تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :
الأمثال : نوع من العلم منفرد بنفسه، لا يقدر على التصرف فيه
إلا من اجتهد في طلبه حتى أحكمه، وبالغ في التماسه حتى أتقنه. وليس من
حفظ صدراً من الغريب فقام بتفسير قصيدة، وكشف أغراض رسالة أو خطبة،
قادراً على أن يقوم بشرح الأمثال والإبانة عن معانيها، والأخبار عن المقاصد
فيها؛ وإنما يحتاج الرجل في معرفتها مع العلم بالغريب إلى الوقوف على
أصولها، والإحاطة بأحاديثها .
ودل على فضيلة ذلك في محكم بيانه، ومنزل فرقانه، فقال جل ثناؤه: " يأيها
الناس ضرب مثل فاستمعوا له " ، وقال: " وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة
مطمئنة " ، وقال: ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون " ، وقال: " ضرب الله
مثلا عبداً مملوكاً " ، وقال: " إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها
" ، وقال: " وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم " ؛ إلى غير ذلك مما أشار به
إلى منافع الأمثال في مصرفاتها، وحسن مواقعها في جهاتها.
ونحن نسأل الله أن ينفعنا بها كما وقفنا عليها، ويقيض لنا عائدتها، كما رزقنا
معرفتها، وأن يصلي على رسوله الذي جعله واسطة بينه وبيننا فيها، وفيما
يهدينا ويأخذ بأيدينا منها، ثم من سائر آياته المحكمات، وحججه البالغات، وعلى
آله الطاهرين، وعترته المنتجبين، وأصحابه المختارين، ويسلم تسليما.
يقول ابو هلال العسكري في كتابه جمهرة الامثال :
((ما رأيت حاجة الشريف إلى شيء من أدب اللسان بعد سلامته من اللحن،
كحاجته إلى الشاهد والمثل، والشذرة والكلمة السائرة، فإن ذلك يزيد المنطق
تفخيما، ويكسبه قبولاً، ويجعل له قدراً في النفوس، وحلاوةً في الصدور، ويدعو
القلوب إلى وعيه، ويبعثها على حفظه، ويأخذها باستعداده لأوقات المذاكرة،
والاستظهار به أوان المجاولة في ميادين المجادلة، والمصاولة في حلبات
المقاولة، وإنما هو في الكلام كالتفصيل في العقد، والتنوير في الروض،
والتسهيم في البرد؛ فينبغي أن يستكثر من أنواعه؛
فيمايأتي ذكر امثال عربية مختارة من كتاب الجمهرة :
1- إلى أمه يلهف اللهفان
اللهفان: المضطر المتحسر على الفائت. لهف يلهف لهفاً، وهو لهفان، كما يقال:
عطش وهو عطشان.
ويضرب مثلا للرجل يستغيث بأهل ثقته؛ وهو على مذهب قول القطامي:
وإذا أصابك والحوادث جمة ... حدث حداك إلى أخيك الاوثق
إنما يعاتب الاديم ذو البشرة
معناه: إنما يراجع من تصلح مراجعته، ويعاتب من الاخوان من لا يحمله العتاب
على اللجاج فيما كره منه، وعوتب من أجله. وأصله أن الجلد إذا لم نصلحه
الدبغة الاولى أعيد في الدباغ إن كان ذا قوة ومسكة، وترك إن كان ضعيفاً، لئلا
يزيد ضعفاً. وأصل البشرة: ظاهر الجلد. والادمة: باطنه. وعلى حسب ذلك يقول
الشاعر:
وليس عتاب الناس للمرء نافعاً ... إذا لم يكن للمرء لب يعاتبه
وقد مدح العتاب وذم؛ فالمدح قولهم:
ويبقى الود ما بقي العتاب
والذم قولهم: العتاب يبعث على التجني، والتجني أخو المحاجة، والمحاجة
أخت العداوة، والعداوة أم القطيعة.
وقال آخر: العتاب رسول الفرقة، وداعي القلى، وسبب السلوان، وباعث
الهجران.
وقال بعض الاوائل: سبيل من يأخذ على أيدي الاحداث ألا يكدهم بالتوبيخ، لئلا
يضطروا إلى القحة.
وقال آخر: العتاب داعية الاجتناب؛ فإذا انبسطت المعاتبة انقبضت المصاحبة.
وقال غيره: حرك إخوانك ببعض العتاب، لئلا يستعذبوا أخلاقك، واغض عن بعض
ما تنكر لئلا يوحشهم إلحاحك، وهذا أقصد ما قيل في هذا المعنى
[/size]
**************************************************
[/b][/color]
عدل سابقا من قبل حميدة العسكري في السبت يونيو 30, 2012 11:03 am عدل 3 مرات
الأمثال : نوع من العلم منفرد بنفسه، لا يقدر على التصرف فيه
إلا من اجتهد في طلبه حتى أحكمه، وبالغ في التماسه حتى أتقنه. وليس من
حفظ صدراً من الغريب فقام بتفسير قصيدة، وكشف أغراض رسالة أو خطبة،
قادراً على أن يقوم بشرح الأمثال والإبانة عن معانيها، والأخبار عن المقاصد
فيها؛ وإنما يحتاج الرجل في معرفتها مع العلم بالغريب إلى الوقوف على
أصولها، والإحاطة بأحاديثها .
ودل على فضيلة ذلك في محكم بيانه، ومنزل فرقانه، فقال جل ثناؤه: " يأيها
الناس ضرب مثل فاستمعوا له " ، وقال: " وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة
مطمئنة " ، وقال: ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون " ، وقال: " ضرب الله
مثلا عبداً مملوكاً " ، وقال: " إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها
" ، وقال: " وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم " ؛ إلى غير ذلك مما أشار به
إلى منافع الأمثال في مصرفاتها، وحسن مواقعها في جهاتها.
ونحن نسأل الله أن ينفعنا بها كما وقفنا عليها، ويقيض لنا عائدتها، كما رزقنا
معرفتها، وأن يصلي على رسوله الذي جعله واسطة بينه وبيننا فيها، وفيما
يهدينا ويأخذ بأيدينا منها، ثم من سائر آياته المحكمات، وحججه البالغات، وعلى
آله الطاهرين، وعترته المنتجبين، وأصحابه المختارين، ويسلم تسليما.
يقول ابو هلال العسكري في كتابه جمهرة الامثال :
((ما رأيت حاجة الشريف إلى شيء من أدب اللسان بعد سلامته من اللحن،
كحاجته إلى الشاهد والمثل، والشذرة والكلمة السائرة، فإن ذلك يزيد المنطق
تفخيما، ويكسبه قبولاً، ويجعل له قدراً في النفوس، وحلاوةً في الصدور، ويدعو
القلوب إلى وعيه، ويبعثها على حفظه، ويأخذها باستعداده لأوقات المذاكرة،
والاستظهار به أوان المجاولة في ميادين المجادلة، والمصاولة في حلبات
المقاولة، وإنما هو في الكلام كالتفصيل في العقد، والتنوير في الروض،
والتسهيم في البرد؛ فينبغي أن يستكثر من أنواعه؛
فيمايأتي ذكر امثال عربية مختارة من كتاب الجمهرة :
1- إلى أمه يلهف اللهفان
اللهفان: المضطر المتحسر على الفائت. لهف يلهف لهفاً، وهو لهفان، كما يقال:
عطش وهو عطشان.
ويضرب مثلا للرجل يستغيث بأهل ثقته؛ وهو على مذهب قول القطامي:
وإذا أصابك والحوادث جمة ... حدث حداك إلى أخيك الاوثق
إنما يعاتب الاديم ذو البشرة
معناه: إنما يراجع من تصلح مراجعته، ويعاتب من الاخوان من لا يحمله العتاب
على اللجاج فيما كره منه، وعوتب من أجله. وأصله أن الجلد إذا لم نصلحه
الدبغة الاولى أعيد في الدباغ إن كان ذا قوة ومسكة، وترك إن كان ضعيفاً، لئلا
يزيد ضعفاً. وأصل البشرة: ظاهر الجلد. والادمة: باطنه. وعلى حسب ذلك يقول
الشاعر:
وليس عتاب الناس للمرء نافعاً ... إذا لم يكن للمرء لب يعاتبه
وقد مدح العتاب وذم؛ فالمدح قولهم:
ويبقى الود ما بقي العتاب
والذم قولهم: العتاب يبعث على التجني، والتجني أخو المحاجة، والمحاجة
أخت العداوة، والعداوة أم القطيعة.
وقال آخر: العتاب رسول الفرقة، وداعي القلى، وسبب السلوان، وباعث
الهجران.
وقال بعض الاوائل: سبيل من يأخذ على أيدي الاحداث ألا يكدهم بالتوبيخ، لئلا
يضطروا إلى القحة.
وقال آخر: العتاب داعية الاجتناب؛ فإذا انبسطت المعاتبة انقبضت المصاحبة.
وقال غيره: حرك إخوانك ببعض العتاب، لئلا يستعذبوا أخلاقك، واغض عن بعض
ما تنكر لئلا يوحشهم إلحاحك، وهذا أقصد ما قيل في هذا المعنى
[/size]
**************************************************
[/b][/color]
عدل سابقا من قبل حميدة العسكري في السبت يونيو 30, 2012 11:03 am عدل 3 مرات