"الغرفة المسكونة"
"أنت المستأجر الجديد إذاً؟" قالتها جارتي عندما مررت بها حاملاً أغراضي بإتجاه الغرفة التي أستأجرتها،كنت محظوظاً لأنني وجدت سكناً بهذه المنطقة التي تتواجد بها جامعتي و يندر بها تواجد السكن بسبب الاكتظاظ السكاني ، لو لم يكن المستأجر القديم قد انتحر كما قيل لي لما استطعت الحصول على هذه الغرفة ،فكما يقال " مصائب قوم عند قوم فوائد"
دخلت الغرفة ، كانت مرتبة كثيرا ،ولاتزال أغراض المستأجر القديم المدعو"رافي" وكتبه موجودة بالغرفة ،فلم يعثر بعد صاحب السكن على عائلة المتوفى ليعطهم أغراضه ،أشعلت شمعة وانتبهت للحظات على الأوراق المبعثرة على المنضدة ، لربما كان شاعراً، كنت متعباً،أستلقيت على السرير وغلبني الناس وغفوت ، ولكن صوتاًما أيقظني بعد منتصف الليل ، كان مصدره الخزانة ،بخطوات بطيئة تقدمت نحوها ، خطوة بعد خطوة كانت الأصوات تتعالى حتى أمسكت المقبض بيد مرتجفة فتوقف الصوت فجأة تحسست يد باردة على كتفي ألتفت حولي فتفاجأت بطيف لفتاة صغيرة بالعاشرة من عمرها ،صرخت مذعوراً وانطفئت شمعتي ، هرعت إلى الباب وحاولت أن أفتحه ولكنه كان موصداً بأحكام وضعت كلتا يدي على وجهي مردداً :لا وجود للأشباح ،لا وجود للأشباح
قالت بتهكم :ياله من عمل طفولي
رفعت يدي عن وجهي وقلت لها: من أنتي؟ ... ماذا تريدين مني؟
أجابت :من أنا ؟... هذا لا يعنيك!... ماذا أريد... أريد مساعدتك
فعادت وأشتعلت شمعتي لتقتل الظلام الدامس للغرفة
تريد مساعدتي ؟ ... مساعدتي بماذا هكذا تساءلت بدهشة وأنا أحدق بها
فقالت لي : كان رافي يعيش حياة الطالب الرتيبة ،ولكن شيئا ما تغير، لقد وقع بحب فتاة شغل اسمها كل أوراقه ، "ميرا" ، لم يعد الشخص ذاته الذي كانه قبلها ، الذي كان يخيم الضجر على حياته ، أصبح هنالك ما يجعله يستيقظ بحماسة بكل صباح مع ذلك الأحتمال الذي يسمى "قد أراها اليوم" ،أصبحت الأبتسامة الشفافة تتسلق على شفتيه وأنظاره تعبران النافذة إلى الشمس ،أصبح يجد بكتابة قصائد الحب لها متنفسه الوحيد بعد أن كاد عشقها يخنقه ،حتى عاد يوماً بغاية السعادة "لقد أحبت شعري !" ،هجر سريره ليبات الليل على الأوراق ملتفحاً بدفء ذكراها ،يعود إلى الغرفة جثة هامدة بعد أن يترك روحه معها ،حتى كتب بمذكراته أخيرا:
"أكتفيت! ،لم أعد قادر على الوقوف أكثر أمام عينيها دون الحصول عليهما ، الأمر أشبه بذوبان شمعة صغيرة تحمل نيران عظيمة ، أصدقائي باتوا يسئلونني بأستمرار عن سبب شحوبي ، وعن النقص المفاجئ والحاد لوزني ، عن سبب التغير الجذري لتصرفاتي ،ذكروني بمقولة ل فينسنت فان غوخ :"قد توجد ناراً عظيمة في أرواحنا ،لكن لا أحد يأتي ليستدفئ بها ومن يمرون بها لا يرون إلا خيطاً رفيعاً من الدخان !"
إنهم لا يعرفون إلا الشيء البسيط عن الذي ولد بداخلي وراح يتعاظم حتى ضاق جسدي به ، لابد من أن أجعلها أمرأتي ،أن أحصل على قلبها وأزجها بسجني وقد كانت من قبل سجانتي الساحرة !"
تسائلت :ولكن ماذا حدث؟
أجابتني : ذهب لخطبتها ولكن والدها ردّه خائباً عند باب بيتها تساقطت شظايا قلبه طوال طريق عودته من بيت ميرا ،انهار على منضدته باكيا ، كان محطما للغاية ، أخرج ورقة بيضاء وكتب عليها رسالة لحبيبته
أشارت إلى ورقة على المنضدة فأمسكتها وقرأت ما بها :
"أردت أن يحرمني الله من كل شيء سواكي ، ولكن هذا مالم يحصل ، أنا لن أكون رجلك وأنتي لن تكونين امرأتي ، ربما بحياة أخرى ولكن بليس هذه الحياة ،هكذا قال لي والدك عندما أمرني بعدم الأقتراب منك مرة أخرى لا أستطيع أن أعيش يوما دون أن أرى وجهك فيه ،سيغرز الألم أنيابه بقلبي عندما سأراكي مع رجل آخر ، قررت أن أقتل نفسي مرة قبل أن أقتل آلاف المرات ، فكلما سألمح عيناكي اللتان لن أملكهما أبدا سيقتلانني بقسوة ، أكتب رسالتي الأخيرة ،حيث لا أحد بهذه الليلة الكئيبة حولي ، لا ايادٍ لتمسح دموعي ،لا آذانٍ لتسمع أنيني ،فقط نصل خنجر لينهي معاناتي ،حتى وأن قتلت نفسي فلن يتوقف قلبي عن النبض باسمك ،أحبك ... آخر كلمة سأرددها ، وآخر دمعة سآذرفها ، وآخر قطرة دم سأنزفها"
أكملت : وبعدها صعد للسطح وألقى بنفسه من هناك ،ربما كان بفعله هذا هو حساس ، مجنون ... بكلتا الحالتين هو شاعر!
التفت إلى الطيف بعد أن قرأت الرسالة وأنا أحاول أن أستوعب ما تريده مني وقلت :أنت تريدين مني أن أوصل الرسالة
أجابت :بالضبط ، باتت كوصية أخيرة بالنسبة لي
أخذت الرسالة الى بيت ميرا من خلال العنوان الذي دونه رافي على منضدته ،كان الوقت باكرا بالصباح ،وعندما وصلت للبيت كانت ميرا ترتدي حذائها أمام باب بيتها على رأس الدرج المؤدي للشارع ،وقفت وناديتها فأجابت من فوق : من أنت وماذا تريد؟
أجبتها : أنا صديق رافي وقد جئت ...
قاطعتني بغضب :رافي ،رافي ،رافي ! .... ألم يصرخ بوجهه أبي كما طلبت منه ، ألازال يريد خطبتي؟!
قلت بدهشة : أنتي من طلبتي من والدك أن يطرده ، ألم تحبيه قط ؟
أجابت :أنا؟ ... لا!،كنت أحب أشعاره التي كانت تشعرني بأنني أميرة وأجمل أميرة ،ولكنني لم أحبه ، أعرف أنه فاتنا وشاعرا ، ولكن أوراقه لن تستحيل خبزاً ، ثم أن جماله لن يستحيل جواهراً أزين بها يداي ومعصماي ،أنه فقير جدا وليس كخطيبي "كارم" الذي سيقيم لي حفلا أسطوريا ومجموعة رائعة من الجواهر وشهر عسل ب باريس وروما ، وسنعيش سويا بقصره الفخم مع خدمه وماله ، أترى كيف أن المال سيسعدني ؟...فليرحل رافي وحبه لي ... مع فقره!
نظرت إليها بحنق ومزقت رسالة رافي وقلت لها غاضبا : أعرف أناس كثيرون قتلوا أنفسهم من أجل أسباب لا قيمة لها مثلك تماما وآهٍ لو كانو يعلمون!...
رميتها بفتات الورق وعدت أدراجي بخطوات غاضبة من عجرفتها وحماقته
#براءة حسين
"أنت المستأجر الجديد إذاً؟" قالتها جارتي عندما مررت بها حاملاً أغراضي بإتجاه الغرفة التي أستأجرتها،كنت محظوظاً لأنني وجدت سكناً بهذه المنطقة التي تتواجد بها جامعتي و يندر بها تواجد السكن بسبب الاكتظاظ السكاني ، لو لم يكن المستأجر القديم قد انتحر كما قيل لي لما استطعت الحصول على هذه الغرفة ،فكما يقال " مصائب قوم عند قوم فوائد"
دخلت الغرفة ، كانت مرتبة كثيرا ،ولاتزال أغراض المستأجر القديم المدعو"رافي" وكتبه موجودة بالغرفة ،فلم يعثر بعد صاحب السكن على عائلة المتوفى ليعطهم أغراضه ،أشعلت شمعة وانتبهت للحظات على الأوراق المبعثرة على المنضدة ، لربما كان شاعراً، كنت متعباً،أستلقيت على السرير وغلبني الناس وغفوت ، ولكن صوتاًما أيقظني بعد منتصف الليل ، كان مصدره الخزانة ،بخطوات بطيئة تقدمت نحوها ، خطوة بعد خطوة كانت الأصوات تتعالى حتى أمسكت المقبض بيد مرتجفة فتوقف الصوت فجأة تحسست يد باردة على كتفي ألتفت حولي فتفاجأت بطيف لفتاة صغيرة بالعاشرة من عمرها ،صرخت مذعوراً وانطفئت شمعتي ، هرعت إلى الباب وحاولت أن أفتحه ولكنه كان موصداً بأحكام وضعت كلتا يدي على وجهي مردداً :لا وجود للأشباح ،لا وجود للأشباح
قالت بتهكم :ياله من عمل طفولي
رفعت يدي عن وجهي وقلت لها: من أنتي؟ ... ماذا تريدين مني؟
أجابت :من أنا ؟... هذا لا يعنيك!... ماذا أريد... أريد مساعدتك
فعادت وأشتعلت شمعتي لتقتل الظلام الدامس للغرفة
تريد مساعدتي ؟ ... مساعدتي بماذا هكذا تساءلت بدهشة وأنا أحدق بها
فقالت لي : كان رافي يعيش حياة الطالب الرتيبة ،ولكن شيئا ما تغير، لقد وقع بحب فتاة شغل اسمها كل أوراقه ، "ميرا" ، لم يعد الشخص ذاته الذي كانه قبلها ، الذي كان يخيم الضجر على حياته ، أصبح هنالك ما يجعله يستيقظ بحماسة بكل صباح مع ذلك الأحتمال الذي يسمى "قد أراها اليوم" ،أصبحت الأبتسامة الشفافة تتسلق على شفتيه وأنظاره تعبران النافذة إلى الشمس ،أصبح يجد بكتابة قصائد الحب لها متنفسه الوحيد بعد أن كاد عشقها يخنقه ،حتى عاد يوماً بغاية السعادة "لقد أحبت شعري !" ،هجر سريره ليبات الليل على الأوراق ملتفحاً بدفء ذكراها ،يعود إلى الغرفة جثة هامدة بعد أن يترك روحه معها ،حتى كتب بمذكراته أخيرا:
"أكتفيت! ،لم أعد قادر على الوقوف أكثر أمام عينيها دون الحصول عليهما ، الأمر أشبه بذوبان شمعة صغيرة تحمل نيران عظيمة ، أصدقائي باتوا يسئلونني بأستمرار عن سبب شحوبي ، وعن النقص المفاجئ والحاد لوزني ، عن سبب التغير الجذري لتصرفاتي ،ذكروني بمقولة ل فينسنت فان غوخ :"قد توجد ناراً عظيمة في أرواحنا ،لكن لا أحد يأتي ليستدفئ بها ومن يمرون بها لا يرون إلا خيطاً رفيعاً من الدخان !"
إنهم لا يعرفون إلا الشيء البسيط عن الذي ولد بداخلي وراح يتعاظم حتى ضاق جسدي به ، لابد من أن أجعلها أمرأتي ،أن أحصل على قلبها وأزجها بسجني وقد كانت من قبل سجانتي الساحرة !"
تسائلت :ولكن ماذا حدث؟
أجابتني : ذهب لخطبتها ولكن والدها ردّه خائباً عند باب بيتها تساقطت شظايا قلبه طوال طريق عودته من بيت ميرا ،انهار على منضدته باكيا ، كان محطما للغاية ، أخرج ورقة بيضاء وكتب عليها رسالة لحبيبته
أشارت إلى ورقة على المنضدة فأمسكتها وقرأت ما بها :
"أردت أن يحرمني الله من كل شيء سواكي ، ولكن هذا مالم يحصل ، أنا لن أكون رجلك وأنتي لن تكونين امرأتي ، ربما بحياة أخرى ولكن بليس هذه الحياة ،هكذا قال لي والدك عندما أمرني بعدم الأقتراب منك مرة أخرى لا أستطيع أن أعيش يوما دون أن أرى وجهك فيه ،سيغرز الألم أنيابه بقلبي عندما سأراكي مع رجل آخر ، قررت أن أقتل نفسي مرة قبل أن أقتل آلاف المرات ، فكلما سألمح عيناكي اللتان لن أملكهما أبدا سيقتلانني بقسوة ، أكتب رسالتي الأخيرة ،حيث لا أحد بهذه الليلة الكئيبة حولي ، لا ايادٍ لتمسح دموعي ،لا آذانٍ لتسمع أنيني ،فقط نصل خنجر لينهي معاناتي ،حتى وأن قتلت نفسي فلن يتوقف قلبي عن النبض باسمك ،أحبك ... آخر كلمة سأرددها ، وآخر دمعة سآذرفها ، وآخر قطرة دم سأنزفها"
أكملت : وبعدها صعد للسطح وألقى بنفسه من هناك ،ربما كان بفعله هذا هو حساس ، مجنون ... بكلتا الحالتين هو شاعر!
التفت إلى الطيف بعد أن قرأت الرسالة وأنا أحاول أن أستوعب ما تريده مني وقلت :أنت تريدين مني أن أوصل الرسالة
أجابت :بالضبط ، باتت كوصية أخيرة بالنسبة لي
أخذت الرسالة الى بيت ميرا من خلال العنوان الذي دونه رافي على منضدته ،كان الوقت باكرا بالصباح ،وعندما وصلت للبيت كانت ميرا ترتدي حذائها أمام باب بيتها على رأس الدرج المؤدي للشارع ،وقفت وناديتها فأجابت من فوق : من أنت وماذا تريد؟
أجبتها : أنا صديق رافي وقد جئت ...
قاطعتني بغضب :رافي ،رافي ،رافي ! .... ألم يصرخ بوجهه أبي كما طلبت منه ، ألازال يريد خطبتي؟!
قلت بدهشة : أنتي من طلبتي من والدك أن يطرده ، ألم تحبيه قط ؟
أجابت :أنا؟ ... لا!،كنت أحب أشعاره التي كانت تشعرني بأنني أميرة وأجمل أميرة ،ولكنني لم أحبه ، أعرف أنه فاتنا وشاعرا ، ولكن أوراقه لن تستحيل خبزاً ، ثم أن جماله لن يستحيل جواهراً أزين بها يداي ومعصماي ،أنه فقير جدا وليس كخطيبي "كارم" الذي سيقيم لي حفلا أسطوريا ومجموعة رائعة من الجواهر وشهر عسل ب باريس وروما ، وسنعيش سويا بقصره الفخم مع خدمه وماله ، أترى كيف أن المال سيسعدني ؟...فليرحل رافي وحبه لي ... مع فقره!
نظرت إليها بحنق ومزقت رسالة رافي وقلت لها غاضبا : أعرف أناس كثيرون قتلوا أنفسهم من أجل أسباب لا قيمة لها مثلك تماما وآهٍ لو كانو يعلمون!...
رميتها بفتات الورق وعدت أدراجي بخطوات غاضبة من عجرفتها وحماقته
#براءة حسين