هو محمد الغانم، كنيته أبو جاسم لقب بالرومي نسبة لأبيه، ولد ببغداد عام
221هـ - 836م، وبها نشأ، كان مسلماً موالياً للعباسيين، ومما قاله في الفخر بقومه:
قوْمي بنو العباسِ حلمُهمُ حِلْمي هَواك وجهلُهُم جهلي
نَبْلي نِبالُهُمُ إذا نزلتْ بي شدةٌ ونِبالُهم نَبلي
لا أبتغي أبداً بهم بدلاً لفَّ الإلهُ بشملهم شملي
اخذ ابن الرومي العلم عن محمد بن حبيب، وعكف على نظم الشعر مبكراً، وقد
تعرض على مدار حياته للكثير من الكوارث والنكبات والتي توالت عليه غير
مانحة إياه فرصة للتفاؤل، فجاءت أشعاره انعكاساً لما مر به، وإذا نظرنا إلى
تاريخ المآسي الذي مر به نجد انه ورث عن والده أملاكاً كثيرة أضاع جزء كبير
منها بإسرافه ولهوه، أما الجزء الباقي فدمرته الكوارث حيث احترقت ضيعته،
وغصبت داره، وأتى الجراد على زرعه، وجاء الموت ليفرط عقد عائلته واحداً تلو
الآخر، فبعد وفاة والده، توفيت والدته ثم أخوه الأكبر وخالته، وبعد أن تزوج
توفيت زوجته وأولاده الثلاثة.
مما قاله في وفاة أحد أبناؤه
بكاؤكُما يشْفي وإن كان لا يُجْدي
فجُودا فقد أوْدَى نَظيركُمُا عندي بُنَيَّ الذي
أهْدَتْهُ كَفَّأيَ للثَّرَى فَيَا عِزَّةَ المُهْدَى
ويا حَسْرة iiالمُهدِي ألا قاتَل اللَّةُ المنايا
ورَمْيَها من القَوْمِ حَبَّات القُلوب على iiعَمْدِ
تَوَخَّى حِمَامُ الموتِ أوْسَطَ صبْيَتي
فلله كيفَ أخْتار وَاسطَةَ العِقْدِ
على حينََ شمْتُ الخيْرَ من لَمَحَاتِهِ
وآنَسْتُ من أفْعاله آيةَ الرُّشدِ
طَوَاهُ الرَّدَى عنِّي فأضحَى مَزَارُهُ
بعيداً على قُرْب قريباً على بُعْدِ
لقد أنْجَزَتْ فيه المنايا وعيدَها وأخْلَفَتِ ال
آمالُما كان من وعْدِ لقَد قلَّ بين المهْد
واللَّحْد لُبْثُهُ فلم ينْسَ
عهْدَ المهْد إذ ضُمَّ في اللَّحْدِ
ولعل هذه الأحداث التي ذكرناها سابقاً قد شكلت طبعه وأخلاقه فقد مال إلى
التشاؤم والانغلاق، وأصبحت حياته مضطربة، وأصبح هو غريب الأطوار خاضع
للوهم والخوف، يتوقع السوء دائماً، فقام الناس بالسخرية منه والابتعاد عنه
واضطهاده، ومن جانبه نقم على مجتمعه وحياته فأتجه إلى هجاء كل شخص
وكل شيء يضايقه أو يسيء إليه.
لم يكن انسانا سويا ويلاحظ ان عدم مساواته مع الاخرين بان شذوذه كان ايجابيا
وينطبق عليه القول : ان كبار الادباء والشعراء هم افراد عصابيون .
وابن الرومي كان عصابيا من الدرجة الاولى وهو بمتلك خيالا خصبا ايجابيا نفعه في فنه
لهذا السبب كان يمتلك رؤيتين مزدوجتين رؤية ملحوظة يشترك فيها مع الناس
ورؤية عصابية فوقية شاذة لانها متفردة فكان يرى الشيئ وظله ويرى المعنى
ومعنى المعنى وربما معنى معنى المعنى وسبب تفرد هذه الرؤية وغرابتها انه
لم يالفه المجتمع ولم يالف هو المجتمع فكان بينهما ماكان من سوء توافق ادى
الى السخط مرة والى الترفق والعتاب مرة اخرى لهذا عانى ابن الرومي من
سوء التكيف وهو الشاعر ا لثاني بعد ابي تمام كان يريد من الناس ان تفهمه
وتاتيه فهو يحس ان في داخله شيئا عظيما وهذا ما جعله يتفوق في هجائه
ويتصور ان الناس ليسوا اؤلئك الذين ينبغي ان يكونوا عليه لان الهجاء والتفوق
فيه دليل على شعور الهاجي بالعظمة ولكن يبدو ان هجاءه لم يكن هجاء
السخط والكراهية لانه مد بينه وبينهم جسورا من العتاب وهذا هو الفن الثاني
الذي تفوق فيه الشاعر .
** التطير : الذي عرفه ابن الرومي تشخيص سريري لعصابيته وانفصامه الايجابي
وذلك التطير هو رؤية الشيئ وظله بل وظلاله وهي اعلى درجات الارهاف التي
تصنع قدرة فائقة في الحدس والتنبوء ومعرفة المجهول بواسطة المعروف برؤية
تكاد تقترب من الرؤية الاشراقية (الصوفية ) وهي تجاوز قانون المادة
*** الهجاء هو الوجه الايجابي في نفسيته وهجاء الناس مظهر تشاؤم واسوداده
في الداخل فالمتشاؤم يظهر الاعتقاد بان الحياة وجود خاطئ لاعدل ولامجال
فيه فيصبح للناس ملامح شتى في وجه الحياة القبيحة لذا كان شعره
الهجائي اجمل شعره واصدقه في التعبير عن نفسه ورايه هجاؤه اما سخط
جود او عبث وتلهي كارتيري ساخر تنظر قصيدته في هجاء عمرو صاحب اللحية
وانظر سخريته في الاحدب وفيه يقول :
قصرتْ اخادعُه وطال قذالُه
فكأنه متربِّص ان يُصفعا
وكأنما صُفِعتْ قفاه مرة
وأحسّ ثانية لها فتجمعا
و في هجاء صاحب اللحية الطويلة :
ان تطل لحية عليه عليك وتعرض
فالمخالي معروفة بالحمير
علق الله في عذاريه مخلا
ة ولكنها بغير شعير
ارع منها الموسى فانك منها
يشهد الله في اثام كبير
متلقاك كوسج قط الا
جوّر الله ايما تجوير
لو راى مثلها النبي لأ جرى
في لحى الناسنة التقصير
محاضرة جامعية في الادب العباسي /93 ---البصرة
[عدل]شعره
221هـ - 836م، وبها نشأ، كان مسلماً موالياً للعباسيين، ومما قاله في الفخر بقومه:
قوْمي بنو العباسِ حلمُهمُ حِلْمي هَواك وجهلُهُم جهلي
نَبْلي نِبالُهُمُ إذا نزلتْ بي شدةٌ ونِبالُهم نَبلي
لا أبتغي أبداً بهم بدلاً لفَّ الإلهُ بشملهم شملي
اخذ ابن الرومي العلم عن محمد بن حبيب، وعكف على نظم الشعر مبكراً، وقد
تعرض على مدار حياته للكثير من الكوارث والنكبات والتي توالت عليه غير
مانحة إياه فرصة للتفاؤل، فجاءت أشعاره انعكاساً لما مر به، وإذا نظرنا إلى
تاريخ المآسي الذي مر به نجد انه ورث عن والده أملاكاً كثيرة أضاع جزء كبير
منها بإسرافه ولهوه، أما الجزء الباقي فدمرته الكوارث حيث احترقت ضيعته،
وغصبت داره، وأتى الجراد على زرعه، وجاء الموت ليفرط عقد عائلته واحداً تلو
الآخر، فبعد وفاة والده، توفيت والدته ثم أخوه الأكبر وخالته، وبعد أن تزوج
توفيت زوجته وأولاده الثلاثة.
مما قاله في وفاة أحد أبناؤه
بكاؤكُما يشْفي وإن كان لا يُجْدي
فجُودا فقد أوْدَى نَظيركُمُا عندي بُنَيَّ الذي
أهْدَتْهُ كَفَّأيَ للثَّرَى فَيَا عِزَّةَ المُهْدَى
ويا حَسْرة iiالمُهدِي ألا قاتَل اللَّةُ المنايا
ورَمْيَها من القَوْمِ حَبَّات القُلوب على iiعَمْدِ
تَوَخَّى حِمَامُ الموتِ أوْسَطَ صبْيَتي
فلله كيفَ أخْتار وَاسطَةَ العِقْدِ
على حينََ شمْتُ الخيْرَ من لَمَحَاتِهِ
وآنَسْتُ من أفْعاله آيةَ الرُّشدِ
طَوَاهُ الرَّدَى عنِّي فأضحَى مَزَارُهُ
بعيداً على قُرْب قريباً على بُعْدِ
لقد أنْجَزَتْ فيه المنايا وعيدَها وأخْلَفَتِ ال
آمالُما كان من وعْدِ لقَد قلَّ بين المهْد
واللَّحْد لُبْثُهُ فلم ينْسَ
عهْدَ المهْد إذ ضُمَّ في اللَّحْدِ
ولعل هذه الأحداث التي ذكرناها سابقاً قد شكلت طبعه وأخلاقه فقد مال إلى
التشاؤم والانغلاق، وأصبحت حياته مضطربة، وأصبح هو غريب الأطوار خاضع
للوهم والخوف، يتوقع السوء دائماً، فقام الناس بالسخرية منه والابتعاد عنه
واضطهاده، ومن جانبه نقم على مجتمعه وحياته فأتجه إلى هجاء كل شخص
وكل شيء يضايقه أو يسيء إليه.
لم يكن انسانا سويا ويلاحظ ان عدم مساواته مع الاخرين بان شذوذه كان ايجابيا
وينطبق عليه القول : ان كبار الادباء والشعراء هم افراد عصابيون .
وابن الرومي كان عصابيا من الدرجة الاولى وهو بمتلك خيالا خصبا ايجابيا نفعه في فنه
لهذا السبب كان يمتلك رؤيتين مزدوجتين رؤية ملحوظة يشترك فيها مع الناس
ورؤية عصابية فوقية شاذة لانها متفردة فكان يرى الشيئ وظله ويرى المعنى
ومعنى المعنى وربما معنى معنى المعنى وسبب تفرد هذه الرؤية وغرابتها انه
لم يالفه المجتمع ولم يالف هو المجتمع فكان بينهما ماكان من سوء توافق ادى
الى السخط مرة والى الترفق والعتاب مرة اخرى لهذا عانى ابن الرومي من
سوء التكيف وهو الشاعر ا لثاني بعد ابي تمام كان يريد من الناس ان تفهمه
وتاتيه فهو يحس ان في داخله شيئا عظيما وهذا ما جعله يتفوق في هجائه
ويتصور ان الناس ليسوا اؤلئك الذين ينبغي ان يكونوا عليه لان الهجاء والتفوق
فيه دليل على شعور الهاجي بالعظمة ولكن يبدو ان هجاءه لم يكن هجاء
السخط والكراهية لانه مد بينه وبينهم جسورا من العتاب وهذا هو الفن الثاني
الذي تفوق فيه الشاعر .
** التطير : الذي عرفه ابن الرومي تشخيص سريري لعصابيته وانفصامه الايجابي
وذلك التطير هو رؤية الشيئ وظله بل وظلاله وهي اعلى درجات الارهاف التي
تصنع قدرة فائقة في الحدس والتنبوء ومعرفة المجهول بواسطة المعروف برؤية
تكاد تقترب من الرؤية الاشراقية (الصوفية ) وهي تجاوز قانون المادة
*** الهجاء هو الوجه الايجابي في نفسيته وهجاء الناس مظهر تشاؤم واسوداده
في الداخل فالمتشاؤم يظهر الاعتقاد بان الحياة وجود خاطئ لاعدل ولامجال
فيه فيصبح للناس ملامح شتى في وجه الحياة القبيحة لذا كان شعره
الهجائي اجمل شعره واصدقه في التعبير عن نفسه ورايه هجاؤه اما سخط
جود او عبث وتلهي كارتيري ساخر تنظر قصيدته في هجاء عمرو صاحب اللحية
وانظر سخريته في الاحدب وفيه يقول :
قصرتْ اخادعُه وطال قذالُه
فكأنه متربِّص ان يُصفعا
وكأنما صُفِعتْ قفاه مرة
وأحسّ ثانية لها فتجمعا
و في هجاء صاحب اللحية الطويلة :
ان تطل لحية عليه عليك وتعرض
فالمخالي معروفة بالحمير
علق الله في عذاريه مخلا
ة ولكنها بغير شعير
ارع منها الموسى فانك منها
يشهد الله في اثام كبير
متلقاك كوسج قط الا
جوّر الله ايما تجوير
لو راى مثلها النبي لأ جرى
في لحى الناسنة التقصير
محاضرة جامعية في الادب العباسي /93 ---البصرة
[عدل]شعره