحتفظ بعذوبته وخفته في القصيدة كلها ، ولكنه مع ذلك يتخذ أشكالا ، وإن شئت فقل
يتخذ ألوانا مختلفة ، تتباين بتباين المعاني والموضوعات التي يطرقها الشاعر في هذه
.
لقد ارتقى أبو الطيب المتنبي باللغة إلى أبعد الحدود وأعطاها أبعادا جديدة تكشف
عن رؤية جديدة لنظام اللغة حيث كانت له قدرة فائقة على تطويع الكلمة واستخدامها
في شعره .
ويحذر الشعر من تلك القيود التي يراها بمثابة المعوقات التي تحد من الانطلاق في
التحليق نحو سماء الشعر ، فيستطيع من خلال تلك الكلمات المضيئة المشرقة أن يرسل
نشيده الخالد الذي يملأ الكون بضيائه ويعيد الإنسان إلى كيانه البشري .
هذه هي إذا مهمة الشاعر الذي يجعل من الكلمة ثورة لا تهدأ وصرخات تهز العالم
هزا ، فالكلمة بهذا التصوير هي ثورة غاضبة وعاصفة هوجاء عند شاعرنا تبعث في
الخاملين والكسالى ، وتفجر من الألم أملا وتبعث من اليأس رجاء ، فيقول المتنبي :
اْلخَيْل وَاللَّيْل وَاْلبَيْدَاءُ تَعْرُِفِني وَالسَّيْفُ وَالرُّمْحُ وَاْلقِرْطَاسُ وَاْلقََلمُ
( صَحِبْتُ فِي اْلفََلوَاتِ اْلوَحْشِ مُنْفَرِدًا حَتَّى تَعَجَّبَ مِنِّي اْلُقورُ وَاْلَأكَمُ
ويقول أيضا :
ُأرِيدُ مِنْ زَمَِني ذَا أَ ْ ن يُبَلِّغَِني مَا َليْسَ يَبُْلغُهُ مِنْ نَ ْ فسِهِ الزَّمَنُ
( مَا ُ كلُّ مَا يَتَمَنَّاهُ اْلمَرْءُ يُدْرِ ُ كهُ تَجْرِي الرِّيَّاحُ ِبمَا لاَ تَشْتَهِي السُُّفنُ
وقوله كذلك :
وَمَا أَنَا إِلَّا سَمْهَرِيٌّ حَمَْلتَهُ فَزَيَّنَ مَعْرُوضًا وَرَاعَ مُسَدَّدَا
( وَمَا الدَّهْرُ إِلاَّ مِنْ رُوَاةِ قَلاَئِدِي إِذَا ُقْلتُ شِعْرًا أَصْبَحَ الدَّهْرُ مُنْشِدَا
ذلك أن أبا الطيب ينظر إلى الكلمة على أنها ينبوع الثورة المتفجر فهو لم يتوانى لحظة في
استخدام الكلمة المعبرة ، فكأن لسان قومه في التعبير الثوري الذي يتأتى طرق الموت
والهلاك ناشدا الوصول إلى بغيته . فكان يكثر من اختيار الألفاظ المدوية التي تحمل دلالات
كبيرة ومن تلك الألفاظ ( الرياح ، سمهري ، الدهر ) . فقد افتخر بنفسه في التشبه بالرمح ،
وعظم الأمير بإظهار طواعيته له وخضوعه المطلق لإرادته ، وهذا يظهر لنا قدرته الفائقة
على مزاوجة المعاني ، وجمع المتناقض منها في معنى واحد بالتخريج والتأويل .
ويمكننا القول أن المتنبي الذي استوعب تراثه وثقافة عصره على نحو فريد ، استطاع
أن يجعل في قصائده أعماقا وتجليات لتلك الثقافة وذلك التراث ، ولكنه استطاع في الوقت
نفسه أن يتعداهما إلى تحقيق إنجازه الشعري الباهر، الذي يتمثل في الدرجة الأولى بلغة
شعرية صقيلة نافذة متألقة . بهذا الإنجاز الشعري ، ربح المتنبي معركته مع الزمن ، الذي
كان في شعره أبرز الخصوم .
ويقول الأصفهاني في كتابه ( الواضح في مشكلات شعر المتنبي ) : " وجملة القول
. ( في المتنبي أنه من حفاظ اللغة ، ورواة الشعر "
ويعتقد جودت فخر الدين أن التباس المتنبي بأسرار لغته هو أساس الموقف الذي
صدر عنه في شعره كله . إنه موقف الشعور بالتفوق ، الذي يضع المشروع الشعري اللغوي
فوق أي مشروع آخر، والذي يتراجع إزاءه كل غرض وكل موضوع وكل موقف آخر.
إزاء هذا الموقف ، لا يكون المديح سوى ذريعة أو فرصة . وكذلك الهجاء أو الغزل ... أو
.
غير ذلك من الأغراض . لا أظن أن الدارسين قد ذهبوا بعيدًا في الكشف عن أسرار اللغة
الشعرية للمتنبي . وعلى رغم الدراسات الكثيرة والسجالات والمعارك النقدية التي دارت
.( حوله ، فإن شعره لا يزال يغري بالمزيد من البحث والتعمق
و لعل سر اقتران الحكمة الشعرية بالمتنبي أكثر من غيره من الشعراء هو قدرته
اللغوية الفائقة ، والخبرة بمتطلبات الصياغة التي جعلت أبياته تتردد على الألسنة ؛ فتكتسب
سيرورتها واستمرارها ، وهي لغة صقيلة حاسمة واضحة ؛ تقنع المتلقي وتدهشه معا . يقول
المتنبي في هذا البيت :
( وَوَضعُْ النَّدَى فِي مَوْضِعِ السَّيْفِ بِالعُلا مَُضِرٌّ كَوَضْعِ السَّيْفِ فِي مَوْضِعِ النَّدَى
فهذا البيت يخبر عن معنى دقيق ، خلاصته أن الأفعال لا تمدح أو تذم مجردة عن ظروفها
وملابساتها ؛ فللشدة مواطنها التي لا ينفع فيها الرفق واللين ، والعكس صحيح أيضا . فهو
في هذا البيت قد سكب هذه الحكمة المستمرة الثابتة في قالب الجملة الاسمية الدالة على
الثبوت والرسوخ والدوام ، واللافت أنه لم يستخدم في البيت فعلا قط ! وهذا الاختيار أي
الاقتصار على الأسماء في أبيات الحكمة ، هو اختيار واع من الشاعر للغته ، ويكاد يكون
ملمحا أسلوبيا في شعر الحكمة ؛ إذ له نظائر كثيرة ، منها قوله :
( الرَّأْيُ قَبْلَ شَجَاعِةِ الشُّجْعَانِ هُوَ أَوَّلٌ، وَهِيَ فِي المَحَلِّ الثَّاِني
وقوله أيضا :
( فَطَعمُْ المَوْتِ فِي أَمْرٍ حَقِيرٍ كَطَعْمِ المَوْتِ فِي أَمْرٍ عَظِيمِ
في حين يرى الدكتور/ صالح بن عبد الله بن عبد العزيز الخضيري أن المتنبي ينأى
عن الألفاظ المستعملة في الوسط الأدبي و يختار الألفاظ الغريبة أو النادرة أو الشاذة و
يقحمها في نصه الشعري عن قصد و تنتشر هذه الألفاظ في شعره بشكل يختلف إلى حد كبير
عن الأدباء المعاصرين له ، فقد قال في مطلع قصيدته التي مدح بها عبد الواحد بن العباس
المتنبي صاحب اللغة المتجددة ، جودت فخر الدين .
.
أَركَائبَ الأحْبَابِ إنَّ الأدْمُعَا تَطِسُ الخُدُوْدَ كَمَا تَطِسْنَّ اليَرْمُعا
فَاعْرِ ْ فنَ مَنْ حَمَلَتْ عَلَيْ ُ كنّ النَّوَى وَاَمْشِيْنَ هَوْنًَا فِي الأزِمَّةِ خُضَّعَا
لقد اختار كلمة " تطس " من بين عدة بدائل متاحة ، و كان بإمكانه أن يختار كلمة
" تدق " لكنه اختار كلمة تطس لأنها هي التي تعبر عما في نفسه ، وكذلك اختار كلمة
اليرمع ، وكان بإمكانه أن يختار كلمة الحجارة ، وربما يكون للقافية دور في اختيار
كلمة اليرمع .
فقد أصبح اختيار الألفاظ الغريبة و تفضيلها على غيرها من البدائل المتاحة هي إحدى
Stylistic " السمات الأسلوبية لشعر أبي الطيب المتنبي ، فهي بمثابة البصمة الأسلوبية
التي امتاز بها المتنبي عمن عداه من الشعراء . " Finger
لقد أخضع المتنبي مهارته الأسلوبية لإيثاراته الخاصة فهو شاعر متحرر مما يمليه
عليه المقام ولا يضبط اختياراته تبعا لما يتطلبه الموقف ، لذلك نجده يختار الألفاظ ذات
المعاني غير المألوفة و يقحمها في شعره مع إمكان استبدالها بغيرها .
على أن طبيعة الشاعر ونفسيته وراء اختيار هذا النوع من الألفاظ ، فهو لا ينظر
إلى الممدوح فقط لأن صورة المتلقي تتراءى أمامه ولا تغيب عنه، فالمتلقي هو الغائب
الحاضر.
بتصرف :
عن اطروحة ماجستير /جزائرية في الادب العباسي ((شعر الحكمة بين الرؤية الفلسفية والملفوظ النفسي عند المتنبي ))
الطالبة: سامية مدوري.......كلية الآداب / قسم اللغة العربية 2009/2010
اشراف د.معمر حجيج
((يتبع ))