سخرية الشاعر العباسي بشار بن برد
ان كل كفيف يستخدم الهجوم وسيلة للدفاع ،لانه يسيئ الظن بالناس ،فشكه
بالناس وخوفه يدفعانه الى مهاجمتهم قبل ان يبدأوا بذلك
فهو يحس بخوف وتوجس دائما ممن حوله فيبعث بشعره الساخر لكي يدفع طائلة العدوان
وقد كان الناس فعلا يخافون لسان الشاعر العباسي بشار بن برد
فسخريته سخرية مضحكة تعرض المهجو الى الامتهان والضعف الاجتماعي
بسبب قوة التصوير ،فكثيرا احال مهجوه الى اضحوكة للناس .
واستخدم بشار الهجاء وسيلة من الوسائل لكسب العيش،لان هذا الغرض
كالمديح يستخدم للغاية ذاتها ،لانه يشعر بفقدان الامن المالي وهذا ما يدفعه
استخدام موهبته الى اقصاها باستخدام المديح والهجاء معا من اجل التكسب
وهذه الوسائل للكسب وسائل لغوية او صوتية فاللغوية الشعر وماشابه
الصوتية تعني الغناء او قراءة القران والتكسب اللغوي يدفع الناس
والى ان تخافه لان اسلوبه سليط وهو يجد نفسه محاطا بامن فوق كل هذا لان
ليس عليه من الحرج كما تقول القوانين الوضعية فهو لايحاسب كما يحاسب المبصر وهو لهذا سبّاب.
ومحمي بعاهته لذلك اوتي حرية المهاجمة للناس اكثر من المبصرين ولهذا هو سباب شتام مقذع طعان .
فمن اين ياتي بالمعلومات عن المهجو ؟
انه يجمع كل حصيلته المعرفية ومعلوماته عن المهجو بعد استقصاء ولهذا تبدو
الهجاء شاملة يعرض نقصها بالشتائم والتجاوز حدود اللياقة فاختراع الاوصاف
والمعلومات التي تخيف المهجو خشية ثباتها وتصديقها بعد الافتعال .
أضفى بشار بن برد على شعره الهجائي ألوانا من السخرية اللاذعة بالمهجو ،
والتي تزيد من مهانته والتشنيع به، فهو لم يكتف بذم المهجو وتجريده من
الفضائل والخصال الحميدة، وإلصاق النقائص به، إنما زاد على ذلك بأن رسم
بشعره شخصية عجيبة وغريبة للمهجو تثير الاشمئزاز أو الضحك، على نحو
قوله في هجاء عبيد الله ابن قزعة - وهو أبو المغيرة أخو الملوي المتكلم - وهذا
هجائه المقذع الخبيث ومن التجديد في المعاني الذي حسب له - :
خليلي من كعـبٍ أعينا أخاكمـا
على دهـره إن الكريمَ معينُ
ولا تبخلا بخـل ابن قزعة إنّـهُ
مخافـة أن يرجى نداه حزينُ
إذا جئتهُ في الخلق أغلق بابـهُ
فلـم تلقـهُ إلا وأنت كميـنُ
إذا سلـم المسكيـن طار فؤادهُ
مخافةَ سؤلٍ ، واعتراه جنونُ
كأن عبـيد الله لـم يـر ماجدا
ولم يدر أن المكرمات تكونُ
وفي هجاء ابن قزعة يقول أيضا :
بجـدّك يا بن قزعة نلت مالا
ألا أن اللئـام لهـم جـدودُ
ومن حذر الزيادة في الهـدايا
أقمت دجاجة فيـمـن يزيـدُ
فبشار هاهنا – وهذا من التجديد الذي حسب له أسبقية فيه – لم يكتف
بإلصاق صفة البخل بابن قزعة ، ولكنه تجاوز ذلك بأن أقذع في وصفه ، وشنع به
أيما تشنيع ، ورسم له صورة تثير السخرية والاستهزاء والعجب فهو من ناحية –
أي المهجو - في حزن وتجهم دائم ، خوفا من أن يقصد جنابه أحد لنيل عطائه ،
وهو – من ناحية ثانية - يغلق بابه في وجه ذوي الحاجات – إن هم قصدوه –ولا
يستطيع أحد منهم أن يلقاه – لفرط حذره واعتزاله الناس – إلا وهو كمين ، وإذا
حدث أن صادفه مسكين وسلم عليه طار فؤاده وخرج عن طوره وتظاهر بالجنون
خوفا من أن يسأله هذا المسكين حاجة . وهذا ديدنه دائما حتى كأنه لم ير رجلا
كريما ماجدا في حياته بل وكأنه لا يعرف أن هناك شيء أسمه الكرم .
ومن باب تلك السخرية اللاذعة قوله أيضا يهجو مسعودا :
وسائلٍ عن يدي مسعود قلت لهُ
هو الجوادُ ولكن ليس في الجودِ
غيثُ الروابي إذا حلت بساحتهِ
وآفة المـالِ بين الزقِ والعـودِ
ثانيا: التذييل بالحكم والأمثال:
مما يميز سعر بشار بن برد أن كثيرا من أهاجيه المقذعة تأتي أحيانا مذيلة بالحكمة والمثل . نحو قوله يهجو محمد بن العباس :
ظل اليسار على العب اس ممدودُ
وقلبـه أبـدا بالبـخل معقـودُ
إن الكـريم ليخفي عنك عسرته
حتى تـراه غنيا ، وهو مجهودُ
وللبـخيـل على أمـواله عللٌ
زرق العيـون عليها أوجه سودُ
إذا تكرهت أن تعطى القليل ولم
تقدر على سعةٍ لم يظهر الجودُ
أورق بخيـرٍ تُرجى للنوال فما
ترجى الثمارُ إذا لم يورق العودُ
بث النـوال ولـم تمنـعك قلتهٌ
فكل ما سد فقـرا فهو محمـودُ
فهذه الأبيات وإن كان موضوعها الهجاء إلا أنها تميل نحو الحكمة، كما أن قوله " زرق العيون عليها أوجه سود " " فكل ما سد فقرا فهو محمودُ " كل منهما تذييل يجري مجرى المثل.
ومن ذلك أيضا قوله يهجو بني سدوس :
كأن بني سـدوسٍ رهـط ثـورٍ
خنافس تحت منكسر الجـدارِ
تحــرك للفخـار زبـائنـيها
وفخـر الخنفساء من الصغارِ
فقوله " وفخر الخنفساء من الصغار " تذييل جارٍ مجرى المثل. ونفس الشيء يقال بالنسبة لقوله " إن الكريم معين " في مطلع الأبيات السابقة التي قالها في هجاء ابن قزعة .
ويعتبر هذا – بجانب قصر المقطوعات - من عوامل ذيوع شعره وانتشاره في
الآفاق وجريانه على السنة الناس . وك ثرة التذييل بالحكم والأمثال في شعر
بشار يدل على " كمال العقل وكثرة التجارب ودقة الحس وشدة الملاحظة
***************************************
المصدر :قراءة العصر العباسي الاول _د.شوقي ضيف
محاضراتي الجامعية عام 91/د.عدنان عبيد العلي ((بتصرف))
ان كل كفيف يستخدم الهجوم وسيلة للدفاع ،لانه يسيئ الظن بالناس ،فشكه
بالناس وخوفه يدفعانه الى مهاجمتهم قبل ان يبدأوا بذلك
فهو يحس بخوف وتوجس دائما ممن حوله فيبعث بشعره الساخر لكي يدفع طائلة العدوان
وقد كان الناس فعلا يخافون لسان الشاعر العباسي بشار بن برد
فسخريته سخرية مضحكة تعرض المهجو الى الامتهان والضعف الاجتماعي
بسبب قوة التصوير ،فكثيرا احال مهجوه الى اضحوكة للناس .
واستخدم بشار الهجاء وسيلة من الوسائل لكسب العيش،لان هذا الغرض
كالمديح يستخدم للغاية ذاتها ،لانه يشعر بفقدان الامن المالي وهذا ما يدفعه
استخدام موهبته الى اقصاها باستخدام المديح والهجاء معا من اجل التكسب
وهذه الوسائل للكسب وسائل لغوية او صوتية فاللغوية الشعر وماشابه
الصوتية تعني الغناء او قراءة القران والتكسب اللغوي يدفع الناس
والى ان تخافه لان اسلوبه سليط وهو يجد نفسه محاطا بامن فوق كل هذا لان
ليس عليه من الحرج كما تقول القوانين الوضعية فهو لايحاسب كما يحاسب المبصر وهو لهذا سبّاب.
ومحمي بعاهته لذلك اوتي حرية المهاجمة للناس اكثر من المبصرين ولهذا هو سباب شتام مقذع طعان .
فمن اين ياتي بالمعلومات عن المهجو ؟
انه يجمع كل حصيلته المعرفية ومعلوماته عن المهجو بعد استقصاء ولهذا تبدو
الهجاء شاملة يعرض نقصها بالشتائم والتجاوز حدود اللياقة فاختراع الاوصاف
والمعلومات التي تخيف المهجو خشية ثباتها وتصديقها بعد الافتعال .
أضفى بشار بن برد على شعره الهجائي ألوانا من السخرية اللاذعة بالمهجو ،
والتي تزيد من مهانته والتشنيع به، فهو لم يكتف بذم المهجو وتجريده من
الفضائل والخصال الحميدة، وإلصاق النقائص به، إنما زاد على ذلك بأن رسم
بشعره شخصية عجيبة وغريبة للمهجو تثير الاشمئزاز أو الضحك، على نحو
قوله في هجاء عبيد الله ابن قزعة - وهو أبو المغيرة أخو الملوي المتكلم - وهذا
هجائه المقذع الخبيث ومن التجديد في المعاني الذي حسب له - :
خليلي من كعـبٍ أعينا أخاكمـا
على دهـره إن الكريمَ معينُ
ولا تبخلا بخـل ابن قزعة إنّـهُ
مخافـة أن يرجى نداه حزينُ
إذا جئتهُ في الخلق أغلق بابـهُ
فلـم تلقـهُ إلا وأنت كميـنُ
إذا سلـم المسكيـن طار فؤادهُ
مخافةَ سؤلٍ ، واعتراه جنونُ
كأن عبـيد الله لـم يـر ماجدا
ولم يدر أن المكرمات تكونُ
وفي هجاء ابن قزعة يقول أيضا :
بجـدّك يا بن قزعة نلت مالا
ألا أن اللئـام لهـم جـدودُ
ومن حذر الزيادة في الهـدايا
أقمت دجاجة فيـمـن يزيـدُ
فبشار هاهنا – وهذا من التجديد الذي حسب له أسبقية فيه – لم يكتف
بإلصاق صفة البخل بابن قزعة ، ولكنه تجاوز ذلك بأن أقذع في وصفه ، وشنع به
أيما تشنيع ، ورسم له صورة تثير السخرية والاستهزاء والعجب فهو من ناحية –
أي المهجو - في حزن وتجهم دائم ، خوفا من أن يقصد جنابه أحد لنيل عطائه ،
وهو – من ناحية ثانية - يغلق بابه في وجه ذوي الحاجات – إن هم قصدوه –ولا
يستطيع أحد منهم أن يلقاه – لفرط حذره واعتزاله الناس – إلا وهو كمين ، وإذا
حدث أن صادفه مسكين وسلم عليه طار فؤاده وخرج عن طوره وتظاهر بالجنون
خوفا من أن يسأله هذا المسكين حاجة . وهذا ديدنه دائما حتى كأنه لم ير رجلا
كريما ماجدا في حياته بل وكأنه لا يعرف أن هناك شيء أسمه الكرم .
ومن باب تلك السخرية اللاذعة قوله أيضا يهجو مسعودا :
وسائلٍ عن يدي مسعود قلت لهُ
هو الجوادُ ولكن ليس في الجودِ
غيثُ الروابي إذا حلت بساحتهِ
وآفة المـالِ بين الزقِ والعـودِ
ثانيا: التذييل بالحكم والأمثال:
مما يميز سعر بشار بن برد أن كثيرا من أهاجيه المقذعة تأتي أحيانا مذيلة بالحكمة والمثل . نحو قوله يهجو محمد بن العباس :
ظل اليسار على العب اس ممدودُ
وقلبـه أبـدا بالبـخل معقـودُ
إن الكـريم ليخفي عنك عسرته
حتى تـراه غنيا ، وهو مجهودُ
وللبـخيـل على أمـواله عللٌ
زرق العيـون عليها أوجه سودُ
إذا تكرهت أن تعطى القليل ولم
تقدر على سعةٍ لم يظهر الجودُ
أورق بخيـرٍ تُرجى للنوال فما
ترجى الثمارُ إذا لم يورق العودُ
بث النـوال ولـم تمنـعك قلتهٌ
فكل ما سد فقـرا فهو محمـودُ
فهذه الأبيات وإن كان موضوعها الهجاء إلا أنها تميل نحو الحكمة، كما أن قوله " زرق العيون عليها أوجه سود " " فكل ما سد فقرا فهو محمودُ " كل منهما تذييل يجري مجرى المثل.
ومن ذلك أيضا قوله يهجو بني سدوس :
كأن بني سـدوسٍ رهـط ثـورٍ
خنافس تحت منكسر الجـدارِ
تحــرك للفخـار زبـائنـيها
وفخـر الخنفساء من الصغارِ
فقوله " وفخر الخنفساء من الصغار " تذييل جارٍ مجرى المثل. ونفس الشيء يقال بالنسبة لقوله " إن الكريم معين " في مطلع الأبيات السابقة التي قالها في هجاء ابن قزعة .
ويعتبر هذا – بجانب قصر المقطوعات - من عوامل ذيوع شعره وانتشاره في
الآفاق وجريانه على السنة الناس . وك ثرة التذييل بالحكم والأمثال في شعر
بشار يدل على " كمال العقل وكثرة التجارب ودقة الحس وشدة الملاحظة
***************************************
المصدر :قراءة العصر العباسي الاول _د.شوقي ضيف
محاضراتي الجامعية عام 91/د.عدنان عبيد العلي ((بتصرف))