تعدُّ حقائبَ السفر وتشدُّ أحزمتها ، لا تعلم أنها تشد حزام الغربة على قلبي ، وفي يدها اليمنى صوتي المبحوح في حفيف اشيائها ..
ستهاتفني قبل صعودها الطائرة ، فلن أكون رقما محظوظا في حشود المودعين ..
لن آتي طبعا لتشييع الضوء والأوكسجين وقلبي الشارد ، الذي رآه صديقي يترك أمكنتي ، فسألني أين يغادرك؟
فكانت الإجابات صوتا مضموما إلى رئةٍ تخونُها السعة في أخذ كفايتها من الشهيق ..
كل أيام السنة تتكدس في جوقة الحنين ، أشد تلاصقا من نقود البخيل .. وهي هناك تقف على رصيف انتظارها لدفء دمعة تخالف سنن جدي العنيد ، دمعةٌ تساور الذكرى أن تكون ابتساما على أزيز الطائرة المغادرة إلى البعيد .
في البعيد البعيد سكونٌ لا يغشاه عطري ، ولا تحرضه رئتي على تنفسك ، سيكون رتيبا كوجهي الممتد على قارعة الحنين ، يسأل العابرين أغنية عطر سقطت في المسافة ، وعاديات الهجير لظى .
لا تبحثي عن ساعتك وخُطا اللحظة مشلولة ، ويداي على ضفاف جبيني كالناظر إلى هوة بئر مظلمةٍ ، أعشاه فضول الشمس ، وأسئلة متراكمة في حويصلات ذاكرته المتخمة .. وتنهداته تُبدي ما أسرّ ذات وجوم
إني فُقدتُ وصرتُ منكِ مُضيَّعُ
........... قلِقٌ ،كئيبٌ ،حائرٌ ومفزّعُ .
ذاك المحرّك إنْ سمعتِ أزيزهُ
...... هو في الحقيقةِ قلبي المتفجّعُ.
سأكون مرفأَ ما تركتِ من الأسى
.......... ومحطَّ كل قساوةٍ لا تخشعُ .
ومنارةَ الشوقِ المضرّجِ فودَهُ
.......... وكفوفُ أيامِ التباعدِ تصْفعُ .
وفقيدَ ذاتٍ غادرتْ صدري إلى
........... ذاتٍ تملّكَها ، وليستْ ترجعُ .
كوني بخيرٍ واسمعي وتنشقي
........... روحا تطوّفُ بالفؤادِ وتسجَعُ .
فلأنها روحي أبيتُ بقاءَها
............... فيما تفرّقُهُ الحياةُ وتجمعُ .
تلكَ الجموعِ إلى المطارِ توافدتْ
............ لا يعلمونَ لأيِّ روحٍ ودعوا .
هل ودعوكِ مهلّلين بعودةٍ
.......... أم كفنوا روحي لديكِ وشيعوا
إني انتظارٌ ساجدٌ ،دعواتُه
........... عودي إلى قلبٍ بحبّكِ مُترعُ
بكِ نابضٌ يشدو بذكركِ ما ونى
........ كالطفلِ في حضنِ الأمومةِ يرتعُ
ياربِّ لو لي في الدعاءِ مُجابةٌٌ
............ هبها لها حِفظا وعنّي تُمنعُ