النص :
أقفُ هناك
كلَّما أبصرتُهم هنا
بيني وبينهم
غُصَّة وهمٍ
لقلبي ضفَّة
لا تشتهي أمواجهم
لهم شفةٌ
تلوِّح بالسواقي
ولي عطشٌ ككبرياء الرمال
بهم وجع الرياح
عندَ اندحار العاصفة
ولي قلق الغيوم
عندما يشيخ الندى !
لماذا إذًا
كلُّ هذا الهدى ؟!
*
يتراشقون الضوءَ
كأنَّه وصمةُ غارٍ
وأفترشُ الظلام
كصدر حبيبةٍ تهدِّد بالصحو !
... سَعلةُ نظرٍ
تفصلني عنهم
ويفصلهم عنِّي
زكام الرخام
...
شرخٌ في صرح
لا يرمِّمه الشَّرح
ولا يرأبُ صدعَه صدح
...
لهم قامةٌ تليق بالصمت
ولي قامةٌ
تزدهي بالخمول
بيننا
معاهدة ضلال مشترك
هم يروِّجون الكآبة
وأنا أقدِّس للنَّحيب
يرفعون الكُلفةَ
بينَ الليل والطيور
وأفتح نافذةً للعراء
يسبقوني
إلى شجرة المطر
وأختلس فاكهة النار
يرتِّبون أوراقهم
وأبري أقلامي
ينحتون دمعتهم
على أصول الرشاد
ولا أجرؤ على جرجرة ذيول الهيبة !
.. فمتى
ستُشهر الغربةُ
إفلاسي ؟!!
النقد :
دالة النص تاخذ المتلقي الى حيث التضاد بين فرد مصداقي وجمع مفهومي فرد يرى ان ما فيه من الم وشكوى لم يكن سببا فيها بل ولا يعرف منها شيئا لولا ذلك الجمع المفهومي الذي ينطبق في مفردات النص على البعض الذين وصفهم بحسب الرمز التكثيفي وهو نمط استخدمه الشاعر ككلية لبناء النص الذي يستند على مقوم الرمز التكثيفي ساعده في ذلك انتقاءات حداثوية الاستعارة لتاتي باختصار الافكار المدلولية وهو ما سنراه بوضوح من خلال الرؤية المقطعية للهيكل النصي
أقفُ هناك
كلَّما أبصرتُهم هنا
بيني وبينهم
غُصَّة وهمٍ
لقلبي ضفَّة
لا تشتهي أمواجهم
لهم شفةٌ
تلوِّح بالسواقي
ولي عطشٌ ككبرياء الرمال
بهم وجع الرياح
عندَ اندحار العاصفة
ولي قلق الغيوم
عندما يشيخ الندى !
لماذا إذًا
كلُّ هذا الهدى ؟!
*
فياتي الشاعر بالوقوف كنقطة ارتكازية للموضوع الكلي شارحا به تلك الجمل التي ستاتي بعده بهذا الاستهلال وعليه يؤسس الرؤية اللحظوية (( اقف هناك )) حيث لا حركة (( بيني وبينهم )) دالة الانشطار الفعلي وبه ترجمة المعنى السيميائي حيث تناص البرزخ واضح او تناص الجنة والنار يأخذ بعده الحركي التكويني لتكون تلك الاشارة الثانية التي تاتي اطنابا معنويا يحاول فيه تغيير الجو السائد او لنقل المتعارف بفكرة اخرى حيث يشكل من التناص مشهدا جزئيا حيث لا وجود لسعادة وشقاء بل شقائين لكل منهما وجهته
ولكنه يركز على المغايرة بتكثيف شكلي يستمر الى نهاية القصيدة محاولا ايصال المتلقي الى الفكرة الشمولية العاطفية المؤسسة تكوينا
فهم ... وهو (( شفة تلوح بالسواقي – عطش بكبرياء مدلول للمغايرة )) (( وجع الرياح – قلق الغيوم )) ويختم مقطعه الاول بمدلول الضلال بدلالة الاستفهام الاستنكاري بمعنى العدم ومن خلاله يستوعب بعض الصفات ويستطرد فيها – اشرنا اليه –
(( يتراشقون الضوء دالة الظلام مدلول تطبيقي – افترش الظلام )) وهو ما يؤكد الشقائين وكانه انتفاضة على الوضع القائم بهذه الكلمات الرمزية التي تدل على الاقل شجبا لما يدور من حوله وهنا يبدع الشاعر في تكثيف رمزه حتى لا يطال من أي جهة وكانه تقصد المعنى الغامض ولكانه يقول (( حتى بهذه لا اشبهكم )) ويستمر الشاعر على نفس المنوال وبنفس النمط حتى يصل الى نهاية القصيدة والتي وان اختلفت شكلا الا ان مضمونها يبقى واحدا في كل سطورها وقد استفاد الشاعر من الاستطراد والاطناب والمغايرة ليبقي وتيرة التصاعد على اشدها مكنه من ذلك الاستعارات والكنايات مضافا لبعض التشبيهات التي جعلت من النص زاخرا بها في اغلب المقاطع ولا نبعد ان نقول انها ثورة ضد اؤلئك الطغاة الذين لا يبالون بالفرد من اجل مصالحهم وبهذا يكون الشاعر مصداقا لمفهوم اوسع هو الشعب