اللغة، القصدية، الاعتباط: تعريفات وتعويل على منهج (عالم سبيط النيلي): الجزء الأخير
الشيء وتسميته: إن الذي يوحي به اعتبار العلاقة بين الدال والمدلول اعتباطية هو عدم وجود شيء يستحق الدراسة أما البناء الشكلي فتتكفل به قواعد اللغة من نحو وصرف. وهو ما يراه الأستاذ عالم،
ولكن سوسير يجعل الاعتباطية المدخل الوحيد للقيام بدراسة ما. ومع أن الاستنتاج الطبيعي من اعتباطية الإشارة يوحي لنا بأن اللغة تسمية للأشياء إلا إن سوسير يرفض ذلك قائلاً: (إن هذا الرأي يمكن انتقاده في عدد من النقاط فهو يزعم أن الأفكار معدة قبل الكلمات). ويعلق الأستاذ عالم إذن فهو يرفض أن تكون الأشياء سابقة على أسمائها لأن ذلك يعني ان هناك واضعاً وضع للأشياء أسماءها فيما بعد وإذا كان قد وضعها اعتباطاً فلم يبق موضوع للدراسة سوى التراكيب التي ستفي القواعد بدراستها، وللتخلص من هذه المشكلة والدخول إلى علم اللغة قام سوسير بافتراض شيء ثالث غير المفردة والمعنى وهو الفكرة فهناك فكرة عن الشجرة ويأتي الاسم ليضع إيحاءً نفسياً لها فهو بمثابة اشارة تربط بين الفكرة والصورة الصوتية ويتساءل الأستاذ عالم ولا يعلم أحد بالضبط ان كانت الإشارة جزءاً من الصورة الصوتية أم هي نفسها أم إن الصوت المفرد من الناحية الفيزيائية ينقسم إلى إشارة إيحائية سايكولوجية وصوت فيزيائي؟ وقد فسر سوسير الأمر بقوله (إن الإشارة اللغوية تربط بين الفكرة والصورة الصوتية، وليس بين الشيء وتسميته، ولا اقصد بالصورة الصوتية الناحية الفيزيائية للصوت بل الصورة السايكولوجية للصوت، أي الأثر أو الانطباع الذي تتركه في الحواس) ويقول الأستاذ عالم بإمكاننا أن نقول إن الإشارة اللغوية لا وجود لها لأنها في الواقع نفس الصوت الذي يترك أثراً في الحواس عن الفكرة فهل يرى علماء اللغة أن هناك شيئاً اسمه الإشارة يربط بين المتكلم والسامع سوى الصوت نفسه؟ فالقارئ يتسلم إشارة مرئية عن المفردة فهل هناك إشارة غيرها تربط بين المفردة المكتوبة والفكرة التي هي في ذهن القارئ؟ ولكن انتاج الشيء الثالث الذي لا وجود له هو الذي دفع لتحويل الصوت إلى صورة فيزيائية وإشارة إيحائية وأضيف إن سوسير يجعل من الفكرة أكثر تجريداً من الصورة الصوتية المزعومة الأكثر حسية عنده مع إننا نعلم ان الموضوع يجري في الذهن على مستوى الإدراك وفي مكان آخر من كتابه يصرح (إن المادة الصوتية ليست اكثر ثبوتاً ولا اشد تحديداً من الفكر) فما هذا من ذاك؟ ويعزو الأستاذ عالم هذا التخبط والتناقض للسبب الأول أي التناقض في حل مشكلة الدال والمدلول والعلاقة بينهما ومع إننا نتذكر رأي سوسير في إن اللغة ليست تسمية للأشياء إلا أنه في فصل الثابت والمتغير من كتابه (علم اللغة العام) يقول (مهما رجعنا إلى الوراء وتوغلنا في القدم ومهما كانت الفترة التي نختارها فإن اللغة تظهر لنا إنها تراث من الفترة السابقة للفترة التي نحن بصددها وقد نتصور لحظة زمنية حددت فيها مسميات للأشياء وقامت صلة بين الأفكار والصور الصوتية) ونسأل مع الأستاذ عالم عن أي الرأيين أصح.. لا يمكن القول أن هناك أفكاراً عن الأشياء قبل الأسماء لأن الأفكار لا يمكن التعبير عنها من دون لغة.
علي السيد خصاف