رمضان بالباديه المصريه :عادات وتقاليد ورثوها من مئات السنين
بعادات وتقاليد متوارثة منذ مئات السنين يستقبل بدو سيناء شهر رمضان، وبروح هذه العادات يحيون لياليه الكريمة. فبرغم مظاهر الحياة الاجتماعية الحديثة التي بدأت تتسلل إلى حياتهم، ومن أبرزها البيوت المزودة بالكهرباء وأجهزة الستلايت وانتشار أجهزة الهاتف الجوال إلا أن الخيمة والمقعد البدوي يتمتعان بخصوصية شديدة طيلة شهر رمضان.
ولرمضان طبيعة خاصة جدا عند البدو فهم يستطلعون هلاله من أعلى القمم الجبلية والمناطق الخلوية المرتفعة ومع ذلك يلتزمون بالرؤية الشرعية التي تقوم بها الأجهزة الرسمية بمصر وعند ثبوت الرؤية تعلق الزينات وترفع الأعلام البيضاء للتعبير عن الفرحة باستقبال شهر رمضان.
وطيلة شهر رمضان يحرص أبناء البادية على فتح المقاعد والدواوين للإفطار الجماعي كنوع من التكافل الاجتماعي حيث يصطحب كل رجل أطفاله لتعويدهم على ذلك، ولا يبقى في المنزل سوى السيدات والفتيات والشيوخ كبار السن فيتناول الجميع الإفطار سويا، أما الضيف فيكون له اهتمام خاص، حيث تترك له مائدة مستقلة. ويسبق إعداد الإفطار إشعال النيران والمواقد المتوهجة حتى
يقبل عليها السائرون أو من يكون تائها في الصحراء ثم تستخدم في إعداد الشاي والقهوة بعد ذلك.
يقول نايف سلامة نائب رئيس جمعية التراث بسيناء أن كل فرد من أفراد القبيلة يحرص طوال رمضان على إحضار إفطاره ويضع كل منهم الأطباق التي أحضرها على مائدة كبيرة حتى يتناول الغني طعام الفقير ويتناول الفقير طعام الغني. وعند أذان المغرب يقومون للصلاة بعد توزيع التمر
والمياه والعصائر ثم يقبلون على المائدة فيأكل كل فرد من جميع الأطباق الموجودة دون فارق.
ويضيف: غالبا ما يبدأ تجهيز مجلس الإفطار عقب صلاة العصر فيتوافد جميع رجال وشباب القبيلة ويصطحبون معهم أطفالهم لتعويدهم على العادات والتقاليد السائدة، ثم يتم التجهيز للإفطار والشاي والقهوة حتى يحين موعد أذان المغرب.
ومعظم طعام البدو في رمضان يكون من الفطائر المصنوعة من الطحين والسمن إضافة إلى الفتة وفوقها الأرز واللوز وحمص الشام واللحم ولا يؤكلون السمك في رمضان. ويجلس كل فرد في أقل مساحة ممكنة حتى يكون هناك متسع لآخرين، ويتم تناول الطعام باليد اليمنى وبدون استخدام ملاعق سوى للضيوف فقط، وأن يتناول كل فرد الطعام من الجهة المقابلة ولا يتعدى على باقي الجهات.
وبعد الإفطار تترك المائدة ولا يرفع عنها الطعام حتى بعد صلاة التراويح تحسبا لوصول أي ضيف أو عابر سبيل أو مار على الطريق ولم يفطر. وبعد صلاة التراويح تبدأ السهرات الرمضانية بنفس المقاعد والدواوين ومجالس العائلات، يتسامرون ويتناولون الشاي والقهوة إلى جانب الحلوى الرمضانية من كنافة وقطايف ويستمر السهر ومناقشة بعض الأمور الحياتية اليومية علاوة على الدينية حتى ساعات متأخرة من الليل، وقبل موعد السحور يتجه كل منهم الى منزله لايقاظ أهله وتناول طعام السحور معهم، ثم يخرج الى المسجد لصلاة الفجر.
ويقول ماهر بدوى أحد القضاة العرفيين بالعريش إن جلسات القضاء العرفى لا تعقد فى رمضان احتراما لهذا الشهر المقدس، ويتم تأجيل أى جلسة للقضاء العرفى الى ما بعد عيد الفطر المبارك، وإذا ما حدث خلاف بين قبيلتين أو عائلتين من قبيلة واحدة أو أفراد يتم تحديد هدنة فيما بينهم لحين انتهاء شهر رمضان. ويضيف مسلم الحوص خبير التراث والقضاء العرفي أن مجالس البشعة (أي لحس النار) تتوقف أيضا فى شهر رمضان، ويتوقف عمل المبشع طوال الشهر الكريم احتراما وتقديرا لهذا الشهر العظيم.
ويتذكر أبناء سيناء كلما حل عليهم شهر رمضان قصة مدفع رمضان الذي كان قابعا أمام قسم الشرطة بميدان البلدية الرئيسي بالعريش والذي استولت عليه إسرائيل بعد الاحتلال، وعندما أرادت إسرائيل احياء الطقوس الرمضانية نصبت مدفعا آخر للإفطار والسحور في محاولة يائسة لكسب مشاعر المواطنين الصائمين من الصامدين، إلا أنهم لم يستجيبوا له واعتمدوا على مدفع الإذاعة المصرية فقد اعتبروه رسالة من الوطن الأم مصر لتشجيعهم على الصمود والتحدي. ويروي بعض البدو انهم كانوا في الماضي يستدلون على مواعيد الافطار والسحور بحركتى الشمس والنجوم حيث لم يكن موجودا لديهم مذياع أو تلفزيون أو كهرباء فكانوا يستدلون على موعد أذان المغرب بمراقبة الشمس بالعين المجردة والاستدلال على وقت الغروب فيفطرون، كما كانوا يستدلون على مواعيد السحور والإمساك بمراقبة حركة النجوم وتحديد موعد أذان الفجر.
وفي واجباتهم كانوا يحرصون على أن تتماشى مع الظروف الجوية والمناخية ودرجة حرارة الجو في رمضان، وبما يقيهم العطش والبرد أو الحر في النهار.. ففي الشتاء والخريف كانوا يعتمدون في أكلاتهم على الأغذية الجافة التي تعطي الطاقة مثل العدس، وفي الصيف على عجر البطيخ (وهو البطيخ الصغير فى مراحل نموه الأولى)، وفي الربيع كانوا يعتمدون على لبن الماعز. ويذكر إسماعيل عودة عضو المجلس الشعبي المحلي لمحافظة شمال سيناء أحد أبناء بادية وسط سيناء أنه قبل أكثر من 10 سنوات لم تكن البادية تعرف الكنافة والقطايف في رمضان وإنما كانوا يعتمدون على فاكهة الموسم الموجودة من خوخ ومشمش وكنتالوب وبطيخ وتفاح وجوافة، أما الآن فقد أصبح طبق القطايف والكنافة لازمة أساسية في كل مجلس بعد الافطار وفي السهرات الرمضانية.
ويضيف عودة انه في مساء آخر خميس من شهر رمضان تقوم معظم الأسر البدوية بنحر الذبائح التي تسمى «عشاء الأموات» والمقصود بها أن يكون ثوابها لأمواتهم.. وهي عادة من التراث السيناوي. ويذكر أيضا أن حفلات الزواج تتوقف نهائيا عند البدو في شهر رمضان، كما يتم تأجيل الخطوبة أو عقد القران إلى ما بعد انتهاء الأيام الستة البيض من شهر شوال، وهي عادة تؤكد مدى إجلالهم للشهر الكريم وأنه شهر الصلاة والعبادة وتلاوة القرآن.
وفى مطروح لا يختلف الامر
تحتفظ القبائل البدوية المنتشرة في المناطق الصحراوية المصرية، خاصة الحدودية مثل مطروح، وسيناء، والوادي الجديد، بعادات خاصة وطقوس متميزة في كل مجالات الحياة، و في رمضان يستقبل البدو الشهر الكريم استقبالاً خاصاً، ويتناولون فيه أطعمة مميزة، ويختلفون في قضاء ليله ونهاره.
في مطروح تتميز قبائل «أولاد علي» بعادات مختلفة وطقوس خاصة في شهر رمضان، يوضحها إبراهيم الزوام، الباحث في التراث البدوي، بقوله: إن البدو يختارون شيخاً يحظي بثقة بين أهل النجع، ومعه شاب موفور الصحة، وقوي البصر لاستطلاع الهلال بعد صلاة المغرب،
وعند صلاة الفجر في آخر أيام شعبان، وحال التأكد من رؤيته يتم سؤال الشاهد الذي يحضر عملية الاستطلاع، والشاب الذي يري الهلال، وبعدها يمر الشيخ علي أهالي النجع فوق ظهر حصان ويقول لهم: «اليوم تصوموا الشهر الكريم».
وأوضح الزوام أن البدو لهم عادات جميلة في المأكل والمشرب، منها أنهم يفطرون مرتين، الأولي تسمي «الفطور»، وهي وجبة خفيفة مكونة من الحليب والتمر، ثم يؤدون صلوات المغرب، والعشاء، والتراويح ويعودون إلي المنازل لتناول الإفطار الرئيسي الذي يسمي «الضحوية»،
مشيراً إلي أن أهم الأكلات البدوية في رمضان «المجردج» وهو الخبز المصنوع علي «الطاوية» وهي آنية يوضع فوقها العجين ثم يدخل الفرن قبل الإفطار بحوالي ربع الساعة يخرج بعدها ساخناً، ويؤكل مثل الخبز،
أو توضع عليه الشوربة وفي هذه الحالة يسمي «الفتيت»، موضحاً أنه يشبه الفتة، لكنها دون ثوم أو أرز، أو تصنع منه «المفروكة»، التي تقدم كطعام حلو بعد إضافة السمن والسكر.
وفي الوادي الجديد يبدأ احتفال البدو بالشهر الكريم بخروج مئات من الشباب حاملين الطبول والمزمار البلدي ليجوبوا أنحاء القرية، ويكون للأطفال نصيب الأسد من هذه الاحتفالية، إذ يرتدون ملابس جديدة كأنه يوم العيد، فيما يزور الكبار أقاربهم وجيرانهم في منازلهم لتقديم التهنئة، والاتفاق علي تقديم المساعدات للفقراء والمحتاجين دون أن يشعر بهم أحد.
ويجتمع أبناء القرية الواحدة يومياً، في المسجد قبل صلاة المغرب، ثم يتناولون وجبة الإفطار سوياً بعد أن يحضر كل واحد منهم ما لديه من طعام، ثم يجتمعون مرة أخري عقب صلاة التراويح لتناول وجبة «العتوم» وهي الوجبة الرئيسية طوال الشهر،
ويتناوب الأهالي علي استضافة بعضهم البعض فيها، يعقبها سهرة يشارك فيها الكبار والصغار يروي فيها الشيوخ تجاربهم مع الحياة، ويستمع الصغار إلي نصائحهم، وتستمر هذه السهرات إلي ما قبل السحور مباشرة.
ويخرج أبناء واحة الفرافرة إلي الصحراء البيضاء وسط الطبيعة الخلابة لقضاء أمسياتهم الرمضانية، ويجتمع عمداء العائلات علي الأطعمة الشهية والمشروبات الساخنة التي تعدها النساء لهم، وتستمر السهرات طوال الليل، بينما ينامون معظم فترات النهار لارتفاع درجة الحرارة.
أما أبناء واحة الداخلة فمازالوا حتي الآن حريصين علي عادة اجتماع العائلة بالكامل في منزل كبيرها لتناول وجبة الإفطار، وغير مسموح لأي شخص بتناول الإفطار بمفرده نهائياً.
هذى بعض اراء البدو فى العادات
وقالت حياة عبدالحفيظ، من أهالي المدينة: إن شهر رمضان قديماً كان له شكل آخر، فلم تكن هناك حدود بين رفح المصرية، والفلسطينية، وكانت دواوين العائلات مفتوحة طوال الشهر، وعامرة بالخير وكان أبناء العائلة الواحدة يتنقلون بين مدينتي رفح متجمعين للإفطار والتسامر حتي السحور.
وقال مسعد أبو رباع، مقيم في ميدان صلاح الدين بالمدينة: إن مظاهر رمضان القديمة اندثرت هذه الأيام، بسبب الظروف الحالية التي جعلت كل فرد يفطر مع أسرته فقط، مشيراً إلي أن بعض العشائر تحافظ علي الإفطار في الديوان الذي يتوجه إليه الرجال حاملين الطعام، بينما تفطر السيدات في المنازل، وبعد صلاة التراويح تقضي الأسر وقتها أمام التليفزيون لمتابعة المسلسلات.
وأضاف أبو رباع إنه خلال فترات سابقة عندما كان الإسرائيليون يحتلون الشريط الحدودي، كانت لحظة الإفطار صعبة إذ يختلط أذان المغرب مع أصوات الطلقات.
وقالت مني برهوم: إن الأكلات السيناوية لم تعد مميزة، خاصة بعد أن تعددت الأصناف التي تقدم اليوم، مشيرة إلي أن رمضان اختلف عن ذي قبل بسبب الغزو الثقافي، لافتة إلي أن الحفاظ علي صلة الرحم والمودة بين الناس هو العادة الوحيدة الباقية.
وتتحسر أم مسعود بقولها: اختلف رمضان عن ذي قبل، فقديماً كنا نجتمع باستمرار، لكننا الآن تفرقنا والحياة أصبحت صعبة، وعندما تحدث اضطرابات في الجانب الفلسطيني نصاب بالاكتئاب ونتأثر نفسياً ونحزن لما يحدث لأشقائنا، فالعائلات مقسمة بين شطري رفح، مشيرة إلي أن رمضان هو شهر التصالح والتسامح وحل المشكلات بين القبائل، رغم أن القضاء العرفي يكون في إجازة طوال الشهر.
وقال الشيخ حسان سليمان، شيخ قبيلة البعيرة في رفح: إن رمضان قديماً كانت له بهجة اختفت هذه الأيام، مشيراً إلي أن الناس كانت تستعد لرمضان من شهر رجب بالصيام لتعتاد عليه، وكان الجميع يتوجهون إلي ديوان العائلة الذي يقدم فيه الإفطار، والشاي، والقهوة حول حلقات السمر في المساء.
وأكد خالد عوض، رئيس قرية الوفاق الحدودية أن اندماج المجتمع السيناوي داخل ثقافات مختلفة أدي إلي اندثار عادات المنطقة، وظهور عادات حديثة عن المجتمع، لافتاً إلي أن عادة التجمع في الديوان مازالت باقية.