أسطورة
الطوفان أم طوفان الأسطورة
)قراءة جديدة في اللوح الحادي عشر(
عالم سبيط النيلي
ينطوي التفسير الجديد لسبب الطوفان
على ربطة بواقعة طبيعية ذات صلة
بالقوى التي تتحكم بالمياه الجوفية ومياه الأمطار ومناسيبها.
ويتركز الافتراض على أن السبب الرئيس للطوفان من الناحية الطبيعية هو حصول ثورة لبركان عظيم في المنطقة.
ولكن قبل ذلك يتوجب علينا تصحيح المفاهيم الخاطئة التي جمد عليها الباحثون في الدين وفى المؤسسة الثقافية
والتي تتنافى مع الدين ومع العلم
الذي التزمت به المؤسسات ظاهريا.
فالخطأ الذي يرتكبه الباحثون في مجال الدين شبيه إلى حد كبير
بالخطأ الذي يرتكبه علماء الطبيعة. المجموعة الأولى تعتقد
غالبا أنأنواع العذاب الالهى الذي ذكرته الكتب المقدسة يستلزم عدم البحث
في العلل الطبيعية أو
ضرورة تجاهلها إذ لا معنى له عندهم سوى أن هناك يدا خفية هي يد لله التي فعلت الظاهرة أو أنزلت العذاب .
بينما تعتقد المجموعة الثانية نفس المسالة باختلاف في الترتيب فقط :
فالبحث العلمي المجرد يوجب على
اعتقادهم استبعاد اليد الإلهية.
ومن هنا تصبح حادثة الطوفان قد وقعت بين فئتين لا يتصف منهجهما بالصفة العلمية كما سنلاحظ قريبا.
أن النص الديني يحتاج إلى مراجعة من قبل جميع الإطراف بعد أجراء تصحيح للمفاهيم المتعلقة بفلسفة الدين نفسه
ففي اعتقادي ان الدين لم
يكتشف إلى هذه اللحظة لا من قبل العاملين في هذا المجال ولا من
قبل خصومهم أدعياء الثقافة
العلمية .. فأدعياء الدين لم يقدموا لنا دينا علميا وأدعياء الثقافة العلمية لم يقدموا لنا تفسيرا ثقافيا وعلميا للدين ..
والحقيقة الوحيدة الصحيحة هنا هي قول صاحب رسالة الدين نفسه اعني النبي (ص) حينما يقول :
((ولد هذا الدين غربيا ويبقى غريبا أو [ ويعود غريباً وفى نـص آخر] فطوبى للغرباء)
إذن فهو يقول طوبى فقط لأولئك الغرباء والذين يبقون غرباء في مجتمعاتهم وبالتأكيد ان هؤلاء إعداد
قليلة جدا تعيش غربة الثقافة في
الدين وغربة الدين في عالم الثقافة في آن واحد وبالتالي فهي قطعا ليست من رجال الدين ولا من رجال الثقافة وهل تحسب ان الجنة لغير
هؤلاء
؟ بلى انها لهؤلاء المعدودين فقط فان طوبى وهو
اسم للجنة لهؤلاء .. لاننا نعلم ان النص القرآني أشار إلى ان
أهل الجنة أقلية جدا قليلة( ثلة من الأولين وثلة من الآخرين
) 140/56/ أما أهل النار فهم أمم كاملة (( كلما دخلت امة لعنت أختها ))-38/7.
فالنص الديني يكفر أولئك الذين ينكرون ارتباط الظواهر بعلتها النهائية من فوق التي تبناها أهل الثقافة مثلما
يكفر أولئك الذين يتنكرون لارتباطها
بعللها الطبيعية من الأسفل التي تبناها أهل الأديان، لان الدين في مضمونة الحقيقي عبارة عن توضيح للعلل وعلاقاتها بعضها
ببعض.
فمن الأعلى ثمة سلسلة من العلل لا يمكن ان تتناهى ومعرفتها مفتوحة بلا حدود ومن الأسفل حيث ترتبط بالإنسان
فانها علل معدودة ومحدودة بحسب
الظاهرة وهى تشير إلى مسؤولية الإنسان عن النظام الطبيعي ومجرياته.
ان إنكار هذه العلل من جهة الإنسان عند رجال الدين هو إنكار للترابط الغائي بين خلق العالم وخلق الإنسان .
وإنكار ارتباطها العلوي
لا يعنى بالنتيجة الا الشيء نفسه.
رموز الإله ادد
فهل تحتاج تلك المعادلة إلى أدلة من
النص الديني والنص الكوني
المفتوح؟ ان الأدلة كثيرة لا حصر لها وقريبة جدا و
حينما يسمعالمرء أخبار عن هلاك الأمم كالذي يذكره القران
يذهب باله دوما إلى تصور مغاير لما يريد إبرازه النص الديني فهو يظن ان
تلك الأقوام هلكت من غير علل طبيعية.
لم يحدث ان قام احد في البحث الديني بدراسة للربط بين سلوك الإنسان ونوع العذاب الذي
وقع على الأمم لاكتشاف الرباط السببي
في علاقة الإنسان بالطبيعة مثلما تجاهلها أهل الثقافة وهم يدرسون حركة التاريخ ويكتشفون غوامضها .
ليس إهلاك عاد بالريح العاتية اختيار
عشوائيا أعجب جبريل ان يفعله
بينما أعجبه ان يهلك قوم نوح بالطوفان وقوم لوط بالحجارة.
لا ندرك العلاقة العلوية لهذا
الاختبار ولعلنا ندركها يوما ما ولكن من لمؤكد اننا لن ندركها قط ونحن ننكر
ارتباطنا بها من الأسفل .
وماذا نظرنا إلى الدين نظرة مجردة عن اى حكم سابق فلن نجدة في الواقع سوى نص يوضح بشكل معمق علاقات الأشياء
بعضها ببعض.
انه نص يوضح العلل لا غير :
إذا فعلت كذا وقع كذا وإذا فعلت كذا
أصابك كذا… وإذا لم تفعل
كذا فانتظر وقوع كذا ..إذا فعلتم كذا انفتحت أبواب جهنم .. وإذ فعلتم كذا انفتحت أبواب الجنة وبعد ذلك فانتم وما تشاء ون ان
تفعلوا : ليس ثمة إكراه على فعل شيء دون شيء آخر لان الأصل في خلق الإنسان
انه خلق ليختار وان لله لا يفعل شيئا ضد خطته الأولى فلو شاء ان يجعله مكرها لجعله مكرها منذ
خلقة ولما منحه قدرة على الاختيار ولذلك أكد على تلك الحرية فليعمل الإنسان ما يشاء بيد
ان رسالة الدين تخبره عما ينتج عن
كل اختيار من نتائج :
((اعملوا ما
شتم))4/41
((فاعبدوا ما شتم من
دونه))15/39
حتى صاحب الرسالة نفسه ليس عليه من
واجب سوى إبلاغ هذه المعلومات، فلا يكره أحداً على شيء مطلقا بل واجبه التوضيح لا
غير، التوضيح الذي لا لبس فيه.(( افانت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين؟ )) 99/ 10
((فهل على الرسل الا
البلاغ المبين)) 35/ 16
انه إذن بلاغ ومبين واضح لا لبس
فيه ((انما على الرسول البلاغ المبين ))92/5
((وما علينا الا
البلاغ المبين)) 17/ 36
((فان تولوا فإنما
عليك البلاغ المبين))82/16
((فإنما عليك
البلاغ)) 40/ 13
والرسول نفسه لا يختار بدلا
عنهم ولا يكون وكيلا عنهم ولا حفيظا على الناس
((فان اعرضوا فما
أرسلناك عليهم حفيظا ان عليك الا البلاغ)) 48/42
وإذا كذبوه فهل يجبرهم على تصديقه هذا محال لان التكذيب والتصديق لا يمكن ان يحدث بالإكراه أصلاً فا لمرء قد
يصدق وقد يكذب بالشيءبلسانه دون قلبه، وغاية الدين أصلاً القضاء على هذه
الازدواجية والنفاق كي يتمكن كل امرئ من إظهار وإعلان ما يعتقده فالأفكار الخفية غير
المعلنة ليست سوى أمراض نفسيه :
((وكذب به قومك وهو
الحق قل لست عليكم بوكيل)) 960/6
فليكذبوا به فهم وما يشاءون لانه قال لهم ( اعملوا ما شئتم ).. والاعتقاد أولى بالحرية من العمل ..لان من
ضل فانما يضل على نفسه ومن
اهتدى اهتدى لنفسه وهذا لا يصح مطلقا الا حينما يكون ارتباط الإنسان بالنظام الطبيعي محتوما وغائيا ومخططا له سلفا (( ومن ضل فإنما
يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل
)) 41/ 39((وما أرسلناك عليهم وكيلا)) 54/ 47 فلماذا جرد سيفه وقاتل إذن ذلك لانهم جردو سيوفهم ليمنعوه من
الكلام والإبلاغ . وهو يقول لهم ((الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)) 29/ 18.
لم يكتفوا فى ان يفعلوا ما يشاءون ويكفروا كما يشاءون ! بل أرادوا ان يجبروا الخلق كلهم ليكفروا ويستحوذوا على مشيئة الآخرين ويصادروا حريتهم وتكون
الساحة لهم وحدهم هم يريدون ان يكونوا
على الناس وكلاء واحفاظا .. اما الرسول فهو يريد ان تكون الساحة مشتركة فليبلغوا في الكفر كما يبلغ هو بالإيمان وليختار الناس ما
شاءوا، ولذلك فالرسول
هو الوحيد من خلق لله قاتل دفاعا عن الحرية مجردة عن كل هدف آخر
اماالذين تقاتلوا فيما بعد أو قاتلوا فلا يمكننا الدفاع عنهم لانهم فعلو
ذلك لهدف هو عكس
هدفه تماما – كان هدفهم السلطان والحكم ليكونوا وكلاء على الناس وهذا
يمثل اختيارهم الذاتي
لا اختيار السماء ولا علاقة له بالرسالة ومضمونها مطلقا الم يحدث بعده مباشرة بل قبل دفن جثته الطاهرة ان جردوا السيوف وطلبوا
البيعة من الناس فمن لم يبايع عرض عنقه للسيف ؟ واستمر هذا المشهد إلى هذا اليوم فلا
يمكن استثناء احد الا ان يكون قد قاتل الذين يريدون مصادرة الحرية قتالا مجردا عن
اى هدف آخر ولكن ما اقل هؤلاء بل ما أندر ما نعثر عليهم فى طيات التاريخ .
لقد انعكست جراء ذلك علاقة الإنسان بالأشياء فأهل الأديان يزعمون ان النظام الطبيعي هو الذي يؤثر في الإنسان ،
بينما حقيقة النص الديني تظهر العكس.
فالإنسان هو الذي يوثر في النظام الطبيعي سلبا وإيجاباً وهو الذي يمكنه الانتفاع منة او تحويله إلى مصدر
للانتقام منه ولقد أكد جميع
الرسل على العلاقة بين السلوك والنظام الطبيعي ولكن لله يتدخل فى كل آن لهيمنته المطلقة على الموجودات في الإبقاء على النظام الطبيعي
من مساوئ ما يفعله الإنسان
حلما بالخلق وأناة معهم ورحمة بهم كي يصل بهم إلى الغاية النهائية وهى اكتشافهم للعلاقة بين خلقة وكلامه باعتبارهما نظاما واحدا لا
يتجزأ.
فحينما يبلغ الحال إلى (الحد الحرج) الذي لا يمكن فيه تغيير هذا النظام تقــع الظواهر
المشار إليها فى القران عن إهلاك
الأمم وفق قوانين صارمة . لقد
جاء الملائكة (الرسل) إلى إبراهيم (ع) بالبشرى تمهيدا لإخباره بنبأ هلاك قوم (لوط) المرتقب.
لقد كان إبراهيم حليما يعرف مشيئة لله وقوانينه في الخلق إلى حد
ان لله وصفه بهذه الصفة فى هذا الموضع بالذات – فقد جادل الملائكة جدالا
طويلا و هو يحاول تأجيل العذاب ويعرض الصور المحتملة لإمكانية التأجيل.
لكن الملائكة أجابوه في النهاية قائلين :
((يا إبراهيم اعرض عن هذا انه قد جاء أمر ربك وانهم آتيهم عذاب غير مردود)) 76/11هل تلك كلمات مجردة ينقلها لنا
القرآن ؟ أم ان (غير مردود) صفة
للعذاب كانت مرتبطة بقانون الكون لا يمكن خرقها إلى ابعد من تلك اللحظة؟ بالطبع والا فما كانت هذه العبارة لتثنيه عن عزمه في تأجيل
العذاب .لقد كان إبراهيم يومئذ هو
الفرد الوحيد في العالم الذي يعيش غربته ((أن إبراهيم كان امة ))120/16
وكان لابد من إخباره بتفاصيل هذا الأمر (أمر ربك) وكيفية مجيئه وفق تلك السنن
بحيث ان ألتأجيل بلغ الحد الحرج ولا
يمكن خرق تلك السنن إلى أزيد من
ذلك.
فأمر الله ليس كأمر ملك من الملوك في الأرض يعجبه ان يقتل الفلانيين بكذا قتلة ويهلك الآخرين بكذا هلاك، ان أمر الله
مرتبط باختيار الإنسان نفسه ،فالأمم
الهالكة اختارت وقت هلاكها وطريقته بهذه السنن اختيارا أصبحت نتيجته محتومة ومن هنا أكد القرآن دوما بعد هلاك الأقوام نسبة الهلاك
إليهم . والاختيار لهم :
((وما ظلمهم الله
ولكن كانوا أنفسهم يظلمون )) 9/29
((فما كان الله
ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون))9/30
((ان لله لا يظلم
الناس شيا ولكن الناس أنفسهم يظلمون))44/10
((وما ظلمهم لله
ولكن كانوا أنفسهم اا
يظلمون ))33/16
((وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون))160 / 7 فلاحظ موضع(باء الواسطة فى
النص الذي يفسر سبب الهلاك :
(( فأرسلنا عليهم
رجزا من السماء بما كانوا يظلمون))162/
7
فالرجز جاء بواسطة الباء والباء دخلت على كانوا يظلمون وظلمهم هو وحده الذي جاء برجز السماء .
ولا يمكننا التوسع هنا فقد أوضحنا الكثير من تلك القواعد والسنن فى مؤلفات أخرى يمكن مراجعتها.
ومن جهة أخرى فان التأثير الايجابي فى الطبيعة هو من فعل الإنسان أيضاً فقد جرى على يد هؤلاء المبلغين
بهذه القوانين من الرسل تغيير وتحكم في الطبيعة معلوم وهو ما سمى بمعجزات الأنبياء
ولفظ معجزة من وضع رجال الدين ولا وجود له فى النص التوراتي ولا فى الإنجيل ولا في
القران فهو اصطلاحهم ويفهم
منه عجز الخلق عن ان يأتوا بما جاءت به الرسل وانهم جاءوا بتلك الآيات للدلالة على صدقهم.
بيد ان الاقتصار على هذا التفسير
للمعجزات فيه جناية على الطرح الديني
فالغاية الأهم ليست جعل الناس يصدقونهم بل يصدقونهم من خلال قدرتهم على التحكم بالموجودات وإذعان الطبيعية لهم
فالدين يحمل هذه الرسالة الموجهة للخلق ومفادها ان اختيارهم الذاتي
يجعلهم عرضة للهلاك وان اختيار لله يجعلهم يتحكمون بالموجودات ويحركونها كيف شاءوا
وان الدليل على ذلك هو ما يمكن ان يقوم به الرسل. وكل مخلوق
غيرهم يقدر على ان يفعل فعلهم إذا كان ارتباطه بالله كارتباطهم ولذلك قال المسيح :
((من امن
بى يعمل هو أيضاً الأعمال التي اعملها انا بل يعمل أعظم منها ))- يوحنا 14/12.
ولم يكن ارتباط الإنسان بالقوى الكونية عند الرسل في النص الديني خاصا بهذه القوى بل ربطوا الظواهر الاجتماعية
بسلوك الإنسان واختياره فالغلاء
وتقلب الأسعار والزواج والطلاق قد ارتبط بالسلوك.
وفى المرحلة التالية ربطوا السلوك بالنتائج الكلية كأنواع الزروع وجودة الثمار والإنجاب وظهور العاهات
المستديمة والأمراض المزمنة كل ذلك ربطة الرسل بالسلوك على طريقة : إذا فعلتم كذا
وقع كذا.
وفى المرحلة الثالثة : ربطوا السلوك بالنظامين السياسي والاجتماعي فالفئات والاختلاف والحروب والفتن والمظالم ونسبة تحقيقالعدل ومعدل الجريمة وظهور الطغاة بشكل دوري كل
ذلك ربطة الرسل وعلى نفس الطريقة :
اذا فعلتم كذا فانه
سيكون كذا .
وفى المرحلة العليا قاموا بربط السلوك بالنظام الكوني نفسه فعدد الخسوفات القمرية ومعدلات كسوف الشمس وكمية
الأمطار، والكسوف الكلى للشمس وظهور الأعاصير وعذوبة المياه الجوفية وخصوبة
الأرض والزلازل والفيضان والنيازك وظهور المذنبات وشدة الحر والصقيع ونمو معدل
الجراد الفاتك بالمزروعات كل ذلك ربطه الرسل بالسلوك وعلى نفس الطريقة إذا فعلتم كذا فتوقعوا حصول كذا.
هذه النصوص الدينية مثبتة بالمئات في الكتب المنزلة وفى أقوال الرسل فاخبرني من من الناس قام بدراسة تلك
النصوص لاكتشاف قوانينالعلاقة التي صممها لله منذ بدء خلقة الإنسان
بين الإنسان والطبيعية ؟ أهم علماء الدين الذين لا يمنحون إجازة إلا
لمن يمر بفترة غسيل دماغ لغوى ونصي لنصوصهم وقواعدهم التي وضعوها مع حواشيها وشروحها بحيث ان
النص الرسالي أو المنزل لا يؤتى به الا للاستشهاد على صحة أو خطا
قواعدهم والبحث حولها والجدل الذي لا ينتهي بشأنها بحيث انعكس الأمر تماما فأصبح النص
الالهى لخدمة أفكارهم ، بينما يعتقد العامة انهم قائمون على خدمته.
أم هم علماء أهل الكتاب الذين يعقدون الاجتماعات منذ القرن الثاني أو الثالث الميلادي لإيضاح العلاقة
الغامضة بين الأب والابن والروح
القدس فيستمر استقلال الكنائس بعضها عن بعض وانفصالها بناء على الاحتمالات التي لا تنتهي عن انبثاق الروح عن الابن أو الابن عن
الروح أو الروح عن كليهما أو عدم
الانبثاق أو الولادة أو الصدور بحيث إذا ابتكر احدهم اى تعبير جديد للعلاقة ظهرت كنيسة جديدة ؟؟
أم هم الذين اختصوا بالحقول العلمية التجريبية ومن تابعهم في الاتجاهات الثقافية الذين عاملوا النص الديني كنص
غيبى ميتافيزيقي لا يمكن إخضاعه للدراسة والبحث العلمي المجرد من كل غرض ذاتي ؟
وحينما ينهار هذا الحاجز بين الذاتية والموضوع عندما ينكشف سر الأشياء وتبتلى سرائر الخلق فلن يكون يوم الحساب
يوما يجرى فيه اىحساب يذكر للاختصاصات فالجميع يحضرون عراة من كل لبوس
ويومئذ لن ينفع علماء الدين زعمهم انهم كانوا يجهلون العلل الطبيعية لانهم لم يكونوا
علماء في الطبيعة ولن ينفع علماء الطبيعة زعمهم انهم لم ينتبهوا للعلاقة لبعدهم عن
النصوص الدينية اذ لم يكونوا علماء دين !!
وستكون الحجة قائمة على الجميع لسبب بسيط وواضح فالنص الديني المكتوب هو الوجه الآخر للنص
المادي المخلوق فيقال لهؤلاء هذا كتاب لله ويقال لهؤلاء هذا كتاب لله ، هذا كتاب كلمات مبينات
ومفصلات وهذا كتاب مخلوقات
مبينات مفصلات .
لقد دأب الاثاريون على تسمية قصة الطوفان بالأسطورة حتى بات ذلك جزء من اسم الحدث ((أسطورة الطوفان)) لقد
ذكر هوك في كتابه (أساطير بلاد ما
بين النهرين) ان المعلومات المتعلقة بالحدث ضئيلة جدا بل وعموم أساطير السومريين حيث قال :
((وينبغى ان نتذكر بان معلوماتنا عن السومريين وأساطيرهم ليست تامة وان كثيرا
من الكلمات فىاللغة السومرية ذات معان غير متحققة وإضافة إلى ذلك فان بعض الألواح مكسورة ويصعب جدا قراءتها ))/20
من الكلمات فى اللغة السومرية ذات
معان غير متحققة وإضافة إلى ذلك
فان بعض الألواح مكسورة ويصعب جدا قراءتها))/20
ان لفظ أسطورة ينبئ بوضوح تام عن لا واقعية الحدث المذكور فيها والسؤال هو كيف يمكن الجمع بين لفظ الأسطورة
وبين الاعتراف بضالة
المعلومات عن الحدث؟ فالذي يسمى حدثا ما أو أحداثاً انها أساطير لابد ان تكون له معلومات كافية لإثبات لا واقعيتها … أم ان عدم توفر
المعلومات الكافية بشان حدث ما
يعنى دوما عدم صحة الحدث؟
من حسن الحظ ان هذه الطريقة لم يستعملها علماء الفيزياء والفلك والأحياء والكيمياء وإلا لكانت ضالة المعلومات
ستجعلهم ينكرون وجودشيء اسمه الجاذبية أو الفيروس أو الجينات أو البوزترون
ولكانت قد توقفت تلك العلوم بل لماتت في مهدها في هدها كما هي ميتة الآن العلوم الإنسانية
بفضل غرائب الباحثين.
لكن كلامه مع ذلك يناقضه (يوس) وهو يقول : ان أسطورة هلاك الجنس البشرى بالطوفان قد وجدت بأشكال وصورة
وبمختلف الطرق في كل جزء من أجزاء العالم / أساطير-18 لا تحسب ان يوسز يخالفه فى
كونها أسطورة بل سماها أسطورة أيضاً بالرغم من تواتر ورودها بمختلف الصور والأشكال –
لان للعلماء طريقتان فى إنكار الوقائع تذكران معا رغم تناقضهما : الأولى قلة
المعلومات والأخرى كثرة القائلين بها.
فكثرة القائلين بواقعة معينة لا يبرهن عندهم على صحتها بل على العكس يدل على وجود رغبة نفسية معينة فى تصديق
قضية وهمية لدى عمومالناس وبالتالي تظهر بتلك الأشكال والصور المختلفة.
فكيف إذن تقوم الأدلة على تصديق واقعة معينة؟ إذا كان الإخبار عنها من مؤرخ واحد لا يفي بالمطلوب وإجماع أهل
الأرض على ذكر الواقعة هو الآخر
لا يفي بالمطلوب ؟
هل المطلوب هو الأدلة المادية العلمية مثلا- القائمة والباقية كآثار في الأرض؟ لنقل نعم : لكن المؤرخ القديم غير
مطالب علميا ومنطقيا بغير ذكر
الخبر فالأدلة المادية الشاخصة هي من واجبات الباحث المعاصر فقط فالمؤرخ القديم قام بواجبة تجاه الخليقة ونقل
الخبر وآثاره وأثبته فيسجلاته وفصل به بين مرحلتين وتحدث عنه في قصصه وملاحمه
وأدبه ولم يظهر منه اى تقصير في ذلك.
اذن فالأدلة العلمية الأخرى التي تساند الواقعة أو تنفيها كقرائن للإثبات أو النفي هي من واجبات الباحث المعاصر.
فلماذا أطلق الباحث المعاصر عليها اسم الأساطير قبل إتمام البحث وقبل اكتمال الأدلة وهل يدل ذلك على وفائه
العلمي للمؤرخ القديم ؟ بل لماذا استهجن الباحث المعاصر ما قام به (السير وولى) عندما أجرى
حفرياته في بلاد ما بين النهرين في
سبعة مناطق وجد فيها طبقة من الغرين تثبت على نحو ما حصول الطوفان ورفض متابعة أبحاثه الآخرون بعد ان عاجلته المنية
وبسرعة بعد هذه الحفريات ؟ زاعمين ان نتائج السير وولى لا ينبغي
الاهتمام بها ؟ وكما سيأتيك قريبا.
هل يخضع الباحث المعاصر إلى مواقف مسبقة تجاه قضية الطوفان تجعله يطلق عليها الأسطورة ويصر على موقفه في
عدم حاجته للأدلة سواءتلك التي تثبت انها أسطورة بالفعل أو تلك التي
تثبت وقوعها أميل إلى الاعتقاد بان الجواب على هذا السؤال هو نعم .
وبالتالي فان الباحث المعاصر يحتاج إلى تحليل نفسي أكثر من حاجة الأمم
السالفة التي ذكرت الواقعة فحينما اكتشفت رموز الملحمة لأول مرة وعثر فيها على قصة الطوفان أحدثت محاضرة
الأستاذ( جورج سمث) في اجتماع جمعية اثأر الكتاب المقدس في سنة 1872 أحدثت ضجة يمكن
القول انها انتهت بتأجيج الصراع بين
المؤسسة الثقافية ومؤسسة الدينية.
فالمؤسسة الثقافية لا تعتبر ورود القصة في الكتب المقدسة قرينة دالة على صحتها بل فسرته على العكس من ذلك، وهذا
واضح فان المؤسسةالثقافية تمتلك موقفا سلبيا مسبقا من النص
الديني برمته. وهنا تكمن العقدة النفسية للباحث المعاصر، وهو وحده الذي يفسر لنا سبب تجاهل
الأدلة الكثيرة جدا عن الواقعة، بحيث بات إطلاق الأسطورة عليها قبل ذكر تلك الموارد
أشبه بالضرورة التي لابد منها لتقديم المعلومات عنها للقارئ الذي يخشى عليه
من تصديق تلك الأدلة.
يقول طة باقر :
(( لقد كان حدثا بلغ من عظم الأثر والجسامة عند سكان وادي الرافدين بحيث ان جامعي إثبات السلالات ومؤلفي القصص
والأساطير جعلوه حدافاصلا بين عهدين متميزين فى تاريخ البلاد عهد ما قبل
الطوفان وعهد ما بعد الطوفان وهو يضاهى ما تواضع عليه المؤرخون المحدثون من تقسيم
التاريخ البشرى العام إلى العصور القديمة والعصور الحديثة ))/ المقدمة 299/ ط إذن فالنص
الديني الذي أكد الواقعة يبدو
وكأنه هو السبب النفسى الوحيد الذي يقف حائلا دون تصديقها ، إذ تصديقها يعنى تصديق ما جاءت به الكتب المقدسة ولذلك فسروا
ورودها في الكتاب المقدس بنقل العبرانيين لها عن ارض وادي الرافدين.
بيد ان ذلك لا يفسر لنا ورودها في القران الكريم الا بتلك الدعوى القديمة وهى أخذها عن أهل الكتاب المقدس.
لكننا نتساءل ما هي المبررات العلمية لتكذيب الكتب المنزلة ؟
الواقع انه ليس من شيء يدعونا لتصديق الباحثين وتكذيب النص المقدس ذلك لان الباحثين لم يخبرونا مطلقا بشيء جديد.
كل ما اخبرونا به هو مطابق لما ذكره مجمع مكة بقيادة ابى سفيان وعتبة
وأمية بن خلف وإضرابهم حينما قالوا للنبي (ص) وهو يخبرهـم
بوقائع تاريخية : أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى علية بكرة وأصيلا 5 / 25 فهذا القول قديم وهذا التفسير
للواقعة من انها أسطورة قضية قديمة تساوى ويا للأسف فيها منطق الباحث المعاصر مع منطق
هؤلاء الجهلة الذين يمثل تفسيرهم رأياً اعتباطيا وجوابا كيديا منتزعا من أهوائهم
بغير علم ولا أدله مادية. فنحن لا
نسمع من الباحث المعاصر غير جمل معممة هي ترديد لما قاله أمية بن خلف من قبل فزعمهم القائل :
ان العبرانيين قد استعاروا هذه الأسطورة التي كانت تشكل تراثا ثابتا لدى سكان وادي الرافدين على حد ما
زعمه جورج رو في (العراق القديم)- ص/161، يناقض قولهم السابق في وجود هذه الواقعة
بمختلف الصور والاشكال فى كل بقاع الأرض بغض النظر عن نقل بعضهم عن بعضهم فالتركيز على
نقل العبرانيين وحدهم دون سواهم
يظهر مكمن العقدة النفسية للباحثين من النص الديني خصوصا.
وإذا كان جورج رو قد تناقض هنا بهذه الصورة فان تناقضه بصدد الأدلة المادية أكثر إمعاناً فى ظهور عقدته النفسية
من الكتاب المقدس فقط ذكر ان الكشف عن طبقات الغرين الأحمر بثخن بزهاء احد عشر
قدما هو اكتشاف السير وولى وحده قال :
(لم يأخذ احد من العلماء بجد كبير هذا الاكتشاف سوى وولى نفسه - /162 وعزى سبب ذلك إلى أحداً لم يتابع أبحاثه
فهو(الوحيد الذي فعل ذلك )- / 162
ولكنه ذكر بعد صفحة واحدة قائلا :
(( يمكن الاستنتاج بان الحفريات لم تقدم الدليل القاطع على حصول الطوفان ))
ترى من أين يأتى الدليل إذا كان البحث قد توقف عند أول دليل مكتشف وتم إهماله؟ ولكن لنفترض انه يقول الحق فإذا
كانت الحفريات لم تقدم دليلا قاطعا على حصوله فإنها بالتأكيد لم تقدم دليلا قاطعا
على عدم حصوله ! ااا
والمفروض في العلم ان تبقى الاحتمالات مفتوحة للبحث ووصف الواقعة بالأسطورة وتكذيبها قبل ظهور الأدلة
النافية عمل لا يتصف بالصفةالعلمية. لكن رو أعجبه ان يمضى قدما فهو يفضل
ان يعطى لنا تفسيرا خاليا من اى دليل لنختاره بدلا عن التفسير الذي يحمل مبرراته. وهذا العمل لا يقوم
به الا من لا قدرة لة على اجراء
البحث بموضوعية ونزاهة فقد زعم ان :
(( الطوفان محض
أسطورة اخترعها الشعوب البدائية كي تمحو شريحة مجهولة من الماضي))- /163.
لكن عبارة رو هذه حسب اعتقادي هي أكثر صعوبة في قبولها من الطوفان نفسه وتحتاج إلى تفسير وأدلة أزيد مما يحتاجه
الطوفان !!
فلماذا اخترعتها جميع الشعوب وكيف حدث هذا الاتفاق على هذا الاختراع العجيب ؟ ولماذا أرادت الشعوب محو هذه
الشريحة من الماضي وما هي الكارثة
الأخلاقية أو العلمية التي اقترفتها الشعوب فى الماضي السحيق بحيث إنها احتاجت إلى إسدال الستار على تاريخها برمته حياء من جورج
رو ؟ وذلك عد السؤال الصعب كيف أصبحت
تلك الشريحة مجهولة فعلا إذا كان الطوفان أسطورة فاننا بالفعل لا نمتلك أية وثائق مسجلة إلا تلك التي ذكر كتابها إنهم كتبوها بعد الطوفان.
وبالطبع فان هذا هو أهم الأدلة المادية التي لم ينتبه ولم ينبه عليها احد من الباحثين. ولكن لو لم يوجد اى اثر مطلقا
يدل على الطوفان
واى سبب آخر يدعونا للاعتقاد بوقوعه سوى أخبار النبي (ص) بها فهل نكذبه وفق منطق العلم ؟ كلا بل نصدقه والسبب واضح وبسيط ولا يحتاج إلى
معجزات فان عتبه ابن
ربيعه وأمية ابن خلف قالوا أسطورة النبي (ص) قال انها واقعة حقيقية
ولذلك فنحن نصدقه
ونكذبهم لانهم شهدوا له بالصدق وشهد عليهم بالكذب والتكذيب.
لقد أطلقوا علية صفة الصدق حتى بعد إعلانه عن دينه الجديد بل وخافوا من صدقة اما هو فأطلق عليهم صفة الكذب وسماهم الكذبين والكاذبين، وقد اثبت كذبهم فى استقراء
علمي للحوادث المتكررة مثلما اثبت صدقة بهذا الاستقراء المستمر للحوادث.
لقد اقروا بصدقه إلى درجة بان احدهم هدده قائلا : لاقتلنك يا محمد فاجابة قائلا : بل انا الذي سأقتلك ان شاء لله
وحينما حانت فرصة لانفراده
في المعركة – معركة احد فيما بعد – اذ انسحب إلى سفح الجبل جريحا عند هزيمة المسلمين أراد الرجل تنفيذ وعده فلاحق محمدا إلى سفح
الجبل.
وحينما رآه النبي مقدما علية استل
حربة من اقرب رجل انسحب معه وكرر
راجعا إليه فالتقيا وقبل ان يحاول الوصول الى النبي استثنى وتراجع موليا فى للحظة التي هوى فيها النبي بالحربة عليه فلم يصبه الا بخدش يسير.
بيد ان الرجل أصبح مسخرة لابى سفيان وقومه حينما تحرك الجيش بعد ساعات راجعا إلى ديارهم فى مكة.
فقد كان الرجل يدعى انه مقتول لا محالة ويقسم بالإيمان المغلظة انه ميت عن قريب وكان أبو سفيان والقوم
يتضاحكون ويسخرون من عقلهقائلين : جن الرجل ولله . يا هذا ولله ما أصابك
محمد فى بدنك ولكن في عقلك فهل سمعت رجلا مات من خدش فقال الرجل : لقد قال لي في مكة انا الذي أقتلك
ولله ما أراه إلا قاتلي فانه اذا
قال صدق !! وفى نص آخر انه قال : لو فال لى أقتلك ثم بصق على لقتلني فانه ما قال شيا الا صدق فيه. ثم مات الرجل على بعد فرسخين
. سيقول البعض ان الرجل مات موتا نفسيا ولم يمت من الخدش لاعتقاده ان محمدا ما قال شيئاً الا صدق.
وانا اشهد أيضاً انه لم يمت من الخدش وانه مات موتا نفسيا من صدق محمد، فاتونى برجل يقتل الناس بصدقه لا
بالسيوف. ولا بالقنابل فاى صدق إذن هذا الذي يقتل الخلق به؟
وأنى لي بتكذيب رجل إذا كذبته قتلني؟
وهل هناك أكثر حمقا ممن يدعوني
لتصديق الكاذب وتكذيب الصادق الذي يقر خصمه بصدقه
هذا هو موقف الذين أنكروا الواقعة، فماذا كانت مواقف الآخرين ؟ لقد وجد بعض الباحثين ان تكذيب قصة الطوفان ليس من
الحكمة بعد اكتشاف (وولى)
لطبقة الغرين السميكة جدا . فادعى بعضهم ان الطوفان قد وقع فعلا وما هو الا فيضان اكبر واشد من الفيضانات المعتادة لكن هذا التفسير
مخالف للنصوص التي ارادو تصديقها على نحو ما والأدلة التي لم يرغبوا في إهمالها.
فالنصوص لم تقل انه فيضان مدمر لا عهد لهم به بل قالوا هو طوفان وهو اسم مختلف لم
يطلق إلا على تلك الواقعة ويعنون به ذلك الحادث الذي بلغ به ارتفاع الماء قمم بعض جبال العراق.
واعتقد باقران تفسير الطوفان لم يعد عسيرا حينما قال :
(( أما سبب الطوفان
فلا يعسر على المرء إدراكه في ارض مثل السهل الرسوبي من العراق الذي كان معرضا فى جميع عهود
التاريخ إلىخطر الفيضانات ))- الملحمة / 47.
صحيح ان طه باقر اقر بحدوث طوفان وانه كان حقيقيا وانه كان طوفانا واحدا عظيم الأثر فى ذاكرة الأجيال كما فى
المقدمة من تاريخ الحضارات / 300،
ولكن تفسيره بالفيضان ليس كما قال (لا يعسر على المرء) بل يعسر جدا حينما نريد ان نأخذ بالمسلمات الثابتة عند الباحثين ومنهم باقر
نفسه والتي يظهر منها النفى
القاطع لإمكانية حدوث فيضان من هذا النوع بسبب من الثبات النسبي للمناخ بكل تفاصيله.
ذلك انهم أكدوا وبشكل مستمر ومكرر فى المؤلف الواحد ان مناخ العراق لم يتغير بصورة جذرية منذ فترة لا تقل فى
كل الأحوال عن ثمانية
آلاف سنة لدراسة العراق القديم.
قال جورج رو وهو فى بداية وصف طبيعة العراق :
((ان الوصف التالي
سيتركز على عراق اليوم حيث يمكننا طبعا استخدامه في وصف العراق القديم)).
وعزا سبب هذه الإمكانية إلى ما نصه :
(( في الوقت الذي
نلاحظ فيه ان الأنهار في أقسام من البلاد لم تعد تسير فى نفس الاتجاه القديم ما أدى إلى تحول
مناطق تتميز بالخصوبة إلى بوار، والعكس صحيح، إلا اننا نلاحظ ان الهيئة العامة للجبال
والسهول والوديان بقيت كما هى دون ان يطرأ عليها تغير واضح ولو قارنا النباتات
والحيوانات المعاصرة والقديمة
إضافة إلى الشواهد الجيولوجية والارصادية لوجدنا تقلبات المناخ عبر الستة أو ثمانية الاف سنة الماضية كانت طفيفة بحيث يمكن
تجاهلها علميا)) / العراق القديم -
20
وإذا كان الأمر كذلك فما اشد التناقض إذن أين فرضية حدوث فيضان مرعب كهذا وبين الثبات النسبى للجبال والمناخ
والكائنات وبالطبع يحاول الباحثون ايجاد مخرج لحل وسط يؤمن الاعتراف بوقوع الحادثة
مع عدم الاعتراف بصدق الكتب
المقدسة وهيهات يتم لهم بذلك فهذا هو المحال بعينه لان كتاب لله في خلقه وفى كلامه انما هو كتاب واحد.
ولذلك كانت فرضية الفيضان الكبير متناقضة مع مسلمات أخرى أثبتت كبديهيات تاريخية منها شحة مناسيب الأمطار،
والسيطرة التي سماها رو بالمدهشة للعراقيين على الفيضان ومنها ثبوت مواعيد الفيضان
ومنها فترة الجفاف.
وفى كل واحدة من هذه المسلمات تناقض واضح مع افتراض ما لتفسير الطوفان .
فقد ذهب آخرون إلى ان الطوفان المذكور هو خليط من الأمطار والفيضان . ومن الواضح انهم غضبوا أنفسهم على هذا
التفسير الذي يذكرالأمطار لانه سيكون تصديقا لجزء من مصدر مياه الواقعة
في النص القرآني اا
والمؤلفة من شطرين مياه الأرض
الجوفية والأمطار الغزيرة :
(( ففتحنا أبواب
السماء بماء منهم - وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر وحملناه على ذات ألواح ودسر))-
11-13/54
لكن هطول الأمطار بهذة الغزارة هو شيء غير معتاد وفق المعلومات العامة من مناخ العراق الذى لم يتغير منذ الآف السنين.
فقد ذكر جورج رو شحة
الأمطار في العراق منذ أقدم العصور.
قال :
(( يتسم مناخ العراق
كونه شبة استوائي تصل درجات الحرارة فيه الى 50 م صيفا ويقل معدل سقوط المطر فيه عن العشر
بوصات فى الشتاء لذلكتعتمد الزراعة اعتمادا كليا على الرى خاصة في
الوسط والجنوب ))26 فمن أين ياتى الأمطار الغزيرة مع شحة الأمطار كقانون إذا كان المناخ لا يتغير
خلال ثمانية آلاف سنة ؟
اما الفيضان فلم يكن أمراً غريبا على العراقي ليكون بهذه الضخامة التي صورتها النصوص القديمة بل علاوة على
ذلك كان العراقي يعده مصدر
خير إذ يجلب الطمي والخصب للأرض واعتمد على نفسه في مواجهته والانتفاع منه فى آن واحد … وكان ثباته الزمني عاملا مهما لكي يتهيأ له كل
عام. قال
(( تنحصر فترة فيضان
النهرين مجتمعين في وقت واحد يقع بين شهري نيسان وحزيران ومن المدهش ان تجد سكان وادي
الرافدين القدماء قد استطاعوا إخضاع أنهارهم لسيطرة مستديمة خصوصا إذا عرفنا ان الفرات
ظل محتفظا بنفس مسارة تقريبا ثلاثة آلاف سنة متواصلة - اى في ذلك العهد – مارا
بسبار وبابل وشروباك واوروك ولارسا واور ) /25 رأينا ان طه باقر فسره بالفيضان.
ولكنه عاد في موضع آخر ففسر الطوفان بالأمطار الغزيرة.
واعتبر هذا التفسير معقولا خاصة :
((مع حدوث عصر ممطر
في الشرق الأدنى في عصور
عصور ما قبل التاريخ )) 301 –
المقدمة.
والظاهر انه نسى انه وصف هذه العصور نفسها بالجفاف في نفس الكاتب ص /15 حيث شرح مشكلة الاستيطان فقال :
(( اما بالنسبة
للنتائج الحضارية فان حلول فترة الجفاف فى الشرق الأدنى جعلت من المتعذر اعتماد الإنسان فى قوته على
صيد الحيوان كما كانسائدا فى العصر الحجري القديم فاهتدى في بقعة ما من
الشرق إلى إنتاج الزراعة وتدجين الحيوان خاصة فى شمال العراق فى العصر الحجرى الحديث
))15
وذكر وصفا مشابها لنفس الفترة فى موضع اسبق / ص14/ حيث قال :
((كان يحدث إبان العصور الجليدية الأوربية فترة أمطار غزيرة يقابل هذه الفترات في أنحاء الشرق الأدنى فترات
يسودها الجفاف ونحن الآن في عصر جفاف اى في الفترة الجليدية الأخيرة التي أعقبت
العصر الجليدي الرابع))14-
المقدمة
ومعلوم ان العصر الجليدي الرابع ودوره الأخير المسمى (بلا يستوسين) هو العصر الذي تميز بكثرة الطمي الذي كون
الدلتا في السهل الرسوبي وأوائله
متقدمة جدا على نفس عملية الاستيطان، بحيث امتدت فترة الجفاف لتشمل كل الاحتمالات الممكنة لحادثة الطوفان حسب هذا التقسيم.
فالطوفان المذكور حسب النصوص القديمة يقع بحدود4000 سنة ق.م فى دور العبيد وهو ما ذكره باقر عن تقديرات
وولى فى القدمة /300
وذكر آخرون منهم د. سامى الأحمد فى ترجمته للنص الاكدى من الملحمة ان الطوفان :
((اما اسطورة مبتدعة
صرفة او ذكريات عن طوفان حدث فى العهود الماضية ما قبل التاريخية تنتج عن ذوبان الثلوج في
العصر الجليدي)) /22 وذكران الدليل على ذلك هو ارتفاع مناسيب مياه البحر
إلى ما يقرب من خمسين
خمسين مترا فوق المستوى الحالي.
وأشار الى انه اخذ هذه المعلومات عن كتاب لمؤلف اسمه (جورج روكس) المسمى (ancint
araq) لسنة 1964. وهو بنفسه (جورج رو) فيا للعجب أما أسطورة محضة أو صرفة واما مياه
الثلوج وقد يحسب انه هنا أدلى براى ذى حسبان. بالطبع فنحن مختلفون فى ذلك فهي اما
أسطورة صرفة أو حقيقة، ولكنها ان كانت حقيقة فستكون بعيدة كل البعد عن مياه الثلوج.
لان مياه الثلوج وهى على الجبال
التركية والعراقية لن يكون له معنى سوى الفيضان فيحسب انه اذا غير العبارة من فيضان المياه ثلوج حلت المشكلة إلى الأبد مع بقاء
الاحتمال فيكونها أسطورة لكني أتساءل لماذا دوما اما
أسطورة أو فيضان؟ ولا يمكن أبداً ان يكون هو الطوفان؟ انى لأرى ما لا ترون . انى لأرى شبح محمد في لفظ
الطوفان وشبح أمية بن خلف في لفظ
الفيضان وإلا فما هذا الهوس الجنوني بامية بن خلف وروكس؟ والفرار والذعر من لفظ الطوفان؟
فتعال نفكر بنظرية روكس العجيبة عن زيادة ماء البحر خمسين مترا فوق مستواه العادي من جراء مياه الثلوج
فمن أين تجيء الثلوج أليست تأتي من
مياه البحر؟ فمن أين جاءت الزيادة
من خارج الغلاف الغازي للكرة الأرضية ؟ ام من باطن الأرض من المياه الجوفية والتي يستحيل خروجها الا بانخفاض مفاجئ ومهول
للضغط الجوى فى المنطقة، فإذا عاد
الضغط عادت المياه إلى باطن الأرض.
ان العلم يقرر ان المياه في الطبيعة بنسبة ثابتة ودوما ! ان الماء ثابت النسبة مثل الهواء ومكوناته كل ما في الأمر
انه يتحول من حالة إلى
حالة ومن موضع إلى موضع فى دورة مستمرة .. وذلك هو من أبجدية علوم الطبيعة. والتوازن الموجود في الماء لا يختلف عن حالة
التوازن لجميع أنواع المادة
والطاقة بل قانون النسبة الثابتة حكم المادة كلها والطاقة كلها بقانون يدرسه الطلاب فى
المراحل الأولى هو (قانون حفظ المادة والطاقة ) ومن
جهلة فكأنه لا يعلم شيئاً عن علوم الطبيعة على الإطلاق . من جهة أخرى افترض الأحمد ان
يكون الطوفان المذكور هواحد عدة فيضانات مسجلة تاريخيا .
والطاقة كلها بقانون يدرس الطلاب فى
المراحل الأولى هو(قانون حفظ
المادة والطاقة) ومن جهلة فكأنه لا يعلم شئيا عن علوم الطبيعة على الإطلاق. من جهة أخرى افترض الاحمد ان يكون الطوفان المذكور هو احد
عدة فيضانات مسجلة
تاريخيا.
ولكنه لم يسمها فيضانات وانما طوفانات حيث وردت فى بعض الوثائق واتى ارتفاعها حسب التسلسل : كيش الأول
وكيش الثاني بارتفاع (40)سم، وشروباك
بارتفاع (60) سم، وأور وبارتفاع (72) سم، وجمدة نصر بارتفاع غير مسجل / ترجمة الملحمة -23.
لكن هذه التي ذكرها ما هي الا الفيضان الموسمي للنهرين والذي لابد للمرء من ان يجد له ذكرا فى وثائق
الدول، بما فى ذلك العصر الحالي حيث تجد مكاتبات الدولة العراقية
بشان الفيضان الموسمي فى الأعوام القليلة السابقة . فما هي علاقته بالطوفان السابق على دول
المدن وعصر فجر السلالات، ام يحسب ان تسمية الفيضان بالطوفان ستحل المشكلة تماما مثل
المقترح الأول الذي سمى فيه الطوفان فيضانا وهل تفسر تلك الفيضانات الطوفان المذكور؟
وهل يعتقد ان السكان هلكوا فى مستوى من الماء يبلغ 60سم ؟ وهل كان قول الباحثين بسيطرة العراقيين القدماء على
الفيضان السنوي مجرد
أكذوبة؟ لقد قال باقر :
((ان وولى عثر فى
حفرياته على طبقة غرين بثخن يبلغ زهاء 11 قدما فى كيش - شروباك لجش وهى تفصل مابين دور حجدة
نصر وعصر فجر السلالات الأول ولذلك ذهب المرحوم وولى إلى ان الطوفان المذكور
ووقع فى دور العبيد بحدود 4000 سنة ق.م - تاريخ الحضارات / 300 والمطلوب هو تفسير الطوفان
المأثور وطبقة الغرين تلك وبقية
الآثار عنه وليس والمطلوب الإشارة إلى الفيضان العادي الموسمي المعلوم لجميع الباحثين والمسجل تاريخيا.
لم يكتف الاحمد بمصائب تفسيرات
القوم الغرباء حتى جاءنا باحتمالات اغرب وأعجب .
فما عسى ان يكون مقدار ما يرسبه 72 سم من الماء الأحمر حتى لو استمر عدة أسابيع ؟ اننا نعلم ان المتر المكعب من
ماء الفرات الشديدالحمرة لن يرسب أكثر من نصف ملم عند الركود.
وباستمرار تدفق المياه عدة أسابيع ستبلغ طبقة الغرين عدة سنتمترات او انجات مهما بالغ المرء فى وصف الفيضان
ولن تصل فى كل الأحوال إلى احد
عشر قدما !
ان هذا السمك يحتاج إلى ارتفاع للماء لا يقل عن الفي متر– لا مجرد كمية فقط بل لابد ان يكون ثجاجا ينصب انصبابا
شديدا او متفجرا من باطن الأرض ويقوم بإذابة التربة لتكوين طبقة بهذا السمك وهو امر
سيكون مروعا ومهلكا للكائنات بكل تأكيد. لقد كذبت الملحمة بنفسها جميع تلك الاحتمالات
حينما اعتذر(ايا) عن فعل الطوفان
وألقى باللائمة على انليل)
وقد رأينا تلك الرموز الدالة دلالة واضحة على ان الطوفان الذي ذكرته الملحمة لم يكن شيئا معهودا ولا فيضانا
عظيما عارما فالعراقي يفرق جيدا بين ما يفعله ايا وما يفعله انليل ! انليل الذي إذا
فعل شيا فلن تكون هنالك اى قوة
لصده، ولن يكون هناك اى إجراء يمكن ان يتخذ لتخفيف الصدمة ما لم يكن سابقا على الموعد المقرر بإشارة من أيا كما رأينا
فى الرموز– وكما رأينا فعلة
فى أور حيث استمر الشعب ينوح نواحا مستمر.
اننا لا نشك بوقوع الطوفان ولا نطلب من الباحثين تأويلا له بقدر ما نطلب ان يتعاملوا بموضوعية تامة مع
معطيات اختصاصاتهم فعليهم انيرسو على حل واحد وفكرة محددة بشان المعطيات
نفسها ! هل كان العصر عصر جفاف أم عصر أمطار؟. عليهم ان يعلموا ان القاري ذكى أكثر مما كانوا يتصورون فهو
لا يقبل ان يكون عصر جفاف لتفسير
الاستيطان ويكون
ويكون عصرا ممطرا لتفسير
الطوفان وان المتلقي يحفظ عليهم
ما يقولون.
نحن لا نشك بوقوع الطوفان لان النص الديني اخبرنا بالقضيتين فى ان واحد، قضيه الطوفان وتكذيب الأكثرية بها
… فتكذيبهم للقصة القرآنية التوراتية لا يدفعنا للتشكيك بها كما ظنوا بل على
العكس فهو بالنسبة للمتلقي النزيه
دليل على صدق القضية الثانية اى الطوفان لانه ذكر تكذيب الأكثرية للقصة عقيب سردها كما فى مورد الشعراء من
القران الكريم (( كذبت قوم نوح المرسلين – قال رب ان قومي كذبون- فافتح بيني وبينهم فتحا ونجنى
ومن معي من المؤمنين – فانجيناه ومن معه
فى الفلك المشحون – ثم أغرقنا بعد الباقين ان فى ذلك لأية وما كان أكثرهم مؤمنين- 105- 121 / الشعراء
وحينما نريد تف
الطوفان أم طوفان الأسطورة
)قراءة جديدة في اللوح الحادي عشر(
عالم سبيط النيلي
ينطوي التفسير الجديد لسبب الطوفان
على ربطة بواقعة طبيعية ذات صلة
بالقوى التي تتحكم بالمياه الجوفية ومياه الأمطار ومناسيبها.
ويتركز الافتراض على أن السبب الرئيس للطوفان من الناحية الطبيعية هو حصول ثورة لبركان عظيم في المنطقة.
ولكن قبل ذلك يتوجب علينا تصحيح المفاهيم الخاطئة التي جمد عليها الباحثون في الدين وفى المؤسسة الثقافية
والتي تتنافى مع الدين ومع العلم
الذي التزمت به المؤسسات ظاهريا.
فالخطأ الذي يرتكبه الباحثون في مجال الدين شبيه إلى حد كبير
بالخطأ الذي يرتكبه علماء الطبيعة. المجموعة الأولى تعتقد
غالبا أنأنواع العذاب الالهى الذي ذكرته الكتب المقدسة يستلزم عدم البحث
في العلل الطبيعية أو
ضرورة تجاهلها إذ لا معنى له عندهم سوى أن هناك يدا خفية هي يد لله التي فعلت الظاهرة أو أنزلت العذاب .
بينما تعتقد المجموعة الثانية نفس المسالة باختلاف في الترتيب فقط :
فالبحث العلمي المجرد يوجب على
اعتقادهم استبعاد اليد الإلهية.
ومن هنا تصبح حادثة الطوفان قد وقعت بين فئتين لا يتصف منهجهما بالصفة العلمية كما سنلاحظ قريبا.
أن النص الديني يحتاج إلى مراجعة من قبل جميع الإطراف بعد أجراء تصحيح للمفاهيم المتعلقة بفلسفة الدين نفسه
ففي اعتقادي ان الدين لم
يكتشف إلى هذه اللحظة لا من قبل العاملين في هذا المجال ولا من
قبل خصومهم أدعياء الثقافة
العلمية .. فأدعياء الدين لم يقدموا لنا دينا علميا وأدعياء الثقافة العلمية لم يقدموا لنا تفسيرا ثقافيا وعلميا للدين ..
والحقيقة الوحيدة الصحيحة هنا هي قول صاحب رسالة الدين نفسه اعني النبي (ص) حينما يقول :
((ولد هذا الدين غربيا ويبقى غريبا أو [ ويعود غريباً وفى نـص آخر] فطوبى للغرباء)
إذن فهو يقول طوبى فقط لأولئك الغرباء والذين يبقون غرباء في مجتمعاتهم وبالتأكيد ان هؤلاء إعداد
قليلة جدا تعيش غربة الثقافة في
الدين وغربة الدين في عالم الثقافة في آن واحد وبالتالي فهي قطعا ليست من رجال الدين ولا من رجال الثقافة وهل تحسب ان الجنة لغير
هؤلاء
؟ بلى انها لهؤلاء المعدودين فقط فان طوبى وهو
اسم للجنة لهؤلاء .. لاننا نعلم ان النص القرآني أشار إلى ان
أهل الجنة أقلية جدا قليلة( ثلة من الأولين وثلة من الآخرين
) 140/56/ أما أهل النار فهم أمم كاملة (( كلما دخلت امة لعنت أختها ))-38/7.
فالنص الديني يكفر أولئك الذين ينكرون ارتباط الظواهر بعلتها النهائية من فوق التي تبناها أهل الثقافة مثلما
يكفر أولئك الذين يتنكرون لارتباطها
بعللها الطبيعية من الأسفل التي تبناها أهل الأديان، لان الدين في مضمونة الحقيقي عبارة عن توضيح للعلل وعلاقاتها بعضها
ببعض.
فمن الأعلى ثمة سلسلة من العلل لا يمكن ان تتناهى ومعرفتها مفتوحة بلا حدود ومن الأسفل حيث ترتبط بالإنسان
فانها علل معدودة ومحدودة بحسب
الظاهرة وهى تشير إلى مسؤولية الإنسان عن النظام الطبيعي ومجرياته.
ان إنكار هذه العلل من جهة الإنسان عند رجال الدين هو إنكار للترابط الغائي بين خلق العالم وخلق الإنسان .
وإنكار ارتباطها العلوي
لا يعنى بالنتيجة الا الشيء نفسه.
رموز الإله ادد
فهل تحتاج تلك المعادلة إلى أدلة من
النص الديني والنص الكوني
المفتوح؟ ان الأدلة كثيرة لا حصر لها وقريبة جدا و
حينما يسمعالمرء أخبار عن هلاك الأمم كالذي يذكره القران
يذهب باله دوما إلى تصور مغاير لما يريد إبرازه النص الديني فهو يظن ان
تلك الأقوام هلكت من غير علل طبيعية.
لم يحدث ان قام احد في البحث الديني بدراسة للربط بين سلوك الإنسان ونوع العذاب الذي
وقع على الأمم لاكتشاف الرباط السببي
في علاقة الإنسان بالطبيعة مثلما تجاهلها أهل الثقافة وهم يدرسون حركة التاريخ ويكتشفون غوامضها .
ليس إهلاك عاد بالريح العاتية اختيار
عشوائيا أعجب جبريل ان يفعله
بينما أعجبه ان يهلك قوم نوح بالطوفان وقوم لوط بالحجارة.
لا ندرك العلاقة العلوية لهذا
الاختبار ولعلنا ندركها يوما ما ولكن من لمؤكد اننا لن ندركها قط ونحن ننكر
ارتباطنا بها من الأسفل .
وماذا نظرنا إلى الدين نظرة مجردة عن اى حكم سابق فلن نجدة في الواقع سوى نص يوضح بشكل معمق علاقات الأشياء
بعضها ببعض.
انه نص يوضح العلل لا غير :
إذا فعلت كذا وقع كذا وإذا فعلت كذا
أصابك كذا… وإذا لم تفعل
كذا فانتظر وقوع كذا ..إذا فعلتم كذا انفتحت أبواب جهنم .. وإذ فعلتم كذا انفتحت أبواب الجنة وبعد ذلك فانتم وما تشاء ون ان
تفعلوا : ليس ثمة إكراه على فعل شيء دون شيء آخر لان الأصل في خلق الإنسان
انه خلق ليختار وان لله لا يفعل شيئا ضد خطته الأولى فلو شاء ان يجعله مكرها لجعله مكرها منذ
خلقة ولما منحه قدرة على الاختيار ولذلك أكد على تلك الحرية فليعمل الإنسان ما يشاء بيد
ان رسالة الدين تخبره عما ينتج عن
كل اختيار من نتائج :
((اعملوا ما
شتم))4/41
((فاعبدوا ما شتم من
دونه))15/39
حتى صاحب الرسالة نفسه ليس عليه من
واجب سوى إبلاغ هذه المعلومات، فلا يكره أحداً على شيء مطلقا بل واجبه التوضيح لا
غير، التوضيح الذي لا لبس فيه.(( افانت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين؟ )) 99/ 10
((فهل على الرسل الا
البلاغ المبين)) 35/ 16
انه إذن بلاغ ومبين واضح لا لبس
فيه ((انما على الرسول البلاغ المبين ))92/5
((وما علينا الا
البلاغ المبين)) 17/ 36
((فان تولوا فإنما
عليك البلاغ المبين))82/16
((فإنما عليك
البلاغ)) 40/ 13
والرسول نفسه لا يختار بدلا
عنهم ولا يكون وكيلا عنهم ولا حفيظا على الناس
((فان اعرضوا فما
أرسلناك عليهم حفيظا ان عليك الا البلاغ)) 48/42
وإذا كذبوه فهل يجبرهم على تصديقه هذا محال لان التكذيب والتصديق لا يمكن ان يحدث بالإكراه أصلاً فا لمرء قد
يصدق وقد يكذب بالشيءبلسانه دون قلبه، وغاية الدين أصلاً القضاء على هذه
الازدواجية والنفاق كي يتمكن كل امرئ من إظهار وإعلان ما يعتقده فالأفكار الخفية غير
المعلنة ليست سوى أمراض نفسيه :
((وكذب به قومك وهو
الحق قل لست عليكم بوكيل)) 960/6
فليكذبوا به فهم وما يشاءون لانه قال لهم ( اعملوا ما شئتم ).. والاعتقاد أولى بالحرية من العمل ..لان من
ضل فانما يضل على نفسه ومن
اهتدى اهتدى لنفسه وهذا لا يصح مطلقا الا حينما يكون ارتباط الإنسان بالنظام الطبيعي محتوما وغائيا ومخططا له سلفا (( ومن ضل فإنما
يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل
)) 41/ 39((وما أرسلناك عليهم وكيلا)) 54/ 47 فلماذا جرد سيفه وقاتل إذن ذلك لانهم جردو سيوفهم ليمنعوه من
الكلام والإبلاغ . وهو يقول لهم ((الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)) 29/ 18.
لم يكتفوا فى ان يفعلوا ما يشاءون ويكفروا كما يشاءون ! بل أرادوا ان يجبروا الخلق كلهم ليكفروا ويستحوذوا على مشيئة الآخرين ويصادروا حريتهم وتكون
الساحة لهم وحدهم هم يريدون ان يكونوا
على الناس وكلاء واحفاظا .. اما الرسول فهو يريد ان تكون الساحة مشتركة فليبلغوا في الكفر كما يبلغ هو بالإيمان وليختار الناس ما
شاءوا، ولذلك فالرسول
هو الوحيد من خلق لله قاتل دفاعا عن الحرية مجردة عن كل هدف آخر
اماالذين تقاتلوا فيما بعد أو قاتلوا فلا يمكننا الدفاع عنهم لانهم فعلو
ذلك لهدف هو عكس
هدفه تماما – كان هدفهم السلطان والحكم ليكونوا وكلاء على الناس وهذا
يمثل اختيارهم الذاتي
لا اختيار السماء ولا علاقة له بالرسالة ومضمونها مطلقا الم يحدث بعده مباشرة بل قبل دفن جثته الطاهرة ان جردوا السيوف وطلبوا
البيعة من الناس فمن لم يبايع عرض عنقه للسيف ؟ واستمر هذا المشهد إلى هذا اليوم فلا
يمكن استثناء احد الا ان يكون قد قاتل الذين يريدون مصادرة الحرية قتالا مجردا عن
اى هدف آخر ولكن ما اقل هؤلاء بل ما أندر ما نعثر عليهم فى طيات التاريخ .
لقد انعكست جراء ذلك علاقة الإنسان بالأشياء فأهل الأديان يزعمون ان النظام الطبيعي هو الذي يؤثر في الإنسان ،
بينما حقيقة النص الديني تظهر العكس.
فالإنسان هو الذي يوثر في النظام الطبيعي سلبا وإيجاباً وهو الذي يمكنه الانتفاع منة او تحويله إلى مصدر
للانتقام منه ولقد أكد جميع
الرسل على العلاقة بين السلوك والنظام الطبيعي ولكن لله يتدخل فى كل آن لهيمنته المطلقة على الموجودات في الإبقاء على النظام الطبيعي
من مساوئ ما يفعله الإنسان
حلما بالخلق وأناة معهم ورحمة بهم كي يصل بهم إلى الغاية النهائية وهى اكتشافهم للعلاقة بين خلقة وكلامه باعتبارهما نظاما واحدا لا
يتجزأ.
فحينما يبلغ الحال إلى (الحد الحرج) الذي لا يمكن فيه تغيير هذا النظام تقــع الظواهر
المشار إليها فى القران عن إهلاك
الأمم وفق قوانين صارمة . لقد
جاء الملائكة (الرسل) إلى إبراهيم (ع) بالبشرى تمهيدا لإخباره بنبأ هلاك قوم (لوط) المرتقب.
لقد كان إبراهيم حليما يعرف مشيئة لله وقوانينه في الخلق إلى حد
ان لله وصفه بهذه الصفة فى هذا الموضع بالذات – فقد جادل الملائكة جدالا
طويلا و هو يحاول تأجيل العذاب ويعرض الصور المحتملة لإمكانية التأجيل.
لكن الملائكة أجابوه في النهاية قائلين :
((يا إبراهيم اعرض عن هذا انه قد جاء أمر ربك وانهم آتيهم عذاب غير مردود)) 76/11هل تلك كلمات مجردة ينقلها لنا
القرآن ؟ أم ان (غير مردود) صفة
للعذاب كانت مرتبطة بقانون الكون لا يمكن خرقها إلى ابعد من تلك اللحظة؟ بالطبع والا فما كانت هذه العبارة لتثنيه عن عزمه في تأجيل
العذاب .لقد كان إبراهيم يومئذ هو
الفرد الوحيد في العالم الذي يعيش غربته ((أن إبراهيم كان امة ))120/16
وكان لابد من إخباره بتفاصيل هذا الأمر (أمر ربك) وكيفية مجيئه وفق تلك السنن
بحيث ان ألتأجيل بلغ الحد الحرج ولا
يمكن خرق تلك السنن إلى أزيد من
ذلك.
فأمر الله ليس كأمر ملك من الملوك في الأرض يعجبه ان يقتل الفلانيين بكذا قتلة ويهلك الآخرين بكذا هلاك، ان أمر الله
مرتبط باختيار الإنسان نفسه ،فالأمم
الهالكة اختارت وقت هلاكها وطريقته بهذه السنن اختيارا أصبحت نتيجته محتومة ومن هنا أكد القرآن دوما بعد هلاك الأقوام نسبة الهلاك
إليهم . والاختيار لهم :
((وما ظلمهم الله
ولكن كانوا أنفسهم يظلمون )) 9/29
((فما كان الله
ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون))9/30
((ان لله لا يظلم
الناس شيا ولكن الناس أنفسهم يظلمون))44/10
((وما ظلمهم لله
ولكن كانوا أنفسهم اا
يظلمون ))33/16
((وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون))160 / 7 فلاحظ موضع(باء الواسطة فى
النص الذي يفسر سبب الهلاك :
(( فأرسلنا عليهم
رجزا من السماء بما كانوا يظلمون))162/
7
فالرجز جاء بواسطة الباء والباء دخلت على كانوا يظلمون وظلمهم هو وحده الذي جاء برجز السماء .
ولا يمكننا التوسع هنا فقد أوضحنا الكثير من تلك القواعد والسنن فى مؤلفات أخرى يمكن مراجعتها.
ومن جهة أخرى فان التأثير الايجابي فى الطبيعة هو من فعل الإنسان أيضاً فقد جرى على يد هؤلاء المبلغين
بهذه القوانين من الرسل تغيير وتحكم في الطبيعة معلوم وهو ما سمى بمعجزات الأنبياء
ولفظ معجزة من وضع رجال الدين ولا وجود له فى النص التوراتي ولا فى الإنجيل ولا في
القران فهو اصطلاحهم ويفهم
منه عجز الخلق عن ان يأتوا بما جاءت به الرسل وانهم جاءوا بتلك الآيات للدلالة على صدقهم.
بيد ان الاقتصار على هذا التفسير
للمعجزات فيه جناية على الطرح الديني
فالغاية الأهم ليست جعل الناس يصدقونهم بل يصدقونهم من خلال قدرتهم على التحكم بالموجودات وإذعان الطبيعية لهم
فالدين يحمل هذه الرسالة الموجهة للخلق ومفادها ان اختيارهم الذاتي
يجعلهم عرضة للهلاك وان اختيار لله يجعلهم يتحكمون بالموجودات ويحركونها كيف شاءوا
وان الدليل على ذلك هو ما يمكن ان يقوم به الرسل. وكل مخلوق
غيرهم يقدر على ان يفعل فعلهم إذا كان ارتباطه بالله كارتباطهم ولذلك قال المسيح :
((من امن
بى يعمل هو أيضاً الأعمال التي اعملها انا بل يعمل أعظم منها ))- يوحنا 14/12.
ولم يكن ارتباط الإنسان بالقوى الكونية عند الرسل في النص الديني خاصا بهذه القوى بل ربطوا الظواهر الاجتماعية
بسلوك الإنسان واختياره فالغلاء
وتقلب الأسعار والزواج والطلاق قد ارتبط بالسلوك.
وفى المرحلة التالية ربطوا السلوك بالنتائج الكلية كأنواع الزروع وجودة الثمار والإنجاب وظهور العاهات
المستديمة والأمراض المزمنة كل ذلك ربطة الرسل بالسلوك على طريقة : إذا فعلتم كذا
وقع كذا.
وفى المرحلة الثالثة : ربطوا السلوك بالنظامين السياسي والاجتماعي فالفئات والاختلاف والحروب والفتن والمظالم ونسبة تحقيقالعدل ومعدل الجريمة وظهور الطغاة بشكل دوري كل
ذلك ربطة الرسل وعلى نفس الطريقة :
اذا فعلتم كذا فانه
سيكون كذا .
وفى المرحلة العليا قاموا بربط السلوك بالنظام الكوني نفسه فعدد الخسوفات القمرية ومعدلات كسوف الشمس وكمية
الأمطار، والكسوف الكلى للشمس وظهور الأعاصير وعذوبة المياه الجوفية وخصوبة
الأرض والزلازل والفيضان والنيازك وظهور المذنبات وشدة الحر والصقيع ونمو معدل
الجراد الفاتك بالمزروعات كل ذلك ربطه الرسل بالسلوك وعلى نفس الطريقة إذا فعلتم كذا فتوقعوا حصول كذا.
هذه النصوص الدينية مثبتة بالمئات في الكتب المنزلة وفى أقوال الرسل فاخبرني من من الناس قام بدراسة تلك
النصوص لاكتشاف قوانينالعلاقة التي صممها لله منذ بدء خلقة الإنسان
بين الإنسان والطبيعية ؟ أهم علماء الدين الذين لا يمنحون إجازة إلا
لمن يمر بفترة غسيل دماغ لغوى ونصي لنصوصهم وقواعدهم التي وضعوها مع حواشيها وشروحها بحيث ان
النص الرسالي أو المنزل لا يؤتى به الا للاستشهاد على صحة أو خطا
قواعدهم والبحث حولها والجدل الذي لا ينتهي بشأنها بحيث انعكس الأمر تماما فأصبح النص
الالهى لخدمة أفكارهم ، بينما يعتقد العامة انهم قائمون على خدمته.
أم هم علماء أهل الكتاب الذين يعقدون الاجتماعات منذ القرن الثاني أو الثالث الميلادي لإيضاح العلاقة
الغامضة بين الأب والابن والروح
القدس فيستمر استقلال الكنائس بعضها عن بعض وانفصالها بناء على الاحتمالات التي لا تنتهي عن انبثاق الروح عن الابن أو الابن عن
الروح أو الروح عن كليهما أو عدم
الانبثاق أو الولادة أو الصدور بحيث إذا ابتكر احدهم اى تعبير جديد للعلاقة ظهرت كنيسة جديدة ؟؟
أم هم الذين اختصوا بالحقول العلمية التجريبية ومن تابعهم في الاتجاهات الثقافية الذين عاملوا النص الديني كنص
غيبى ميتافيزيقي لا يمكن إخضاعه للدراسة والبحث العلمي المجرد من كل غرض ذاتي ؟
وحينما ينهار هذا الحاجز بين الذاتية والموضوع عندما ينكشف سر الأشياء وتبتلى سرائر الخلق فلن يكون يوم الحساب
يوما يجرى فيه اىحساب يذكر للاختصاصات فالجميع يحضرون عراة من كل لبوس
ويومئذ لن ينفع علماء الدين زعمهم انهم كانوا يجهلون العلل الطبيعية لانهم لم يكونوا
علماء في الطبيعة ولن ينفع علماء الطبيعة زعمهم انهم لم ينتبهوا للعلاقة لبعدهم عن
النصوص الدينية اذ لم يكونوا علماء دين !!
وستكون الحجة قائمة على الجميع لسبب بسيط وواضح فالنص الديني المكتوب هو الوجه الآخر للنص
المادي المخلوق فيقال لهؤلاء هذا كتاب لله ويقال لهؤلاء هذا كتاب لله ، هذا كتاب كلمات مبينات
ومفصلات وهذا كتاب مخلوقات
مبينات مفصلات .
لقد دأب الاثاريون على تسمية قصة الطوفان بالأسطورة حتى بات ذلك جزء من اسم الحدث ((أسطورة الطوفان)) لقد
ذكر هوك في كتابه (أساطير بلاد ما
بين النهرين) ان المعلومات المتعلقة بالحدث ضئيلة جدا بل وعموم أساطير السومريين حيث قال :
((وينبغى ان نتذكر بان معلوماتنا عن السومريين وأساطيرهم ليست تامة وان كثيرا
من الكلمات فىاللغة السومرية ذات معان غير متحققة وإضافة إلى ذلك فان بعض الألواح مكسورة ويصعب جدا قراءتها ))/20
من الكلمات فى اللغة السومرية ذات
معان غير متحققة وإضافة إلى ذلك
فان بعض الألواح مكسورة ويصعب جدا قراءتها))/20
ان لفظ أسطورة ينبئ بوضوح تام عن لا واقعية الحدث المذكور فيها والسؤال هو كيف يمكن الجمع بين لفظ الأسطورة
وبين الاعتراف بضالة
المعلومات عن الحدث؟ فالذي يسمى حدثا ما أو أحداثاً انها أساطير لابد ان تكون له معلومات كافية لإثبات لا واقعيتها … أم ان عدم توفر
المعلومات الكافية بشان حدث ما
يعنى دوما عدم صحة الحدث؟
من حسن الحظ ان هذه الطريقة لم يستعملها علماء الفيزياء والفلك والأحياء والكيمياء وإلا لكانت ضالة المعلومات
ستجعلهم ينكرون وجودشيء اسمه الجاذبية أو الفيروس أو الجينات أو البوزترون
ولكانت قد توقفت تلك العلوم بل لماتت في مهدها في هدها كما هي ميتة الآن العلوم الإنسانية
بفضل غرائب الباحثين.
لكن كلامه مع ذلك يناقضه (يوس) وهو يقول : ان أسطورة هلاك الجنس البشرى بالطوفان قد وجدت بأشكال وصورة
وبمختلف الطرق في كل جزء من أجزاء العالم / أساطير-18 لا تحسب ان يوسز يخالفه فى
كونها أسطورة بل سماها أسطورة أيضاً بالرغم من تواتر ورودها بمختلف الصور والأشكال –
لان للعلماء طريقتان فى إنكار الوقائع تذكران معا رغم تناقضهما : الأولى قلة
المعلومات والأخرى كثرة القائلين بها.
فكثرة القائلين بواقعة معينة لا يبرهن عندهم على صحتها بل على العكس يدل على وجود رغبة نفسية معينة فى تصديق
قضية وهمية لدى عمومالناس وبالتالي تظهر بتلك الأشكال والصور المختلفة.
فكيف إذن تقوم الأدلة على تصديق واقعة معينة؟ إذا كان الإخبار عنها من مؤرخ واحد لا يفي بالمطلوب وإجماع أهل
الأرض على ذكر الواقعة هو الآخر
لا يفي بالمطلوب ؟
هل المطلوب هو الأدلة المادية العلمية مثلا- القائمة والباقية كآثار في الأرض؟ لنقل نعم : لكن المؤرخ القديم غير
مطالب علميا ومنطقيا بغير ذكر
الخبر فالأدلة المادية الشاخصة هي من واجبات الباحث المعاصر فقط فالمؤرخ القديم قام بواجبة تجاه الخليقة ونقل
الخبر وآثاره وأثبته فيسجلاته وفصل به بين مرحلتين وتحدث عنه في قصصه وملاحمه
وأدبه ولم يظهر منه اى تقصير في ذلك.
اذن فالأدلة العلمية الأخرى التي تساند الواقعة أو تنفيها كقرائن للإثبات أو النفي هي من واجبات الباحث المعاصر.
فلماذا أطلق الباحث المعاصر عليها اسم الأساطير قبل إتمام البحث وقبل اكتمال الأدلة وهل يدل ذلك على وفائه
العلمي للمؤرخ القديم ؟ بل لماذا استهجن الباحث المعاصر ما قام به (السير وولى) عندما أجرى
حفرياته في بلاد ما بين النهرين في
سبعة مناطق وجد فيها طبقة من الغرين تثبت على نحو ما حصول الطوفان ورفض متابعة أبحاثه الآخرون بعد ان عاجلته المنية
وبسرعة بعد هذه الحفريات ؟ زاعمين ان نتائج السير وولى لا ينبغي
الاهتمام بها ؟ وكما سيأتيك قريبا.
هل يخضع الباحث المعاصر إلى مواقف مسبقة تجاه قضية الطوفان تجعله يطلق عليها الأسطورة ويصر على موقفه في
عدم حاجته للأدلة سواءتلك التي تثبت انها أسطورة بالفعل أو تلك التي
تثبت وقوعها أميل إلى الاعتقاد بان الجواب على هذا السؤال هو نعم .
وبالتالي فان الباحث المعاصر يحتاج إلى تحليل نفسي أكثر من حاجة الأمم
السالفة التي ذكرت الواقعة فحينما اكتشفت رموز الملحمة لأول مرة وعثر فيها على قصة الطوفان أحدثت محاضرة
الأستاذ( جورج سمث) في اجتماع جمعية اثأر الكتاب المقدس في سنة 1872 أحدثت ضجة يمكن
القول انها انتهت بتأجيج الصراع بين
المؤسسة الثقافية ومؤسسة الدينية.
فالمؤسسة الثقافية لا تعتبر ورود القصة في الكتب المقدسة قرينة دالة على صحتها بل فسرته على العكس من ذلك، وهذا
واضح فان المؤسسةالثقافية تمتلك موقفا سلبيا مسبقا من النص
الديني برمته. وهنا تكمن العقدة النفسية للباحث المعاصر، وهو وحده الذي يفسر لنا سبب تجاهل
الأدلة الكثيرة جدا عن الواقعة، بحيث بات إطلاق الأسطورة عليها قبل ذكر تلك الموارد
أشبه بالضرورة التي لابد منها لتقديم المعلومات عنها للقارئ الذي يخشى عليه
من تصديق تلك الأدلة.
يقول طة باقر :
(( لقد كان حدثا بلغ من عظم الأثر والجسامة عند سكان وادي الرافدين بحيث ان جامعي إثبات السلالات ومؤلفي القصص
والأساطير جعلوه حدافاصلا بين عهدين متميزين فى تاريخ البلاد عهد ما قبل
الطوفان وعهد ما بعد الطوفان وهو يضاهى ما تواضع عليه المؤرخون المحدثون من تقسيم
التاريخ البشرى العام إلى العصور القديمة والعصور الحديثة ))/ المقدمة 299/ ط إذن فالنص
الديني الذي أكد الواقعة يبدو
وكأنه هو السبب النفسى الوحيد الذي يقف حائلا دون تصديقها ، إذ تصديقها يعنى تصديق ما جاءت به الكتب المقدسة ولذلك فسروا
ورودها في الكتاب المقدس بنقل العبرانيين لها عن ارض وادي الرافدين.
بيد ان ذلك لا يفسر لنا ورودها في القران الكريم الا بتلك الدعوى القديمة وهى أخذها عن أهل الكتاب المقدس.
لكننا نتساءل ما هي المبررات العلمية لتكذيب الكتب المنزلة ؟
الواقع انه ليس من شيء يدعونا لتصديق الباحثين وتكذيب النص المقدس ذلك لان الباحثين لم يخبرونا مطلقا بشيء جديد.
كل ما اخبرونا به هو مطابق لما ذكره مجمع مكة بقيادة ابى سفيان وعتبة
وأمية بن خلف وإضرابهم حينما قالوا للنبي (ص) وهو يخبرهـم
بوقائع تاريخية : أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى علية بكرة وأصيلا 5 / 25 فهذا القول قديم وهذا التفسير
للواقعة من انها أسطورة قضية قديمة تساوى ويا للأسف فيها منطق الباحث المعاصر مع منطق
هؤلاء الجهلة الذين يمثل تفسيرهم رأياً اعتباطيا وجوابا كيديا منتزعا من أهوائهم
بغير علم ولا أدله مادية. فنحن لا
نسمع من الباحث المعاصر غير جمل معممة هي ترديد لما قاله أمية بن خلف من قبل فزعمهم القائل :
ان العبرانيين قد استعاروا هذه الأسطورة التي كانت تشكل تراثا ثابتا لدى سكان وادي الرافدين على حد ما
زعمه جورج رو في (العراق القديم)- ص/161، يناقض قولهم السابق في وجود هذه الواقعة
بمختلف الصور والاشكال فى كل بقاع الأرض بغض النظر عن نقل بعضهم عن بعضهم فالتركيز على
نقل العبرانيين وحدهم دون سواهم
يظهر مكمن العقدة النفسية للباحثين من النص الديني خصوصا.
وإذا كان جورج رو قد تناقض هنا بهذه الصورة فان تناقضه بصدد الأدلة المادية أكثر إمعاناً فى ظهور عقدته النفسية
من الكتاب المقدس فقط ذكر ان الكشف عن طبقات الغرين الأحمر بثخن بزهاء احد عشر
قدما هو اكتشاف السير وولى وحده قال :
(لم يأخذ احد من العلماء بجد كبير هذا الاكتشاف سوى وولى نفسه - /162 وعزى سبب ذلك إلى أحداً لم يتابع أبحاثه
فهو(الوحيد الذي فعل ذلك )- / 162
ولكنه ذكر بعد صفحة واحدة قائلا :
(( يمكن الاستنتاج بان الحفريات لم تقدم الدليل القاطع على حصول الطوفان ))
ترى من أين يأتى الدليل إذا كان البحث قد توقف عند أول دليل مكتشف وتم إهماله؟ ولكن لنفترض انه يقول الحق فإذا
كانت الحفريات لم تقدم دليلا قاطعا على حصوله فإنها بالتأكيد لم تقدم دليلا قاطعا
على عدم حصوله ! ااا
والمفروض في العلم ان تبقى الاحتمالات مفتوحة للبحث ووصف الواقعة بالأسطورة وتكذيبها قبل ظهور الأدلة
النافية عمل لا يتصف بالصفةالعلمية. لكن رو أعجبه ان يمضى قدما فهو يفضل
ان يعطى لنا تفسيرا خاليا من اى دليل لنختاره بدلا عن التفسير الذي يحمل مبرراته. وهذا العمل لا يقوم
به الا من لا قدرة لة على اجراء
البحث بموضوعية ونزاهة فقد زعم ان :
(( الطوفان محض
أسطورة اخترعها الشعوب البدائية كي تمحو شريحة مجهولة من الماضي))- /163.
لكن عبارة رو هذه حسب اعتقادي هي أكثر صعوبة في قبولها من الطوفان نفسه وتحتاج إلى تفسير وأدلة أزيد مما يحتاجه
الطوفان !!
فلماذا اخترعتها جميع الشعوب وكيف حدث هذا الاتفاق على هذا الاختراع العجيب ؟ ولماذا أرادت الشعوب محو هذه
الشريحة من الماضي وما هي الكارثة
الأخلاقية أو العلمية التي اقترفتها الشعوب فى الماضي السحيق بحيث إنها احتاجت إلى إسدال الستار على تاريخها برمته حياء من جورج
رو ؟ وذلك عد السؤال الصعب كيف أصبحت
تلك الشريحة مجهولة فعلا إذا كان الطوفان أسطورة فاننا بالفعل لا نمتلك أية وثائق مسجلة إلا تلك التي ذكر كتابها إنهم كتبوها بعد الطوفان.
وبالطبع فان هذا هو أهم الأدلة المادية التي لم ينتبه ولم ينبه عليها احد من الباحثين. ولكن لو لم يوجد اى اثر مطلقا
يدل على الطوفان
واى سبب آخر يدعونا للاعتقاد بوقوعه سوى أخبار النبي (ص) بها فهل نكذبه وفق منطق العلم ؟ كلا بل نصدقه والسبب واضح وبسيط ولا يحتاج إلى
معجزات فان عتبه ابن
ربيعه وأمية ابن خلف قالوا أسطورة النبي (ص) قال انها واقعة حقيقية
ولذلك فنحن نصدقه
ونكذبهم لانهم شهدوا له بالصدق وشهد عليهم بالكذب والتكذيب.
لقد أطلقوا علية صفة الصدق حتى بعد إعلانه عن دينه الجديد بل وخافوا من صدقة اما هو فأطلق عليهم صفة الكذب وسماهم الكذبين والكاذبين، وقد اثبت كذبهم فى استقراء
علمي للحوادث المتكررة مثلما اثبت صدقة بهذا الاستقراء المستمر للحوادث.
لقد اقروا بصدقه إلى درجة بان احدهم هدده قائلا : لاقتلنك يا محمد فاجابة قائلا : بل انا الذي سأقتلك ان شاء لله
وحينما حانت فرصة لانفراده
في المعركة – معركة احد فيما بعد – اذ انسحب إلى سفح الجبل جريحا عند هزيمة المسلمين أراد الرجل تنفيذ وعده فلاحق محمدا إلى سفح
الجبل.
وحينما رآه النبي مقدما علية استل
حربة من اقرب رجل انسحب معه وكرر
راجعا إليه فالتقيا وقبل ان يحاول الوصول الى النبي استثنى وتراجع موليا فى للحظة التي هوى فيها النبي بالحربة عليه فلم يصبه الا بخدش يسير.
بيد ان الرجل أصبح مسخرة لابى سفيان وقومه حينما تحرك الجيش بعد ساعات راجعا إلى ديارهم فى مكة.
فقد كان الرجل يدعى انه مقتول لا محالة ويقسم بالإيمان المغلظة انه ميت عن قريب وكان أبو سفيان والقوم
يتضاحكون ويسخرون من عقلهقائلين : جن الرجل ولله . يا هذا ولله ما أصابك
محمد فى بدنك ولكن في عقلك فهل سمعت رجلا مات من خدش فقال الرجل : لقد قال لي في مكة انا الذي أقتلك
ولله ما أراه إلا قاتلي فانه اذا
قال صدق !! وفى نص آخر انه قال : لو فال لى أقتلك ثم بصق على لقتلني فانه ما قال شيا الا صدق فيه. ثم مات الرجل على بعد فرسخين
. سيقول البعض ان الرجل مات موتا نفسيا ولم يمت من الخدش لاعتقاده ان محمدا ما قال شيئاً الا صدق.
وانا اشهد أيضاً انه لم يمت من الخدش وانه مات موتا نفسيا من صدق محمد، فاتونى برجل يقتل الناس بصدقه لا
بالسيوف. ولا بالقنابل فاى صدق إذن هذا الذي يقتل الخلق به؟
وأنى لي بتكذيب رجل إذا كذبته قتلني؟
وهل هناك أكثر حمقا ممن يدعوني
لتصديق الكاذب وتكذيب الصادق الذي يقر خصمه بصدقه
هذا هو موقف الذين أنكروا الواقعة، فماذا كانت مواقف الآخرين ؟ لقد وجد بعض الباحثين ان تكذيب قصة الطوفان ليس من
الحكمة بعد اكتشاف (وولى)
لطبقة الغرين السميكة جدا . فادعى بعضهم ان الطوفان قد وقع فعلا وما هو الا فيضان اكبر واشد من الفيضانات المعتادة لكن هذا التفسير
مخالف للنصوص التي ارادو تصديقها على نحو ما والأدلة التي لم يرغبوا في إهمالها.
فالنصوص لم تقل انه فيضان مدمر لا عهد لهم به بل قالوا هو طوفان وهو اسم مختلف لم
يطلق إلا على تلك الواقعة ويعنون به ذلك الحادث الذي بلغ به ارتفاع الماء قمم بعض جبال العراق.
واعتقد باقران تفسير الطوفان لم يعد عسيرا حينما قال :
(( أما سبب الطوفان
فلا يعسر على المرء إدراكه في ارض مثل السهل الرسوبي من العراق الذي كان معرضا فى جميع عهود
التاريخ إلىخطر الفيضانات ))- الملحمة / 47.
صحيح ان طه باقر اقر بحدوث طوفان وانه كان حقيقيا وانه كان طوفانا واحدا عظيم الأثر فى ذاكرة الأجيال كما فى
المقدمة من تاريخ الحضارات / 300،
ولكن تفسيره بالفيضان ليس كما قال (لا يعسر على المرء) بل يعسر جدا حينما نريد ان نأخذ بالمسلمات الثابتة عند الباحثين ومنهم باقر
نفسه والتي يظهر منها النفى
القاطع لإمكانية حدوث فيضان من هذا النوع بسبب من الثبات النسبي للمناخ بكل تفاصيله.
ذلك انهم أكدوا وبشكل مستمر ومكرر فى المؤلف الواحد ان مناخ العراق لم يتغير بصورة جذرية منذ فترة لا تقل فى
كل الأحوال عن ثمانية
آلاف سنة لدراسة العراق القديم.
قال جورج رو وهو فى بداية وصف طبيعة العراق :
((ان الوصف التالي
سيتركز على عراق اليوم حيث يمكننا طبعا استخدامه في وصف العراق القديم)).
وعزا سبب هذه الإمكانية إلى ما نصه :
(( في الوقت الذي
نلاحظ فيه ان الأنهار في أقسام من البلاد لم تعد تسير فى نفس الاتجاه القديم ما أدى إلى تحول
مناطق تتميز بالخصوبة إلى بوار، والعكس صحيح، إلا اننا نلاحظ ان الهيئة العامة للجبال
والسهول والوديان بقيت كما هى دون ان يطرأ عليها تغير واضح ولو قارنا النباتات
والحيوانات المعاصرة والقديمة
إضافة إلى الشواهد الجيولوجية والارصادية لوجدنا تقلبات المناخ عبر الستة أو ثمانية الاف سنة الماضية كانت طفيفة بحيث يمكن
تجاهلها علميا)) / العراق القديم -
20
وإذا كان الأمر كذلك فما اشد التناقض إذن أين فرضية حدوث فيضان مرعب كهذا وبين الثبات النسبى للجبال والمناخ
والكائنات وبالطبع يحاول الباحثون ايجاد مخرج لحل وسط يؤمن الاعتراف بوقوع الحادثة
مع عدم الاعتراف بصدق الكتب
المقدسة وهيهات يتم لهم بذلك فهذا هو المحال بعينه لان كتاب لله في خلقه وفى كلامه انما هو كتاب واحد.
ولذلك كانت فرضية الفيضان الكبير متناقضة مع مسلمات أخرى أثبتت كبديهيات تاريخية منها شحة مناسيب الأمطار،
والسيطرة التي سماها رو بالمدهشة للعراقيين على الفيضان ومنها ثبوت مواعيد الفيضان
ومنها فترة الجفاف.
وفى كل واحدة من هذه المسلمات تناقض واضح مع افتراض ما لتفسير الطوفان .
فقد ذهب آخرون إلى ان الطوفان المذكور هو خليط من الأمطار والفيضان . ومن الواضح انهم غضبوا أنفسهم على هذا
التفسير الذي يذكرالأمطار لانه سيكون تصديقا لجزء من مصدر مياه الواقعة
في النص القرآني اا
والمؤلفة من شطرين مياه الأرض
الجوفية والأمطار الغزيرة :
(( ففتحنا أبواب
السماء بماء منهم - وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر وحملناه على ذات ألواح ودسر))-
11-13/54
لكن هطول الأمطار بهذة الغزارة هو شيء غير معتاد وفق المعلومات العامة من مناخ العراق الذى لم يتغير منذ الآف السنين.
فقد ذكر جورج رو شحة
الأمطار في العراق منذ أقدم العصور.
قال :
(( يتسم مناخ العراق
كونه شبة استوائي تصل درجات الحرارة فيه الى 50 م صيفا ويقل معدل سقوط المطر فيه عن العشر
بوصات فى الشتاء لذلكتعتمد الزراعة اعتمادا كليا على الرى خاصة في
الوسط والجنوب ))26 فمن أين ياتى الأمطار الغزيرة مع شحة الأمطار كقانون إذا كان المناخ لا يتغير
خلال ثمانية آلاف سنة ؟
اما الفيضان فلم يكن أمراً غريبا على العراقي ليكون بهذه الضخامة التي صورتها النصوص القديمة بل علاوة على
ذلك كان العراقي يعده مصدر
خير إذ يجلب الطمي والخصب للأرض واعتمد على نفسه في مواجهته والانتفاع منه فى آن واحد … وكان ثباته الزمني عاملا مهما لكي يتهيأ له كل
عام. قال
(( تنحصر فترة فيضان
النهرين مجتمعين في وقت واحد يقع بين شهري نيسان وحزيران ومن المدهش ان تجد سكان وادي
الرافدين القدماء قد استطاعوا إخضاع أنهارهم لسيطرة مستديمة خصوصا إذا عرفنا ان الفرات
ظل محتفظا بنفس مسارة تقريبا ثلاثة آلاف سنة متواصلة - اى في ذلك العهد – مارا
بسبار وبابل وشروباك واوروك ولارسا واور ) /25 رأينا ان طه باقر فسره بالفيضان.
ولكنه عاد في موضع آخر ففسر الطوفان بالأمطار الغزيرة.
واعتبر هذا التفسير معقولا خاصة :
((مع حدوث عصر ممطر
في الشرق الأدنى في عصور
عصور ما قبل التاريخ )) 301 –
المقدمة.
والظاهر انه نسى انه وصف هذه العصور نفسها بالجفاف في نفس الكاتب ص /15 حيث شرح مشكلة الاستيطان فقال :
(( اما بالنسبة
للنتائج الحضارية فان حلول فترة الجفاف فى الشرق الأدنى جعلت من المتعذر اعتماد الإنسان فى قوته على
صيد الحيوان كما كانسائدا فى العصر الحجري القديم فاهتدى في بقعة ما من
الشرق إلى إنتاج الزراعة وتدجين الحيوان خاصة فى شمال العراق فى العصر الحجرى الحديث
))15
وذكر وصفا مشابها لنفس الفترة فى موضع اسبق / ص14/ حيث قال :
((كان يحدث إبان العصور الجليدية الأوربية فترة أمطار غزيرة يقابل هذه الفترات في أنحاء الشرق الأدنى فترات
يسودها الجفاف ونحن الآن في عصر جفاف اى في الفترة الجليدية الأخيرة التي أعقبت
العصر الجليدي الرابع))14-
المقدمة
ومعلوم ان العصر الجليدي الرابع ودوره الأخير المسمى (بلا يستوسين) هو العصر الذي تميز بكثرة الطمي الذي كون
الدلتا في السهل الرسوبي وأوائله
متقدمة جدا على نفس عملية الاستيطان، بحيث امتدت فترة الجفاف لتشمل كل الاحتمالات الممكنة لحادثة الطوفان حسب هذا التقسيم.
فالطوفان المذكور حسب النصوص القديمة يقع بحدود4000 سنة ق.م فى دور العبيد وهو ما ذكره باقر عن تقديرات
وولى فى القدمة /300
وذكر آخرون منهم د. سامى الأحمد فى ترجمته للنص الاكدى من الملحمة ان الطوفان :
((اما اسطورة مبتدعة
صرفة او ذكريات عن طوفان حدث فى العهود الماضية ما قبل التاريخية تنتج عن ذوبان الثلوج في
العصر الجليدي)) /22 وذكران الدليل على ذلك هو ارتفاع مناسيب مياه البحر
إلى ما يقرب من خمسين
خمسين مترا فوق المستوى الحالي.
وأشار الى انه اخذ هذه المعلومات عن كتاب لمؤلف اسمه (جورج روكس) المسمى (ancint
araq) لسنة 1964. وهو بنفسه (جورج رو) فيا للعجب أما أسطورة محضة أو صرفة واما مياه
الثلوج وقد يحسب انه هنا أدلى براى ذى حسبان. بالطبع فنحن مختلفون فى ذلك فهي اما
أسطورة صرفة أو حقيقة، ولكنها ان كانت حقيقة فستكون بعيدة كل البعد عن مياه الثلوج.
لان مياه الثلوج وهى على الجبال
التركية والعراقية لن يكون له معنى سوى الفيضان فيحسب انه اذا غير العبارة من فيضان المياه ثلوج حلت المشكلة إلى الأبد مع بقاء
الاحتمال فيكونها أسطورة لكني أتساءل لماذا دوما اما
أسطورة أو فيضان؟ ولا يمكن أبداً ان يكون هو الطوفان؟ انى لأرى ما لا ترون . انى لأرى شبح محمد في لفظ
الطوفان وشبح أمية بن خلف في لفظ
الفيضان وإلا فما هذا الهوس الجنوني بامية بن خلف وروكس؟ والفرار والذعر من لفظ الطوفان؟
فتعال نفكر بنظرية روكس العجيبة عن زيادة ماء البحر خمسين مترا فوق مستواه العادي من جراء مياه الثلوج
فمن أين تجيء الثلوج أليست تأتي من
مياه البحر؟ فمن أين جاءت الزيادة
من خارج الغلاف الغازي للكرة الأرضية ؟ ام من باطن الأرض من المياه الجوفية والتي يستحيل خروجها الا بانخفاض مفاجئ ومهول
للضغط الجوى فى المنطقة، فإذا عاد
الضغط عادت المياه إلى باطن الأرض.
ان العلم يقرر ان المياه في الطبيعة بنسبة ثابتة ودوما ! ان الماء ثابت النسبة مثل الهواء ومكوناته كل ما في الأمر
انه يتحول من حالة إلى
حالة ومن موضع إلى موضع فى دورة مستمرة .. وذلك هو من أبجدية علوم الطبيعة. والتوازن الموجود في الماء لا يختلف عن حالة
التوازن لجميع أنواع المادة
والطاقة بل قانون النسبة الثابتة حكم المادة كلها والطاقة كلها بقانون يدرسه الطلاب فى
المراحل الأولى هو (قانون حفظ المادة والطاقة ) ومن
جهلة فكأنه لا يعلم شيئاً عن علوم الطبيعة على الإطلاق . من جهة أخرى افترض الأحمد ان
يكون الطوفان المذكور هواحد عدة فيضانات مسجلة تاريخيا .
والطاقة كلها بقانون يدرس الطلاب فى
المراحل الأولى هو(قانون حفظ
المادة والطاقة) ومن جهلة فكأنه لا يعلم شئيا عن علوم الطبيعة على الإطلاق. من جهة أخرى افترض الاحمد ان يكون الطوفان المذكور هو احد
عدة فيضانات مسجلة
تاريخيا.
ولكنه لم يسمها فيضانات وانما طوفانات حيث وردت فى بعض الوثائق واتى ارتفاعها حسب التسلسل : كيش الأول
وكيش الثاني بارتفاع (40)سم، وشروباك
بارتفاع (60) سم، وأور وبارتفاع (72) سم، وجمدة نصر بارتفاع غير مسجل / ترجمة الملحمة -23.
لكن هذه التي ذكرها ما هي الا الفيضان الموسمي للنهرين والذي لابد للمرء من ان يجد له ذكرا فى وثائق
الدول، بما فى ذلك العصر الحالي حيث تجد مكاتبات الدولة العراقية
بشان الفيضان الموسمي فى الأعوام القليلة السابقة . فما هي علاقته بالطوفان السابق على دول
المدن وعصر فجر السلالات، ام يحسب ان تسمية الفيضان بالطوفان ستحل المشكلة تماما مثل
المقترح الأول الذي سمى فيه الطوفان فيضانا وهل تفسر تلك الفيضانات الطوفان المذكور؟
وهل يعتقد ان السكان هلكوا فى مستوى من الماء يبلغ 60سم ؟ وهل كان قول الباحثين بسيطرة العراقيين القدماء على
الفيضان السنوي مجرد
أكذوبة؟ لقد قال باقر :
((ان وولى عثر فى
حفرياته على طبقة غرين بثخن يبلغ زهاء 11 قدما فى كيش - شروباك لجش وهى تفصل مابين دور حجدة
نصر وعصر فجر السلالات الأول ولذلك ذهب المرحوم وولى إلى ان الطوفان المذكور
ووقع فى دور العبيد بحدود 4000 سنة ق.م - تاريخ الحضارات / 300 والمطلوب هو تفسير الطوفان
المأثور وطبقة الغرين تلك وبقية
الآثار عنه وليس والمطلوب الإشارة إلى الفيضان العادي الموسمي المعلوم لجميع الباحثين والمسجل تاريخيا.
لم يكتف الاحمد بمصائب تفسيرات
القوم الغرباء حتى جاءنا باحتمالات اغرب وأعجب .
فما عسى ان يكون مقدار ما يرسبه 72 سم من الماء الأحمر حتى لو استمر عدة أسابيع ؟ اننا نعلم ان المتر المكعب من
ماء الفرات الشديدالحمرة لن يرسب أكثر من نصف ملم عند الركود.
وباستمرار تدفق المياه عدة أسابيع ستبلغ طبقة الغرين عدة سنتمترات او انجات مهما بالغ المرء فى وصف الفيضان
ولن تصل فى كل الأحوال إلى احد
عشر قدما !
ان هذا السمك يحتاج إلى ارتفاع للماء لا يقل عن الفي متر– لا مجرد كمية فقط بل لابد ان يكون ثجاجا ينصب انصبابا
شديدا او متفجرا من باطن الأرض ويقوم بإذابة التربة لتكوين طبقة بهذا السمك وهو امر
سيكون مروعا ومهلكا للكائنات بكل تأكيد. لقد كذبت الملحمة بنفسها جميع تلك الاحتمالات
حينما اعتذر(ايا) عن فعل الطوفان
وألقى باللائمة على انليل)
وقد رأينا تلك الرموز الدالة دلالة واضحة على ان الطوفان الذي ذكرته الملحمة لم يكن شيئا معهودا ولا فيضانا
عظيما عارما فالعراقي يفرق جيدا بين ما يفعله ايا وما يفعله انليل ! انليل الذي إذا
فعل شيا فلن تكون هنالك اى قوة
لصده، ولن يكون هناك اى إجراء يمكن ان يتخذ لتخفيف الصدمة ما لم يكن سابقا على الموعد المقرر بإشارة من أيا كما رأينا
فى الرموز– وكما رأينا فعلة
فى أور حيث استمر الشعب ينوح نواحا مستمر.
اننا لا نشك بوقوع الطوفان ولا نطلب من الباحثين تأويلا له بقدر ما نطلب ان يتعاملوا بموضوعية تامة مع
معطيات اختصاصاتهم فعليهم انيرسو على حل واحد وفكرة محددة بشان المعطيات
نفسها ! هل كان العصر عصر جفاف أم عصر أمطار؟. عليهم ان يعلموا ان القاري ذكى أكثر مما كانوا يتصورون فهو
لا يقبل ان يكون عصر جفاف لتفسير
الاستيطان ويكون
ويكون عصرا ممطرا لتفسير
الطوفان وان المتلقي يحفظ عليهم
ما يقولون.
نحن لا نشك بوقوع الطوفان لان النص الديني اخبرنا بالقضيتين فى ان واحد، قضيه الطوفان وتكذيب الأكثرية بها
… فتكذيبهم للقصة القرآنية التوراتية لا يدفعنا للتشكيك بها كما ظنوا بل على
العكس فهو بالنسبة للمتلقي النزيه
دليل على صدق القضية الثانية اى الطوفان لانه ذكر تكذيب الأكثرية للقصة عقيب سردها كما فى مورد الشعراء من
القران الكريم (( كذبت قوم نوح المرسلين – قال رب ان قومي كذبون- فافتح بيني وبينهم فتحا ونجنى
ومن معي من المؤمنين – فانجيناه ومن معه
فى الفلك المشحون – ثم أغرقنا بعد الباقين ان فى ذلك لأية وما كان أكثرهم مؤمنين- 105- 121 / الشعراء
وحينما نريد تف